• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الصعود والتنميه السلميه في الصين .
                          • الكاتب : عبد الكريم صالح المحسن .

الصعود والتنميه السلميه في الصين

إن الأمة الصينية تتمتع بتاريخ عريق وخلقت حضارة باهرة في التطور التاريخي لأكثر من خمسة آلاف سنة وقدمت مساهمات كبيره في تقدم المجتمع البشري لا يمكن نسيانها. كان التطور الاقتصادي والعلمي للصين يتصدر أوائل دول العالم حتى القرن السادس عشر الميلادي وفي العصر الحديث تخلفت الصين تدريجياَ عن الدول الغربية بسبب فساد الحكم الإقطاعي وغزو القوى الرأسمالية الكبرى، وفي العام 1949م بدأ الشعب الصيني يسلك الطريق الاشتراكي بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وأحرزت كل القضايا في الصين تطورات جديدة وملموسه وفي عام 1979م بدأت الصين عملياَ في تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح لاكتشاف طريق جديد للتنمية الاشتراكية ودفع التحديث بكل القوة الى الامام.
قامت الصين بعملية الإصلاح والانفتاح بثقه وثبات على مدى السنوات الماضيه، حيث تم بناء نظام اقتصاد السوق الاشتراكي وتكوين اقتصاد الانفتاح، وازدادت القوة الإنتاجية الاجتماعية والقدرة الإجمالية للدولة وتطورت جميع القضايا الاجتماعية على نحو شامل، وتم إنجاز القفزة التاريخية لمعيشة الشعب من حالة الكساء والغذاء إلى مستوى الرفاهيه والعيش الرغيد بشكل عام. 
 
وتعمل الصين على تحقيق التحديث من الأساس لجعل الصين دولة اشتراكية غنية وديمقراطية وحضارية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تتمسك في بناء الاقتصاد لشكل مركزي واساسي وتطوير القضايا الإنسانية على اعتبار انها من الاولويات، السعي الى تحقيق التوازن التنموي بين الحضر والريف والوفاق بين الإنسان والطبيعة لتحسين البيئة البيولوجية، والسعي إلى رفع مستوى القوة الإنتاجية ومعيشة الشعب للوصول إلى التنمية العلمية والمستديمة. كما تواصل تطوير السياسة الديمقراطية والقوانين والثقافات في سبيل تحفيز التطور الاشتراكي الشامل.
 
إن ما اختارته الصين هو طريق التنمية السلمية، اذ أنها تستفيد من الفرصة السانحة لسلام العالم للعمل على تطوير وتقوية الذات، بينما تسهم بالمقابل في صيانة السلام العالمي بما حققته من تطورات ان السلام هو خير ورفاهية للبشرية بأسرها. وظلت الأمة الصينية تحب السلام. فتطور الصين يعني اسهام في السلام والتنمية للعالم برمته. إن التطور الصيني يعتمد على القوة الذاتية والسوق المحلية الواسعة وموارد القوى العاملة الوافرة واحتياطي رؤوس الأموال الضخم والآليات الحديثة الناجمة عن الاصلاح والانفتاح. ومن ناحية أخرى، إن الصعود الصيني لن يكون بمعزل عن العالم. فنتمسك بسياسة الانفتاح على الخارج وتقوم بتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع جميع الدول الصديقة على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. ومن المهم القول ان الصين تحتاج الى جهود مضنية طويلة المدى لكي تتمكن من ان تتفوق على مستوى الدول المتقدمة. إن الصعود الصيني لن يكون عقبة أمام أحد ولن يشكل تهديدا لأحد، لأن أكبر الخصائص لتطور الصين تتمثل في منهج التنمية السلمية، ولم نسمع يوماَ ان الصين قد سلكت طرق وسبل القوى الاستعمارية والامبريالية في الماضي ولا الحاضر كالنهب والسلب والظلم والاستغلال لم نسمع ان الصين يوماَ قد احتلت دولة ما، إن ما تأتي الصين به ليس عقبة أو تهديدا للعالم بل هي "الفرصة". لا تسعى الصين إلى الهيمنة حاليا، ولن تسعى إليها إن أصبحت قوية في المستقبل.
