• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل ( 15 ) سوريا من العثمانيين الى حافظ الاسد .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل ( 15 ) سوريا من العثمانيين الى حافظ الاسد

كان لبلاد الشام اهمية كبرى لدى العثمانيين لقربها النسبي من عاصمتهم – اسطنبول - ولكونها الرابط بين البلاد التركية ومصر وشمال افريقيا مضافاً الى بلاد الحجاز، كما نالت بلاد الشام اهتماماً خاصاً من قبل الاوربيين فكانت ملتقى للحركات السياسية القومية التي تأثرت بالحركة القومية التركية، ومن ثم بالفكر القومي الاوربي، والذي انطلقت منه الدعوة القومية في المشرق العربي وكان دعاة القومية على قسمين القسم الاول دعاة القومية من المسيحيين الذين كانوا يدعون الى انفصال البلدان العربية عن دولة الخلافة العثمانية، والقسم الثاني دعاة القومية من المسلمين الذين كانوا يدعون الى انصاف المجتمع العربي مع البقاء ضمن دولة الخلافة، وفي خضم ذلك الصراع كان للمفكرين السوريين دور كبير في هذا السجال الفكري.
بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى والاتفاق البريطاني - الفرنسي فيما عرف باتفاقية سايكس – بيكو، تقرر تقسيم المتبقي من ممتلكات الدولة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا فكانت سوريا من حصة فرنسا بينما كان العراق وباقي بلاد الشام من حصة بريطانيا.
وعلى ضوء الاتفاق بين الشريف حسين بن علي ملك الحجاز والبريطانيين كان يفترض ان تقوم دولة تضم بلاد الحجاز وبلاد الشام والعراق يحكمها الشريف حسين مقابل ان يقاتل العثمانيين الى جانب الانجليز، وفي محاولة من الانجليز لاضعاف سيطرة الفرنسيين في سوريا نصب فيصل الاول ملكاً على سوريا. 
كان فيصل بريطاني الهوى وكان من مقربيه الضباط العراقيين الذين اوكل اليهم العديد من المناصب المهمة في الدولة السورية، وقد ادرك الفرنسيون ان وجود فيصل في سدة الحكم في سوريا مع مجموعة من المستشارين البريطانيين والضباط العراقيين يعني اضعاف وجودها لصالح البريطانيين والامريكان على اثر ذلك اصدرت فرنسا امراً بحل الجيش السوري، ثم قامت قواتها باحتلال سوريا واسقاط حكم فيصل وطرده الى الحجاز.
تشكل المجتمع السوري من اغلبية سنية واقليات علوية ودرزية ومسيحية، كما كان منقسماً من الناحية الاجتماعية الى سكان مدينة وريف وبدو، كانت الاغلبية السنية تسكن المدن والارياف، فيم كان العلويون والدروز والاكراد والبدو يشكلون المحيط الخارجي للبلد حيث سكن ما عدا البدو الجبال وسكن البدو الصحراء الممتدة بين العراق وسوريا والاردن.
كان السنة يمتازون برعاية خاصة من الدولة العثمانية فيم كان البقية مضطهدين، ولما جاء الفرنسيون بعد الحرب العالمية الاولى اظهروا شيئاً من الرعاية للاقليات، وحاز العلويون من قبلهم رعاية خاصة لان المسيحيين كانوا في الغالب اتباع المذهب البروتستاني والاورثوذكسي بينما كان دعم الفرنسيين للكاثوليك.
شعرت الاقليات بنحو من الحرية مع مجيئ الاحتلال الفرنسي لكنها لم تكن حرية مطلقة بل كانت بالقدر الذي تسمح به المصالح الفرنسية، مما ولد شد وجذب في العلاقة بين الفرنسيين وابناء الشعب السوري.
كانت الاغلبية السورية تعتبر ان الشام كله سوريا ولذا كانوا يدعون الى سوريا الكبرى التي تضم سوريا وفلسطين والاردن ولبنان الا ان المشروع الصليبي كان يعمل باتجاه اخر فمكن اليهود من فلسطين ومنح امارة شرق الاردن لعبد الله بن الحسين ومنح فيصل حكم العراق واعلن عن قيام الجمهورية اللبنانية التي كانت قد نضج فيها فكرة الاستقلال التام عن سوريا.
