• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ذل و ذللا و ذلولا في القرآن الكريم (ح 2) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

ذل و ذللا و ذلولا في القرآن الكريم (ح 2)


تكملة للحلقة السابقة قال الله جل جلاله عن الذل ومشتقاتها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ﴿المائدة 54﴾ أذلة: لينين سهلين على إخوانهم من المؤمنين، و "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" ﴿الأعراف 152﴾ إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا، فكل صاحب بدعة ذليل، و "لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿يونس 26﴾ المؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى، الجنةُ، وزيادة عليها، وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، والمغفرةُ والرضوان، ولا يغشى وجوههم غبار ولا ذلة، كما يلحق أهل النار.، و "وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿يونس 27﴾ ذلة اي مهانة و صغار، والذين عملوا السيئات في الدنيا فكفروا وعصَوا الله لهم جزاء أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشاهم ذلَّة وهوان، و "ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ﴿النحل 69﴾ ذللا اسم اي ميسرة سهلة، ثم كُلي مِن كل ثمرة تشتهينها، فاسلكي طرق ربك مذللة لك، وقد جعلها سهلة عليكِ، و "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" ﴿الإسراء 24﴾ وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً" (النحل 69) تفريعه على الأمر بالأكل يؤيد أن المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته من العسل المأخوذ من الثمرات وإضافة السبل إلى الرب للدلالة على أن الجميع بإلهام إلهي. وقوله "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ" (النحل 69) إلخ، استئناف بعد ذكر جملة ما أمرت به يبين فيه ما يترتب على مجاهدتها في امتثال أمر الله سبحانه ذللا وهو أنه يخرج من بطونها أي بطون النحل "شَرابٌ" وهو العسل "مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ" بالبياض والصفرة والحمرة الناصعة وما يميل إلى السواد "فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ" (النحل 69) من غالب الأمراض. وقوله "وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ" (الاحزاب 35) فهم متلبسون بالصبر عند المصيبة والنائبة وبالصبر على الطاعة وبالصبر عن المعصية ، وقوله "وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ" (الاحزاب 35) الخشوع تذلل باطني بالقلب كما أن الخضوع تذلل ظاهري بالجوارح. قوله تعالى "كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ" (الروم 26)، القنوت العبادة والتذلل. قوله تعالى "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ" (ال عمران 123) إلى آخر الآية ظاهر السياق أن تكون الآية مسوقة سوق الشاهد لتتميم العتاب وتأكيده فتكون تؤدي معنى الحال كقوله "وَاللهُ وَلِيُّهُما" (ال عمران 123)، والمعنى: وما كان ينبغي أن يظهر منكم الهم بالفشل وقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، وليس من البعيد أن يكون كلاما مستقلا سيق مساق الامتنان بذكر نصر عجيب من الله بإنزال الملائكة لإمدادهم ونصرهم يوم بدر. ولما ذكر تعالى نصره إياهم يوم بدر وقابل ذلك بما هم عليه من الحال ومن المعلوم أن كل من اعتز فإنما يعتز بنصر الله وعونه فليس للإنسان من قبل نفسه إلا الفقر والذلة ولذلك قال "وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ". ومن هنا يعلم أن قوله "وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ" لا ينافي أمثال قوله تعالى "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون 8) فإن عزتهم إنما هي بعزة الله. قوله تعالى "فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة 54) وجدت أن جميع الرذائل التي تحيط بمجتمعنا معاشر المسلمين وتحكم فينا اليوم مما اقتبسناها من الكفار ثم نمت ونسلت فينا إنما هي أضداد ما ذكره الله في وصف من وعد بالإتيان به في الآية أعني أن جميع رذائلنا الفعلية تتلخص في أن المجتمع اليوم لا يحبون الله ولا يحبهم الله، أذلة على الكافرين، أعزة على المؤمنين، لا يجاهدون في سبيل الله، يخافون كل لومة. قوله تعالى "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ" (المائدة 54) الأذلة والأعزة جمعا الذليل والعزيز، وهما كنايتان عن خفضهم الجناح للمؤمنين تعظيما لله الذي هو وليهم وهم أولياؤه، وعن ترفعهم من الاعتناء بما عند الكافرين من العزة الكاذبة التي لا يعبأ بأمرها الدين كما أدب بذلك نبيه في قوله "لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" ( الحجر 88) ولعل تعدية "أَذِلَّةٍ" بعلى لتضمينه معنى الحنان أو الحنو كما قيل.
تكملة للحلقة السابقة جاء في المعاجم: أذلّةٌ: بقلّة العدد و العُدّة: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (ال عمران 123). أذلة على المؤمنين: عاطفين عليهم رحماء بهم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة 54). ترْهَقهم ذلـّـة: تغْـشاهمْ مَهَانة شديدة: "خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" (المعارج 44). ترْهقهم ذلـّـة: يَغشاهم ذلّ و خسْران و نـَـدامة: "خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ" (القلم 43). ذلّة: أثر هوان ما: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (يونس 26). ذلـّلتْ قطوفها: قُرّبت ثِمارُها لمتناولِها: "وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا" (الانسان 14). ذلـّـلناها لهم: صيّرناها مسخّرة مُنقادة لهم: "وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ" (يس 72).
الذُلُّ بضم الذال نقيض العزّ وهو الهوان كما في قوله تعالى "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (ال عمران 26) والذِلّ بكسر الذال مصدر من الذلول كقولهم: دابة ذلول أي بيّنة الذل، إذا كانت لينة غير صعبة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=176735
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 12 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29