• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : سلسلة دراسات علم النفس الإسلامي.. قراءة في كتاب: (مرحلة المراهقة.. مظاهر النمو ومقوّمات التربية) .
                          • الكاتب : علي الجبوري .

سلسلة دراسات علم النفس الإسلامي.. قراءة في كتاب: (مرحلة المراهقة.. مظاهر النمو ومقوّمات التربية)

 لمؤلّفه: سعيد كاظم العذاري

يبتدئ المؤلف كتابه بذكر فضل أهل البيت (عليهم السلام)، حيث أستند فيه على أحاديثهم ورواياتهم ليفتح لنا عالماً جديداً (دراسات في علم النفس الإسلامي) ويتوقف عند مرحلة مهمة من حياة الإنسان وهي مرحلة (المراهقة) التي يعرفها المؤلف بأنها "مرحلة الانتقال إلى سند الرشد، تبدأ مع بداية البلوغ، وتختلف بدايتها ونهايتها من حضارة لأخرى ومن جنس لآخر، وتتميز بتغيرات بيولوجية ونفسية واجتماعية تدريجية وسريعة، فيمر المراهق بحالة انتقالية قد يجهل فيها موقعه فهو لم يعد طفلاً كما كان معتمداً على الآخرين، وليس راشداً مستقلاً عنهم، فهو ينتقل ويقترب من النضج في جميع ميادينه ومجالاته، ويودع مرحلة الطفولة التي هي الحجر الأساس في تكوين مقومات شخصيته.

ومن خلال نظرة الكثير من علماء النفس والتربية إلى الواقع وصفوا هذه المرحلة بأنها مرحلة التوتر والقلق والاضطراب، والصحيح من الناحية النظرية إن المراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو ما دام نموه يسير في مجراه الطبيعي ومتبنياته سليمة من الناحية الفكرية والعاطفية.

ويبين المؤلّف بأن الظروف التي يعيشها المراهقون تستدعي إبداء عناية إضافية واستثنائية من قبل الوالدين والمربين والمعنيين بشؤون التربية والتعليم من أجل استجاشة عناصر الصلاح في النفوس واستحثاث الطاقات الكامنة في كيان المراهقين، وإنما قدراتهم ليسير النمو الجسمي والعقلي والديني والانفعالي والاجتماعي والأخلاقي والجنسي سيراً متوازناً منسجماً مع منهج الاستقامة الذي يراعي تطلعاتهم وطموحاتهم ورغباتهم التي لا تتقاطع مع القيم والموازين الاجتماعية، حيث يلمس في قلوبهم مكامن الخير والصلاح ويوقظ فيهم أجهزة الاستقبال والتلقي والاستجابة لتسمو وتتكامل.

لقد استوعب المؤلف كتابه (مرحلة المراهقة) جميع مظاهر النمو في هذه المرحلة الحساسة جنباً إلى جنب مقومات التربية، التي تعني بكيفية إعداد المراهقين نفسياً وعقلياً وسلوكياً مستنداً في ذلك إلى آيات القرآن الكريم وإلى المأثور عن الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وعن أهل البيت (عليهم السلام).

يعرف المؤلف مرحلة المراهقة بأنها تعني لغوياً الاقتراب الدنو من الحلم، والمراهق بهذا المعنى هو الفتى الذي يدنو من الحلم.

يقال: راهق الغلام فهو مراهق إلا قارب الاحتلام.

والمراهقة: الفترة من بلوغ الحلم إلى سن الرشد، وتقابلها في اللغة الإنكليزية كلمة (Adolescence) ومعناها الاقتراب المتدرّج من النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي والاجتماعي.

كما وإن المراهقة هي المرحلة التي تقع بين نهاية الطفولة المتأخرة وبداية مرحلة الرشد، وبذلك فالمراهق لم يعد طفلاً وليس راشداً بعد.

ويستعرض الكتاب موضوع سن البلوغ، ويبين بأنه "يختلف المدى الزمني لمرحلة البلوغ تبعاً لاختلاف الجنس، ذكراً كان أم أنثى، مثلما يختلف تبعاً لاختلاف العوامل الوراثية والبيئية، كما يختلف سن البلوغ أيضاً بين أفراد الجنس الواحد، وفي جميع هذه الاختلافات فإن الفتاة تبلغ قبل الفتى، ويبدأ البلوغ بحدوث أول حيض لدى الفتاة، وحدوث مادة التناسل هي المني لدى الفتى.

وإن سن البلوغ هو سن التكليف الشرعي في نظر أئمة وفقهاء المسلمين، حيث يكون عند الفتاة كما يبين الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بأنّ (حد بلوغ المرأة تسع سنين) و(الغلام حتى يبلغ خمسة عشر سنة، أو يحتلم، أو ينبت الشعر).

كما وإن هنالك حالات شاذة ونادرة في البلوغ المبكر ومنها حالة أم في الخامسة من عمرها قد أنجبت طفلاً في إحدى مستشفيات أمريكا الجنوبية.