 
في ظل تقلبات الأجواء الدولية، ظلت الصين تنتهج سياسة دبلوماسية سلمية ومستقلة دون تغيير وتشارك الصين المجتمع الدولي في بذل جهود من أجل تدعيم تعددية الأقطاب في العالم ودفع العولمة الاقتصادية الى اتجاه يصلح لتحقيق الازدهار المشترك، ويفيد الدول النامية على الأخص. حيث تدعو الصين الى اقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد على نحو عادل ومنصف، رافضة الهيمنة وسياسة القوة وتنشد حماية تنوع العالم، داعية إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وتعددية الأنماط التنموية، مؤمنه بوجوب تبادل الاحترام والاستفادة بعضها من البعض بين مختلف الحضارات والنظم الاجتماعية وطرق التنمية من أجل تحقيق التنمية المشتركة.
 
الصين ستمضي في طريقها الى تطوير علاقات هادئه ومستقره مع جيرانها الاقليميين وهو ماميز تلك العلاقه على مدى سنوات والحقيقه ان الدبلوماسيه الصينيه التي يسير عليها الساسه الصينيون ازاء جيرانهم تعتبر الحجر الاساس لهذا النهج الذي نجح في ابراز فعالية وكفاءة بارزين خلال السنوات الماضيه ،حيث نهضت تلك الدبلوماسيه منذ الثمانينات مستنده الى اعادة تقويم المواقف وتشكيل المصالح المتغيره في العلاقات مع لبجيران الاقليميين ولم يستندوا الى افكار جامده ومسبقه لدى القياده في الصين عن هؤلاء الجيران ،وماحادث البحاره الصينيين الذين دخلوا بقواربهم الى منطقه متنازع عليها بين الصين واليابان في العام 2010م واحتجازهم من قبل اليابان حيث بدت العلاقه بينهما متوتره الا ان الدبلوماسيه الصينيه اعطت فكره للعالم على انها لم تسلك سلوك الهجوم والعدوان بل حثها هذا الحادث على احتواء مخاوف دول الجوار الاقليمي والظهور بمظهر الجار الكبير المسؤول الذي يتمتع بثقة جيرانه واستقرارهم.
لايمكننا الحديث عن الصعود السلمي للصينChina Peaceful Rise  مالم تتم مناقشته كمفهوم على المستوى الدولي لقد تفكك الاتحاد السوفيتي وتفردت الولايات المتحده الامريكيه كقوه عظمى تاركة خلفها بون شاسع بينها وبين بقية القوى العالميه الاخرى والحقيقه ان الطبيعة البنيويه للولايات المتحده الامريكيه تجعلها دائمة البحث عن عدو في حالة فقدت عدوها الاساسي من اجل ان تبقى قدرتها الاقتصاديه والعسكريه والسياسيه مستنفره ،فبعد ان انتهى العدو الرئيسي لامريكا وهو الاتحاد السوفيتي بدأت التنظيرات في داخلها تبدو صاخبه جداَ فالبعض اقترح ضرورة مواجهة الخطر الاخضر ويقصد به هنا الاسلام والبعض الاخر اقترح الاستعداد لمواجهة الخطر الاصفر ويقصد به الصين وكان من الضرورات السياسيه ساعتها الا تثير الصين التوتر مع الولايات المتحده الامريكيه وان تعمل على تهدئة المخاوف الامريكيه وتطمينها كي لا تحل محل الاتحاد السوفيتي كعدو بديل فطيلة حقبة التسعينات من القرن الماضي كانت القياده الصينيه منشغله بالبحث عن وسيله تجعل صعودها وتنميتها سلميه حيث ظهرت "نظرية الصعود السلمي للصينChina Peaceful Rise Theory " في العام 2003م كوسيله مهمه صاغها المستشار السياسي والاستراتيجي الصيني "زينغ بيجيان Zheng Bijian "  الذي احتل المرتبه 44 في قائمة افضل مائة مفكر عالمي والتي اصدرتها مجلة"فولان بوليسي"في كانون الاول/ديسمبر 2010م.
