• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مطارات طائفية مريضة .
                          • الكاتب : كاظم فنجان الحمامي .

مطارات طائفية مريضة

لا نريد الإشارة إلى تلك المطارات والمنافذ الحدودية بالأسماء والمواقع, فاللبيب بالإشارة يفهم, لكننا نريد أن نسلط الضوء على مستويات المنغصات, التي بلغتها المطارات في بعض الأقطار العربية والإسلامية, ولابد لنا من كشف تعاملها الحصري المعيب مع العراقيين الوافدين إليها, أو المارين بها عبر بوابات الترانزيت, حتى بات العراقيون على علم مسبق بهذا الاضطهاد الطائفي, فما أن تهبط الطائرة على المدرج, ويتوجه الركاب إلى بوابات العبور, حتى يكون ضابط الجوازات بالمرصاد, ليوجه السؤال التالي لكل عراقي أو عراقية:-

((هل أنت شيعي أم سني ؟؟))
 
تتعطل هنا لغة الكلام عند كل مسافر عراقي, يتلعثم ويشعر بالإحراج, فيقف مصدوما مندهشا حائراً, لا يدري بماذا يجيب, وكيف يجيب, ولماذا يجيب على هذا السؤال الغبي ؟؟. .
 
سؤال استفزازي أشبه بالقنبلة الموقوتة تفجره إدارات المطارات والمنافذ الحدودية الطائفية بوجه العراقيين على وجه التحديد, وتتعامل به يوميا بهذه الأساليب الهمجية المزعجة, التي تعكس سوء سريرتها في التفتيش والبحث عن عقائد الناس, فجندت نفسها لخوض الحرب الطائفية غير المعلنة ضد الشعب العراقي, والويل كل الويل لمن تكون إجابته: (أنا مسلم). .
 
في مطار الجارة العربية الشقيقة المريضة (؟؟؟؟؟؟), نقف في طوابير طويلة أمام نافذة ضابط الجوازات المتعجرف, يرمقنا بنظرته الغاضبة, يتمدد في مقعده, يتثاءب ويضع يده على وجهه المتجهم, ثم يرمي الجوازات جانبا بطريقة عدوانية متعمدة, يغادر كابينته ليعود بعد نصف ساعة, يأخذ الجواز الأول, يدقق في صورة حامله, وينظر من وراء زجاج النافذة للعراقي الواقف أمامه, يتفحص الجواز ورقة ورقة, ثم يجري الحوار التالي معه بلهجة متعالية مبديا انزعاجه من التحدث مع العراقيين:-
 
-         أنت عراقي ؟؟.
 
-         نعم.
 
-         سني لو شيعي ؟؟
 
-         مسلم.
 
-         أيش يعني مسلم, حدد إجابتك ؟؟
 
-         مسلم يعني مسلم يا أخي.
 
-         أنا مش أخوك, خليك هناك حتى نتأكد من بياناتك, روح بعيد. .
 
قد يطول الانتظار ساعات وساعات, وقد تتكرر الأسئلة المهينة والمعاملة المشينة, من دون أن تفكر الحكومة العراقية في يوم من الأيام بالاعتراض على تلك الأساليب الطائفية المقززة. .
لا أحد يسأل البريطاني في المطارات الفرنسية عن انتماءاته الطائفية, فيما إذا كان كاثوليكياً, أم بروتستانتياً, أم أرثوذكسياً, أم من طائفة الكويكرز ؟, ولا أحد يسأله فيما إذا كان اسكتلندياً, أم ايرلندياً, أم من جزيرة ويلز ؟؟. ولا أحد يسأل الألماني ولا البولندي ولا السويدي مثل هذه الأسئلة الساذجة في المطارات الأوكرانية والايطالية والاسبانية, بينما تتحذلق بعض المطارات العربية والإسلامية, وتتباهى بخبراتها الاستفزازية, بعدما صارت بارعة في (الفراسة الطائفية), وباتت تميزنا وتصنفنا بالقياس على أسمائنا أو ألقابنا أو لهجاتنا ؟, لكنها تجد نفسها مضطرة إلى توجيه أسئلتها إلينا عندما نحمل أسماءً محايدة, من مثل سمير, تغريد, سالم, نبراس, فرات, ماجد, مازن, فريد, نجلاء, عماد. أحيانا تتظاهر بعض المطارات بالعقلانية, فتوجه أسئلتها بصيغة مراوغة:-
 
((حضرتك من أي مدينة في العراق ؟؟))
 
فتتصرف بالقدر الذي يمنحها حرية الغوص في مستنقعات (الجغرافية الطائفية) لتحقيق ضالتها في هذه البيئة الملوثة بالبغضاء, اما ردود أفعالها فتتباين من مطار إلى آخر, ومن منفذ حدودي إلى آخر, وتختلف الإجراءات حسب المواسم والظروف, وأحيانا تكون خاضعة للقرارات المزاجية, بيد ان التعطيل المتعمد, والمعاملة الخشنة, والتلميحات البليدة, والحركات العنصرية التعسفية هي القواسم المشتركة لسوء التصرف مع العراقيين المغادرين أو العائدين. .
صارت تلك المطارات عندنا من المحطات المثيرة للسخرية, ولسنا مغالين إذا قلنا إنها تحولت في أحاديثنا اليومية إلى مادة للضحك والتندر, نطلق عليها النكات اللاذعة, ننسج حولها المواقف الكوميدية, ننتقدها في مجالسنا ومقاهينا الشعبية, ونمعن في الاستخفاف بها وبفلسفتها المتخصصة بهندسة الكراهية, وتكنولوجيا الأحقاد في أكاديمية الاحتقان الطائفي. .
 
ولا تدري إدارات تلك المطارات إننا تجاوزنا الإنفاق الضيقة, التي صنعتها الدكاكين الطائفية, فلا فروقات طائفية بيننا البتة, ولم نكن نعرفها أو نحس بها إلا بعد تسللها إلينا من تلك المنافذ الخبيثة, والأوكار الضلالية المظلمة, فنبذناها بشدة, وتعاملنا معها بحزم,  ولم نعد نسمع بها إلا في تلك المطارات المريضة الغارقة في التخلف. .
 
قال ميكافيلي في كتابه -الأمير- : ((إن الدين ضروري للأنظمة الحاكمة, لا لحفظ الفضيلة, وإنما لاستفزاز الناس والتحكم بمصائرهم)), وهذا مطابق تماما لما يجري في المطارات الطائفية المريضة, التي تسود فيها سلطة التطرف الديني, من كل صنف ونوع ومذهب, ومن دون استثناء. . .
 
والله يستر من الجايات
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19643
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19