• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : غيمة بيضاء .
                          • الكاتب : يسرا القيسي .

غيمة بيضاء

 استقلت سيارتها الشيروكي تجوب شوارع مدينتها المزدانة بكل الأنوار الملونة زاهية بهيبتها بتاريخها العتيد ... كعروسٍ في يوم فرحها متباهية بنجاحاتها واحدة تلو الأخرى لقد حصلت أمل على الشهادة الفخرية في مجال عملها .. كانت كفراشة .. فرحة بشبابها المتقد .. أحبها كل من حولها .. فتاة بكامل حيويتها .. ديناميكية ؛ تتقن عدة أعمال في آنٍ واحد .. ترتدي بما يليق بها ؛ توقفت أمل عند إشارة المرور .. وموسيقى مونامور تنساب من جهاز التسجيل تفكر بالقادم من أيامها .. جل اهتمامها تفوقها في عملها هي واثقة من شخصيتها لدرجة الاعتداد ؛ محط احترام وتقدير رؤسائها وزملائها ؛ لها حضور فعالا في المحافل الدولية مما زادها انبهارا في نفسها .. مندفعة في عملها ؛ لم تعر أية أهمية لوجود رجل في حياتها .. رغم أنها محاطة بالكثير من المميزين ..
أغمضت عينيها واستغرقت في حلمها مع مونامور .. أخذتها إلى عوالم الحب الذي لم يطرق باب قلبها إلا حينما كانت مراهقة أحبت زميلها على المقاعد الدراسية حبا بريئا .. لم تنتبه أمل إلى إشارة المرور الخضراء ؛ تعالت من خلفها منبهات السيارات كي تدور محرك سيارتها ؛ فاجئها رجل ذو عينين زرقاوين كزرقة السماء زادها انبهارا في نفسها .. مندفعة في عملها ؛ لم تعر أي أهمية لوجود رجل في حياتها .. رغم أنها محاطة بالكثير من المميزين ..
أغمضت عينيها واستغرقت في حلمها مع مونامور .. أخذتها إلى عوالم الحب الذي لم يطرق باب قلبها إلا حينما كانت مراهقة أحبت زميلها على المقاعد الدراسية حبا بريئا .. لم تنتبه أمل إلى أشارة المرور الخضراء ؛ تعالت من خلفها منبهات السيارات كي تدور محرك سيارتها ؛ فاجأها رجل ذو عينيين زرقاوين كزرقة السماء؛ يكحلها خط رباني ؛ مرسومة كحبة لوز؛ وجهه كقمرٍ في يوم تمامه ؛ ينقر بسبابته لها من خلف الزجاج الجانبي ؛ فتحت عينيها كأنها في حلم وأيقظها .. ذهلت من حُسن وجهه وبريق عينيه .... ابتسم لها ورمقها بنظرة ساحرة ؛ أومأ برأسه وشاكسها بلطفٍ وشقاوة ؛ رجلٍ محترف بالعزف على أوتار قلوب الفتيات الجميلات ؛ أربكتها نظراته ؛ سحبت سيارتها هاربة من قدرها .. تاهت في أفكارها وقلبها يخفق كأنها لم تلتق رجلا من قبله .
