• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أيمن الظواهري صناعتكم يا سلالة الظواهر... .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

أيمن الظواهري صناعتكم يا سلالة الظواهر...

لما يكون المناخ السياسي والاجتماعي مستقرا وهادئا شيئا ما أتوانى عن كتابة ما سأكتبه الآن. ذلك أني لا أرغب في أن أُتهم بالمبالغة في نقد المجتمع أو بالتهكم من الشباب أو بالإجحاف في إلقاء اللوم على الكبار. لكن أحداث الساعة في تونس من حرق وتكسير وتهشيم وتخريب ودمار واعتداء على الممتلكات والمشاعر العامة وعلى المعالم الفنية والمرافق العمومية تمنحني الفرصةَ:

أيها الشباب عموما، أنتم مهمشون وغير مثقفين ولو كنتم متعلمين وحتى متخرجين. يا مَن تقضّون أوقات فراغكم في تعاطي الشيشة وفي احتساء السوائل من دون أن تكونوا تقصدونها فقط كلحظات معدودات ستمرّ ريثما يحين وقت تحقيق طموحاتٍ لكم تفوق المطمح الترفيهي. أما هؤلاء منكم الذين يتلذذون بإنجازات البارسا والريال وبمهارات ميسي وكرستيانو رونالدو، فحقكم ينتهي بانتهاء الـ 90 دقيقة المخصصة لإقامة المباراة الواحدة. أما أن تظلوا في وضع انتظار لِقادم المباريات وأن تردفوا المشاهدة بسيول من التعاليق والتحاليل، في الشارع وفي البيت وفي المدرسة وفي الجامعة وفي مكان العمل وربما في غرفة النوم، فهذا اعتداء على الذات البشرية التي هي ذاتكم. وهو اعتداء فاحش على كرامتكم وعلى كرامة شعبكم وعلى كرامة أمتكم وعلى كرامة بني ملة الإسلام.

والله لو أبدَيم افتخارا بفريقكم الوطني وعبّرتم عن أملكم في أن يجيء اليوم الذي يتبوأ فيه مكانة تضاهي المكانة التي تتبوأتها اليوفي و البارسا أو البايرن و الريال، مع حرصكم على إزاحة أي مدرب يتقاضى مبلغا يفوق 2000 دينارا شهريا، لشعرتُ أن في قلوبكم شيء من الرحمة قد يستفيد منها الوطن في مجال الكرة وفي غير مجال الكرة. فالوطنية شعور وموقف، لكني لا أرى في مشاعركم ولا في مواقفكم أية وطنية. أما مشكلتكم فهي أنكم تستبدلون وطنيتكم بوطنية سالبة، وهي كذلك لأنها مستوردة. وشغفكم المرَضي بتلك الفرق العالمية ينمّ عن اغترابكم  عن الوطن الحق وعن مكوناته الرياضية وغير الرياضية، مما جعلكم تُوهمون أنفسكم بأنّ عالم الكرة الكونية، كما هو الحال بعوالم الهجرة والـ"شاوبزنس" والموضة والكازينوهات، هو وطنكم.

وأنتم يا مَن تسرقون الأموال الخاصة والعمومية ولا تشكون لحظة واحدة في أنكم تفعلون هذا الصنيع: يا مَن تبيعون الهواء بكلامكم المعسول وسياساتكم المشوبة بكل أصناف المغالطة إزاء مواطنين يجهلون أبجديات المواطنة؛ ويا مَن تبيعون الكلام وتسخرون من شاريه، ومَن سلبَت عقولكم صفقات الإشهار حتى تبنيتم التطبيع مع لغة المستعمر الجديد، ومع ذلك لا تستحُون من ضم أصواتكم إلى الأصوات المنادية حقا بمقاومة كل أصناف التطبيع؛ ويا مَن تبيعون الماء في قوارير مقابل أضعاف السعر الذي يستحقه؛ ويا مَن تصرفون من الأموال العمومية وتستعملون الأدوات العمومية التي تتوفر في المكاتب بالإدارات والشركات والوزارات والدواوين؛ ويا مَن تستخدمون رأس المال، لا لإسعاد من لا شغل لهم بتشغيلهم، ولا للرفع من المقدرة الشرائية للعمال الذين تشغلونهم، وإنما لربح أضعاف ما سخرتموه من رأس المال؛ ويا مَن تغُشّون التلاميذ عن قصد أو عن غير قصد، أتريدون أن تبنوا لأنفسكم قصورا لكم في الجنة بواسطة حِزم النقود التي تجمعونها بكل لهفة وجشع وشماتة من عندِ شبابٍ يجد نفسه أمام المطرقة والسندان ومضطرا للنهل من مجاري معلوماتكم؟ ويا مَن تستهترون بالمرضى في المستشفيات وتنهرون الكبير وتذلون العجائز وتتركون العيال في حال سبيلهم بلا إحاطة وبلا مراقبة وبلا حيطة وبلا عطف وبلا حنان؛ ويا مَن تمتصون دماء أهالي المرضى في المصحات الخاصة بفوترةٍ خيالية لخدماتكم، هل تظنون أن الله لا يرى؟