اراد "زينغ بيجيان" من خلال هذه النظريه وهذا المفهوم ان يبعث برساله واضحه الى العالم والولايات المتحده الامريكيه بشكل خاص من اجل تطمين المجتمع الدولي ان العوده الصينيه الى الساحه الدوليه لاعباَ  أساسياَ لن يهدد امن واستقرار النظام الدولي ،وقد جرى اعادة استخدام مصطلح الصعود السلمي للصين من قبل الامين العام للحزب الشيوعي الصيني "هوجينتاوHu Jintao" ونائبه رئيس الوزراء"وين جياباوWen Jiabao" في العام 2004م مقدمين مقترح ان يكون مفهوم "الصعود السلمي "من صلب سياسة الصين الخارجيه وذلك خلال دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في آذار/مارس من العام 2004م حيث اقترح ان يتم تضمين مفهوم "الصعود السلمي"خمسة عناصر مهمه واساسيه كان العنصر الاول يركز على ان تستفيد الصين من السلام العالمي حتى تستطيع ان من تعزيز التنميه في البلاد في المقابل لابد ان تساعد في تحصين السلام العالمي وذلك من خلال ماتحققه من تنميه اما العنصر الثاني فهو الاعتماد على القدرات الصينيه الذاتيه فقط وعلى الجهد المستقل والكبير المبذول من قبلها والعنصر الثالث هو الاستمرار في سياسة الانفتاح والقواعد الفعاله للتجاره الدوليه والتبادل التجاري من اجل ضمان تحقيق هذا الهدف والعنصر الرابع الاخذ بعين الاعتبار ان تحقيق هذا المفهوم يحتاج الى سنين عديده واجيال متعدده واما العنصر الخامس هو اثناء السعي لتحقيق هذا الهدف لن يتم الوقوف بطريق اي دوله او تعريض اي دوله اخرى للخطر كما لن ينجز على حساب اي امه.
عندما تم صياغة مفهوم "الصعود السلمي"كان الصينيون يظنون ويخططون ايضاَ الى انهم يحتاجون الى مدة زمنيه قد تمتد حتى العام 2050م حتى يتمكنوا ان يكونوا دوله كبرى في النظام الدولي لكن ماحدث من انتقال سريع للقوه من الغرب الى الشرق في النفوذ والاقتصاد خلال السنوات القليله الماضيه ادى الى استبعاد سريع للمراحل حيث بدا واضحاَ التأثير على معادله "الصعود السلمي"خصوصاَ في التسارع بالانهيار للقوه الامريكيه بشكل اكبر مما كان متوقع حيث شهدت الولايات المتحده منذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001م تراجعاَ مهولاَ في قوتها على مستوى الصعيد العالمي وكان واضحاَ مع نهاية فترة تولي بوش الابن الرئاسه اواخر العام2008م وان حروب افغانستان في العام2001م والعراق في العام2003م قد قضت على المتبقي من الهيمنه الامريكيه  المباشره وانهت نهائيا اي فعالية  للقوه العسكريه التقليديه ، إن عملية التعددية القطبية في العالم تيار لا يُقاوم. تتعاظم قوة دول الأسواق الناشئة والكتل الإقليمية والدول الآسيوية، وتتطور كيانات غير حكومية بأشكالها المختلفة بسرعة، وتتوسع تأثيراتها في ظل العولمة الاقتصادية والمعلوماتية الاجتماعية، وقد أصبحت قوة هامة في دول العالم وعلى الساحة الدولية. 
وكما يقول المثل الصيني "من سابق الدهر عثر ومن غالب الأيام غلب" على المجتمع الدولي أن يتجاوز "لعبة صفرية النتائجA Zero Sum Game  والتي تعني ان مجموع الارباح في نهاية اللعبه هو صفر"، وعقلية الحرب الباردة والساخنة الخطرة وغيرهما من قوالب العلاقات الدولية التي فات زمانها وزجت بالبشرية إلى أتون المجابهات والحروب مرارا وتكرارا. وعلى المجتمع الدولي أن يعمل بنظرة "كتلة ذات مصير واحد" الجديدة وبروح فريق واحد والتعاون والفوز المشترك، على فتح صفحة جديدة للتواصل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات، وإثراء مقومات المصالح والقيم المشتركة للبشرية، واستكشاف طرق جديدة للتعاون الدولي لمواجهة التحديات المتنوعة وتحقيق التنمية الشاملة. السلام بدلا من الحرب، النمو بدلا من الركود، والحوار بدلا من المجابهة، والتفاهم بدلا من التنافر، وهذا يمثل اتجاه العالم ورغبة الشعوب. عليه، فإن التنمية السلمية في الصين هي خيار لا مفر منه للصين في عصرنا اليوم. 
