• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : جدوع ينام مستيقظا .
                          • الكاتب : ماجد الكعبي .

جدوع ينام مستيقظا

في مدينة ترقد باسترخاء وعفوية على ضفاف نهر الغراف ,  هي مدينة قلعة سكر هذه المدينة الخالدة المخلدة عبر التاريخ ,  والتي يفوح منها عطر الثقافة والفن والإبداع والأدب والأدباء. 
في مطلع عام 1962 ولد طفل لأبوين كانت تقوم حياتهم على الكفاف والعوز سماه والده ( علي ) فأصبح اسمه علي جدوع جواد. كان علي يملك شغفا كبيرا بالتطلع للأشياء بعينين مغمضتين ليحيل حكايات المرحوم والده التي كان يرويها له وهم في جلسة سمر تحيطهم ( منقلة الفحم وتقيهم برد الشتاء القارص حيث يحلو الحديث ) وبعد انتهاء والده من سرد حكايته الدافئة وبمجرد أن يضع علي رأسه على الوسادة يخال له انه هو بطل القصة التي رواها والده ليحيلها إلى حلم ذو شكل خاص ومزاج أخر .. لايمت إلى طبيعتها الجامدة البسيطة بصلة أو علاقة. وحين تحاصره الحقائق بوجهها المتذمر أو ترفع صوتها بوجه ينسل بهدوء إلى ضفة النهر ( الغراف ) ليرمي دمعتين في كف الماء .. ثم يعود متأبطا ذراع حكاية شعبية أو حلم سينمائي كما يسميه ساخرا لأنه يعرف مسبقا بان كلمة فلم تحتاج إلى شخص أخر يمسك بذراعها ويجيد فن أدواتها من ورق وقلم ويجيد لعبة الأرقام والإضافة والطرح. ولا يفوتني أن الفنان علي جدوع كان يحمل عقلا خصبا لما يصب إليه أو يطمح لمناله ولكن للعمر والمرحلة دورا حال دون ذلك.
 وفي الربيع الثالث عشر حيث دخل المتوسطة تفجرت طاقاته واخذ يحول الأحلام إلى واقع وان وقوع مسرحية هاملت , ومكبث , ويوليوس قيصر , و إتيانه على روايات تشارلز يكنز البريطاني , وتولستوي , ودستوفسكي. كل ما تقدم من كتب ورويات ومسرحيات جعلت منه صديقا وقريبا لإبطالها واخذ يجيد ويمثل أدوارهم بشخصية واحده على مسرح جمهوره هو. وفي محض الصدفة وفي صف الثالث المتوسط وقع في يده كتاب أعداد الممثل لستانسلافسكي , الروسي
حيث مازال يحتفظ بالكتاب وذلك لأنه كان يجمع مصروفه اليومي من اجل الوصول لثمن الكتاب الذي كانت قيمته ديناران في عام 1979. ومن سوء القدر وبعيدا عن ما يطمح إليه ويتناغم مع أفكاره وهوايته سيق جبرا بعصا والده إلى دار المعلمين في الناصرية وكانت عينه تصرخ أريد معهد الفنون الجميلة وبح صوته لكن دون جدوى . وخلسة ومخاتلة من دون أن يشعر أباه درس الاثنين معا دار المعلمين والدراسة الإعدادية فرع الخارجي لكي تكون دراسته مقدمة لدخوله الأكاديمية وكانت نتائج إصراره - الدراماتيكي - هو نجاحه في الدار والإعدادية في سنة واحدة. وهنا ابتسامة اعتلت شفة علي جدوع هي ابتسامة تحقق ما حلم به واقترب من طموحه وهوايته وأمنيته التي كانت ترقص في عالم الخيال أمنية التمثيل . حيث قبل في أكاديمية بابل للفنون الجميلة عام 1982 .. وفي كلية الفنون نال أعجاب أستاذه الدكتور عماد عبد الصاحب وأستاذه الدكتور عقيل مسلم وحظي بتشجيعهم ودعمهم ومساعدتهم وكانت الولادة عبارة عن تمثيله مسرحية باسم (( قصة حديقة الحيوان)) دور جيري الذي يصعب إجادته لمبتدي في عالم المسرح ثم أردفها بمسرحية ( ضوء القمر ) و ( تيمور لنك ) (واسكريال) التي قادته إلى المهرجان الثالث لجامعات دول الخليج في الأمارات العربية المتحدة عام 1986 والتي اذكر المقولة التي قالها الناقد المسرحي الخليجي ( محمد العجمي ) وهي اشعر كان فرقة شكسبير تمثل على المسرح. وبعد فرحة التخرج وجد نفسه جنديا تسوقه عصا الحرب الطاحنة والتي ليس له فيها ناقة ولأجمل حيث حسب معرفتي به كان جنديا فاشلا بامتياز وذلك لأنه لا يجيد استخدام السلاح حتى يومنا هذا فاثر عليه استخدام فرشاة تنظيف السلاح للرسم وبفضل فرشاة السلاح أقام الفنان علي جدوع معرضين شخصيين للرسم في سنة واحدة وعلى أشهر قاعات بغداد وهي قاعة التحرير والمتحف الوطني وعرضه لمعرضه اثأر حفيظة الفنان سعدي عباس حيث أمر بتغير اسمها من قاعة المتحف الوطني لاسم قاعة النصر متحججا بانها قاعة الرواد من كبار الفنانين ولا يحق لغيرهم بنشر أنشطة إبداعهم فيها ( انظروا الأنانية). وكان لمعرضيه حظا أوفرا مع الفنانة الكبيرة نزيهة سليم الشقيقة للفنان جواد سليم والفنان المرحوم شاكر حسن أل سعيد والأستاذ الدكتور فاخر محمد والدكتور عاصم الأمير. واستقر بعد توقف الحرب الطاحنة ممارسا مهنة التعليم وتدريس المادة الفنية لاهثا خلف رزق عائلته والسعادة تغمره لأنه يمارس تدريس هوايته المفضلة ولكن أزلام الحزب وكعادتهم مع الآخر غصغصوا عليه فرحته وبسبب عدم انتمائه لهم ولحزبهم حيث عملية الإقصاء والتنقل المتعمد من مدرسة الى مدرسة ومن مدينة إلى أخرى أثقلت كاهله و وشحت طموحه بالسواد وكان جوابه لهم عندما يستدعوه من اجل الانتماء يقول( أنا مجنون ولا أصلح للسياسة ) وكان بمنجاة وهو أعقل المجانين. وفي عام 1999 حيث استدعي لخدمة الاحتياط فول وجهه صوب بغداد هاربا من القدر المحتوم تاركا خلف ظهره البوابة الشرقية وألاعيبها كما يسميها. وفي بغداد تسلل خلسة إلى دائرة السينما والمسرح وبمساعدة من الفنان المخرج المعروف صلاح كرم حيث اشترك في مسلسل أشهى الموائد في مدينة القواعد من اخرج عماد عبد الهادي ومن ثم اشترك في مسلسل صندوق الحكايات من إخراج الفنان فيصل الياسري. وحسب معرفتي بهذا الرجل الفنان العتيد الذي اعبر عنه بالنخلة , أو يشابهني بعدم إجادة لعبة المحاباة والمجاملة والطبطبة على الأكتاف الخاوية ولا يجيد فن التملق .
 
