• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أدبر و دبرا و مدبرا في القرآن الكريم (ح 1) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

أدبر و دبرا و مدبرا في القرآن الكريم (ح 1)


جاء في معاني القرآن الكريم: دبر: دبر الشيء: خلاف القبل، وكني بهما عن العضوين المخصوصين، ويقال: دبر ودبر، وجمعه أدبار، قال تعالى: "وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ" (الانفال 16)، وقال: "يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ" (الانفال 50)، أي: قدامهم وخلفهم، وقال: "فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ" ﴿الأنفال 15﴾، وذلك نهي عن الانهزام، وقوله: "وَأَدْبَارَ السُّجُودِ" ﴿ق 40﴾: أواخر الصلوات، وقرئ: "وَإِدْبَارَ النُّجُومِ" ﴿الطور 49﴾، وهي قراءة جميع القراء (وأدبار النجوم) وهي قراءة شاذة، قرأ بها المطوعي عن الأعمش. فإدبار مصدر مجعول ظرفا، نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم، ومن قرأ: (أدبار) فجمع. ويشتق منه تارة باعتبار دبر الفاعل، وتارة باعتبار دبر المفعول، فمن الأول قولهم: دبر فلان، وأمس الدابر، "وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ" ﴿المدثر 33﴾، وباعتبار المفعول قولهم: دبر السهم الهدف: سقط خلفه، ودبر فلان القوم: صار خلفهم، قال تعالى: ﴿أن دابر هؤلاء مقطوع مصبيحين﴾ [الحجر/66]، وقال تعالى: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا" ﴿الأنعام 45﴾، والدابر يقال للمتأخر، وللتابع؛ إما باعتبار المكان؛ أو باعتبار الزمان، أو باعتبار المرتبة، وأدبر: أعرض وولى دبره، قال: "ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ" ﴿المدثر 23﴾، وقال: "تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿المعارج 17﴾، وقال عليه السلام: (لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)، وقيل: لا يذكر أحدكم صاحبه، من خلفه، والاستدبار: طلب دبر الشيء، وتدابر القوم: إذا ولى بعضهم عن بعض، والدبار مصدر دابرته، أي: عاديته من خلفه.
قال الله تبارك وتعالى عن أدبر ومشتقاتها "تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿المعارج 17﴾ أدبر فعل، أَدْبَرَ وَتَوَلَّى: أعرض عن طاعة الله ورفض الإيمان، يس الأمر كما تتمناه أيها الكافر من الافتداء، إنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب، تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن، تنادي مَن أعرض عن الحق في الدنيا، وترك طاعة الله ورسوله، وجمع المال، فوضعه في خزائنه، ولم يؤدِّ حق الله فيه، و "ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ" ﴿المدثر 23﴾ أَدْبَرَ: نكص على عقبيه متكبرا، واشتدَّ في العبوس والكُلُوح لـمَّا ضاقت عليه الحيل، ولم يجد مطعنًا يطعن به في القرآن، ثم رجع معرضًا عن الحق، و "وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ" ﴿المدثر 33﴾ أدبر فعل، إِذْ أَدْبَرَ: مضى، دبر: جاء بعد النهار وفي قراءة إذ دبر بسكون الذال بعدها همزة، أي مضى، ليس الأمر كما ذكروا من التكذيب للرسول فيما جاء به، أقسم الله سبحانه بالقمر، وبالليل إذ ولى وذهب، وبالصبح إذا أضاء وانكشف، إن النار لإحدى العظائم؛ إنذارًا وتخويفًا للناس، لمن أراد منكم أن يتقرَّب إلى ربه بفعل الطاعات، أو يتأخر بفعل المعاصي، و "ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ" ﴿النازعات 22﴾ ثم أدبر: عن الإيمان، فأرى موسى فرعونَ العلامة العظمى: العصا واليد، فكذب فرعون نبيَّ الله موسى عليه السلام، وعصى ربه عزَّ وجلَّ، ثم ولَّى معرضًا عن الإيمان مجتهدًا في معارضة موسى، و "لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ" ﴿آل عمران 111﴾ الأدبار: أل أداة تعريف، أدبار اسم، يولّوكم الأدبار ينهزموا و يُخْذلوا، لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك، فإن يقاتلوكم يُهْزَموا، ويهربوا مولِّين الأدبار، ثم لا ينصرون عليكم بأي حال، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" ﴿النساء 47﴾ أدبارها: أدبار اسم، ها ضمير، فَنَرُدَّها على أدْبارِها: نجعل الوجه قفا، يا أهل الكتاب، صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن، مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم، فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور، أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير.