أما أنتم ممن تقدمتم في السن وبالرغم من ذلك تُنافسون شباب الشيشة والبارسا والريال ومازلتم تحبذون مجالس المقاهي للعب الورق مع التفوّه ببذيء الكلام، أليس جلال بريك من صناعة أفواهكم القذرة؟ ألستُم مَن زكّيتموه بلا استشارة؟ أتدركون أنّ بناتكم وأبناءكم لا يعلمون أيّ الطرق تؤدي إلى النعيم: طريق الفحشاء المغلفة بالحياء، واللذة الجسدية المُطعّمة بالخيانات الأسطورية ، أم طريق الزطلة ووَهم الأكابر والنبلاء وأسياد الوسط (الميليو")، أم طريق القمار المقنع من صنف الرهان الكروي والحلم الموءود، أم طريق الأفلام المُلغمة بالحسناوات وأفخم السيارات؟

كانت هذه فقط عينة صغيرة منكم يا مَن استُنسخَت منكم جيوشٌ فضّلوا الاسترخاء في المساجد على الصلاة في معابدكم إلا أنهم يتفقون معكم في الشيء نفسه: الانتحار العاطفي والبَلادة العقلية وما يتناظر معهما من شلل جسماني في كل ما هو وطني وحياتي. كلكم تأبون أن تفعلوا شيئا من أجل الوطن ومن أجل الوطن العربي الكبير ومن أجل الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس بوعدٍ صارم من الخالق البارئ. إن تفعلون شيئا فتفعلونه لغرض النفع المالي والمادي وهو نفع فردي وفرداني أناني، وفي أفضل الحالات لفائدة صاحبٍ أو صاحبةٍ أو لفائدة العائلة، لكي تبقوا أحياء. هل أنّ بقاءكم رهنٌ باعتراف الصاحب والصاحبة والعائلة بكم؟ أما اعتراف الوطن بكم فذلك ما لم تعيروه أي اهتمام وما لم تفكروا فيه أبدا.

إذن لا تندهشوا من سوء أحوال هذا الوطن اليوم وفي هذه الساعة. ماذا قدمتم له حتى تأملون رؤيته في حالة أفضل؟ لا تُصدموا من مناظر الحرق والتكسير والتشويه والتهشيم والتحطيم، فالمجتمع يعاقب نفسه لأنه يئس منكم ولأن الزاد الوحيد الذي تركتموه له إنما هي صور الفساد والطمع والجشع، ناهيك صور العرب والمسلمين وهُم يُذبحون ويَذبحون بعضهم بعضا، وتُقطع أيديهم وأرجلهم أو يَقطعون أيدي وأرجل بعضهم بعضا.

طبعا إياكم ثم إياكم أن تقيموا وجوهكم شطر العدو الحقيقي. واصلوا الالتفات يمنة ويسرة بحثا عن بعض عدو وهمي من بينكم، في داخل وطنكم، طالما أنكم غير قادرين على التعمير فيه بروحٍ من التعلق به والعطف عليه وإنما بروحٍ من العدوانية والعدائية الذاتية. إياكم ثم إياكم أن تظنوا ولو هنيهة واحدة أنّ عدوكم هو وحش الرأسمالية وعقيدة الفردانية و العولمة في شكلها الصنمي. وإياكم ثم إياكم أن تسألوا أنفسكم:"لقد مارَسنا على أنفسنا التطبيع الذاتي، ومع كل أصناف الأعداء، فكيف الخلاص؟". إياكم ثم إياكم أن تشمئزوا من خطاب ايمن الظواهري أو من خطاب جلال بريك لكم. فكلاهما صناعتكم يا سلالة الظواهر.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18339
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19