 عاد علي جدوع إلى مدينته قلعة سكر بخفي حنين مكتفيا بوظيفة التدريس وخيم عليه كابوس الإحباط وعدم تحقق ألاماني وحصر الفنان المبدع جدوع في زاوية لم يصلها الضوء وأعتكف داره المتواضعة بعيدا عن الفضوليين.
 
 
 
 وعند عودتي لوطني العراق بعد فراق ناهز الربع قرن قضيته في الغربة والمهجر ومن باب الصدفة وجدت هذا الرجل يحمل مسجلا يسجل من خلاله أصوات الناس والحيوانات ومن باب الفضول الإعلامي والصحفي سألته ماذا تصنع ..؟ أو ماذا تريد بعملك هذا .؟ فأجابني : أريد أن انقل معاناة الناس وهمومهم ومشاعرهم دون أن يشعرون. وأحولها إلى قصص ومواضيع وروايات وأفلام ينتفع من خلالها الأخر أو قد تجد لها مساحة للنشر والتمثيل ,  ومن خلال هذه الدقائق المعدودات التي جمعتنا أصبحنا وكأنما وجد الأخر ضله حيث التناغم الثقافي والفني المكنون في أنفسنا الحائرة. واخذ احدنا يتفقد الآخر وكانت حصيلة هذه العلاقة والقرب هو مساعدته لاستعادة الثقة بنفسه وبناء جسور الصلة مع الآخرين ومع أفكاره التي أثقلها التشرد والتطاير من زاوية إلى أخرى فقدمته في المهرجان الحسيني الأول الذي أقيم في قلعة سكر كباحث في الثورة الحسينية وفي المهرجان الحسيني الثاني كممثل لشخصية شريرة كان تكون يزيد حيث نال دوره اهتمام كبار الضيوف وعلى رأسهم السيد جابر الجابري الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية حيث وصفه بالرجل الطيب وكذلك في مؤتمر القلعة قدمته كحكاياتي حيث أبدع في ذلك وقدم خمسة شخصيات في إن واحد ومشهد واحد وعرض من خلال وقائع المؤتمر الذي بثته قناة العراقية .
 
 
 
 الفنان علي جدوع اليوم يكتب أفكاره وينشرها عبر الصحف والمواقع وهو مدير فرقة مسرح القلعة وهو الناشط الأول في جميع الندوات والمؤتمرات وكله أمل أن تصله دائرة الضوء دون أن يذهب إليها .
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=1976
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18