• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التحنف هو التشيع، الحنيفية هي الشيعية، آل ابراهيم حنيفا هي آل محمد شيعيا .
                          • الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي .

التحنف هو التشيع، الحنيفية هي الشيعية، آل ابراهيم حنيفا هي آل محمد شيعيا

ذكر الحنيفية والشيعية، هي أسماء تدعو الى التأمل أحيانا، وتثير بعض المفارقات في بعض الأحيان. وبصفة عامة وكمدخل لهذا المجال يمكن القول بأن عالم الأسماء هو عالم قائم بذاته ولكل اسم معنى وقصة تطول أو تقصر حسب ظروف الاسم وشهرة الشخصيات المرتبطة به.

ولهذا استخدمنا في هذا المبحث منهج علم الدلالة أو ما يسمى في الغرب بالسيمانطيقا لدراسة دلالية المصطلح الحنيفية وكيفية تحويلها الى الشيعية.

كان علم الدلالة مرتبطا بعلم البلاغة التقليدية في الثقافة الغربية القديمة. ولقد جعل لهذا العلم الباحث الفرنسي ميشيل بريال Michel Breal في عام 1897 كيانا مستقلا وسماه بالسيمانتك semanticsأي العلم الذي يدرس المعنى(1). هذا العلم يهتم بدراسة تطور معاني الكلمات والرموز سواء أكان مفردا أو مركبا، كما يعني بدراسة الأسباب المؤدية الى تغيرها، لأن اللغة ظاهرة اجتماعية، تحيا في أحضان المجتمع، وتستمد كيانها منه، وهي تتطور بتطوره، وتنحط بانحطاطه.

وبما اللغة ظاهرة اجتماعية، فانها كالظواهر الاجتماعية الأخر، عرضه للتطور المطرد في مختلف عناصرها. والتطور الدلالي هو أحد جوانب التطور اللغوي، وميدانه الكلمات ومعانيها، ومعاني الكلمات مثل كلمة الحنيفية أو الشيعية لا تستقر على حال، بل هي في تغير مستمر لا يتوقف. ويقع التغير في المعنى اما عندما يضاف مولود جديد الى كلمة قديمة أو عندما تضاف كلمة جديدة الى مولود قديم.

ان من أهم العوامل التي تؤدي الى تطور الدلالة هي الحاجة الى كلمة جديدة تعبر عن معنى جديد لم يكن معروفا من قبل. مثال في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ...) سورة الأنفال: 46. قال ابن جرير الطبري( ت310ه) في تفسير الآية، في مواطن التنازع فنجدهم يقولون، فلان فشل في الدراسة، وفلان فشل في الاختبار. وهكذا كلمة الطهارة، وأصبحت تعني الختان. وكلمة الحريم بعد ان كانت تعني( الذي حرم مسه فلا يدني منه) أصبحت تعني النساء. وكذلك كلمة حرامي، هي في الاصل نسبة الى الحرام، ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى اللص في القرن السابع الهجري(2)، وهذا الذي حدث لكلمة حنيف أو الحنيفية.

تعرف كلمة حنيف في لسان العرب والصحاح والقاموس المحيط، بانها الميل. اما الميل عن الخط الصحيح، أو الميل نحو الخط الصحيح. واذا كانت القدمان متقوستان أي تميل الواحدة نحو الأخرى، يقولون أنه أحنف القدمين. ومنهم الشاعر الأحنف ابن القيس واسمه صخر ابن القيس.

كلمة الحنيف قد تخصصت دلالتها واستعملت استعارة لملة من الناس تميزوا برياضة الزهد وترك عبادة الأصنام. أي ملة مالت عن ديانة العرب آنذاك وهي الشرك فسموهم الحنفاء قبل الاسلام ومنهم، ورقة ابن نوفل، وأمية ابن أبي الصلت، وعبيد الله ابن جحش، وعثمان ابن الحويرث، وزيد ابن عمر ابن نفيل، والقس بن ساعدة الأيادي وعبد المطلب جد الرسول(ص) (3).

  • في العقيدة الاسلامية ليست دينا مستقلا بل هي ملة أي شريعة أو ممارسة لعبادة خاصة. أما عند ظهور الاسلام كدين التوحيد، قد كشف عن هوية الحنفية. كلمة حنيفا وردت في عشرة مواضع في القرآن، ولفظة حنفاء في موضعين. المفاجئة القرآنية التي فاجأ بها العرب المشركون في مكة بأن محمدا(ص) رسول الله وانه على ملة ابراهيم حنيفا، في قوله تعالى( قل اني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) الأنعام: 161. وعند هجرة الرسول(ص) الى مكة أعطى القرآن معنى دلاليا أعمقا لكلمة الحنفية، أي لايهودي ولا نصراني، في قوله تعالى: ( ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) آل عمران: 67، هذا يعني أن التطور الدلالي لكلمة حنيف بانها المسلم. اما كلمة الشيعة قد أصابها أيضا تطور دلالي. كلمة الشيعة تعرف في لسان العرب، القوم الذين يجتمعون على أمر، او الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين. قال الله عز وجل: ( الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيئ انما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) سورة الأنعام: 159؛ أي كل فرقة تكفر الفرقة المخالفة. المعنى الدلالي لكلمة الشيعة تطور وأصبح يطلق حسب الأزهري (ت سنة 370 هجرية) على القوم الذين يهون هوى عترة النبي(ص) ويوالونهم(4)؛ ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى شيعة علي، أي أصبح الأسم استعارة لمذهب، ثم نشأ منها وتطور مفهوم دلالي آخر عند أعداء الشيعة وهو الروافض.. فالرافضة اليوم تعني دلالتها الشيعة وهم الذين رفضوا شرعية خلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل. فكلمة الرافضة هي مرادفة لكلمة الشيعة.