وهكذا وجد السوريون انفسهم امام واقع جديد، كان فقدان الثقة والخشية من عودة تسلط الاكثرية هو العامل الاساس في رغبة الاقليات بالانفصال، وكان الفرنسيون يعمدون الى تنمية ذلك كلما حانت لهم فرصة، وكذلك عمل على تفتيت الوضع السوري دعوة عبد الله بن الحسين ملك الاردن الى قيام سوريا الكبرى التي تضم سوريا والاردن وفلسطين ولبنان على ان تكون الاردن لؤلؤة التاج ويكون عبد الله ملك على سوريا الكبرى وفي سبيل ذلك دخل في تفاهمات مع الكيان الصهيوني كي لا يرفضوا مشروعه.
وفي حقل التنافس بين العراق والاردن طرح مشروع الهلال الخصيب، الذي يضم سوريا الكبرى والعراق على ان يكون ملك العراق ملكاً له.
الامر الذي اثار حفيظة السعودية التي تعتبر نفسها هي الاولى بقيادة العرب والمسلمين لان مكة والمدينة تحت نفوذهم ورافقه اعتراض مصري لانهم يرون ان المملكة المصرية هي الاولى بقيادة العالم العربي.
كان التنافس العراقي الاردني السعودي المصري انعكاس للتنافس الامريكي البريطاني السوفيتي في المنطقة والذي سعت فيه بريطانيا الى السيطرة على الوضع فتولد عن ذلك تشكيل الجامعة العربية التي ستكون معبرة عن وجهة نظر مصر - الحليف البريطاني الكبير – في منطقة النفوذ البريطاني السابق.
كان من ابرز معالم الفترة التي تلت الانتداب الفرنسي واعلان الجمهورية السورية الى سنة 1970 :

ش عبد الستار الجابري, [٠٤/٠٤/٢٠٢٢ ٠٨:١١ ص]
اولاً: وصول الطبقة البرجوازية الى سدة الحكم في سوريا تحت يافطة الدعاية القومية والاستقلال، مع فقدان المؤهلات الحقيقة لإدارة البلد، مما تسبب في زيادة الفقر والحرمان، مقابل اثراء الطبقة السياسية وسيطرة حالة المظاهر والاتيكيت في اروقة السلطة السياسية بعيداً عن حل المشاكل التي تمس حياة المواطن السوري.
ثانياً: فقدان الثقة بين الاقليات والاكثرية والذي دفع العديد من الاقليات لمحاولات انفصالية او المطالبة بحكم ذاتي.
ثالثاً: فتح باب التطوع للجيش الذي سارع للالتحاق به ابناء الاقليات بحثاً عن مصدر دخل مستقر، مما مهد لهم السيطرة على مقاليد الحكم في الفترة اللاحقة خاصة بعد فترة الانقلابات.
رابعاً: كانت سوريا ساحة صراع للممالك المحيطة بها في العراق والاردن والسعودية ومصر. 
خامساً: ظهور الحركات السياسية القومية والشيوعية والاسلامية في سوريا، ولكل من الحركات امتدادها خارج الواقع السوري، فالحركة القومية بمختلف اتجاهاتها هي مشروع متأثر بالمشروع الفرنسي والايطالي، والحركة الشيوعية متأثرة بالسوفيت، فيم كانت الحركة الاسلامية فرع لحركة الاخوان المسلمين في مصر.
خامساً: وجود الاتجاه اليساري في سوريا وقناعة الزعامات اليسارية السورية بضروة دخول الحياد الايجابي في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا وفقدان الثقة بالامريكان نتيجة دعمهم اللامحدود للكيان الصهيوني، مع تجربة واضحة في العدوان الثلاثي على مصر رفضت فيه امريكا تزويد مصر بالسلاح الامر الذي دفع مصر لاستيراد السلاح من جكسلوفاكيا، مع التهديد الذي يشكله العراق الذي اكتشفت المخابرات السورية محاولة منه باشراف نوري السعيد لانقلاب عسكري في سوريا مضافاً الى التهديدات التركية، فضلاً عن اغتيال احد الشخصيات المهمة والقاء المسؤولية على الحركة القومية السورية والتي دفعت ثمناً كبيراً فاعدم بعض افرادها وسجن اخرون وفر الكثيرون خارج البلاد، كل هذه المعطيات دفعت سوريا الى التقرب اكثر الى الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي، والاصحار بنقد السياسية الامريكية في المنطقة وانتقاد السياسية الفرنسية تجاه الجزائر في تلك الفترة.