 
سلكت الطريق إلى صديقتها سلوى ؛ طرقت بابها بلا موعدٍ مسبق أخذتها بالأحضان والفرح يغمرها وكأنها وجدت كنزا ثمينا .. هذا هو قدري يا سلوى .. جاءني من حيث لا أدري في كل مرة أتحاشى الحب والقدر ؛ هذه المرة فرض نفسه عليّ ؛ نعم الحب دخل قلبي دون استئذان ؛ أمسكيني يا سلوى أنا أرتجف لا أعرف كيف وصلت إليك ؛ أأنا مراهقة يا سلوى ؟ ومَنَ يقول هو قدري؟ وهل سألتقيه في زاوية منفية ؟ أتعتقدين القدر سيضعه أمامي مرة أخرى ... رمت كل أسئلتها وما يدور في خلدها من أفكار مرة واحدة كسهام في لب سلوى ولا تنتظر الجواب منها ؛ كانت أمل بحاجة إلى أن تفرغ ما في جعبتها إلى أن تسمعها صديقتها ؛ آه كم أنا غبية يا سلوى أكان عليّ أن أتعرف عليه بابتسامة ناعمة ؟ أكان عليّ أن أشكره بلطف بدلا من الهروب ؛ أكان عليّ أن أبادره بنظرة ؟ ما دام هو قدري وجاء إلي بنفسه ؛
- لا لا لا كيف وأنا المعروف عني بالفتاة التي تمسك بلجام عواطفها ؛ أنا أمل لم يستطع أي رجل من قبله أن يفوز بي رغم كل مهارتهم في الإطراء ؛ تثرثر أمل على غير عادتها وهي تحرق سيكارة بعد سيكارة وفنجان قهوة بعد آخر تذرع المطبخ الواسع في حالة ارتباك ؛ تغلق المذياع فهي ترغب في أن تسمعها لوحدها ؛ بينما سلوى مشغولة في إعداد العشاء لعائلتها ؛ تصغي إليها ولا تعلق على ثرثرتها اعتبرتها هلوسات وستنتهي بعد أن تهدأ من انفعالها ؛ قولي لي يا سلوى لماذا أنا أرتعد وأنا أملك كل مفاتيح الكلام ؛ وأجيد لغة الحوار مع الرجل .. ماذا دهاني ؟ أجيبيني بالله عليك
ضحكت سلوى على هذيانها وارتباكها
- يا أمل ماذا جرى لك أنت مجنونة حقا ؛ ترتبكي وتفرحي لمجرد أنك التقيت رجلا بالصدفة ..؛ لقد مر عليك رجال كثيرون ولم تتوقفي أو تنبهري بهم ما الذي ميزه عن الآخرين ؟ اهدئي يا صديقتي أنت اليوم غير طبيعية..؛
- لا أعرف صعقني جمال عينيه ؛ هيبته هزت كياني من خلف زجاج السيارة ؛ تماس كهربائي ضرب عقلي وقلبي .. لو رأيته مرة ثانية لن أفوت الفرصة سأطلب منه أن يتزوجني في الحال ؛ ماذا تقولين ؟ تتكلم بحماسٍ وسرعة لم تعهدها من قبل ؛ تكلمي أنطقي لا تقفي أمامي كالمسمار لو التقيته ستعجبين به أنا واثقة من ذلك يا سلوى
- ماذا أرد والجنون قد سيطر عليك .. اهدئي يا صديقتي الحب ليس كذلك ..
- أنت صديقتي الأنتيم تعرفين كل تفاصيل حياتي لم أتوقف عند رجل لم يخفق قلبي لأحدهم .. لكن هذا هو الفارس الذي يزورني بين فينة وأخرى في أحلامي .. ما العمل يا سلوى ؟ كيف أعثر عليه وأنا بغبائي أضعت فرصة قلبي ..؛
- يا صديقتي قلت لك اهدئي لو كان قدرك ومكتوب عليك ستجدينه في يومٍ ما .. وقد تلتقون في نفس إشارة المرور ؛
- أتسخرين مني ؟
- لو كان قدرك ستعثرين عليه حتى لو كان في المريخ ..؛
