• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الطغيان صناعة أعرابية بامتياز! / الجزء الاول .
                          • الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي .

الطغيان صناعة أعرابية بامتياز! / الجزء الاول

تعاني الشعوب العربية على مدى التاريخ من سلطة الطغيان  وصنويه الاستبداد والظلم ، وقد كشفت الاحداث التي يمر بها العرب اليوم كثيرا من رموز الطغيان التي كانت تستمد مقوماتها من ثقافة أعرابية روجت للطغيان على انه قدر الهي على الانسان العربي لا يمكن التخلص منه ، لا دينيا ( فطاعة ولي الامر  واجبة ) ولا شعريا ( فاحكم فأنت الواحد القهار ) .

وقد اسهم صناع الشعر الأعرابي  في تدعيم وتعزيز صناعة الطاغية بتاثيل منظومة مفاهيمية   حاولت تبرير كل الافعال القبيحة وتسويقها على انها قيم سامية . يقول شوقي ضيف معرفا الشعر : ( الشعر ليس عملا سهلا ساذجا كما يعتقد كثير من الناس ، بل هو عمل معقد غاية التعقيد ، هو صناعة تجتمع لها في كل لغة طائفة من المصطلحات والتقاليد ، ما يزال النقاد من ارسططاليس يحاولون ان يصفوها بما يقومون عليها من مراصد ومقاييس .. ولذلك كنا نراهم يقرنون في ابحاثهم الشعر الى الصناعات والفنون الجميلة من نحت وتصوير ورقص وموسيقى).
ويبدو ان ضيف قد وظف رواية الجاحظ  الاتية توظيفا موفقا  بعدما اسند زعمه برأي الخليفة الثاني عن صناعة الأعراب الشعرية ، فقد روى الجاحظ في البيان والتبيين ان عمر بن الخطاب قال : ( خير صناعات العرب ابيات يقدما الرجل بين يدي حاجته ).   
هذه الصناعة اسهمت  بتقديم صور كثيرة للحكام والملوك العرب مليئة بمعاني الجبروت والبطش والفتك ظانين انها من الصور المحببة التي يجب ان يكون عليها الحاكم العربي ليرهب اعداء الاسلام ، لكن الحقيقة ان تلك الصور قد صنعت لكي ترهب الرعية المسكينة التي كانت خاضعة ومجبرة على تقبل تلك المعاني والصور ، فاصبحت ترددها  وتلقن ابناءها تلك الصور على انها صور الماضي السعيد والمجد العتيد دون وعي منها بالخطورة الكبيرة على نفسية الفرد  المتأثر والمخدوع بتلك الأمجاد . ولو كان الامر في جاهلية حيث التفاخر والتناطح بين الاقران كما كان ينشد عمرو بن كلثوم :
-         بانّا المطعمون اذا قدرنا                   وانّا المهلكون اذا ابتلينا
-         وانّا المانعون لما اردنا                    وانّا النازلون حيث شينا
-         اذا بلغ الفطام لنا صبي                   تخر له  الجبابر ساجدينا
لأصبح الامر مقبولا ومبررا ، لكن الصور التي حملها التراث كانت صورا لطغاة بصفات وألقاب اسلامية ، فهذا امير المؤمنين وذاك خليفة المسلمين  الذي يصلي الناس خلفه ، وقد كان البحتري من بين الشعراء الذين اسهموا في بناء صور الطغاة في التراث العربي ومن ذلك قصيدته في وصف موكب المتوكل في اثناء خروجه لاداء الصلاة في العيد :
-         افتنّ فيك الناظرون فإصبـــــــــع             يومى اليك بهــــا وعين تنظـــــر
-         يجدون رويتك التي فازوا بهــا               من انعم الله التي لا تكفــــــــــر
-         ذكروا بطلعتك النبي فهللــــــوا              لما طلعت من الصفوف وكبروا
-         حتى انتهيت الى المصلى لابسا            نور الهدى يبدو عليك ويظهـــــر
-         فلو ان مشتاقا تكلف فوق مــــا            في وسعه لسعى اليك المنبــــــــــر
لقد برع البحتري في تسجيل مشهد حافل بمظاهر الجبروت والعتو للمتوكل  وهو يخترق حشود الجماهير التي جعلها صفين منشقين عن اليمين والشمال ، فالناس مختلفون في حركاتهم وأوضاعهم ، فهذا يشير اليه بالإصبع غير مصدق ان ( ظل الله ) في الارض يمشي على رجلين مثل البشر ، وذاك يرفع رأسه فوق الرؤوس ليقتنص نظرة من طلعة المتوكل البهية ، فرؤيته فوز للرعية لان السلطان الجائر لا بد ان يكون محجوبا عن رؤية الرعية ،  لا بل هي نعمة من النعم التي  لا يمكن الكفر بها او سترها عن الناس ، ولم يتوان البحتري من تشبيه المتوكل بالرسول الكريم ( ص ) ، على الرغم من الفارق الكبير بين الشخصيتين واقعا وتصرفا وسلوكا ، كل ذلك من اجل ان يصنع طاغية بهيئة اسلامية ، فيعيد صور الملوك من الاباطرة والاكاسرة والقياصرة التي نهى عنها القران الكريم والرسول المبعوث رحمة للعالمين .
 ان مثل تلك الصور السلبية لشخص الحاكم  تسوّق على انها صور من الهيبة والمحبة المتبادلة بين الراعي والرعية ، وإذا عذرنا الشاعر على تزييفه لوعينا لان عطايا الممدوح قد افقدته صوابه فجعلته منتشيا منطلقا دون وازع من خشية الله او رقيب من ضمير ، فالمنصف لا يستطيع ان يقبل قول شوقي ضيف الذ ي علق على تلك الابيات بقوله : ويتحدث الشاعر عن ( جلال الموكب وما استدار حول المتوكل من هالات قدسية ومن محبة للشعب وإعظام ) .
 يتبــــــــــــع
        

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : ماجد ، في 2012/05/08 .

عزيزي د. عبد الجبار الغالي: شكرا لك على التعليق المعبر ، وارجو مساعدتي في الحفر من اجل البحث عن الحقيقة المغيبة ، فاذا اجتمعت الايدي يكون النفع كبيرا.. تحياتي لك وللاخوان في قسم اللغة العربية

• (2) - كتب : د. عبدالجبّار هاني ، في 2012/05/08 .

عزيزي الأستاذ ماجد .. تحيّاتي لك , فما زلت تنبش في البئر ..
وما زلت تصطادُ الذي غاب من ورق الذين انكمشوا فوق طاولة الببغاء



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=17021
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16