• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : هكذا عرفت سنية عبد عون.. قراءة في بعض نصوصها السردية... .
                          • الكاتب : سردار محمد سعيد .

هكذا عرفت سنية عبد عون.. قراءة في بعض نصوصها السردية...

 كنت يوما ً برفقة قريب لي فأراني عش طائر بناه من الطين والعشب فقال : هذا هو الإبداع ، وقد نسمع عن حالات مشابهة كما في بيوت النحل الهندسية الشكل أنها فن وإبداع ، وكلها لا إبداع فيها بدليل بسيط جدا ً أن الإبداع حالة غير ثابتة بل متغيرة على مر العصور وإذا اكتسب صفة الثبات فقد نأت عنه .
الكتابة واللغة ( بمعنى رسم الحروف و الكلام ) ليست إبداعا ً ولو كانت هكذا فكل إنسان متعلم يعرف الكتابة مبدع ولا سيما الذي يستطيع رصف الكلمات وعلى وفق هذا المنظور يتصور كثر أنفسهم أدباء والحق أن نثرهم أو شعرهم ما هو إلآ من قبيل اللغو الفارغ . 
جرت العادة بين الناس إطلاق لفظة فن على كثير من الحرف والصناعات الجميلة وأطلقت لفظة فنان على أي حرفيّ ماهر كالنجار والحداد والجرّاح وغيرهم وقد يكون ذلك صوابا ًفي بعض النواحي لكنهم خلطوا بين دقة الحرفة أوالصنعة أوالمهارة اليدوية وبين الفن ، فالفن لا يكون فنا ً إذا خلا من الإبداع  .
ثمة مشتركات بين الإنسان والحيوان في الحس بالجمال وقد يتوقف ذلك على القوى الغريزية ، لكن مجرد الحس بالشيء لايفرز إبداعا ً ، فالإبداع مقتصر على الإنسان (بالطبع ليس كل إنسان ) لامتلاكه الأدوات اللازمة ، واتخذ أشكالا متعددة على مر العصور تتغير على وفق القيم المعرفية والجمالية لتلك العصور في البقعة الواحدة وتفاعلاتها مع ما يجاورها أو ما اختلطت معه ،فالإبداع في العصر المسمى بالعصر الجاهلي لكونه قليل التفاعل مع جيرانه كان مميزا ًحتى أنه فرض تسمية الجاهلي ، والعصر الأموي له ميزات أخرى أقرب للعصر الجاهلي منها للإسلام في إطار دولة ويختلف عن العصر العباسي الذي تفاعل مع الروم والترك والفرس والهنود بسبب كثرة الفتوحات والإطلاع على ثقافات وجماليات جديدة في الملبس والمطعم وطرز البناء والغناء والرقص وبسبب التصاهر والتزاوج واتخاذ الجواري والإماء تغيرت القيم الجمالية لذلك برز المبدعون في شتى المجالات من رسم ونحت ورقص وغناء وطرز بناء وعلم الكلام واللغة والنثر والشعر بشكل بيّن .
 هذا التفاعل أيضا ًسبّب ظهور الأفكار الفلسفيةِ المختلفة والفرق الكثيرة في الدين الواحد والطائفة الواحدة وكل راح يدعي صدق منهجه ، ممّا دعى لإعمال الفكر وتحفيز العقل فظهرت العشرات من الكتب التي تعنى بذلك .
لم يقف الأمر عند هذا فجاء العصر الحديث وازدهرت الترجمة وصارت المواصلات سهلة عن طريق البحر والجو فصار التفاعل يجري 
حثيثا ًواطلع الأدباء على تراث وأدب لم يكونوا قد عرفوه من قبل وأساليب لم يعهدوها لا سيما في الفن التشكيلي ، وقد أراد البعض من التراثيين وجامدي العقل أن يقفوا حجر عثرة في طريق ذلك فلم يفلحوا فعجلة التاريخ سائرة إلى أمام والأرض تبقى تدور ، ومن المحاولات الخائبة القديمة هذا العنوان :( إلجام العوام عن علم الكلام ) ولكن هذه المحاولات بقيت فردية ويائسة .  
في منتصف القرن الماضي كنت راكبا ً ( الباص ) وجلست بمحض الصدفة بجانب رجل دين ملتح ، وكان معي كتاب الأم فإذا به يبادر بالقول: هذا كتاب عار على الأمة الإسلامية أن تسمح بقراءته ،وأود
 لو أراه اليوم ترى ماذا يقول حول الإتصالات عن طريق ( الانترنت ) .
المهم أننا وصلنا إلى عوالم أوسع دون عناء وركوب المخاطر والتفريط بالزمن أو الغزو والفتوح بل بضغط أزرار ضغطات بسيطة سهلة .