خرجت أمل من بيت سلوى بين شعورّي الحب والفرح ؛ الخيبة والحزن ؛ أمطرت عيونها كغيمة بيضاء .. تملكها إحساسٌ غريب أنها ستلتقيه ؛ ولد في قلبها إيمان سيكون لها .. لكنها لا تعلم كيف ومتى ؟ تقاذفت بها أفكارها تملكتها رغبة أن يكون هو يفكر بها أيضا كما تفكر به .. وأن تحتل جزءا بسيطا من اهتمامه
جالت شوارع المدينة في سيارتها كاد أن ينفذ وقودها لولا أنها انتبهت للعداد..؛
عادت إلى البيت وصورته لم تغب عن بالها ... أدارت مفتاح باب الفيلا وقفت بذهول وجدته في ضيافة أخيها !! نعم ها هو فارسها في عقر دارها ؛ استنشقت عطره الفرنسي وهي تمد يدها كقطعة ثلج اختلجت مشاعرها بمزيج من فرح وارتباك ؛ بانت أرجلها من خلف سروالها ترتجف كسعفة في يوم عاصف .. ؛ تمنت في تلك اللحظة أن ترتمي في أحضانه وتطلق العنان لنفسها وتفصح عن خفقات قلبها المتسارعة ؛ لكنها تماسكت ولجمت تسرعها ؛ حاولت أن تخفي ارتباكها ومشاعرها جلست أمامه تتبادل أطراف الحديث معه ؛ تذكرت كلام صديقتها سلوى لو كان قدرك ستلتقينه يوما ما .. تحّدث نفسها ها هو أمامك يا أمل بعد سويعات .. لا تفوتي عليك الفرصة مرة أخرى ؛ لقد أعاده القدر لك ثانية ؛ هم بالخروج ؛ قدم لهما دعوة غداء في مطعم يليق بمكانتهما ومستواهما الاجتماعي ؛ ذهبت برفقة أخيها للغداء ؛ تبادلا نظرات الإعجاب ؛ لكن ما أفسد الدعوة حين شاهدته يوزع ابتساماته الرقيقة لطاولة أمامه فيها فتاتان جميلتان ؛ وهو من رواد المطعم ؛ طلباته أوامر؛ رسمت على وجهها علامات الاستياء ؛ قررت العودة إلى الفيلا ؛ شد على يديها وهو يودعها ؛ اتفقا على اللقاء ثانية ؛ اتصل بها عدة مرات وبعث لها بمسجات الغزل والاعتذار ؛ كرر زيارته لأخيها ... بادر بدعوتهم إلى معرضه الشخصي الذي سيقيمه ؛ من خلال لقاءاتهم المتكررة عاشا قصة حب شفافة ؛ ارتبطت به كثيرا ؛ أحبته بنقاء تمسكت به أصبحت ترافقه كظله ..؛كان شريف ماهرا في صياغة الكلمات ورسمها كريشته الرشيقة حدثهّا عن مرسمه الصغير بعد أن سيطر على تفكيرها اقترح عليها أن يرسم وجهها لمِا تملكه من أنوثة طاغية تثير غريزة الرجال وغيرة النساء ؛ ترددت في البدء ثم وافقت أن ترافقه إلى مرسمه بعد إلحاح منه كي تتعرف وتتقرب إلى شخصيته وعالمه البعيد عن عالمها ؛ مرسمه عبارة عن شقة صغيرة في عمارة ذو مدخلٍ رخامي فخم ... تبعته بخطواتها كطفلة تتبع أمها ... خطواتها مرتبكة خجولة مترددة ؛ فتح باب المصعد لها ؛ لم يحاول أن يلمسها كي يبدد مخاوفها من احتمال أي تفكير ممكن أن يخطر على بالها ؛ وصلا الطابق العاشر ؛ مرسمٍ صغيرٍ يطل على النيل الخالد الذي يحكي تاريخ وحضارة هذا البلد بماضيها وحاضرها ؛ بجمال لياليه ورواده ؛ تفوح من مرسمه رائحة زيوت الألوان ؛ مبهج بألوان اللوحات بعضها معلقة على الجدران أكثرها