سادساً: التنسيق المصري السعودي في تفتيت الوضع السوري، وضرب التحالفات السياسية بين الاحزاب الرئيسية الذي ادى الى ضعف الاتجاه اليساري في الحكومة السورية وصعود نجم حزب البعث الذي كان يعمل على التنسيق مع السعودية ومصر، والذي سارع في عملية الاتحاد بين مصر وسورية وظهور الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تحقق مطامع عبد الناصر واحلامه التوسعية، وتخدم المصالح الامريكية في المنطقة.
سابعاً: كان الرئيس عبد الناصر والملك سعود يسيران ضمن البرنامج الامريكي في المنطقة، وكان ظهور الجمهورية العربية المتحدة يصب في مصلحة امريكا، لان الاتحاد بين مصر وسوريا كان ناتجاً عن اضعاف الحزب الشيوعي السوري، وهذا يكشف ان كلاً من عبد الناصر والملك سعود وحزب البعث كانت تعمل ضمن البرنامج الامريكي في المنطقة، ويكشف عن ذلك طبيعة المساعدات التي تلقاها عبد الناصر من امريكا، فضلاً عن خطوة عبد الناصر تلك كانت تحقق بعض اهداف الاتحاد السوفيتي حيث كانت مبيعات الاسلحة السوفيتية تغرق الترسانة العسكرية المصرية، وقد حقق عبد الناصر بذلك اهدافه الشخصية حيث اصبح الحاكم الفعلي على سوريا ولم تعد سوريا في الجمهورية العربية المتحدة سوى محافظة من المحافظات المصرية، وهو بذلك حقق خدمة كبيرة لاسرائيل التي لا تسمح امريكا بالاضرار بها.
ثامناً: كانت الجمهورية العربية المتحدة مصدر قلق للنظام السعودي والاردني واللبناني، واتهمت السعودية بتدبير محاولة اغتيال لعبد الناصر الامر الذي ادى الى تراجع العلاقة بين السعودية ومصر.
تاسعاً: سقوط الملكية في العراق عبر الانقلاب العسكري الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي لم يكن عروبياً وكان همه الوحيد العراق، عاملاً في اعادة الروح الى الواقع السياسي السوري الذي انهكته سياسات عبد الناصر الدكتاتورية، وكان عبد الناصر يظن ان الحركة الانقلابية في العراق سوف تؤدي الى ضم العراق الى الجمهورية العربية المتحدة، الا ان ظنونه لم تكن صحيحة لان الزعيم العراقي الجديد لم يكن يؤمن بالوحدة العربية، وكان سقوط الحكومة الملكية في العراق اشعر السوريين بزوال الخطر الذي يمثله الحكم الملكي في العراق لسوريا، وبعد ان تبين لعبد الناصر انه لم يدرك الواقع العراقي بصورة صحيحة تحرك نحو الاردن والسعودية في محاولة ايجاد جبهة ضد العراق، الا ان هاتين الدولتين كانتا تتوجسان خيفة من عبد الناصر لذا فضلتا ان تكون لهما علاقة طيبة من الحكم في العراق بعيداً عن دكتاتورية عبد الناصر.
تاسعاً: كان دور حزب البعث في الوحدة بين سوريا ومصر محورياً حيث ظن البعثيون انهم سيتمكنون من السيطرة على عبد الناصر ومن ثم يكونون هم حكام الجمهورية العربية المتحدة الواقعيون، كما كان لهم دور مهم في التآمر على الحكم الجمهوري في العراق من خلال دعم التمرد العسكري للشواف في الموصل بالمال والسلاح والاعلام، الا ان الشعب العراقي كان رافضاً لتحرك الشواف وكانت قوات الجيش العراقي المحلية في نينوى وقفت بقوة ضد حركة الشواف مضافاً الى قيام قوى شعبية – اكثرها مرتبطة بالحزب الشيوعي – بالوقوف في وجه تمرد الشواف والقضاء عليه.
عاشراً: كان الاستياء من دكتاتورية عبد الناصر والاضرار التي لحقت بسوريا سياسياً واقتصادياً وامنياً عم المجتمع والقيادات السياسية والحزبية والعسكرية السورية، الامر الذي مهد لإنهاء الوحدة بين مصر وسوريا من خلال الدعم الذي قدم للانفصاليين من قبل الاردن والسعودية، وقد لاقى الانفصال واستقلال سوريا عن مصر قبولاً جماهيرياً واسعاً، كما حظت الحكومة السورية الجديدة بدعم من قبل حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم.
