• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مَن_نَحنُ؟! .
                          • الكاتب : مصطفى خورشيد المندلاوي .

مَن_نَحنُ؟!

 قبل مَا يُقارب اسبوعًا كُنت أفكرُ بأنّه لِمَ بلادنا وَمُعظَم البُلدَان الأسلَاميَّة قَد أمسَينَا عَلىٰ هذهِ الحَالَة المؤسِفَة كمَا نَعيشهُ نَحنُ اليَوم؟ أذ مَا نحنُ عليهِ اليَوم مؤلِمٌ حَقًا فأصبحتُ أفكرُ بِالعِلَل التي أعرفُهَا وَرُغمًا عَنهَا كنتُ أودُّ مَعرفَة أيُّ العِلَلِ يَجب أنْ تكونَ فِي مُقدَّمة تِلك العِلَل..

وَانَا أطالعُ فوَجدتُ رُوايَة للإمام عَليّ بِن أبي طَالِب(عليه السَّلام) قَال: "مَن اعتَدَلَ يَومَاه فهو مَغبونٌ... ومَن كانَ غَدهُ شَرَّ يَومَيه فمَحرومٌ، ومَن لَم يُبالِ بمَا رُزءَ مِن آخرَته إذَا سَلَمتْ لَهُ دُنياَه فهو هَالكٌ ومن لَم يَتَعاهَد النَقصَ مِن نَفسِه غَلَبَ عَليه الهَوىٰ، ومَن كَان في نَقصٍ فالمَوتُ خَيرٌ لَه"
وثَانِيَّة لِلإمام جَعفَر الصَّادِق(عليه السَّلام) قَال: "مَن اعتَدَلَ يَومَاه فهو مَغبونٌ، ومَن كانَ فِي غَدهِ شَرًا مِن يَومهِ فهو مَفتونٌ، ومَن لَم يَتفقَد النُقصَانَ فِي نَفسهِ دَام نُقصَهُ، ومَن دَام نُقصَهُ فالمَوتُ خَيرٌ لَه"
وَثَالثَة لِلإمام موسَىٰ الكَاظم(عليه السَّلام) قَال: "مَن استَوَىٰ يَومَاه فهو مَغبونٌ، ومَن كَان آخرَ يَومَيهِ شَرَّهمَا فهو مَلعونٌ، ومَن لَم يَعرفْ الزيَادَة فِي نَفسهِ فهو فِي نُقصَانٍ، ومَن كَان إلىٰ النُقصَان فالمَوتُ خَيرٌ لَه مِنَ الحَيَاة"

وَانَا قَرأتُها كَأنَّ صَاعِقَةً قَد صَعَقتنِي! ، حَيث أنّ ثَلاثَتهمَ قَد أشتَركوا فِي أيصَال رِسَالَةٍ فِي غَايَة الأهمِيَّة وَظَاهِرُ الكَلَام لَيسَ كَبَاطِنِه! ، حَيث أنّهم يَودونَ القَول بأنّ الأنسَان لَابد أنْ يَعمَل جَاهدًا فِي تَحصيلِ كُلِّ شَيء بِمقدَارِهِ وَعَلَىٰ كَافةِ الأصعِدَة دونَ كَلَل أو مَلَل وَمَن تَقَاعَس عَن ذَلك فَهو مَغبونٌ أيّ خَائب أو جَاهلٌ أو ضَعيف..! ، وَعليهِ لَابُدّ عَلىٰ كُلِّ فَرد الأستزَادَة بشَيءٍ مَا -وَلو كَان بَسيطًا- كُلَّ يَوم بشَكلٍ يَجعَلَهُ مُختَلفًا عَن يَومهِ السَابق حَتَّىٰ تَكون تِلك الأستزَادة جَليّةً عَليه فِي هيئتهِ وَأسلوبِهِ وكَلَامه بمرورِ الزَمَن..
وَهذَا ما نفتَقدَهُ نَحنُ اليَوم حَيث وَأنْ كَان البَعض نَاجِحًا فِي حَياتِه بأتبَاعِهِ لنَمط -روتين- حيَاتِي مُعيَّن ألّا أنَّهُ دونَ أدنَىٰ شَك فأنّه فِي بَعضِ جُزئيَّاتِ حَيَاتِه يَفشَل وَقد يَكونُ هَذا الفَشَل للبَعض سَبَبًا لَهُ وَدَاعيًا إليه بِأنْ يَدرُس فَشلَهُ ويَتَعلم مِنه كَي يَنجَح فيهِ لَاحقًا، أمّا البَعض الآخَر فأنّه لَا يَكتَرث لِمَا يُصيبُه أو سَيُصيبُه وَ إلَامَ سَتَؤول إليهِ عَدم أكتراثه فيَصبحُ مَغبونًا ويَقع مَا يَقِع وَلَو بَعدَ حين فَيَصبَح هو وَالمَيتُ عَلىٰ حَدٍ سَوَاء بل المَوت أفضَلُ لَه!