يبقى الأهم في الموضوع وهو رابط الكلام أن المحاور الإنسانية والمشتركات هي نفسها على مر العصور واختلفت في صيغ التناول والطرح وهنا يتجسد الفن والإبداع ، فالمشاعر الإنسانية  كالحب والعشق والكراهية والحقد والبغض وكذلك المدح والنفاق والكذب والصدق ووو...وما كان موجود قديما ً موجود اليوم فلا السماء عادت حمراء ولا الزهر صار برائحة كريهة  ،والمشكل كما أسلفت في صيغ التناول والطرح .
للحب أشكال ومنازل ودرجات ومنه ما يصل إلى مرتبة العشق ، ولا أعتقد أن هناك شاعر أو ناثر لم يتناوله .
في قصص الناثرة البارعة سنية عبد عون يتخذ الحب موضوعا ً أساسيا ً في أغلب قصصها ولكنه يتميز بأنه يكون في إطار العائلة الواحدة ، وأعتقد أن سنية عبد عون تنطلق من ذلك كونها تربوية ولا شك أنها من عائلة تربوية لا يشترط أن تكون بمعنى المهنة .
لقد أسهبت في المقدمة التي أعتقد أنها مفيدة لجميعنا (هواة ومحترفين)  ولكن رأيت فيه الضرورة لكي أوضح أولا ً أن سنية مبدعة وثانيا ًأنها عاصرت زمانا ً أثر في القيم الجمالية فتأثرت به وبرغم ذاك اتخذت 
طريقا ً خاصا ً بها وهذا من الإبداع .
لابد من جولة في نتاجها القصصي لتبرير زعمي فاخترت ثلاث قصص  :
القصة الأولى : نهايات 
 ***************
 
آثرت أن أدخل إلى قصر قصص سنية من خلال هذه القصة المتماسكة 
جدا ً ذات الرؤى التي تصلح أن تكون مشروع رواية للأسباب الآتية :
أولا ً : تبرز صراعا ً إنسانيا ً بين الخاص المتمثل بالأسرة وبين العام المتمثل بالمجتمع والعدالة ، فالأسرة بمعنى وجود الزوج والأطفال لا يعني أبدا ً أفضليتها على المجتمع ، فلا يجوز للخاص التغلب على العام بوسائل منكرة ( سيدي القاضي العادل ..ماترى برجل حقق دعاية رنانة لمكتبه ومشاريعه الإستثمارية الكاذبة ) .
ثانيا ً : التصدي لمفهوم الطاعة العمياء المتشبثة بقيم بالية  .
ثالثا ً : رفض الأنثى لذكر يتوسل بوسائل غير شريفة لبلوغ غايات غير شريفة وإن كان زوجا ًأنجبت منه أوعاشت معه ردحا ً من الزمن بهناء ( قبيل الفجر نجوت بنفسي ..وأجهضت أحلامه النزقة تاركة ورائي فلذتي كبدي ....هاربة من مأزق جسيم وضعني فيه ) .
إن القصة أبرزت إنسانية الأنوثة من خلال تصديها للذكورة إذا ما سلكت سلوكا ً شائنا ً ولا يرغمها راغم على وفق القيم البالية في طاعة الزوج لزوج مهما فعل ( نعم سيدي القاضي ... أبلغت عنه ..)،من كان 
محتالا ًعلى المجتمع فهو محتال على أسرته أولا ًوهكذا فهو لا يستحق أن تعيش معه أنثى نظيفة ومن يجعل من زوجه علكا ً في أفواه الناس وحديث  تعافه النفس ولا يستحق ملامسة جسدها النظيف وروحها الأنظف ( هل توافقين على العودة معه لبيت الزوجية ...؟ هي ..بل عافته نفسي ...) .
لقد جعلتني هذه القصة أعيد قراءة رواية ( آنا كرنينا ) في صفحاتها الأولى وما دار من صراع في عائلة ( أوبلنسكي ) ولو أنني قرأتها عشرات المرات ، والسبب :
أولا ً : استرجاع مشاعر الأنثى في حال وجود مشكل قاهر ( وشاع الحزن في قلب المرأة المهيضة ، فشعرت بالمهانة ، وجهرت بعزمها على صد زوجها عنها ، والإنفراد بعيشها ، وكأنها لم تنجب أولادا ً ) .
ثانيا ً : التشابه في أن الخطأ سببه الذكر وليس الأنثى .
ثالثا ً : أن فكرة الخيانة الزوجية في رواية  ( آنا كرنينا )، ( فالزوج حاد عن الصراط ، والزوجة اكتشفت مانزع إليه قلب قرينها )  تماثل تماما ً فكرة التحايل وسرقة أموال الناس في قصة ( نهايات ) ولكن تبقى فكرة الخيانة في ( آنا كرنينا ) خاصة بعائلة واحدة بينما فكرة الخيانة في ( نهايات ) شاملة عامة تخص الناس وعوائل كثيرة ( همست مع نفسي ..وأموال الناس ؟ ) . 
أمنية : لو تسمح لي الأخت القاصة سنية عبد عون المباشرة في كتابتها كرواية ، وسأذكر مصدر الفكرة كحق من حقوقها .
