• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : أَعلام طويريج (الهندية) تاريخ ابداع ... وكنوز معارف .
                          • الكاتب : د . سعد الحداد .

أَعلام طويريج (الهندية) تاريخ ابداع ... وكنوز معارف

 ضمن مسيرة اهتمامه بمدينته الوادعة طويريج (الهندية) التي عشقها,  فكانت شغله الشاغل في حِلِّه وترحاله يواصل الدكتور الفاضل الحاج علاء الكتبي العمل الاشهاري في التعريف بالمدينة وإرثها , ويسلط الأَضواء على تاريخها ورجالها وما دار على أَرضها الطيبة من أَحداث طيلة حقب مضت. فمجلته (طويريج) ما زالت تواصل إصدارها الفصلي دون انقطاع منذ سنوات و بملفاتها المميزة وموادها الرائعة النافعة التي تحيي  تراث رجال الأَدب والفن والسياسة وغيرهم من المنسوبين للمدينة بأَزمان مختلفة.  
ولم يزل الدكتور الكتبي يسعى جاهدا بكل ما أُوتي من عزم  مستنهضًا الهمم في اخراج تراث أَهلها المبدعين الى النور وعدم تركه في خانة النسيان, والسعي المتواصل لحفظه في انتشاله من الإهمال والعبث المتعمد , وصونه من السرقة وغيرها , وربما أَصدرها في ملفات خاصة ينشرها في مجلته , بل ويكلف الباحثين والمهتمين للمشاركة في الكتابة بما يخدم تلك الملفات.
وتلك مهمات صعبة في اطارها العام, فكيف والدكتور الكتبي يواصل المسيرة وحيدا يكتب ويجمع ويبحث هنا وهناك عن كل مايتعلق بالمدينة  وتراثها الانساني؟  وهذا الجهد المضني إنْ هو إلَّا ثمارُ زرع  والده الأَديب المرحوم الحاج محمد حسن الكتبي الذي غرس فيه حبَّ الحرف , وما استقاه من نمير مجلسهم الثقافي (مربد الكتبي) ورواده المتنوعين في معارفهم واهتماماتهم. فكان ذلك حزمة ضوء منيرة في حياته لتثبيت عرى الانسجام والتوافق مع الحرف ومبدعيه من كُتَّاب شعراء وأدباء وغيرهم, بل ازداد وهو في غمره الشوق لبذل المزيد من الجهد والوقت في سبيل الحفاظ على إرث والده وإكمال مسيرته الخادمة للإرث الانساني في هذه المدينة المعطاء.
وما منجزه الذي بين يدي (أَعلام طويريج (الهندية) إلَّا تتويج لهذه المدينة وأُناسها المبدعين, فقد احتجن الكتاب الصادر سنة 2022م  والمؤلف من(420) صفحة من القطع الوزيري على مقدمة موجزة وسير لــ( 203) عَلَمٍ من أَعلام مدينة طويريج (الهندية) , أَحياء وأَموات, تنوعت اهتماماتهم المعرفية, ومفاصل ابداعهم, وتباينت طبقاتهم بين مبدع كبير ووجيه محلّي, وتوزعت أَصنافهم على صفحات الكتاب مهنيّا وابداعيّا, ولعل الجمع بين التألق في المهنة من جهة والابداع من جهة ثانية كانت لكثير من الاسماء التي امتازت بأثرها الابداعي فحققت تفردا يشار إليه بالبنان , وهناك ثلَّة من الأسماء انحسر دورها تاريخيا في حادثة مجتمعية ما أَو موقف عام فاطلقت صفة العَلَمِية عليها لكنها لم تمتلك مقومات الابداع إلَّا في مجال العمل المجتمعي بما امتازوا به من قوة الشخصية وتأثيرها في الناس, ومنهم الوجهاء والخطباء والمرشدون وغيرهم وقد أشار الكتاب الى عدد منهم. 
غير أَن للشعر الحصة الأَكبر في هذا الكتاب بشقيه القريض والشعبي, بما يعادل ربع عدد أَعلام الكتاب, وفيهم من جمع بين قوة الشاعرية ونبوغه الابداعي فضلًا عن عمله المهني. ونجد في تنوع أَسماء الأَعلام واختصاصاتها مساحة كبيرة تعطي انطباعا أَنَّ هذه المدينة كانت منفتحة في حياتها اليومية على مختلف الأمور الحياتية والمعرفية فهي من المدن الحركية الحيَّة. ومصداق ذلك أَنَّ هذه المدينة اتَّسمت بالتنوع الفكري وتعدد مظانه واتجاهاته فهي متنوعة في احتضانها للأَحزاب القومية واليسارية والدينية , وتشكلت فيها بؤر تلك التنظيمات منذ أوائل تأسيسها, فكانت حصة الأَعلام من المشهورين في هذا المجال من السياسيين  أَو الذين تم استيزارهم في الدولة العراقية فيها واضحة ظاهرة .
ومن طرف آخر نجد للمدينة تميزا في المنبر الحسيني الذي انتج عددا كبيرا من الخطباء والرواديد وما يُعرف عن المدينة كونها مصنعا للخطباء منذ عقود كثيرة, فكانت حصتهم في الكتاب كبيرة, جمع بعضهم عَلَمية الخطابة الى عَلَمِية الشعر.
