• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : مأساة الكرد الفيليين وانتمائهم للعراق :نظرة على كتاب قصة الكرد الفيليين محنة الانتماء وإعادة البناء للدكتور محمد تقي جون :ح1 .
                          • الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني .

مأساة الكرد الفيليين وانتمائهم للعراق :نظرة على كتاب قصة الكرد الفيليين محنة الانتماء وإعادة البناء للدكتور محمد تقي جون :ح1

 للكرد الفيليين العراقيين قصة مأساة امتدت منذ أنشأت الحكومة البريطانية ما عرف فيما بعد بالحكم الوطني أو الدولة العراقية على أسس قومية مذهبية خاصة .وانطلقت مأساتهم عن طريقين ،الأول :قانوني من خلال إصدار حكومة ياسين الهاشمي لقانون رقم 42لسنة 1924وهو قانون الجنسية العراقية الذي قسّم العراقيين إلى فئتين ،فئة أ، وفئة ب استنادا لأحكام معاهدة لوزان دون مراعاة الوضع العراقي إبان الاحتلال العثماني الذي كان متسما بكثرة حروبه الأمر الذي أدى إلى أن يذهب معظم العراقيين من سكان الوسط والجنوب إلى الحصول على الجنسية الإيرانية التي كانت تحميهم من ملاحقات سلطات الدولة العثمانية ومنهم من ينتمي إلى عشائر عربية خالصة ،فلم تراع الحكومة العراقية هذه المسألة بل لم تحاول أن تثقف أو تشعر هذه المناطق وكذلك المناطق الحدودية بوجود قانون الجنسية وأهمية إصدار هذه الوثيقة بالنسبة للفرد كما سيتبين من قصة (محمد مهدي الجواهري ) مع ساطع الحصري عام 1927،وطلب ناجي شوكت وزير الداخلية في 1929بإيقاف عمل القناصل الإيرانيين الساعين إلى تجنيس سكان الشريط الحدودي الواقع ضمن الحدود العراقية بالجنسية الإيرانية دون أن تحرك السلطات العراقية ساكنا باتجاه تجنيسهم عراقيا ولمدة خمس سنوات .وهذا الأمر مرتبط بالطريق الثاني وهو السياسي ،فمن المعروف إن ساسة بريطانيا في العراق وفي مقدمتهم (المس بيل) كانوا يعدون الشيعة إن لم يكونوا إيرانيين فولائهم لإيران ،يشاطرهم في ذلك الملك فيصل وأغلب رجالاته إن لم نقل جميعهم ،وعلى هذا الأساس فإن حمل المأساة الأكبر سيكون على عاتق الأكراد الفيليين لأنهم شيعة أيضا كما سنجده في الحلقات القادمة .

     ينطلق الدكتور محمد تقي جون من مبدأ إن العراق هو البيت الأكبر للجميع وعلى الكل المساهمة في بنائه ،وإنه يخرج عن قاعدة حكمت الفرد والجماعة سابقة والتي تقول إن المحن والمآسي تجعل الأول أن يتقوقع على ذاته ،والأخرى تتقوقع على أبناء جنسها فهو رفض هذا المبدأ ملخصا بحثه أن العراق واحد غير قابل للتجزئة .