القصة الثانية : زيارة غامضة 
********************
 
( حين فتحت الباب طالعني وجه أمي .. مبتسمة مستبشرة .. إندفعت بكامل جسدها من خلال فتحة الباب الضيقة ...عجبت لتصرفها وعدم مبالاتها وفهمت أنها شعرت بخوفي وتحرجي لمجيئها ) . 
 فكـّرت بالجمل المتتابعة ، فالجملة الأولى تدعو إلى التساؤل : لِمَ كانت الأم مستبشرة لابد أن هذا على وفق اعتقادي ينم عن فرحة بثمرتها التي صارت أما ً بدليل حرصها على أولادها  .
 والجملة الثانية :  بدأتها بلفظة ( إندفعت ) فلماذا اندفعت ولم تقل دخلت أو ولجت والإندفاع هو المضي في الأمر فالذي أوحته لي أن الأم ماضية في أمومتها فتجسد في شعورها ما ينتاب ابنتها ومن بعد ، والشعور والإحساس عن بعد فيه دراسات في علم الباراسايكولوجي ولا سيما عند الأم ففي تجربة القطّة  التي قتل أولادها على بعد كيلومترات كانت الأم تشعر بوخزة كلما قتل أحدهم .
توحي عبارة أن الإندفاع كان (بكامل جسدها ) من (خلال فتحة الباب الضيقة ) بأن الحب الذي تحمله الأم كان كبيرا ً ولم يوقف اندفاعه ضيق الفتحة وكما يندفع سيل الماء .
أما الجملة الثالثة فكانت عجبها وتحرجها وهنا توقفت طويلا ً : لماذا تتعجب من عدم مبالاة أمها وهي بدورها مارست أمومتها ، وكان على سنية كما أعتقد أن لا تتعجب فالأم عندما تشعر أن راحة ابنتها قد سلبت أو تأثرت فلا يوقفها وقت ولا يمنعها ضيق باب فلطالما سهرت الليالي لتكبر وتنضج وهي تعرف القول ( أعز الولد ولد الولد ) ولذلك أكدت عليها ( لا تفكري بأولادك ) ، والخلاصة في هذا المقطع تعبير عن الحب في إطاره العائلي ولا سيما أن القاصة عرفتنا فيما بعد أن أمها  كانت قد رحلت عن الدنيا منذ مدة طويلة وهذا يدل على مقدار تعلق الذهن بحنو الأم وحبها ، وكان بودي أن أسمع شيئا ً عن الزوج فلم تشر له ،وهي غير ملزمة بذكره ، ولعل اختزاله كان لداعي التكثيف في القصة القصيرة ، فتركت للقارىء أن يحدس هل هو حي أم ميت وفي أي مكان هو .
القصة الثالثة :  درس الغراب 
********************
بالرغم من أن هذه القصة ذات فكرة تتميز من بقية قصص سنية عبد عون وقد ابتدأتها بما يشبه ماحصل لمسخ ( كافكا ) لكن فكرة الأسرة لم تغب عنها فعندما يشعر الرجل بالخيبة لا يجد ملاذا ً غير الأسرة يجد عندها الحب والإحتضان ( عدت خائبا ً حيث زوجي وأسرتي ...رأسي يؤلمني ..) ومع خيبته ولوذه بهم فهو يخشى عليهم ( فكرت أن أقصد فراشي دون إثارة انتباههم ) ، وتعبر الكاتبة أن مايحصل للزوج المحب والصادق ينعكس على زوجه ورمزت إلى ذلك من خلال حركاتها وحتى كيفية جلوسها ( فوجئت بسعادة تغمر زوجي وشعورها بارتياح ممزوج بكبرياء وتعال ...وقد تغيرت حركة يديها ورأسها . وكيفية جلوسها على الأريكة ) .
خاتمة : أرى أن نتاج أخيتي سنية عبد عون يحتاج إلى أكثر من هذا المرور السريع ولكني وجدت أن الرابط فيه جميعا ً هو فكرة  الأسرة / الزوج / الأم / الأولاد . وبصورة عامة العائلة في صراعها وجوانبها الإنسانية ، الفكرة التي لم تغب عن بالها مهما اختلفت وتنوعت القصص وهي حقا ً متنوعة وقد تناولتها بأساليب شائقة ولغة شفافة وهذا ليس بالسهل لذا أقدم لها تحيتي وتهنئتي ، وأخشى أنني لم أكن منصفا ً في بعض الجوانب فخذلتني اللا أكاديمية ، وإذا كنت أعترف بذلك فإنني أدعو أساتذتنا الأكاديميين أن يتصدوا لها ففي الأقل هي قاصة تعرف ما تقول ومن الإنصاف ولوج عالمها وبيان مالها وما عليها في الوقت الذي بلغ فيه مدح نصوص لا ترقى إلى أعشار ما تسرده مداه من النفاق والتزلف .
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19444
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19