• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة في نص بيادر الانتظار للاديب شينوار ابراهيم .
                          • الكاتب : عايده بدر .

قراءة في نص بيادر الانتظار للاديب شينوار ابراهيم

 شمس الصيف تتربع على عرش السماء تجعلني أهطل عرقا في بيادر حقول العدس ....دقات قلبي ترقص حزنا لفراقنا وأنا اعزف سيمفونية الرحيل إلى عالم آخر ...عالم الحرية... عالم الرفاهية ....ربما سيكون غريبا... رسمته في مخيلتي.... رحت أبحر في فضاءات هذا العالم وأنا أتلفت وامتص نظرات عيونها تدمع حزنا وهي تحصد بمنجلها سربا من شتلات العدس... تكاد تبكي... تصرخ... تقول لا لن اسمح لك أن تغادرني.....قالتها وهي تجز بعنف أوراق العدس بذلك المنجل الذي هوّنت من حرارته دموعها التي ذرفت ،تعاود العمل كي تخفي انتكاساتها ولكي لا أحس بكاء قلبها.... دقائق الوداع تقترب.....صمت مع حر الصيف و مطر من عرق جبينها ووجوه ترسم الكلمات دمعا... اقتربت مني .....رمت بمنجلها على الأرض وفتحت ذراعيها .... احتضنتني بكل ما فيها من دفقات رعب الفراق .... وبكت...لا لا لا لن ترحل ستبقى هنا يا ولدي.....بكاء..وصمت يغردان مع حر الشمس و العرق وهي تتهادى وتردد في خلجاتها أغنية الفراق في بيادر العدس....مسحت بيديها العرق المتسرب من جبيني و قالت لي .... اذهب ...ارحل يا ولدي ....فنحن هنا نموت كل يوم .....ارحل كي تعيش وتكبر وتتعلم وتعود إلي.. كنت أحث الخطى وأراقب نظرات عينيها وكأنها تقول هذا هو الوداع الأخير.... غادرت أمي.....غادرت حقل العدس.... غادرت القرية ... و البلد .... وفي ذهني أن أعود لها وأنا محمّل بالعلم والمعرفة رزمت شهاداتي وأوراقي التي كنت احلم بها وارجع إلى أمي لكني لم أوفق في رحلة العودة كونها غادرت بيادر العدس والحياة وعدت ارجم خطاي التي لم تسعفني ولو بنظرة الوداع التي لطالما كانت مناي ، لكن لا بحار أوربا ولا أريج حدائقها سيكون بديلا عن حنانك وعطر قطرات العرق التي ينزفها جسدك في بيادر الزرع....
شينوار ابراهيم
 