في ايلول/سبتمبر من العام 2011م ومن خلال مكتب الاعلام التابع لمجلس الدوله اصدرت الصين الكتاب الابيض للتنميه السلميه في الصين حددت بموجبه الاهداف الرئيسيه للتنميه السلميه وكذلك السياسه الخارجيه الصينيه للتنميه السلميه وقد ركزت على موضوع التنميه العلميه حيث وصفتها بانها احترام واتباع قانون الطبيعة الذي يحكم التطور الاجتماعي والاقتصادي، مع التركيز على البناء الاقتصادي، وتحرير وتطوير القوى الإنتاجية بشكل مستمر. تتخذ الصين نظرية التنمية العلمية مبدأ هاماً لتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر التنمية الأولوية الأولى للحزب الشيوعي الصيني في إدارة الدولة والنهوض بالأمة الصينيه. كما تلتزم الصين بمبدأ "الإنسان أولاً" والتنمية الشاملة والمنسقة والمستدامة، وتأخذ في الاعتبار جميع العوامل لوضع خطط شاملة ومتوازنة،التزاماً بمبدأ "الإنسان أولاً"، تحترم الحكومة الصينية دائماً بالقيم الإنسانية، وتعمل على تلبية الاحتياجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب وتحقيق الرخاء المشترك والتطور الشامل للإنسان، لضمان مبدأ "التنمية من أجل الشعب، وبالاعتماد على الشعب، وتقاسم ثروتها مع الشعب". التزاماً بالتنمية الشاملة والمنسقة والمستدامة، وتعمل الحكومة الصينية بالتزامن مع التنمية الاقتصادية على تحقيق التقدم السياسي والثقافي والاجتماعي وتحسين البيئة الأيكولوجيةEcological Environnement  "والايكوبوجيه بالمعنى الاوسع للكلمه انها ترى اليشريه بوصفها واحده مع الطبيعه وكجزء لايتجزأ من سيرورة التطور التي تمضي بالكون قدماَ من الماده الجامده الى الحياة والوعي" وتدعم التنسيق بين كل الحلقات والجوانب لعملية التحديث. أما في مجال وضع خطط شاملة ومتوازنة فيبدوا ان الحكومة الصينية تسعى إلى الفهم الصحيح للعلاقات الرئيسية في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والتعامل معها بشكل لائق لتحقيق التنمية المتوازنة بين المدن والأرياف وبين المناطق المختلفة، وبين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبين الإنسان والطبيعة، وبين التنمية الوطنية والانفتاح على الخارج. 
الصين كدولة نامية ذات عدد كبير من السكان لا بد لها من الاعتماد على نفسها لتحقيق التنمية. فظلت تحافظ على استقلالها وتركز على التنمية المحلية، وتعتمد على جهودها الذاتيه من اجل الإصلاح والابتكار لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقاً لظروفها الوطنية، ولا تنقل مشاكلها إلى البلدان الأخرى. وعلى خلفية العولمة الاقتصادية، لا بد للصين من الالتزام بالتنمية المستقلة و المشاركة بشكل أكثر فعالية في تقسيم العمل على المستوى الدولي أو إجراء التعاون المتبادل المنفعة مع دول العالم. 
حددت التنمية المنفتحة كجزء مهم من سياسة التنميه السلميه فقدعلمت الصين من تجربتها السابقة أنها لا تستطيع تطوير نفسها وراء باب مغلق. وتتخذ الصين الإصلاح والانفتاح كسياسة أساسية، حيث تقوم بالإصلاح الداخلي والانفتاح على الخارج في آن واحد، وتحرص على الالتزام بكل من الاستقلال والمشاركة في العولمة الاقتصادية والاستفادة من التقاليد الصينية الأصيلة وجميع الإنجازات للحضارات الأخرى، كما تسعى إلى دمج السوق المحلي مع الأسواق الدولية واستخدام كل الموارد المحلية والخارجية واتخاذ موقف منفتح لدمج الصين مع بقية العالم، إضافة إلى توسيع وتعميق إستراتيجية الانفتاح، وتعزيز التواصل والتعاون مع بلدان العالم لبناء نظام اقتصادي منفتح يضمن تفاعلا أفضل مع الاقتصاد العالمي ويتميز بأمنه وكفاءته على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. ولن تغلق الصين باب الانفتاح بل  من الواضح انها ستنفتح على الخارج أكثر فأكثر. 
