• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : عَليٌّ.. نورُ الله المُبين! في ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

عَليٌّ.. نورُ الله المُبين! في ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً﴾ (النساء174).

في الثالث عشر من رجب الأصبّ، في يوم ولادة النُّور المُبين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يتأمَّلُ الإنسانُ في هذه الآية الشريفة، حيثُ فُسِّرَ البُرهان فيها بالنبي محمدٍ صلى الله عليه وآله، والنور بعليٍّ عليه السلام (تفسير العياشي ج‏1 ص285).

يُخاطبُ الله تعالى (الناس) في هذه الآية، فلا يخصُّ فئةً دون أخرى، ليعلمهم بأنَّه قد جاءهم ﴿بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
إنَّ التنكير يُستعملُ في أغراضٍ خاصَّةٍ في اللغة، ويُستبدل التعريف به لغاياتٍ منها التعظيم والتفخيم والتجليل، فيكون أولى وأجلى من (المعرفة)، وهذا حال (البرهان) و(النور) في الآية المباركة.

فالنبي (ص) بُرهانٌ من الله، وأيُّ بُرهان هو صلى الله عليه وآله، فهو وإن كان مُظهِرَ البراهين، إلا أنَّ الآية المباركة قد جعلته بُرهاناً من الله بنفسه، إما لأنَّه أتى بأعظم البراهين من الله تعالى، أو لأنَّ عظمته بنفسها بُرهانٌ تامٌّ على نبوّته ووحدانية الله تعالى.

أمّا عليٌّ عليه السلام، فهو (نورٌ مُبينٌ)، ظاهِرٌ، جَليٌّ، لا يخفى أمرُه على أحدٍ من الناس، لأن الله تعالى هو الذي أنزله، إليهم جميعاً، وجعله (مُبيناً)، فلا يُعقل أن يخفى أمرُ نورٍ أنزله الله مُبِيناً !

لقد أفصحَ النورُ عن عظمة صاحبه في مواطن شتى، منها:

1. عليٌّ وأبو طالب

لقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَنِي وَعَلِيّاً مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ.. فَلَمَّا خَلَقَ الله تَعَالَى آدَمَ قَذَفَ بِنَا فِي صُلْبِهِ.. ثُمَّ أَطْلَعَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلِيّاً مِنْ ظَهْرٍ طَاهِرٍ وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ، وَاسْتَوْدَعَهُ خَيْرَ رَحِمٍ وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ (روضة الواعظين ج1 ص77).

هي الرِّعاية الإلهيَّةُ للنبي (ص) والوصي (ع) من عالم الأنوار.. عالمٌ أوجدهم الله تعالى فيه قبلَ أيِّ خَلقٍ آخر، ثم لما خُلِقَت الملائكة عرفت تعظيم الله تعالى وتمجيده بهم عليهم السلام.

والآن.. حانَ وَقتُ ظهور بعض علامات هذا النور للناس في هذه الدُّنيا، ذاك حينما استودع الله النور فاطمة بنت أسد عليها السلام.

2. عليٌّ وفاطمة بنت أسد

عندما حانت ساعة انتقال النور من أبي طالب لفاطمة بنت أسد عليهما السلام، أُتيَ أبو طالب (بِطَبَقٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاكِهِ الجَنَّةِ رُطَبَةٍ وَعِنَبَةٍ وَرُمَّانٍ، فَتَنَاوَلَ أَبُو طَالِبٍ مِنْهُ رُمَّانَةً) (روضة الواعظين ج1 ص77).

ثم (نَهَضَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ (رض) فَلَمَّا اسْتَوْدَعَهَا النُّورَ ارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ بِهِمْ سَبْعَةَ أَيَّام)‏! (الفضائل ص56).

إنَّ الناس يولون للأحداث الكونية العظيمة أهميةً كبيرة، وقد أظهرَ الله تعالى مِنها عَجَباَ عندما حَمَلَت فاطمة بنت أسد عليها السلام بعليٍّ عليه السلام.