القراءة / عايده بدر
 
" بيادر الانتظار "
شلالات دموع تنهمر تخفيها شتلات العدس و منجل في يد الأم تود لو تحصد به كل تلك الزفرات التي تطبق على صدرها و هي حائرة مترددة أتترك وليدها - كما تراه دائما - لوحش الغربة ينهش في ذاته فلا يبقي منها ما يجعله حريصا على عودته لها و لهذه الأرض التي ترتوي الآن من حبات مزيج من دموع و حبات عرق أشعلتها الشمس التي تشرق في جبينها الآن أم تقسو على حلمه الذي يرفرف له قلبه بأن يبتعد عن مثل هذه الحياة التي تعلم هي كم يموت من يحياها في اليوم ألف مرة و هل بجلوسه بين يديها ما سيشفع لها عندما يفكر بأحلامه و يراها تلوح له من بعيد دون أن يلمس منها شيئا ؟ 
مع كل ضربة منجل تود لو كانت قادرة على حصد هذا الألم من طريقه .. تود لو روت له بحبات عرقها أرضا تتفتح فيها براعم أحلامه و أن لا يغادر دفء صرها و لكن هيهات تفعل بنا الأيام و هي تأخذ منا أكثر مما تعطينا
كل الأحلام تتراقص في عينيه الآن بقوة ذلك النور الذي يأتيه من على الشاطىء الآخر يلوح له بمستقبل بعيد .. بحياة أخرى يستطيع أن يسافر و أن يحمل وطنه في قلبه .. يستطيع أن يعود محملا بما لم تعد تطرحه أرضه من ثمار الحلم بالنجاح و العلم الحديث .. يستطيع و يستطيع ووو يفيق على حضن أمه يصرخ فيه ألا يغادر فلربما لن تعود مثل هذه الأيام من جديد و يداها تدفع به نحو الغربة ليصنع عالما جديدا .. أي صرخة مكتومة كانت تتأجج في صدرها و أي خفقات ألم كان الكون يسمعها في صدره حين كان الوداع تركها و بيدها منجلها تحصد به بقية لأيام تشابهت في غيابه و شمس تلسع بسياطها نبتات عمرها المتبقية
و ها هو يعود مشرق الوجه حاملا كل الوعود يبحث عن ذات المنجل ليحصد به ألم غربته و عن ذلك الصدر ليطفىء فيه شوق البعد لكن من أسف يبدو أن منجل القدر كان أسبق إليها منه فحصد روحا طاهرة لم تتعطر عيناه بنظرة أخيرة منها و ظل عطر الكون كله في عينيه لا يثمل روحه مثل حبات العرق تلك التي مسحتها ذات وداع بعيد من فوق جبينه ...
" بيادر الانتظار " العنوان يأخذ بلب القارىء فالبيادر حيث ترتبط دائما بالخير الوفير و الاطمئنان مما يعطي ايحاء ضمنيا بالراحة لكن المفاجأة هنا أن البيادر ما هي الا بيادر انتظار ...فهل في الانتظار خير ما ؟ أكوام انتظار نختزنها فكم كان وقع هذا العنوان قاسيا و هذا ما يدفع المتلقي للدخول في حالة مسبقة من الألم ربما هي تمهيد لما سيأتي
رغم أن مفتتح النص يوحي بشيء من الراحة و الدفء يبثها المكان حيث حقول خضراء و ضوء شمس اشتعلت فأوقدت الجبيبن بحبات عرق و دفء يكمل ضوء النهار لكننا نلمح هنا قدرا هائلا من الألم و رغبات الذات و الأحلام التي تسقط تحت منجل الحياة فهذه الأرض لم تعد تطرح إلا موتا يوميا .. شحت فيها بذور الأمل و انقطع عنها نهر الحياة . 
الأم / الأرض / الوطن كلها أسماء لذات المعنى هذا الحضن الذي يفتح ذراعيه ليستقبلنا و هو من نرتمي بداخله حين نتعثر بحصى الأيام و أحجار العمر ... جدلية العلاقة بين الأم و الإبن من حيث الارتباط العاطفي بين كائنين تواصلا عبر حبل سري لا ينقطع بانفصال جسدين عن بعضهما البعض فامتداد الأصل للفرع يعني أن أي ألم أو فرح أوووو يشعر به طرف لابد و أن يكون له صداه عند الطرف الأخر فربما يمكننا من هنا أن نفسر حيرة الأم و تردد موقفها بين طلب و رجاء و أمل فما بين أن يعدل عن السفر لخوفها و ادراكها لألام الغربة و محنتها و ما بين دفعها له للسفر تحقيقا لحلم تراه يتراقص في عينيه و هي تدرك جيدا أن هذا الامتداد سيغادرها و لربما تصبح هذه الصورة الكائنة بينهما هي آخر ما تقع عليه أعينهما . 
لهذا أرى الكاتب قد نجح في رسم هذا الألم الناتج عن الغربة و الفراق و زرع الحلم في أرض بعيدة بينما تصفر أرض الوطن و تتشقق من هجرة الأبناء كما اصفر قلب الأم من ذلك و فقدان الأحبة في رحلة الاغتراب و عودة ربما تحمل من مباهج الدنيا الكثير لكنها تفتقد لهذا العطر الذي لا يتكرر بعد فقدانه " حبات عرقها " .
 
عايده بدر
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20683
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18