     يقول الدكتور محمد تقي جون في ص11عن الأكراد الفيليين " كان نبضهم يدق مع نبض قلبهم الكبير (العراق ) لأنهم أدمنوا الولاء له وذادوا عنه مع بقية الشعب .فكان لهم في ثورة العشرين ،واشتهرت (شانة) من قضاء الحي بدعمها المادي للثورة ،كما استعان شيخ عشيرة آل عباس بني حِسَن (خادم آل غازي ) أحد قادة الثورة بوالي بشتكو (غلام رضا خان) وشيوخ الفيلية في بدرة وجصان لإمداده بالمال والسلاح فأمدوه ." هذا في مقاومة الاحتلال ،أما عندما أقدم البعثيون على الإطاحة بعبد الكريم قاسم فيقول في صفحة 12 " وكانت مقاومة الفيليين للإنقلابيين الفاشيين عام 1963في ملحمة (عكد الأكراد) ضارية للحفاظ على الجمهورية من السقوط ،واشتهرت البطلة (أم فؤاد) لتكون رمزا في البطولة الوطنية الفيلية" ويقول في نفس الصفحة "كما خصتهم أمور العراق المصيرية كالدفاع عن عروبة فلسطين والمشاركة في حروب تحريرها عام 1948.وفي عام 1967ضحوا بدماء زكية خلطوها بدماء إخوانهم العرب في الدفاع عن العروبة ضد تنامي واجتياح العدو الإسرائيلي .كما عاشوا أفراح العراقيين وأتراحهم وآخرها حرب الخليج ومآسي الحصار الاقتصادي .واليوم يعيشون الوضع غير المستقر نفسه ويتغصصون ما يتغصصه باقي العراقيين من هزاهز وبراكين ما بعد الاحتلال الأمريكي " هذا يعني إن الأكراد يتحسسون ما جرى ويجري على العراق من آلام طبعت تاريخه الحديث .

     وهنا نصل إلى أمر جوهري أراد أن يثبته الدكتور محمد تقي جون من خلال بحثه هذا وأعني به إنه حين يدعو إلى العيش المشترك ضمن عراق أرحب فهو أيضا يدعو إلى أن يبقى الفيلي على فيليته كما بقي العربي وكما بقي الكردي العراقي في شمال العراق أو التركماني العراقي ،فالهوية الكبرى لا تطمس الثقافات المتنوعة على الأرض بل يجب أن تتحول إلى سر للقوة،ولا وجود لمجتمع يتسم بدماء نقية خالصة إلا في المجتمعات البدائية ،وبذلك يلفت الدكتور محمد تقي جون إلى ما وراء الكتاب فيقول في ص13" ولقد حداني إلى وضع كتابي هذا أن الفيليين يمرون بمنعطف خطير صار واضحا للعيان ،وستقرر في ضوئه أمور كثيرة ومهمة .وإن الدراسات التي تناولتهم لا تدخل في صميم ما يحتاجونه من طرح ،ولا تعالج الحالة التي يعانونها فهي لا تمس (حاضرهم المستقبلي) ،بل كانت مقدمات لمتن غائب ،فوجدت من الضروري الواجب إضاءة الطريق للسارين .ومن جهة أخرى أردت أن أضع كتابا شاملا للفيليين ولاسيما المستعربين الذين لا يعرفون شيئا عن ماضيهم وأصولهم وقضيتهم فكان شاملا يجيب على كل الأسئلة في خصوص الفيلية"

     ومن هنا ينطلق الدكتور جون إلى أمر غاية في الأهمية كما يول " يُقرأ واقع الفيليين على مستويين متناقضين تماما هما :سياسي وشعبي .المستوى السياسي تمثله المنظمات والحركات الفيلية المنضوي أغلبها تحت الأحزاب السياسية الشيعية والكردستانية .وهي متحمسة للشعور القومي أو هي تمثل البداية للوعي القومي الفيلي ،ولكنها بالمقابل تشتغل على الجزئيات فحل شامل لموضوع الفيليين غائب عن برامجها ،وهو إعادة بناء الإنسان والمجتمع الفيلي الذي يضعه الماضي المؤلم وتبعات السياسات المتقادمة على شفا التلاشي التام" وفي حقيقة الأمر إن ما أثاره الدكتور محمد تقي جون يصب في كشف عملية استغلال للواقع الفيلي من قبل بعض المنظمات السياسية من خلال جعلهم جسرا لتحقيق مكاسب سياسية عبر الفوز بأصوات الفيليين دون العمل على إحياء الثقافة الفيلية على سبيل المثال .

 

رائد عبد الحسين السوداني 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18027
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29