اما التنمية السلمية فقد اعتبرتها الصين هدف وسياسه منطلقين من مبدأ الشعب الصيني شعب محب للسلام. ويدرك الشعب الصيني الذي عانى من ويلات الحروب ووطأة الفقر في العصر الحديث يدرك قيمة السلام وأهمية التنمية. ويؤمن الصينيون بأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الرخاء والطمأنينة، وإن التنمية هي الطريق الوحيد المؤدي إلى الازدهار والعيش الكريم للشعوب. لذا، فإن خلق بيئة سلمية ومستقرة للتنمية يمثل الأولوية الأولى للدبلوماسية الصينية. وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على تقديم المساهمة المطلوبة للسلام والتنمية في العالم، ولن تشارك في العدوان أو التوسع، ولن تسعى أبداً إلى الهيمنة، وستظل قوة عازمة لحماية السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً. 
يوجد في المحافل الدولية دائماً التنافس والتناقض. ويجب على دول العالم الاستفادة من تجربة الآخرين لتحقيق التكامل من خلال المنافسة الشريفة، والبحث عن فرص لتوسيع مجلات التعاون وتطوير المصالح المشتركة. و الصينيون ملتزمون بأسلوب التعاون لتحقيق السلام وتعزيز التنمية وتسوية الخلافات، وتسعى الصين إلى إقامة وتطوير علاقات التعاون بأشكال مختلفة مع الدول الأخرى، وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة من خلال توسيع التعاون المتبادل المنفعة مع الدول الأخرى، وحل القضايا الهامة التي تؤثر على التنمية الاقتصادية في العالم وبقاء البشرية وتقدمها. 
يزداد الاعتماد المتبادل بين دول العالم يوماً بعد يوم، وان تحقيق التنمية المشتركة وتقاسم ثمار التنمية على نطاق أوسع هو الذي يوفر أساساً متيناً وضماناً فعالاً للسلام والاستقرار في العالم، ويحقق التنمية المستدامة لدول العالم. لذلك، فام الصين ملتزمه بإستراتيجية الانفتاح المبنية على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركه، وتسعى إلى تحقيق مصالحها والمصالح المشتركة للبشرية جمعاء، وتعمل على تنمية نفسها والدول الأخرى ولابد من تحقيق التفاعل الإيجابي بين الأمرين، بما يعزز التنمية المشتركة لجميع الدول. وهي تأمل أن تعمل سوياً مع الدول الأخرى لتحقيق التنمية والرخاء المشتركين. 
بفضل التزامها بطريق التنمية السليمة، شهدت الصين تغيرات واسعة وعميقة، وحققت إنجازات تنموية مرموقة، وقدمت مساهمات كبيرة للازدهار والاستقرار في العالم، وأصبحت أكثر ارتباطاً مع بقية العالم. 