علماء اللغة المعاصرون استطاعوا أن يحصروا التطور الدلالي في مظاهر رئيسية تصدق على اللغات جميعا، وبحسب تقسيم منطقي اتبعوه؛ فوجدوا المعنى القديم للغة اما أن يكون أضيق من المعنى الجديد وهذا حصل لكلمة حنيف الميل حيث أصبحت تدل على ملة رفضت الشرك ومن ثم توسعت الى أن أصبحت مساوية الى الاسلام؛ وكذلك كلمة الشيعة من اتباع الرجل وانصاره الى مذهب. أو بالعكس المعنى القديم يكون أوسع من المعنى الجديد وهذا حصل من قبل أعداء الشيعة حيث اختزلوا المفهوم الدلالي للكلمة على رفضهم لشرعية خلافة أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وسموه الرافضة.

تحويل الحنيفية الى الشيعية حدث بعد وفاة الرسول(ص) ، أي في حادث السقيفة. الحنيفية توسعت دلالتها في السنة التاسعة للدعوة الاسلامية في مكة وأصبحت تعني الاسلام، واستمر هذا المعنى الدلالي حتى السنة الثانية للهجرة وتعمق المعنى الدلالي لكلمة الحنيفية بانها لا يهودية ولا نصرانية. بعد حادث السقيفة تطورت الحنفية واستبدلت بكلمة الشيعية. الحنيفية هي الميل نحو آل ابراهيم لا يهودي ولا نصراني، والشيعية هي الميل نحو آل محمد لا المهاجرون ولا الأنصار الذين رفضوا وراثة آل محمد للنبوة والامامة معا. كانت العرب في الجاهلية على ارث من ارث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم. فلما جاء الاسلام حالت الأحوال، ونسخت الديانات، وابطلت أمور ونقلت من لغة ألفاظ عن مواضع الى مواضع أخرى بزيادات زيدت، وشرائع شرعت. وما جاء في الشرع( الصلاة) وأصله في لغتهم( الدعاء)، وكذلك ( الصيام) وأصله عندهم ( الامساك)، ثم ( الحج) كان عندهم ( القصد). هذه الألفاظ أصابها التطور الدلالي نتيجة التطور الاجتماعي الثقافي الذي طرأ على المجتمع العربي بعد مجيء الاسلام (5).

فالذي حصل للكلمتين الحنيفية والشيعية، ولآل ابراهيم وآل محمد ، تطور دلالي ليس أوسع ولا أضيق بل مساو له. وهذا نادر ما يحصل في السيمانتيك. الحنيفية والشيعية ميزتهما الميل. الميل لآل ابراهيم لا يهودي ولا نصراني ولآل محمد لا للمهاجرين ولا للأنصار؛ وكذلك ميزتهما رياضة الزهد والذي تطور المعنى الدلالي لهذه الكلمة الى الصوفية والتي ارتبطت في المراحل المبكرة ارتباطا وثيقا بغاية عظيمة من غايات الدين الحنيف وهو الزهد في هذه الدنيا وزخارفها، والمتصوفة يعتبرون الزهد مقاما من مقامات التصوف( 6).

السؤال الذي يحتاج الى بحث دقيق في علم الدلالة وهو: هل المعنى الدلالي للشيعة قد تطور الى الصوفية أو العرفان والعشق؟

المصادر والهوامش

1.Michel Breal , Homme dans la langue. ENS 2013, Lyon.

2.رمضان عبد التواب: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه، مكتبة الخانجي، القاهرة 1997.

3.مصطفى السقا: سيرة ابن هشام، دار المعرفة، بيروت 1984، ج1 ص242-244.

4.ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، دوائر العقيدة، الرياض 2007، الطبعة الأولى ج1.

5.أبن قتيبة: أدب الكاتب، باب تأويل كلام من كلام الناس مستعمل، وزارة الأوقاف السعودية 2014، ص50.

6.عبد العزيز موسى الدبور: المقامات والأحوال عند الصوفية،مجلة الدراية، المجلد16، العدد16، ج5 ص 263.

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=180064
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29