وبما أَنَّ المجتمع الهنداوي مجتمع  قبلي - عشائري فقد جاءت أَسماء الأَعلام ضمن ذاك المنحى , وربما تخفَّى بعضها دون ذكر لقبه  اختصارا أَو لأسباب أخرى وهو طبيعي جدًّا , ومنهم من حمل أَسماءً وأَلقابًا لا تعبِّر مباشرة عن القبيلة التي ينتمي اليها فكثير من المبدعين أَهملوا اسماء عشائرهم مكتفين بأَلقاب مهن وحِرَفٍ عُرفَ بها آباؤهم وأَجدادهم فلقِّبوا بها,  ومنهم من لُقِّبَ منسوبًا الى أَبيه أَو أَحد أَجداده,  وذهب آخرون الى اتخاذ اسم المدينة  لقبًا له اعتزاز بها وحبًّا لها.
ونجد في الكتاب مَنْ وُلِدَ في هذه المدينة ولم ينشأ أَو يتعلَّم أَو يعش فيها, ولم يحمل اسمها أَصلا أَو حَمَله تَشرُّفًا , لذا فهو يندرج ضمن سياق (مسقط الرأس) ليس إلَّا , وربما دون أَن يكون له أَدنى اهتمام بذاك المسقط إلّا الانتماء لمحل الولادة , وهذا ليس محصورا بالهندية إنَّما هو عام في مختلف المدن والبلدان , وقد أَجاز أَغلب المؤرخين مثل ذلك أَن يُعَدَّ مِنْ سكان المدينة مَنْ ولد فيها أَو انتقل إليها وأَمضى سني عمره فيها وعاش في رحابها وأَقلها عقد من الزمان .
ومن جميل التوثيق التاريخي ما أُشير إليه ضمن تراجم الأَعلام أَنَّ أَوَّل من سكنَ طويريج من السادة القزاونة هو السيد صالح السيد هادي الشهير بالميرزا صالح القزويني (1841م- 1887م). ومما حفل به الكتاب من حيث الأعمار فكان أَكبر الأَعلام سنًّا هو السيد محمد تقي الحسيني المولود سنه 1840م , وأَصغرهم سنًّا هما الدكتور بشار الكتبي والنحات وسام الدبوني المولودين سنة 1982م .                
أَمَّا حصة النساء من الأَعلام فكانت شحيحة جدًا , فهنَّ خمس نساء لاغير من هذه المدينة, وهنَّ حسب أَعمارهن (أَسماء القزويني) و(ونسة الفتلاوية) و(رفيعة الياسري) و( أَحلام العلوجي) و(رضية السعداوي). ولعل الطبعات القادمة من الكتاب تكشف للقراء عن أَسماء غيرهن من مبدعات المدينة. 
وتمنيت على المؤلف الفاضل لو يُصدِّرَ الكتابَ بمقدمة وافية عن تاريخ المدينة, فالكتاب مؤلَّف لأَبناء المدينة من الأَجيال المعاصرة واللاحقة ولغيرهم من القراء في العراق وخارجه, وعليه لا بدَّ من تسليط الضوء ولو بإيجاز عن تاريخ المدينة معرفيا والاشارة الى أَهم الأَحداث التي مرت في تاريخها فضلًا عن جغرافيتها وسائر خططها وكل ما يتعلق بها, لتكون صورة واضحة بيِّنة على تفردها بمميزات تسجل لها عن باقي المدن العراقية.
كذلك تمنيت أَن يُحَدَّ مصطلحُ (العَلَم) ليكون الاختيار وفق منهجية محددة . فقد اختلف في مفهوم (العَلَم) وتعريفه ودلالاته, ربما جاء مُعسرًا لايدخل فيه سوى القليل النادر,  وربما جاء فضفاضا فسهل دخول أُناس الى ساحته  ماكان لهم من نصيب المصطلح غير الشهرة.
 وربما غاب كثيرون عن فهرست الكتاب وصفحاته, وعلل المؤلف الكريم ذلك بقوله:( حاولت أَن أَلمَّ بكل الأَعلام, ولكنِّي لم أَجد ضالتي) فهذا الجهد يتطلب صبرا واستقطاع وقت في ظل الظروف الكئيبة التي نعشيها, ويتطلب أَيضًا تتبُّعًا متأَنيًا في المطبوع من المصادر أَو المخطوط المحفوظ في البيوتات والمكتبات أَو بذل الوسع في الاتصالات الشخصية.  وهو ماعمل به الدكتور المؤلف واستدرك ملمِّحًا أَنَّ للطبعات القادمة شرف ادراج أَعلام آخرين فيها.
أَقول : العمل في باب التراجم لا يمكن له أَن يكتمل أَو يخرج للناس تامًّا كاملًا ,  فكلُّ المعاجم والموسوعات وكتب الرجال أُلحق بها فيما بعد في طبعات متتالية استدراكات واضافات أَغنتها بما لم يلحق بها في الطبعة الأولى. والمنشور بطبعته الأولى قابل للتصويب والاضافات والاستدراك, وكلنا أَمل في عزم المؤلف الفاضل واصراره على تقديم ما يمتع به قراءه الأَعزاء في قابل الايام إن شاء الله. فالكتاب سيكون مصدرًا مهما من مصادر الباحثين والدارسين للمدينة وأَعلامها.
وأَخيرا ...  نبارك للدكتور الكتبي هذا الاصرار والعزم على اظهار كنوز مدينته التي قدَّم ومازال يقدِّم لها مختلف طرق البر والاشهار والتعريف فهو عاشق من طراز نادر لطويريج التي أَحب . 
    
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170307
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29