• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التربية والتعليم إلى أين ؟ .
                          • الكاتب : عامر هادي العيساوي .

التربية والتعليم إلى أين ؟

يروي الكثير من المؤرخين أن الدكتاتور الألماني المرعب أدولف هتلر كان لا يطيق على الإطلاق اعتراض أي كان على أية فكرة  من بنات أفكاره حتى وان كان ذلك المعترض من ذوي الاختصاص في مجالها والويل لمن قد يلح فقد ينتهي به الأمر الى الحد الذي يقدم فيه السيد هتلر إليه مسدسا محشوا  ثم يأمره بالانتحار بإطلاق الرصاص بنفسه ما بين عينيه لينسدل عليه الستار بعد ذلك  الى الأبد ,ومع ذلك كله فقد كان الزعيم المذكور لا يكاد يستطيع التماسك أمام معلمه الذي كان لا يتردد في مخاطبته(مخاطبة هتلر) بالقول (يا ولد ) مترافقة مع نظرات شرسة يستخدمها المربون عادة لإظهار الاستياء من ظاهرة ما او سلوك ما من اجل تقويمه .ولا يهمنا جنون ذلك الرجل او طغيانه او جبروته فتلك أمور لا يختلف عليها اثنان وانما الذي يهمنا من هذه الحكاية إخلاص هتلر وحبه العظيم لبلده وتفانيه من اجل خدمته والنهوض به والذي ظهر جليا من خلال اختيار الباب الصحيح والمدخل الصحيح المتمثل بالعلم والمعلم .لقد تأكد هتلر أن مصير ألمانيا كله مرتبط بهذا الرجل العادي الثياب الذي يلقن الصغار (دار دور ).
وفي الوقت الذي كان فيه  البعض من (الملالي ) من الذين يحسبون ظلما على الدين يرددون في محافلنا ومجالسنا ( أولادكم في المدارس حرام وبناتكم في المدارس زنا )كانت أوربا واليابان والصين وغيرها تضع المعلم أمامها ومن خلفه تزحف الأمة  وتتسلح بالعلم والمعرفة وتتقدم بخطى ثابتة في كافة المجالات  حتى أصبحت المسافة بينهم وبيننا كونية مع الأسف الشديد .إن راتب المعلم في كوريا الجنوبية مثلا هو الأعلى من بين جميع منتسبي الدولة ويأتي بعده المدرس ثم أستاذ الجامعة ثم رئيس الوزراء او الوزراء.
وحين أراد صدام حسين إذلال المجتمع العراقي وتطبيعه ليتقبل كافة الألاعيب والمشاريع غير الإنسانية هاجم المعلم بشراسة وأسلمه للجوع ومرغ به الأرض وجعله يضع يده دائما أمام وجهه كي يصد الصفعات واللكمات التي لا يعرف من اين تاتي عليه وبذلك تمكن من المجتمع باسره فراح يعامله كما يعامل الاقنان .
ثم دارت الأيام  وحل زمن العراق الجديد واستبشر الجميع خيرا فماذا حدث ؟
في الوقت الذي أهمل تماما جوهر العملية التربوية من معلمين ومناهج وأبنية  ومستلزمات أخرى رغم التخصيصات الهائلة في مجالات لا معنى لها فلو خصصت مثلا الأموال التي أنفقت على الصور والملصقات في الحملات الانتخابية على العملية التربوية لكنا اليوم في مصاف الدول المتقدمة .
يلاحظ المراقب اليوم أن البعض ممن تبوأ مراكز مهمة في المؤسسة التربوية يركز على قشور هذه العملية مهملا لبها بدوافع وأهداف ليست واضحة المعالم تبدو في بعض الأحيان وكأنها جزء من صراعات الكتل السياسية التي تريد إفشال بعضها البعض او أنها ناتجة عن جهل هذا البعض بحساسية العملية التربوية لأنه طارئ عليها وقد قذفته المحاصصات او المحسوبيات في اتونها فكانت النتيجة إغراق المعلم في سلسلة من الروتين القاتل وغير المجدي الذي يستنزف طاقته ويرهقه فكريا وجسديا والغريب أن البعض وبسبب جهله يعتقد بان المعلم اقل منتسبي دوائر الدولة تعبا بينما يعلم ذوو الاختصاص من أصحاب العقول الراجحة حجم معاناة هذا الجندي الناذر نفسه لبناء الإنسان . إن الكثير من الآباء يجزعون من ضبط سلوك أبنائهم وهم ثلاثة مثلا فكيف وصفوفنا تغص بالتلاميذ المحشوين فيها كالسردين او كالدجاج في الأقفاص.
إن حملات (التسقيط )للمعلم الآتية من هذا الفرعون الصغير او ذاك او من بعض المشرفين التربويين العاجزين عن التفريق بين دورهم ودور المخبر السري والتي تحاول تصويره وكأنه لا يحسن غير اللكم والشتم او كأنه سادي يلجا الى ضرب تلاميذه ضربا مبرحا لإشباع حاجات شاذة في نفسه هي حملات ظالمة في كل المقاييس لان المعلم نفسه هو ضحية لهذا الأسلوب التربوي الخاطئ الذي غرسته وغذته الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على حكم العراق الى الحد الذي أصبح فيه الكثير من العراقيين يفسرون السلوك المتحضر الخالي من العنف نوعا من الضعف والعجز والفشل مع الأسف الشديد ,إن المعلم كالطبيب لا يمكن أن يؤدي واجبه وهو مرهق او تعبان .
أيها السادة إذا أردتم عراقا جديدا حقا فاجعلوا راتب المعلم اكبر من راتب الوزير ومكانته اكبر من مكانة السياسي وهكذا نهضت اليابان .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15552
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29