لكنَّ الناس ما كانوا قد عرفوا بَعدُ سببَ ما يجري.. رغم اهتمامهم بهذا الحدث العظيم، وقد أصابَ قريشٌ شدَّةً وفزعاً.. فاجتمعوا وتوجَّهوا إلى جبل أبي قبيسٍ، ليسألوا آلهتهم التي يعبدونها رفع ما وقع بهم.

لكنَّ الجبل ارتجَّ بهم أيضاً.. (حَتَّى تَدَكْدَكَتْ بِهِمْ صُمُّ الصُّخُّورِ، وَتَنَاثَرَتْ وَتَسَاقَطَتِ الآلِهَةُ عَلَى وَجْهِهَا) !

فأظهرَ الله تعالى الخوفَ فيهم أولاً، ثم أظهر عجزَ آلهتهم بل تساقُطِهَا وتَنَاثُرِهَا، فأبطل الله تعالى حجج المشركين بعليٍّ عليه السلام من ساعة حمل أمه به.
ثم حانَ وَقتُ بيان السِّرِّ في ذلك على لسان أبي طالب عليه السلام، فصعد أبو طالب الجبل وخاطبهم قائلاً:

إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ حَادِثَةً، وَخَلَقَ فِيهَا خَلْقاً إِنْ لَمْ تُطِيعُوهُ وَلَمْ تُقِرُّوا بِوَلَايَتِهِ وَتَشْهَدُوا بِإِمَامَتِهِ لَمْ يَسْكُنْ مَا بِكُمْ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ بِتِهَامَةَ مَسْكَناً !

إمامةُ عليٍّ كانت فَرضاً لازماً مِن قبل ولادته، وقد ظَهَرَت بالآيات الساطعة، ورأى القومُ عَظيمَ ما يجري، فقالوا بمقالة أبي طالب، وأقروا بوجوب طاعة هذا الإمام الذي صار وديعةً عند فاطمة بنت أسد عليها السلام.

حينها بكى أبو طالب، وتوجه إلى الله تعالى، ودعاه بأصحاب الأنوار، وحججه على بريته، سألَ الله تعالى: (بِالمُحَمَّدِيَّةِ المَحْمُودَةِ، وَبِالعَلَوِيَّةِ العَالِيَةِ، وَبِالفَاطِمِيَّةِ البَيْضَاءِ)، فنجى القومُ بذلك.

فظهَرَ شيءٌ من عظمة عليٍّ عليه السلام قبل أن تطأ قدماه الأرض! هكذا يكون نور الله المبين.

3. عليٌّ ساعة الولادة

لقد أظهر الله تعالى عظمة نور عليٍّ عليه السلام تارةً بعلامات وإشارات مَخوفَةٍ للناس، وأخرى بعلامات بهيجة !
فإنَّه عليه السلام لما وُلد:

إِذَا هُوَ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ !

قَدْ سَجَدَ عَلَى الأَرْضِ وَهُوَ يَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله.
وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً وَصِيُّ رَسُولِ الله.
بِمُحَمَّدٍ يَخْتِمُ الله النُّبُوَّةَ، وَبِي يُتِمُّ الوَصِيَّةَ، وَأَنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (روضة الواعظين ج1 ص79).

فظهرَت العلامة فيه حيث بدا كالشمس الطالعة، بشرى للمؤمنين به.

ولأنَّ هذه العلامة لا يراها إلا مَن كان قريباً، كان لا بدَّ من علامةٍ أخرى يراها كلُّ أحد، فهو نورٌ مُبينٌ لكلّ الناس، لذا تغيَّرَت الأرضُ في الليلة التي ولد فيها، وصارَ ليلُها كالنَّهار.. ففي الحديث عن ليلة ولادته: أَشْرَقَتِ الأَرْضُ وَتَضَاعَفَتِ النُّجُومُ! (الفضائل ص56).