القوة الوطنية الشاملة للصين نمت بشكل كبير. وبلغ حجم اقتصاد الصين الكلي 5.88 تريونات في عام 2010 م بزيادة أكثر من 16 مرة مما كان عليه في عام 1978م، وارتفعت نسبته في اقتصاد العالم من 1.8% إلى 9.3%. وأصبح الأساس المادي لعملية التحديث في الصين أكثر صلابة، وأحرزت الصين تقدماً مطرداً في عمليات التصنيع والمعلوماتية والتمدين وبناء الاقتصاد الموجه نحو السوق والعالم، وتتقدم عملية البرناء الاشتراكي في جميع المجالات. كما حققت الصين قفزة تاريخية من عدم توفير الأغذية الكافية للشعب إلى توفير حياة ميسورة لشعبها بصورة أساسية، وارتفعت نسبة النصيب الفردي للدخل في الصين على المستوى العالمي من 24.9% في عام 2005 إلى 46.8% في عام 2010م. وبالإضافة إلى ذلك، حققت الصين تحولاً تاريخياً من الاقتصاد المخطط المركزي إلى اقتصاد السوق الاشتراكي الديناميكيDynamic Socialist Market ، وتم تشكيل نظام اقتصاد أساسي يتخذ الملكية العامة القوام الرئيسي مع تطوير الملكيات الأخرى. ويتعزز دور السوق الأساسي في توزيع الموارد ويتحسن نظام الضبط والتحكم الكلي. وتتقدم تدريجياً عملية بناء نظام الضمان الاجتماعي الذي يغطي السكان في المناطق الحضرية والريفية، وتتطور عملية البناء الثقافي والتعليمي والعلمي والتكنولوجي والصحي والرياضي وغيرها من البرامج الاجتماعية على نحو شامل. 
الصين حققت تحولا تاريخيا من دولة منغلقة أو شبه منغلقة إلى دولة منفتحة في كافة المجالات، من إقامة المناطق الاقتصادية الخاصة إلى فتح المناطق الساحلية ومناطق أحواض الأنهار الرئيسية والمناطق الحدودية والداخلية، ومن استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في الخارج، ومن فتح الأبواب أمام العالم إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وشاركت الصين بنشاط في العولمة الاقتصادية والتعاون الاقتصادي الإقليمي وتصبح أكثر انفتاحا يوما بعد يوم. وازداد حجم الصادرات والواردات من 20.6 مليار دولار عام 1978م إلى 2974 مليار دولار عام 2010م ومن عام 1979م إلى عام 2010م، اجتذبت الصين الاستثمارات الأجنبية المباشرة البالغ قدرها 1048.38 مليار دولار. حتى الآن، لقد أسست الصين آلية التعاون الاقتصادي والتجاري مع 163 دولة ومنطقة، ووقعت 10 اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول العالم واتفاقيات حماية الاستثمار مع 129 دولة، واتفاقيات منع الضرائب المزدوجة مع 96 دولة، الأمر الذي يدل على جهود الصين الإيجابية في تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار. في إطار الوفاء بتعهداتها التي قطعتها الصين عند الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، قامت الصين بتخفيض الرسوم الجمركية تدريجيا لتصل في متوسطها إلى 9.8% مقارنة مع 15.3% قبل الانضمام إلى المنظمة، وألغت معظم الإجراءات غير الجمركية. وتعمل الصين على بناء منظومة عامة من العلاقات المستقرة والمتوازنة والمتبادلة المنفعة مع الدول الكبرى وتعزيز التعاون الإقليمي من أجل تقاسم الفرص والتنمية المشتركة. كما عملت الصين على تعزيز الصداقة والتضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى. وازداد الاعتماد المتبادل والمصالح المتشابكة بين الصين ودول العالم، وأصبحت الاتصالات والتعاون بين الصين وبقية العالم أوسع من أي وقت مضى. 