فالرويَاتُ الثَلاثَة أعلَاه كَلَامٌ عَلَىٰ مستَوَىٰ الفَرد الوَاحِد وَالذي لَابُدّ أنْ يَكونَ نَشِطًا وفَعّالًا لَا مُتَقاعِسًا خَمولًا لَا يَتَحمَّل مَسؤوليَات نَفسه وَأعبَائها فَكيفَ عَلَىٰ مستَوىٰ المُجتَمَع الذي يُكَوّنهُ أفرَاد ،وَهذَا مَا جَناهُ بِلَادنا بأفعَالِنَا نَحن..!

أنَنَا نَحتَاجُ الىٰ أنْ نزدَاد مَعرفَةً فِي كُلِّ شَيء بِمقَدَار الذي يؤثِر فِينَا حَتَّىٰ نتَقدَم نَحو الأمَام ونترك النَمَط -الروتين- الحَيَاتيّ البَائس الذي نَحنُ فيه كمُجتَمَع، بَل خُلقنَا لِلمَعرِفَة وَهذَا عَينُ مَا قَالَه عَليّ بِن أبي طَالب(عليه السَّلام) فِي أحدِ وَصَايَاه لِكُميَل بِن زيَاد:
 "يَا كُمَيل! مَا مِن حَرَكةٍ إلّا وأنتَ مُحتَاجٌ فِيهَا إلىٰ مَعرِفة"

وَأمَّا بَعد فقَد أصَابَني الفضولُ فِي أنْ أعرفَ هَل يوجَد شَيءٌ مِما ذُكر أعلَاه فِي القُرآنِ الكَريم حَتَّىٰ بَحثتُ بِخصوصِ ذَلك فأذَا بآيةٍ مِن سورَة الأحزَابِ قَرَأتُ وَقد وَقفتُ عندَهَا وأستَغربتُ مِنهَا بشدَّة وَهي:
"إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(٧٢)"

الأمَانَة؟!..أستَغرَبتُ مِن هَذه الأمَانَة التي أبَتِ السَماواتُ وَالأرض وَالجِبَال حَملَها أي انّها رَفضَتْ بَل أشفَقنَ منهَا أي خِفنَ منهَا !! ،بَينَما الأنسَانُ قَد تَكَلَّف بهَا ! ،وَالأكثَر أستغرَابًا وَتَعجُبًا هو أنّ الله تَعالىٰ قَال فِي سورَة غَافر: 
"لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(٥٧)"