هكذا لَم يترُك الله تعالى عُذراً لمعتذر، فظهر النُّور المُبين من الله نوراً جلياً بنفسه وبآثار بركاته في الدُّنيا بأسرها.. لتتم حجَّة الله تعالى على الناس أجمعين.

4. عليٌّ بابُ الهداية

لقد استحقَّ عليٌّ عليه السلام بكفاءته مرتبةً سامية، فأكرمه الله تعالى وعظَّمَ شأنه وفضَّلَه وجلَّله بأن خلقه نوراً.
ثم أظهر له وعلى يديه المعاجز والكرامات وخوارق العادات، لتتم الحجة على الناس، ويقرّ الخَلق بمنزلته وعظمته وصدقه، فينفتح لهم بذلك بابُ الهدى على يديه.

لقد ورد عن النبي (ص) أنه قال لعليٍّ عليه السلام كلمةً عجيبة كان فيها:
وَالله يَا عَلِيُّ، مَا خُلِقْتَ إِلَّا:

1. لِيُعْبَدَ [بِكَ‏] رَبُّكَ !
2. وَلِيُعْرَفَ بِكَ مَعَالِمُ الدِّينِ.
3. وَيُصْلَحَ بِكَ دَارِسُ السَّبِيلِ.
وَلَقَدْ ضَلَّ مَنْ ضَلَّ عَنْكَ، وَلَنْ يُهْدَى إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْك‏ (الأمالي للصدوق ص495).

بعليٍّ يُعرفُ الله تعالى ولولاه لَم يعرف.. ولَم يُعبد !
بغير سبيله وطَريقه لا يُعرف دين الله ويُتَّبَع، بل يسود دين الشيطان وأولياؤه!

بكلِّ هذا يصيرُ عليٌّ (نوراً مبيناً) أنزله الله تعالى لخلقه، ليهتدوا إلى معرفته، ويُصلِح لهم سُبُلهم، ويأخذ بيدهم إلى الله تعالى.

لذا.. ليس غريباً أن ينفتح البيت العَتيق لتدخل إليه فاطمة بنت أسد بأمر الله تعالى.. وأن يُفَضِّلها الله تعالى على مَن تَقَدَّمَها من النِّساء، وأن تسمع الخطاب قبل خروجها من بيت الله، أن:
يَا فَاطِمَةُ سَمِّيهِ عَلِيّاً، فَهُوَ عَلِيٌّ، وَالله العَلِيُّ الأَعْلَى يَقُولُ:

إِنِّي شَقَقْتُ اسْمَهُ مِنِ اسْمِي، وَأَدَّبْتُهُ بِأَدَبِي، وَوَقَفْتُهُ عَلَى غَامِضِ عِلْمِي، وَهُوَ الَّذِي يَكْسِرُ الأَصْنَامَ فِي بَيْتِي، وَهُوَ الَّذِي يُؤَذِّنُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي وَيُقَدِّسُنِي وَيُمَجِّدُنِي، فَطُوبَى لِمَنْ أَحَبَّهُ وَأَطَاعَهُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَهُ وَعَصَاهُ (الأمالي للصدوق ص133).

فاسمه من اسم الله، وعِلمه من علم الله، وولايته ولاية الله.. هو نور الله المُبين، ليس فيه خفاء، أمرُه كالشمس في رابعة النَّهار.. وآثاره أعظم من أن تُنكَر.

هذا هو إمامُ الشيعة وفَخرُهُم وعزُّهم ومَجدُهُم.. بعليٍّ يؤمنون، وله بالفضل يقرّون، ولأمره يتَّبعوه.. فطوبى لهم ثمَّ طوبى لهم..

والحمد لله رب العالمين

الثلاثاء 13 رجب 1443 هـ
15 – 2 – 2022 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164909
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28