• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عليٌّ ومحبّوه .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

عليٌّ ومحبّوه

    من امراضنا المستعصية – شافانا الله منها وعافانا – اننا لا نتذكر الراحلين حتى وان كانوا بقامة علي بن ابي طالب "ع" الا في يوم ذكرى الرحيل . ولعل ابا الحسن عليا "عليهما السلام " اصاب شيئا من الحظ هذه المرة عندما اجلت قوته الجسدية الهائلة موعد وفاته لنحو يومين او اكثر عن اللحظة التي فلقت بها هامته الشريفة . فاصبح الاحتفاء بوفاته ثلاثة ايام سويا تقام فيها مجالس لذكر فضائله وتشق الجيوب وتلطم الصدور وربما تشج بعض الهامات . ثم تسدل الستارة ، لحين حلول التاسع عشر من رمضان المقبل وهكذا . ولا يخرق هذه القاعدة الراسخة رسوخ الاطواد الا الثالث عشر من شهر رجب حيث تستبدل الاقمشة السوداء باخرى ملونة ، واللطميات بالهتافات ، واللطم بالتصفيق ، وشج الرؤوس بهزها طربا بالاهازيج ، والمراثي بالمدائح . قلت واقولها الان وساكررها لاحقا - ان شاء الله - انني متصالح مع نفسي ولا اشعر بان حزنا يعتريني في هذه الذكرى . وهو بالنسبة لي يوم كسائر الايام . فمثل علي "ع" يجب ان يرحل عن هذه الدنيا التي جرعته المرارات بمثل هذه الغيلة التي كشف الرسول "ص" له شيئا من تفاصيلها . والا كيف لنا ان نتصور رحيلا للامام يتناسب وهامته التي تعانق السماء ؟ انريد له ان ايموت حتف انفه وهو قاهر الابطال في عمر لم يبلغ به الحلم ؟ ثم اذا كان هو يقسم برب الكعبة بتحقيق الفوز ...  فما بالنا نتبارى في اظهار الحزن على هذا الفوز العظيم  . وحسب عليا "ع" انه ضرب في ليلة قدر محتملة ورحل جسدا في ليلة قدر محتملة اخرى ... اما لولادته فقصة اخرى .. وبين هذه وتلك لم يحقق بشر ما حققه الامام في العقود الستة من عمره ... فمن احرانا بالبكاء عليه ؟ عليٍّ ام انفسنا . ومن نافلة القول ان تجاهلنا لروح عظيمة كعلي "ع" ليس بضاره شيئا ، انما الضرر كل الضرر عائد الينا – نحن المتعطشين لايمانه وعدله وشجاعته وكرمه وزهده وعلمه وادبه وعظمته و.و.و.و.و الى ماشاء الله من واوات العطف التي لا تنتهي وهي تستعرض بزهو فضائل وخصائص علي بن ابي طالب "ع" – وأي ضرر سيلحق بامة تدير وجهها لمخلوق كل ما فيه استثنائي ووصف بانه احدى معاجز النبي "ص" ،  ولم يزل بعد مرور اربعة عشر قرنا على رحيله مؤثرا في مفاصل حياة محبيه . فاذا قرات نصا بليغا انتصبت امامك بحروف من نور خطب الامام في صفحات نهج البلاغة، واذا سمعت عن فروسية نادرة رسمت مخيلتك صورة لذو الفقار وباب خيبر وعمرو بن ود ومرحب وعمرو بن العاص . واذا حكي لك عن زاهد في عصرنا ارسلت عيونك للكوفة تتلمس اثار نعلي الامام . واذا تناهى الى سمعك عن عالم يشار اليه بالبنان تقافزت امامك احرف "انا مدينة العلم وعلي بابها" ، واذا انتقل الحديث الى الحكمة تراءت قدامك صورة علي "ع" التي رسم كل منا ملامحها في شغافه بطريقته الخاصة . واذا دار الحديث عن الايمان راح قلبك يتلمس جدران المحراب الذي كان يتململ فيه الامام تململ السليم . واذا دار الحديث عن العبودية المطلقة لله سيدهمك شئت ام ابيت قوله "كفى بي عزا ان اكون لك عبدا " واذا جاء حديث التقشف في العيش تذكرت تضور الحسن والحسين "عليهما السلام" جوعا وابوهما فاتح الاسلام الاول ، واذا انساق الحديث الى العزوف عن الدنيا وزبرجها نطت امامك "غري غيري " ، واذا جرى الحديث عن العدل رحت تقارن بمثلٍ اعلى ضربه ابو الحسن في المساواة لم ترق اليه البشرية المتحضرة حتى اليوم . حتى ان قصصا خرافية لا تصمد امام الدليل حيكت ومازالت تتوالد عن عدل علي الذي لامس تخوم الخرافة . كل هذا العطاء الانساني الثر الذي تجمع في روح واحدة "تنزهت عن عرض المطمع" - كما يقول الجواهري - مازال تعاطينا معه لا يتجاوز حدود العاطفة التي لا تغني ولا تسمن ، فنحن امة لا تتذكر واذا تذكرت فهي لا تتاثر الا بحدود ما تتطلبه التفاتة قلب فقط والتي لا تتجاوز - في احسن حالاتها - يومي الولادة والوفاة . اما تعاملنا العقلي مع نموذج رفيع كعلي "ع" فهو معطل الى اشعار آخر قد لا ياتي حتى يرث الله سبحانه وتعالى الارض ومن عليها .  قبل عشرة قرون قال الخالد "الصاحب بن عباد" وهو يقترب من نهاية قصيدته في مدح امير المؤمنين التي نظمها في اغلب الظن كحوار داخلي مع النفس : قالت اكلُّ الذي قدْ قلتَ في رجل ٍ... فقلتُ كلُّ الذي قد قلتُ في رجل ِ... وهو البيت ما قبل الاخير والذي جاء بعد ذكر سلسلة من فضائل وخصائص علي بن ابي طالب (عليهما افضل الصلاة والسلام) . هذه الخصائص المجموعة بهارمونية مذهلة في كيان واحد نحن نحفظها عن ظهر قلب وباعتزاز كما نحفظ اسماء عماتنا ... وننتظر على احر من الجمر اندلاع نقاش حولها لنتلوها كالببغاوات كاملة غير منقوصة . لكن وهنا دائما تكمن  اللعينة "لكن " ، من منا سعى اويسعى لتمثل جانب من هذه الفضائل في سيرته اليومية ؟ سؤال اطرحه على نفسي الامارة بالسوء قبل الاخرين . واعدكم بانني ساقدم الرد عليه في شهر رجب الذي سياتي بالعجب . والى ذلك الحين سيغلق هذا الملف الذي لو كان جزء منه عند غيرنا لتحول الى مادة علمية في المناهج الدراسية ينتهل من معينه طلاب العلم ويغترف من ورده عشاق الحقيقة الموجودين في كل زمان ومكان.           

 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20514
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20