احد عشر: كانت القيادات السورية التي رحبت بالاتحاد مع مصر تظن ان الوحدة ستسارع في تحرير فلسطين، الا انهم وجدوا ان الهم الرئيسي لعبد الناصر كان تدعيم سلطته وانه كان على استعداد للسلام مع الصهاينة، كما اكتشفوا ان الشعب المصري والقيادات المصرية لا تؤمن بالوحدة العربية، وانهم كانوا ينظرون الى الوحدة مع سوريا من منطلق منافعهم الشخصية والسياسية والمصلحة المصرية.
ثاني عشر: كانت الساحة الامنية بعد 1948م تصب في صالح اسرائيل وكانت الدول الغربية والشرقية تدعم اسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً، بحيث كانت اسرائيل في حالة تقدم دائم وضم للأراضي التي كانت سيطرت عليها القوات المصرية او الاردنية او اللبنانية او التي كانت تحت ايدي الفلسطينيين على طول الفترة الممتدة بين 1948 وحتى 1967، كما قامت بحرف مسير نهر الاردن والسيطرة على مياهه، وفي مقابل ذلك كان السوريون ينتظرون من مصر ان يكون لها دور كبير الا ان مصر كانت تبحث عن حلول سلمية وكانت تخدع السوريين، ولما حلت سنة 1967 كان العرب مقتنعون انهم غير قادرين على مواجهة اسرائيل التي كانت مسلحة تسليحاً فرنسياً حديثاً وتحولت عن قريب الى الانفتاح على امريكا للتسلح بالاسلحة الامريكية المتطورة، فيم كانت الجيوش العربية في مصر وسوريا والاردن تعاني من نقص التسليح وعدم كفاءة الاسلحة التي تم تزويدهم بها من قبل الدول التي كانت تورد لهم السلاح.
ثالث عشر: كان الوسط العربي يعيش حالة من التآمر المستمر وكل دولة عربية تسعى لاسقاط نظام الحكم في الدولة الاخرى والاتيان بقيادة توالي نظامها وتقدم الدعم المالي والسياسي والاعلامي للمعارضة وكان ذلك واضحاً في الدول المحيطة باسرائيل سوريا والاردن مصر ولبنان والدول الرديفة العراق والسعودية.
رابع عشر: كان للدور الدولي له اثر مهم في تغذية الصراعات العربية فيما بينها اذ كانت مصر مدعومة امريكياً للوقوف في وجه التمدد الشيوعي وكذلك السعودية والاردن التي تعتبر من مناطق النفوذ الامريكي المهمة، فيما كانت سوريا تعتبر ساحة للامتداد السوفيتي ويليها العراق في ذلك.
خامس عشر: في احداث ايلول الاسود وتدخل الجيش السوري الى جانب الفلسطينيين لجأ الملك حسين الى امريكا واسرائيل لحماية عرشه خوفاً من اسقاط الجيش السوري لنظام الحكم في الاردن، وعلى اساس ذلك تمتنت العلاقات بصورة اكبر واوثق بين الاردن وامريكا واسرائيل.
سادس عشر: انشقت القيادات البعثية في سوريا الى يمينيين ويساريين، كان على راس اليمين ميشيل عفلق وصلاح البيطار الذين غادرا سوريا بعد ان وجهت لهما تهم التآمر على البلاد، فيم كان من زعامات اليسار حافظ الاسد الذي تولى الحكم في بداية سبعينات القرن العشرين.
سابع عشر: ادرك الفلسطينيون ضرورة ان يكون لهم عمل مستقل عن الدول العربية - التي كانت تبحث عن مصالحها وتتنافس في القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب خاصة - فظهرت عدة حركات اتخذت من لبنان وسوريا والاردن ومصر مقراً لها، الا ان تطور الاحداث بين تلك الدول واسرائيل دفع لحصول حروب طاحنة بين تلك الحركات والدول المضيفة كما حصل في سوريا ولبنان والاردن، وقد سعت الحركات الفلسطينية الى اسقاط نظام الحكم في الاردن وكانت تلك الحركة مرحب بها من اسرائيل لانشاء دولة فلسطينية في الاردن تنتهي بها قضية حق العودة للشعب الفلسطيني فيم لم ترحب امريكا بتلك الحركة لكون الملك حسين من اهم حلفائهم في المنطقة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=167088
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28