• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قمة المالكي .
                          • الكاتب : هادي جلو مرعي .

قمة المالكي

دون تسمية أحد بأسمه ، وسواء ، كان حزبا أو طائفة أو قومية أو شخصاً، فإن منافسا لم يكن راغباً في منح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هذه الفرصة الذهبية التي تحققت في قمة بغداد والتي جاءت بعد مضي 22 عاما على آخر قمة عقدت في العراق, ورأسها صدام حسين ,وحضرها معظم القادة العرب الذين منهم الأغلب (سحلا، وإعداماً، وقتلاً، وموتاً، وهروباً، وعزلاً، وتنازلاً).
لم يحضر من التقليديين من الزعماء من أحد سوى (البشير) ,وحتى الأخير لم يحضر كممثل للسودان التقليدي, بل للجزء الشمالي منه ، والذين حضروا من الجدد (الليبي، التونسي) عبروا عن مواقف تناغمت مع تصريحات أطلقها مسؤولون عراقيون, وكرروها منذ عام 2003, وحتى اللحظة عن الديمقراطية ,ومواجهة الإستبداد والطغيان والمشاركة والإنتخاب الحر ,ودولة المؤسسات.
معظم المحللين السياسيين العراقيين الذين تحدثوا لوسائل إعلام محلية ودولية لم يبتعدوا عن الإشارات السطحية ,وإطلاق كلمات الإنتصار والسيادة والعودة الى الدور الريادي ، قابلهم محاورون لا يملكون قدراً كافيا من المعلومات والدراية السياسية . .ما جرى في بغداد نهاية مارس 2012 مثل تحولاً إستراتيجياً في معادلة الصراع الطائفي وإنقلاباً على المعادلة التقليدية التي إستمرت لقرون تمثلت بسيطرة العرب السنة على القرار والثروة في العراق, ومجيء القادة العرب وممثلي دول الخليج الخائفة على (عاصمة الرشيد), بعد ثماني سنوات من الرفض لطبيعة التحول, والإنتقال السياسي عن حكومة مالكية شيعية طائفية مجوسية فارسية إيرانية عميلة !!.تكللت بما تناقلته وسائل إعلام مضادة للمشروع الشيعي يستخدم العاملون فيها مطار بغداد على الدوام وقالت: إن مطار بغداد تحول الى ثكنة عسكرية إيرانية, وتم طرد الضباط والموظفين العراقيين منه تحضيرا لقمة بغداد ! لا أدري كيف تمارس حكومة بغداد هذا الكم من الغباء حين تأتي بالإيرانيين لينظموا حركة المطار في إستقبال وفود عكفت على إتهامها بالعمالة والطائفية !؟ الغبي في المعادلة هي وسائل الإعلام التي تناقلت الخبر المكذوب.
قد يكون صحيحاً القول : إن حكومة المالكي هي المستفيد (الأكبر) من عقد قمة العرب, وفي هذا الوقت بالذات وفي عاصمة الرشيد لكن الأصح إن المستفيد هو العراق لأن نتائج ما جرى في 29 مارس 2012 تمثل بنتائج ستعود بمنافع سياسية وإقتصادية وأمنية على البلاد برمتها, وسيجني حتى المعارضون والأفرقاء إيجابيات النجاح .
نجاح المالكي يمثل جزئية في الموضوع ، ونجاح العراق يمثل كلية فيه ، لكن الغيرة والحسد والتنافس من الخصوم دفعهم لقول ما صرحوا به وعلى قاعدة المثل المعروف ( حب وإحكي ، وإكره وإحكي).
ما زال هناك بعض الحياء والتردد ,وحتى الخبث في عقول ونفوس  الرافضين للتحول, وبدلاً من قول : إن الشيعة يسيطرون على العراق ، وأملاً في حصول تغيير ,ولبقايا أمل يخرج علينا بين الحين والآخر  من يقول : إن بغداد صارت فارسية ,وإن الإيرانيين موجودون في كل مكان.
أنا أقول :ذلك كله صحيح ,ولكن ليس لوجود الإيرانيين الفعلي, بل لسيطرة الشيعة ,وغلبتهم, وهذا يؤكد إنهم أغلبية في العراق ، لأن دولة ما لا يمكن أن تسيطر على دولة أخرى وتهيمن على قرارها ما لم تكن لديها أدوات الهيمنة خاصة في مثل العلاقة الإيرانية العراقية حيث غالبية السكان في العراق من الشيعة ، ولو كان السنة غالبية لما هيمنت إيران ,لأن إيران ليست سنية, بل شيعية ,وهي بذلك تمتد في مدن وقرى الشيعة ,لا السنة في بلاد الرافدين ,والمعروف إن مدن الهيمنة الشيعية هي (بغداد ، النجف ، كربلاء، الحلة ، الديوانية ،السماوة، الناصرية،العمارة،البصرة ,الكوت). ويحتفظ الشيعة بحضور مهم في (ديالى ، صلاح الدين ، الموصل) بإستثناء الأنبار,بينما لا تعد كركوك سنية ، ففيها العرب والتركمان والكرد ، وهي في طور الإعداد لتنظم الى الإقليم الكردي .
قمة بغداد العربية سلمت المالكي صك الإعتراف بنفوذ الشيعة وسيطرتهم ، وهو إستسلام واقعي بعد رفض دام لثماني سنوات كاملة ، حتى إن قادة الخليج ,ولفرط الحياء ,ولأنهم كانوا المنادين على الدوام برفض النفوذ الإيراني لم يستطيعوا المجيء الى بغداد لكي لا يقال : قد إستسلم الشيوخ والأمراء والملوك في الخليج للأمر الواقع ، وإكتفوا بأرسال ممثلين عنهم , ودعونا من مبررات مثل (الأمن غير المستقر، وسياسة الحكومة ، ومحاولة جس النبض).
هيمنة الأقلية لا يمكن أن تستمر ، العراق كان مثالاً, وبمجرد أن توفرت الظروف الموضوعية, وتدخل المحتل الأمريكي وقلب المعادلة في الشرق الأوسط إنهارت المنظومة السنية في بغداد ، وإنتهى حكم الأقلية والى الأبد . في سوريا تحكم أقلية علوية شيعية في مقابل أغلبية سنية ، وقريبا ستنهار المنظومة العلوية أمام المد السني.
علينا إذن أن نعترف بأن العراق ليس فارسياً ,وليس تحت الهيمنة الإيرانية إنما شهد تحولاً جباراً مكن الطائفة الشيعية وهم عرب العراق من الحكم, وأزاح السنة العرب عنه . وفي سوريا أيضا فالقضية ليست كما يصورها البعض إنها محاولة لسيطرة الوهابية والتكفيريين بل هي طبيعة تحول حقيقية لا يمكن أن تبقي الطائفة العلوية (أقلية) في السلطة لتحكم بالمال والنفوذ أغلبية سنية محرومة وجائعة ,عدا عن أقليات أخرى كالكورد والتركمان والدروز.
الأيام القادمة هي أيام الإعتراف بسلطة الواقع , ومبروك نجاح القمة العربية في بغداد التي أعادت العراق الى حاضنته العربية ,وإعترف المشاركون فيها بسيادة الأغلبية العربية الشيعية فيه . كلام قد يجلب الشتائم ، لكن الحقيقة غالباً ما تشتم. لا يهم.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15694
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28