لنساء عاريات والبعض الآخر مرمية على الأرض تنتظر لمساته الأخيرة ؛ كتبٍ هنا ؛ صحف ومجلات قديمة هناك ؛ أحبت عبثيته في مرسمه ؛ ابتهجت أمل وهي تدخل عالما غير عالمها بحثت بين اللوحات عن وجه يشبه وجهها فلم تجده ؛ أقنعها بأنها الفتاة الأولى التي أحبها بصدق لعذوبة كلامها فرحت لفكرته خاصة أنها لم تجلس أمام رسام ؛ جلست أمامه ببراءة وثقة حبيبة بحبيبها ؛ يحاول أن يرتب جلستها يمرر يديه الناعمتين على وجنتيها ؛ في كل مرة يتسرب إلى روحها شعورٍ غريب لم تحسه من قبل ؛ لقد أذابها بلمساته وهو يغير من جلستها ويرتب خصلات من شعرها ؛ أقنعها بفتح أزرار قميصها الأبيض ليرسم مفاتن صدرها الناهد ليعطي للوحة جمالا آخر ... صدقته ؛ وبدأ بلمساته الرقيقة من يديه على خدها نزولا إلى جيدها ؛ لمسات رجلٍ ناضج ؛ لم يمسد أحد شعرها الأشقر من قبل أطاعته بحبٍ وبدأ بقبلات أشعلت جسدها ... استدرجها إلى غرفة فيها سرير صغير بفرش عبثي وإنارة ملونة خافتة ؛ ولوحات معلقة لجسد امرأة عارية ؛ أبجورة تتدلى من سقف الغرفة على السرير بإضاءة حمراء ؛ في لحظة ضعف سلمت نفسها لحبيبها عرفت لذة الذكورة مع شريف استمتعت معه بكل أنوثتها أدركت مع شريف أن الجنس لذيذ ؛ وثقت بوعوده بعدم التخلي عنها .. أصبحت زيارتها لمرسم شريف جزءا من طقوسها اليومية راقت لها حياته ؛ أدمنته ؛ كل شيء في شخصيته يجذبها إليه يغرقها في غزلٍ يجعلها تذوب في أحضانه ؛ باتت تهيئ الأجواء لإغرائه لتمارس متعتها .. أحبت السهر معه ومعاشرته أنه رجل محترف بالحب .. بعد مرور شهرين من الحب والاندفاع بمشاعرها والاستمتاع مع شريف ؛رفت أحشائها .. تلمست بطنها ؛ فزعت حين تأكدت من حملها ؛ ما الذي ستقوله لأمها التي أفنت حياتها وشبابها لأجلها وأخيها ؛ كيف ستواجه أخاها الذي تحترمه وله مركز مرموق ؛
ركضت فرحِة وزفت إليه خبر حملها .. التفت إليها بذهول وامتعاض لم يحرك ساكنا تجمد في مكانه تغيرت كل ملامح وجهه الجميل وتحول جمال عينيه إلى قبحٍ وازدراء ؛ سألته : شريف ألم تسمعني ؟ لماذا لم ترد ؟ ألم تحبني ؟ أجبني بالله عليك ؟
- لا علاقة للحب بما نحن فيه ..
توقفت عيناهما ببعض ؛ لم يرف قلبه عليها ؛ مسكته من ذراعيه هزته بعنف ألم تسمع ما قلته ؛ غرزت أظافرها بذراعية ؛ كادت أن تنهش لحمه ؛ لحظتها رأته ذئبا كاسرا تفاجأت حين أجابها ببرودٍ صقيعي وكأس بيرة مثلج بيده ..؛
- ليست مشكلتي ؛ بكلمات مقتضبة تنصل وتنكر ..؛
- مستحيل مستحيل إصلاح ما حدث لي .. مستحيل يكون قلبك حجرا تتركني أنا أتحمل النتيجة وحدي ؛ الجنين ابنك من صلبك ..؛ وليس ابني وحدي ..؛ بكت ؛ توسلت ؛ ركعت تحت قدميه ؛ لم يبالٍ كأنه لم يسمع شيئا منها..؛
- وضعت يديها على بطنها وتحسست كائنها الصغير ودموعها تغسل مقلتيها ..