الصين قدمت مساهمة هامة في ضمان النمو المستقر للاقتصاد العالمي. ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، استوردت الصين ما يقارب من 750 مليار دولار من البضائع من الخارج كل عام، بعبارة أخرى، خلقت أكثر من 140 مليون فرص عمل لتلك الدول والمناطق المصدرة. في العقد الأخير، قامت الشركات الأجنبية في الصين بتحويل 261.7 مليار دولار من الأرباح إلى الخارج بمعدل نمو سنوي يصل 30%. وبين عام 2000م وعام 2010م، ازداد الحجم السنوي للاستثمارات الصينية المباشرة غير المالية في الخارج من أقل من مليار دولار إلى 59 مليار دولار، مما أعطى دفعة قوية لعملية التنمية الاقتصادية في الدول المتلقية. في عام 2009، دفعت الشركات الصينية في الخارج ضرائب يصل إجمالها 10.6 مليار دولار ووفرت 439 ألف فرصة عمل للسكان المحليين. وتفوق نسبة مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 10% في السنوات الأخيرة. خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1997م التي تسببت في انخفاض كبير لقيمة عملات الدول المجاورة، تمكنت الصين من إبقاء سعر صرف الرنمينبي مستقرا نسبيا، مما أسهم في ضمان الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة. ومنذ اندلاع الأزمة المالية الدولية عام 2008م، شاركت الصين بصورة فاعلة في جهود مجموعة الـ20 في بناء آلية دولية للحوكمة الاقتصادية، ودفعت إصلاح النظام المالي الدولي، وقامت بتنسيق سياسات الاقتصاد الكلي مع الدول الأخرى، وشاركت في البرامج الدولية لتمويل التجارة والتعاون المالي الدولي، وأرسلت وفود المشتريات الكبيرة إلى الخارج لمساعدة البلدان في وقت الشدة. وتبذل الصين جهودا جدية في تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، وأصبحت الدولة الوحيدة التي تمكنت من خفض عدد الفقراء إلى النصف قبل الموعد المحدد. بالإضافة إلى ذلك، قدمت وتقدم الصين ما في حدود إمكانياتها من المساعدات إلى الدول الأخرى. حتى نهاية عام 2009م، قدمت الصين 256.3 مليار يوان إلى 161 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية وإقليمية وقلصت وألغت 380 دينا مستحقا على 50 دولة من الدول الفقيرة والمثقلة بالديون والدول الأقل نموا، وقامت بتدريب 120 ألف شخص للدول النامية الأخرى وأرسلت 21 ألف عامل طبي وقرابة 10 ألف معلم إلى الدول النامية الأخرى. وتشجع الصين بقوة الدول الأقل نموا على زيادة الصادرات إلى الصين، وتعهدت بمنح المعاملة الجمركية الصفرية لـ95% من المنتجات المستوردة من الدول الأقل نموا ذات العلاقات الدبلوماسية مع الصين. 
تلعب الصين دورا هاما في صيانة السلم الدولي ومواجهة التحديات الكونية. وإن الصين هي الدولة النووية الوحيدة التي تعهدت علنا بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها أو التهديد باستخدامها ضد الدول غير النووية أو المناطق الخالية من الأسلحة النووية. وأرسلت الصين حوالي 21 ألف شخص في 30 مهمة لحفظ السلام للأمم المتحدة، مما جعلها أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. تشارك الصين بنشاط في التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار، وهي قدمت مساعدات إنسانية وأرسلت فرق الإنقاذ إلى الدول المنكوبة من جراء الكوارث الطبيعية المدمرة وترسل أساطيل السلاح البحري في مهمة الحراسة ومكافحة القرصنة في خليج عدن والمياه قبالة سواحل الصومال. إن الصين عضو في أكثر من 100 منظمة حكومية دولية وطرف متعاقد لأكثر من 300 معاهدة دولية وهي مشارك ومساهم إيجابي في بناء النظام الدولي. والصين هي أول دولة نامية وضعت وبدأت تنفذ خطة وطنية لمواجهة التغير المناخي. والصين أيضا من الدول التي قدمت أكبر الجهود في توفير الطاقة وخفض الانبعاثات وحققت أسرع نمو في تطوير الطاقات الجديدة والمتجددة في السنوات الأخيرة. ولعبت الصين دورا بناء في حل القضايا الساخنة الدولية والإقليمية. مثلا، تدعو الصين إلى حل القضية النووية لشبه جزيرة كوريا وملف إيران النووي والقضايا الساخنة الأخرى من خلال المفاوضات السلمية، وبذلت جهودها في تأسيس آلية المحادثات السداسية بشأن القضية النووية في شبه جزيرة كوريا. وتمكنت الصين من حل القضايا الحدودية التاريخية مع 12 دولة متاخمة برا. وتتمسك الصين بحل النزاعات على الأراضي والحقوق والمصالح البحرية مع الدول المجاورة عبر الحوار والمفاوضات. على سبيل المثال، طرحت الصين مبادرة بناءة بشأن "ترك الخلافات جانبا والسعي إلى التطوير المشترك" وبذلت قصارى جهدها في حفظ السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والمناطق المحيطة بهما. وتسعى الصين إلى تحقيق التنمية والازدهار المشترك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال إجراء التعاون الثنائي والمشاركة في التعاون الإقليمي وشبه الإقليمي. 
باحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16601
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28