بعد هذا العرض اصبح جلياً، ان المجتمع الكوفي كان مجتمعاً منخوراً، وكانت حادثة صفين والتحكيم وظهور الخوارج اكبر الادلة على انهيار المجتمع الكوفي، ومن ابرز نتائج صفين وما بعدها ظهور حالة التقاعس الشديد في الدفاع عن السلطة الشرعية، والاستجابة لدعوتها للجهاد، واشتداد دور القوى المثبطة من المنحرفين عن امير المؤمنين (عليه السلام).
حتى اذا استشهد امير المؤمنين (عليه السلام) وبويع الامام الحسن (عليه السلام) كانت زعامات المجتمع الكوفي قد تواصلت مع معاوية بن ابي سفيان بمختلف الطرق مبدية استعدادها الكامل للتخلي عن الامام الحسن (عليه السلام) فيما اذا وقعت الحرب بين الشاميين والكوفيين، وازداد الامر وضوحاً للمجتمع الكوفي عندما تخلى عبيد الله بن العباس عن قيادة الجيش والتحق بمعسكر معاوية بعد ان رشاه معاوية بمئتي الف درهم، فاصبح الجند بلا قائد، ثم عمد بعض الخوارج وطعن الامام الحسن (عليه السلام) في فخذه، عندما كان معسكراً  في المدائن.
فكل القرائن كانت شاهدة على ان الكوفة تخلت عن الدفاع عن السلطة الشرعية وانها ميالة الى الاستسلام، فكان الامام الحسن (عليه السلام) اذ اراد ان يخوض الحرب فسيخوض حرباً خاسرة لا محالة، وهذه الحرب الخاسرة سوف تقضي على خلص انصاره وحملة الفكر الاسلامي الحق، فلم يكن طريق لحفظ دمائهم، والحفاظ على القاعدة المؤمنة التي ينتظر لها ان تقوم بمهمة بناء الاجيال اللاحقة على الحق والعدل والتعاليم الاسلامية الصحيحة الا بقبول الصلح والتنازل عن السلطة لمعاوية ليقضي الله امراً كان مفعولاً .