إن الدبلوماسية (كمفهوم وماهية) قد تأثرت وتغيرت بتطورات العصر الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية، وبالتالي بتنا نشهد اليوم مهاماً جديدة وأبعاداً جديدة وفواعل جديدة وأدوات جديدة لها. وبما أن التفاوض واحد من بين اهم أدوات الدبلوماسية في تحقيق أهدافها ويصنف على أنه جزء من كل، فتأثر هو الآخر بتأثر الدبلوماسية وبات اكثر تعقيداً واصعب تنبؤاً.

اختلفت طريقة قراءة وتوظيف هذه التغيرات التي طرأت على الدبلوماسية من دولة إلى أخرى بحسب خصائصها وعناصر قوتها ودورها ومكانتها وتأثيرها وغايتها التي تسعى لتحقيقها وإدراكها للمتغيرات الإقليمية والدولية.

وتعد الصين واحدة من الدول التي قرأت ووظفت الدبلوماسية المعاصرة قراءة متأنية وتوظيف هادئ سعياً منها لتحقيق غايتها برؤيتها الخاصة ، فالصين اليوم تمثل إحدى أبرز القوى الكبرى ذات تأثير كبير ومصالح واسعة وبمجالات مختلفة وكذلك تمتلك من مؤهلات القوة العديد سواء المادية أو المعنوية حتى باتت تطرح على إنها القطب العالمي الثاني أو التهديد الجديد للأحادية القطبية، ويمكن اعتبار أن عملية التنمية وترصين البناء الداخلي لدولة الصين الحديثة أهم عناصر المكانة المتميزة لها إلا أن الفعل الخارجي نصيبه من عملية دعم وترسيخ هذه المكانة حيث رسمت كل مرحلة من مراحل تطور دولة الصين أبعاد ومديات وسمات الأداء الخارجي.

إن القراءة العلمية للأداء الاستراتيجي الصيني ( تفكيراً ، تخطيط ، تنفيذاً) تشخص وبما لا يقبل الشك أن الصين تعمل وفقاً لاستراتيجية طويلة الأمد على زيادة قوتها وتعظيم دورها ومكانتها وفقاً لرؤيتها المتشكلة نتيجة لتجربتها التاريخية وجذورها الفكرية والفلسفية ومن بين أهم أدواتها في هذه الفاعلية هي الدبلوماسية المعاصرة.

حيث باتت الدبلوماسية الصينية نموذجاً لها خصائصها وسماتها وكذلك مساراتها وأدواتها ونسعى من خلال هذه الدراسة الاكاديمية أن نبحث في أبرز المتغيرات التي أثرت في الدبلوماسية الخارجية وكيفية انعكاسها على العملية التفاوضية للقوى الكبرى ومدى توظيف الصين للدبلوماسية المعاصرة في تحقيق رؤاها واهدافها.

هذا الكتاب محاولة بحثية علمية أكاديمية لتتبع ورصد أبرز التحولات في ماهية ومضمون الدبلوماسية، وتطور مضمون وتوجهات استراتيجيات التفاوض الدولي وأثرها في تطور الأداء الخارجي للصين.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، احتوى كل فصل على ثلاثة مباحث:

جاء الفصل الأول بعنوان: "الدبلوماسية المعاصرة ومتغيرات النظام الدولي" الذي درس الدبلوماسية وتطورها مع محاولة لتقنين أو رسم ملامح واضحة لمفهوم الدبلوماسية في عصرنا الراهن من خلال ثلاثة مباحث:

المبحث الأول/ في معنى الدبلوماسية.

المبحث الثاني/ في معنى الدبلوماسية المعاصرة.

المبحث الثالث/ تحديات الدبلوماسية المعاصرة.

أما الفصل الثاني جاء بعنوان: " استراتيجيات التفاوض للقوى الكبرى (تأصيل وتحليل نظري) درس استراتيجيات التفاوض للقوى الكبرى من خلال ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول/ الاستراتيجية (المفهوم والسمات).

المبحث الثاني/ التفاوض الدولي للقوى الكبرى اطار نظري.

المبحث الثالث/ المحفزات الدبلوماسية المعاصرة واستراتيجيات التفاوض.

الفصل الثالث جاء بعنوان "الدبلوماسية المعاصرة و استراتيجيات التفاوض الصينية" الذي درس الدبلوماسية الصينية المعاصرة مع أمثلة من تجاربها التفاوضية على الصعيد الدولي من خلال المباحث الثلاثة:

المبحث الأول / الدبلوماسية الصينية ( الأولويات_التوجهات).

المبحث الثاني / مسارات الدبلوماسية الصينية المعاصرة.

المبحث الثالث / الدبلوماسية المعاصرة واستراتيجيات التفاوض الصينية نماذج مختارة.