أحبت نبضاته وتمسكت به أنه ثمرة لأول حبٍ من رجل عصف بوجدانها .. خرجت منه وصراخٍ ينطلق بصمت من صدرها ؛ فكرت تلجأ إلى سلوى لكنها غيرت رأيها ..؛ وصلت الفيلا حبست نفسها في غرفتها ؛ صارعت أفكارها وقلقها وحياة آخر يعيش بأحشائها يتنفس ويتغذى منها ؛ صرخت بألم بكت عيناها كشلال ؛ ضربت رأسها بيديها أصبحت حياة أمل وعاطفتها إلى شريف مشبوبة مخنوقة ..؛
إنه غير جديرٍ بها وبحبها ..؛
ابتعدت عن صديقتها سلوى كي لا تراها بحالتها وهي مكسورة محبطة ؛ لتحافظ على بريقها في عين صديقتها كي لا تتهشم مرآتها البلورية ؛ لكنها كم احتاجت لها لتقدم لها النصيحة ولتقف إلى جانبها ؛ أمل الفتاة الجذابة ؛ المبدعة صاحبة الحضور الأخاذ ؛ كسرها شريف ؛ باتت تتوجل من مواجهة مجتمعها ؛ هذا الرجل الذي سكن أيامها دون أن تعرف سطوة احتلاله عليها ؛ تراجعت في عملها سهر ؛ قلق ؛ اضطراب في تفكيرها ؛ شحوب الوجه تدخين أخذ من صحتها و قد بانت عليها أعراض الحمل بدأت بطنها تتكور حاولت أن تخفيها بملابس فضفاضة ؛ لكن لا جدوى ؛ واجهت مصيرها بنفسها ؛ خبأت وجهها عن مسؤوليها وزملائها ؛ لقد انفرط حلمها في شريف كانفراط حب الرمان ؛ رماها .. إنه يغير فتياته كتغييره لعطره اليومي أو لربطات عنقه ؛ مع مرور الأيام تحول حلمها الوردي إلى كابوس جاثم على صدرها ؛ تقلص الفرح في حياتها غادرتها الابتسامة وحلت محلها الدمعة ؛ أسودت الحياة بعينيها ؛ كدر حياتها حولها إلى جحيم وألم ؛ خاب أملها في شريف هشم حلمها الجميل ؛ كبرت حسرتها في صدرها كلما كبر جنينها في أحشائها . ..؛ كشف عن حقيقته المغلفة بالمظاهر المزيفة .. هيبته وطلته تبهر؛ تجذب أي فتاة هذا هو حبها الأول ؛ أصبحت حياتها معلقة بين السماء والأرض ... بين الموت والحياة..؛
كغيمة حبلى في شتاءٍ ملبدٍ بالغيوم ... مرت أيام وشهور تصارع مخاوفها وبدأت تظهر على جسدها التغييرات قررت أن تصارح أخاها فكرت مئات المرات ثم تراجعت خشية من ردة فعله خشيت على هيبته ؛ حبست أنفاسها صمتت كثيرا امتنعت عن الأكل ؛ بين حبها لحملها وإحساسها بالأمومة وبين خوفها من أن ينكشف أمرها وشعورها بالأسى ؛ سهرت الليالي تفكر بإيجاد حل ؛ احترقت أعصابها كاحتراق سيكارة ؛ توارى شريف عن الأنظار انقطعت أخباره خطف عمرها وزهرة شبابها ؛ أثقلها بخطيئة دفعت ثمن ضعفها أمام مشاعرها وحبها له وثقتها به أنها ضحية لأفكاره المريضة للإيقاع بها ؛ انتبهت أمها لتغيرها المفاجئ وانقطاعها عن الطعام وانعزالها سألتها عن سبب تغيير مزاجها وشحوبها ؛ هالة سوداء التفت حول عينيها التي كانت تشبه عين البومة ؛ أدارت وجهها ولم تعر أي أهمية لأسئلة أمها اللجوجة ..