• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : القيم العليا لمجتمع صالح (٩) التطلع الى المستقبل .
                          • الكاتب : محمد عبد الجبار الشبوط .

القيم العليا لمجتمع صالح (٩) التطلع الى المستقبل

الحديث عن منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة حديث عن المستقبل، مستقبل المواطن الفرد، ومستقبل المجتمع، ومستقبل الدولة؛ وقل مستقبل الوطن برمته.

فالقيم، بالتعريف، هي ما ينبغي ان يكون، وكل امر يندرج عن عبارة "ما ينبغي ان يكون" انما هو حديث عن المستقبل. والمستقبل هو اللحظة التالية في الزمن، كما هو نهاية الكون. فالمستقبل بعد زمني ممتد لا يمكن حده بحد "مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ"، كما يقول القران الكريم. القيم العليا محفزات للحركة نحو المستقبل، مستقبل الفرد والمجتمع والدولة كما قلت، فهي قوة رافعة، وطاقة للحركة. وتستمد القيم العليا طاقتها وقدرتها على التحريك من المساحة الزمنية التي تغطيها، وتتناسب هذه القدرة طرديا مع المساحة الزمنية، فكلما امتدت هذه المساحة وعظمت، كبرت معها وعظمت قدرة المثل العليا على التحريك. وهذا قول شاعرنا الكبير المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

والقران كتاب مستقبل، انزله الله على الناس ليوجه انظارهم نحو المستقبل، ويجعل نفوسهم تهفو اليه، ليجعل منهم قوة قادرة على صنع التاريخ وبناء الحضارة.

لكنه اوضح انواع المساحات المستقبلية التي يمكن ان تغطيها الاهداف المستقبلية التي ستصبح مثلا عليا يتحرك صوبها الانسان.

وقد رصد الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر ثلاثة انواع من المثل العليا هي: المثل التكرارية، والمثل المحدودة، والمثل الاعلى المطلق.

فاما المثل التكرارية فهي المثل المستمدة من الماضي، من الاجداد، كما في قوله تعالى: "قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ"، وقوله:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا؛ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ؟". ومثل هذه المثل "العليا" قد تنشيء حركة، ولكنها ليست حركة الى الامام، انما هي حركة الى الوراء، لانها تستدعي الماضي وتحرك الفرد او المجتمع او الدولة نحوه. فهي حركة لا تضيف شيئا الى الحاضر، ولا تنقل صاحبها الى المستقبل. وهذا ما لا يريده لنفسه من يتطلع الى التطور والتقدم الحقيقيين .

واما المثل المحدودة فهي التي تغطي مساحة قليلة من المستقبل وتنشيء حركة محدودة. وهذا ما يفعله غالبا الطغاة الذين يكرهون الناس على عبادة شخصياتهم مثل فرعون وبعض ملوك العراق القديم و اباطرة الرومان وستالين وكيم ايل سونغ وصدام حسين وغيرهم ممن سار على طريقهم. ولسان حال هؤلاء ما رواه القران عن فرعون قوله:"مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". وقد تتضخم عن الانسان الفرد ذاته فيتخذها الها او مثلا اعلى كما يذكر القران في قوله:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ؟". ومثل هؤلاء الاشخاص عقبة كبيرة في طريق تطور الافراد والمجتمعات والدول.

والانسان حر بطبيعة الحال باختيار نوع المثل الاعلى او القيم العليا التي يسعى اليها. وسوف يتحقق له ما يريد، لكنه يتحمل وحده، فردا او مجتمعا او دولة، مسؤولية هذا الاختيار.

"مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا. وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا. كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا".

اما المثل الاعلى المطلق فهو واحد لا غير، ولا شريك له، وهو الله سبحانه وتعالى. وانا على علم هنا انه "إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ". ولكني ادعو هؤلاء الى الصبر قليلا، لاننا بصدد البحث عن مخرج حقيقي من الازمة التي تخنق مجتمعنا ووطننا ودولتنا. واذا كانت منظومة القيم العليا هي المخرج والحل والعلاج، فنحن نعرف ما تؤول اليها اوضاع الافراد والمجتمعات والدول بناء على مثلها العليا، ونريد لمجتمعنا الخروج من ازمته والسير في طريق يضمن له حل مشكلاته.

يتبع

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=173172
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 09 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28