الأنسَان هَذه النُطفَةُ تَحملُ أمَانَةً قَد أبَتِ السَماوَات والأرض بِحَجمِهَا وَالجِبَالُ بِصَلابَتِهَا حَملَهَا ! ،أذن مَا هِي تلكَ الأمَانَة؟!! قَد أصابَني الفضولُ وَالحيرَة فـ هِمتُ بَاحثًا عَن تَفسيرهِ وَقد أختَلَفَ المُفَسِرونَ فِي تَفسير هَذهِ الأمَانَة وأدنَاه أحدُ التَفسيرَات:
"الأمَانَة التي عُرضَتْ عَلىٰ السَّماوَاتِ وَالأرض وَالجِبَال وَأبَينَ أنْ يَحمِلنَها وَحَمَلها الإنسَان هِي الوَلايَة الإلهيَّة والإتصَاف بكَمالِ العبودِيَّة ، وبمَعنَىٰ آخَر هو التَكليفُ الشَرعيّ بالطَاعَاتِ وَتَجنُبِ المَعاصِي ، هَذه الوَديعَة لَم يَكنْ مؤهَلًا لِحَملها سِوىٰ هَذا الإنسَان الذي مُزجَتْ فيهِ الأضدَاد مِن الجَهلِ وَالعِلمِ وَالظُلمِ وَالعَدلِ وَالشَهوَة وَالعِفَّة وَالكُفر وَالإيمَان ، فهو القَادرُ عَلىٰ الوصولِ مِن رَحمِ المُعَانَاة وَالصِرَاع بَين الشَّرِ وَالخَير فِي نَفسهِ إلىٰ العبوديَّة الحَقَّة وَالكَمَال العَالي بمَا يَستَحق مَعه جنَان الله الوَاسعة وَكرامَاته العَديدَة ، وَقولهُ تَعالىٰ: (وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) ، وإنْ كَان يوحِي بالذَم فِي ظَاهرهِ لَكنَّهُ وَاقِعًا يُشير إلىٰ عَظَمة الإنسَان بأنَّه مَع طَبيعَتهِ الجَاهِلة ؛ إذ يُولَد وَهو لا يَعلَم شَيئًا فيَضطَر للتَعلُم وَالتَعلُم حَتَّىٰ الوصول الىٰ المَراتِبِ العَاليَّة فِي المَعرِفَة…"

أذن الشَيء الذي أودَىٰ حَال مُجتَمعنَا وَبِلادنا الىٰ مَا نحنُ عَليهِ اليَوم هِي تِلك الأمَانَة التي لَم نَحسن التَعَامل مَعَها وَتَقصيرنَا الشَديد تِجَاهَها بَل وَفُقدَان المَعرِفَة فِي عدَة جَوانِب وَفُقدَان الأستِزادَة فِي المَعرِفَة فِي بَعض الجَوانِبٍ الأخرَىٰ مِمَا أدَىٰ الىٰ جَعل أيَامنَا فَاقِدة لِلتَجديد والنَشَاط وَمتساويَة فِيمَا بَينَها لِفترَة زَمنيَّة حَتّىٰ غَلبَ عَليهَا صِفة الغَبن أي الجَهل فهَبَطَ المُجتَمع والبِلاد عَلىٰ أيدي أفرَادَها !.
وَمِن هُنَا عَلينَا أنْ نَعي أهميَّة مَا نَفعَلهُ نَحن وَعَلينَا أنْ لَا نَكتَفي بِمَا لَدينَا مِن العلوم فِي جَانبٍ وَاحد بَل عَلينَا أنْ نَتَحرّك وَنَسعَىٰ بشَكلٍ يَومي فِي الأستزادَة فيِ المَعرفَة بكُلِّ الجَوانِب (الدينِيّ، السيَاسيّ، الثَقافيّ، الأجتماعِيّ،…) بِقَدرٍ يُؤثِرُ فِينَا نَحو الأفضَل وَيخدم أنفُسَنَا وَمُجتَمعَنَا وَبِلادنا وَمِن هنَا نَستَطيعُ أنْ نَعِي مَا قَالَهُ الإمام عَليّ بِن أبي طَالب(عليه السَّلام):
" أتَزعَمُ أنَّكَ جُرمٌ صَغيرٌ وَفِيكَ أنطَوَىٰ العَالَمُ الأكبَر "
بالرُغمِ أنَنَا نُطَفٌ صَغيرَة لَكنَّ عَليّ(عليه السَّلام) قَد وَصَفنَا بِأنَنَا أجرَامٌ مَطويَّةٌ فِينَا هذا العَالَم أي نَحنُ نَحتوي هَذا العَالَم لَا العَالَم يَحوينَا ! وَيَتَجلَىٰ حَقيقَة ذَلك عِندَما جُزءٌ مِن جسمِكَ كعَينِك الصَغيرَة قَادِرَةٌ عَلَىٰ أستيعَاب كُلّ مَا يُوجد فِي هذا العَالم مِن تَصويرَات ! فَكَيفَ بِبَاقِي الأجزَاء سِيَمَا العَقل !، عَلينَا أنْ نَبحَث عَن أنفُسنَا وَنَسأل مَن نَحنُ؟!
"لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ(٤)" .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164244
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29