؛ مسكت ريموند كونترول التلفاز الذي يتوسط غرفة الجلوس المفروشة بأثاثٍ فاخر؛ لتشغل نفسها المتعبة من الأفكار السوداوية في أي برنامج حتى لو كان تافها كلما ألحت أمها عليها بأسئلتها ازدادت أمل بقضم أظافرها وتتجاهل أسئلة أمها ؛ أصابها دوارٍ مفاجئ هوت على الأرض اتصلت أمها بدكتور العائلة صدمت حين أبلغها بارتباك واستياء بحملها في شهرها الرابع .. أوصلته إلى باب الفيلا بخطوات ثقيلة وكأنها في جنازة ؛ أحست بشلل في أرجلها ؛ بكت شقت ثوبها لطمت وجهها وصدرها ؛ كيف ستداري عليها وما الذي ستقوله لأخيها الوحيد ؛ خاصمتها ؛ قاطعتها عنفتها لامتها حرقت أعصابها ؛ كل هذا لا يشفي جرحا عميقا لا بل فضيحة لن يغفر لها الدين والمجتمع الأهل والأقارب ومَنَ سيتزوجها ؟ مَنَ سيرضى بالارتباط بفتاة سلمت جسدها لحبيبها ؛ ورجلنا العربي يعتبر عفة الفتاة بعذريتها ؛ لقد أضاعت سمعتها .. ومستقبلها قد انتهى ؛ مرغت سمعة العائلة في التراب ؛ لن تعود أمل كما كانت عذراء ؛ قضت أمها عمرها تحلم بيوم زفافها بفستان فرحها الأبيض كملاك طاهر على رجلٍ يحافظ عليها ويصونها ..؛
عاشت أمها أياما من القلق ؛ ومزجا ليلهما بنهارهما نسيا طعم النوم ؛ حصلت أمل على أجازة مرضية طويلة من عملها .. لتتحاشى الأسئلة الفضولية لزميلات وزملاء العمل ونظراتهم ؛ نميمتهم عليها ..؛ عادت لأمها رحلة المتاعب والشقاء بعد أن غادرتها سنين بعد أن كبرتها وأخوها وأوصلتهما لمراكزهما المهمة ..؛ انتبه أخوها أحمد لإجازتها الطويلة ؛ لكن أمها بررت له هي بحاجة إلى راحة من عملها ؛ سافر أحمد في مهمة عمل فاستغلت الأم غيابه لتدارك الفضيحة ودفنها في مهدها قبل أن ينكشف أمرها ..؛ اتصلت بدكتور العائلة ترجته بإجهاضها والتستر عليها ؛ رفض بكل أدب لأنه لا يساهم في قتل نفسٍ بريئة ولا يتستر على خطيئة ؛ بينما الأم تفكر في حلٍ لفضيحة حلت على رأسها ومن مَنَ ؟ من أمل البنت الشفافة الهادئة الطباع الرزينة في تصرفاتها ... أخذت سلم الطابق العلوي بخطوات بطيئة ؛ صاحت باسمها مرتين متتاليتين لتطمئن على ابنتها .. رغم ما أقدمت عليه ؛ كانت تردد بهذيان ؛ أطفأ حلمي قتل جسدي ؛ ذبح روحي ؛ لم تسمع منها أي رد ؛ فتحت باب غرفتها وجدتها جثة هامدة باردة بلا أحساس .. فمها الذي كان أشبه بحبة كرز تحول إلى أزرق كلون الحبر ؛ 
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : عزيز الفتلاوي من : العراق ، بعنوان : درس لكل فتاة في 2010/12/11 .

هذا درس لكل فتاة ان تقتنع انه ليس هنالك شيء اسمه الحب
فعذريتها وشرفها لاتضعه بيد حاملي الكؤوس

شكرا لكم



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=1738
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29