( ١ )
للكاتبة المصرية « بنت الشاطىء»* عدد من الترجمات المطبوعة والمنشورة لسيدات بيت النبوّة كما تسمّيهن وبشكل متفرّق في أول الأمر ، ثم جمعت هذه التراجم في كتاب واحد ، فكتبت عن السيدة أم النبي عليه وعليها السلام وعن نساء النبي وكتاب ثالث لبناته صلوات الله عليه ، وخصصت الكتاب الرابع للسيدة زينب عقيلة بني هاشم ؏ ، والكتاب الخامس للسيدة سكينة بنت الإمام الحسين ؏ .
ولمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب ؏ في الخامس من جمادى الأولى أخترت القراءة في هذا الكتاب وسأحاول إلقاء نظرة على محتواه ، مع تعليقاتنا الخاصة حول ما سيتم التركيز عليه من قبل عدسة هذه القراءة السريعة نوعاً ما ، وستقع على أقسام إن شاء الله وهذا أولها :
للمصريين علاقة خاصة بأهل البيت عليهم السلام لأسباب ، قد يرجع بعضها الى آثار ومؤثرات الدولة الفاطمية الشيعية التي حكمت مصر أكثر من 250 سنة أمتدت بين ( ٩٠٩ هـ - ١١٧١ هـ ) ، وكذلك الى ظلال وجود مراقد تُنسب الى الإمام الحسين ؏ وأخته السيدة زينب ؏ .. وثالثاً للأزهر الشريف وخاصة إعتدال الكثير من علماءه اتجاه قضية أهل البيت ؏ ، فكانت هذه الأسباب وغيرها لعله وراء هذا الحضور الفكري والعاطفي للعترة الطاهرة عند أهل مصر ..
وأباحت الكاتبة في مقدمة هذا الكتاب بما يؤكد هذه العلاقة الحاضرة مع أهل البيت ؏ عندما أهدت كتابها ( السيدة زينب) الى أبيها والذي كان سبباً في تعلّقها بالسيدة زينب ؏ ووعي ملامحها اللافتة والمؤثرة على حد تعبيرها .
كان أبوها شيخاً وعالماً وأستاذاً - كما تقول هي عن والدها - ، وتتذكر في المقدّمة ليلة من ليالي رجب حيث كانت صغيرة وكان والدها يتهيأ للسفر من دمياط الى القاهرة للمشاركة في احتفال خاص بذكرى السيدة زينب ، حيث تقول وهي تخاطب أباها : ومضى وهن من الليل ونحن في مجلسنا معك ، نسمع قصتها المؤثرة ، فلما أسفر الصبح ودعتنا وأنت تقول لأمي : إن وضعتها أنثى فسميها زينب .. ومن تلك الليلة يا أبي ، وعيت اسم السيدة زينب .. واليوم شاقني أن أكتب عن السيدة ..
ثم في مدخل الكتاب تقول بأن كتابها هذا عبارة عن صورة لحياة السيدة ، وهذه الصورة قد أخذتها الكاتبة من إثنين هما ( المؤرخون الثقات ) و ( المنقبيون ) بحسب تسميّتها وإصطلاحها .. وتقول أيضا : ( وكل عملي في الكتاب أني ألفت بين الألوان التاريخية .. والظلال المنقبية ، لأجلو منها صورة لتلك التي شاركت في صنع تاريخنا الإسلامي ، وذهبت قصةً وعبرةً ومثلا ) .
( ٢ )
قلنا أنَّ الكاتبة حاولت في هذا الكتاب رسم وتأليف صورة لحياة السيدة زينب عليها السلام ، ألوان هذه الصورة وظلالها مستقاة مما أسمتهم بـ ( المؤرخون الثقات ) من جانب ، و ( المَنقَبيون ) من جانب آخر ..
وهذه في الحقيقة منهجية جديرة بالإحترام بالنسبة للدراسات التاريخية التي تعنى بموضوع التراجم والسير ، لأنها تساعد الكاتب على كتابة علمية وأكثر موضوعية ، وخاصةً بالنسبة للشخصيات التاريخية التي لها أهمّية في حياة الشعوب ووجدان وفكر الأمم .
فالإقتصار على السرد التاريخي للشخصية من دون إبراز ملامحها ووضع الإشارة على أسرار تفوّقها وعلاماتها المميّزة والمستحقّة للاقتداء .. هو نوع تسطيح وظلم لتلك الشخصية ولقارئها كذلك ، وفي المقابل فإن التركيز على جانب المناقب والفضائل والمقامات .. إلى الحدّ الذي يفصل تلك المناقب عن حياة صاحبها وظروفه التي عاشها وأهدافه التي عاش لها .. قد يؤدي ذلك الى التفريط بالفائدة الحقيقية والعلّة الغائية وراء وجود وذكر تلك المناقب ، وهي الاقتداء والتأسي .
ففصل الفضائل عن أجوائها ومناسباتها الطبيعية يجعل منها ضرباً من الخيال واللاواقعية .. وقد تؤدي في النهاية الى تقديس غير مستحق وغير منتج لتلك الشخصية .. فإذن هو منهج وسطي لا يقبل المغالي ولا المجافي .
قسّمت الكاتبة حديثها عن السيدة وفق مراحل وفصول أربعة من حياتها ، تكلّمت في الأول عن البيت النبوي الذي فتحت فيه السيدة عينيها في العام السادس للهجرة ، والأجواء العامة للرسالة الإسلامية حينها ، مع الحديث عن شرف الآباء والأجداد وشيء عن مهدها وصباها ، ثم تناولت في الفصل الثاني وبشيء مقتضب عن السيدة وهي زوجة في بيت ابن عمّها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأم لأربعة أولاد وبنتين ، مع شيء من أحوال وسيرة زوجها رضوان الله تعالى عليه . وأما الفصل الثالث فحمل عنوان بطلة كربلاء ، وأسمه يدل على مضمونه ، ثم الفصل الرابع والأخير تحدّثت عن السيدة ما بعد مأساة كربلاء ..
يتبع
5 جمادى الاولى
ولادة العقيلة ؏
________________
* عائشة محمد علي عبد الرحمن ( ١٩١٣ م - ١٩٩٨ م ) المعروفة ببنت الشاطئ، مُفكرة وكاتبة مصرية، وأستاذة جامعية وباحثة، وهي أول امرأة تُحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوائل من اشتغلن بالصحافة في مصر وبالخُصوص في جريدة الأهرام .
|