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "وَ يُرِيدُ اللّٰهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ الْكٰافِرِينَ" (الانفال 7). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: تَفْسِيرُهَا فِي الْبَاطِنِ يُرِيدُ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ وَ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدُ. وَ أَمَّا قَوْلُهُ: يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ فَإِنَّهُ يَعْنِي يُحِقُّ حَقَّ آلِ مُحَمَّدٍ،وَ أَمَّا قَوْلُهُ: بِكَلِمٰاتِهِ قَالَ: كَلِمَاتُهُ فِي الْبَاطِنِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ فِي الْبَاطِنِ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ: "وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ الْكٰافِرِينَ" (الانفال 7) فَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الْكَافِرُونَ، يَقْطَعُ اللَّهُ دَابِرَهُمْ.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى‌ أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى‌ لَهُمْ‌" (محمد 25) بالرغم من أنّ البعض احتمل أنّ هذه الآية تتحدّث عن جماعة من الذين‌ كفروا من أهل الكتاب الذين كانوا يذكرون علامات النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ظهوره، و ذلك استنادا إلى ما ورد في كتبهم السماوية، و كانوا ينتظرونه على أحر من الجمر، إلّا أنّهم أعرضوا عنه بعد ظهوره و اتضاح هذه العلامات و تحقّقها، و منعتهم شهواتهم و مصالحهم من الإيمان به. بالرغم من ذلك، فإنّ القرائن الموجودة في الآيات السابقة و اللاحقة تبيّن جيدا أنّ هذه الآية تتحدث أيضا عن المنافقين الذين جاؤوا و رأوا بأمّ أعينهم الدلائل الدالّة على حقانية النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و سمعوا آياته، إلّا أنّهم أدبروا اتباعا لأهوائهم و شهواتهم، و طاعة لوساوس الشيطان. قوله تعالى "فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ‌" (محمد 27). نعم، إنّ هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب و هم على أعتاب الموت ليذوقوا و بال الكفر و النفاق و العناد، و هم يضربون وجوههم لأنّها اتجهت نحو أعداء اللّه، و يضربون أدبارهم لأنّهم أدبروا عن آيات اللّه و نبيّه. و هذا المعنى نظير ما ورد في الآية (50) من سورة الأنفال حول الكفار و المنافقين: "وَ لَوْ تَرى‌ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ‌" و مع أنّ الفعل ترى فعل مضارع، لكنّه مع وجود لو يدل على الماضي، فتكون الآية إشارة إلى حالة المشركين السابقة و موتهم الأليم، و لهذا السبب يعتقد بعض المفسّرين أن ذلك إشارة إلى قتل هؤلاء على أيدي الملائكة في بدر، و أوردوا في هذا الصدد بعض الرّوايات غير المؤكّدة. إلّا أنّ القرائن كما أشرنا سابقا تدل على عدم تدخل الملائكة مباشرة في الحرب أو المعركة، فبناء على هذا فإنّ الآية محل البحث تتكلم عن ملائكة الموت و كيفية قبض الأرواح و الجزاء الأليم الذي يمنى به أعداء الحق في تلك اللحظة. وقوله تعالى "وَ جَعَلْنا عَلى‌ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى‌ أَدْبارِهِمْ نُفُوراً" (الاسراء 46) تحدّث مجموعة من المفسّرين مثل الطبرسي في مجمع البيان و الفخر الرازي في التّفسير الكبير و آخرون، في شأن نزول هذه الآيات، فقالوا: إنّها نزلت في مجموعة من المشركين كانوا يؤذون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالليل إذا تلا القرآن و صلّى عند الكعبة، و كانوا يرمونه بالحجارة و يمنعونه عن دعوة الناس إلى الدين، فحال اللّه سبحانه بينه و بينهم حتى لا يؤذوه. حقّا ما أعجب الهروب من الحق، الهرب من السعادة و النجاة، من النصر و الفهم. إنّ شبيه هذا المعنى نجده أيضا في الآية (50- 51) من سورة المدثر: "كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ" أي كالحمير الهاربة من الأسد.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=176864
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 01 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29