أما عن موقف الوالدين والمربين فيبين الكتاب أهمية الاهتمام المكثف بالمراهقين ومساعدتهم في اجتياز هذه المرحلة بسلام واطمئنان، والمحافظة على توازنهم في جميع جوانب الشخصية، كما وعليهم الإلمام بكافة المعلومات المتعلقة بهذه المرحلة المهمة من حياة أبنائهم.

ويمر المراهق بمراحل نمو جسمي وفسيولوجي وعقلي التي تحتاج إلى التنمية والاهتمام بها خشية تعرضها للخلل الذي قد يؤثر على بناء شخصيته المستقبلية.

وبالنسبة للنمو الديني لدى المراهق فيوضح المؤلف بأن "التدين حاجة فطرية"، ويستند على قول الرسول الكريم (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصرانه ويمجّسانه)، فالتدين غريزة مودوعة في النفس الإنسانية، وهو حاجة فطرية في اسسها الكلية فكل إنسان يفكر في مبدأ هذا الوجود ومعاده، ويتأمل في الكون والحياة والنفس الإنسانية.

في موضع آخر يتحدث المؤلف عن موضوع الانفعال الذي يتعرض له المراهق، مبيناً بأن الانفعالات على نوعين بناءة كالحب والبهجة والإعجاب وهي تساهم في تفجير الطاقة الإنسانية والمقدرة على العمل والانتعاش والانطلاق الحيوي وتحفز فعالية الحياة النفسية للإنسان وتدفعه للوصول إلى غاياته وأهدافه.

أما الانفعالات الهدامة فهي تدخل الغم في النفس وتثقل كاهل الإنسان وتضعف مقدرته الحركية وتقيد طاقته، وقد وصفت (هيرلوك) الانفعالية المتزايدة في مرحلة المراهقة في خمس نقاط: وهي (الشدة والكثافة، عدم الضبط أو التحكم، عدم الثبات أو الميل للتغيّر السريع بين الانفعالات السارة وغيرها السارة، سيطرة الحالات المزاجية، نمو عواطف إنسانية نبيلة).

ويتناول المؤلف موضوع الصراع النفسي، ويؤكد بأن "واقع المراهقين في أغلب المجتمعات قلق لأنه جزء من واقعنا المضطرب المليء بالمساوئ والتناقضات والأحداث الصاخبة، حيث تعاني الإنسانية من شبح الفقر والمرض والحروب والكوارث وسوء السياسة العالمية وبالتالي يتأثر المراهق بالواقع الذي يعيشه".

ونتعرف أيضاً على موضوع آخر وهو النمو الاجتماعي لدى المراهق، حيث يتسع لديه تعلّم القيم والموازين الاجتماعية من الأشخاص المؤثرين في حياة المراهق مثل الوالدين والمعلمين والأصدقاء والجيران والقادة، ومن وسائل الإعلام والثقافة العامة للمجتمع والدولة، ويدخل المراهق في محيط اجتماعي يختلف عن المحيط الذي كان يعيش فيه قبل مرحلة المراهقة.

وفي هذا الصدد يقول البارئ عز وجل في محكم كتابه (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13).

ويقول امير المؤمنين علي (عليه السلام): (المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) (الكافي ج2، ص 102).

ويأتي المؤلف بعد ذلك متحدثاً عن النمو الأخلاق لدى المراهق، والتي تعد عملية مهمة في حياته فقد جاءت من أجل هداية الإنسان وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه لينسجم مع المنهج الصالح.

وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق).

ومرحلة المراهقة بحاجة إلى تربية أخلاقية مكثفة من قبل الوالدين أولاً والمجتمع ثانياً، مع ملاحظة الحاجة إلى الاستقلال وإلى المكانة الاجتماعية حيث ينبغي التعامل مع المراهق معاملة استثنائية تحتاج إلى جهد متواصل في التربية والمراقبة في جميع مقومات شخصية المراهق في أفكاره وعواطفه وممارساته السلوكية وفي إشباع حاجاته المختلفة فهو بحاجة إلى الإرشاد والتوجيه المستمر، وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدب سبعاً وألزمه نفسك سبع سنين) (مكارم الأخلاق 223).

كما إن للتنمية الأخلاقية بحاجة إلى توفير العوامل الأساسية (التوفيق الإلهي، الواعظ النفسي، الناصح والمربّي)، وفيها يقول الإمام محمد الجواد (عليه السلام): (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه) (تحف العقول: 340).

وفي الختام فإن مظاهر النمو في مرحلة المراهقة متصلة الأوشاج متداخلة في ما بينها لا يمكن الفصل بين مظهر وآخر فكل منها يؤثر ويتأثر بغيره من المظاهر، ويبقى للنمو العقلي والديني الأثر الفعال في سائر مظاهر النمو.

 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19357
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29