• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٣٠) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٣٠)

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

كلَّما تحلَّى المرءُ ببُعدِ النَّظر وبالرُّؤَى الإِستراتيجيَّة بعيدة المدى كلَّما تعاملَ مع الخِلافات بإِيجابيَّة فيستوعبها ولا يضيقُ بها صدرهُ.

وكُلَّما كان استراتيجيّاً في تفكيرهِ وخُططهِ ومشاريعهِ كُلَّما كانَ أَقرب إِلى النَّجاح من غيرهِ، لأَنَّ الإِستراتيجيَّات تشغلُ زمناً، الزَّمنُ مطلوبٌ للنَّجاحات.

فلقد أَوصى أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ولدهُ محمَّد بن الحنفيَّة عندما سلَّمهُ الرَّاية في يومِ الجمل بقولهِ {ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ}.

فلا تنظر إِلى موضعِ قدَمَيكَ عندما تفكِّر وتُخطِّط فإِنَّ ذلكَ يُحدِّد ثمَّ يُقزِّم رؤيتكَ بل إِرمِ ببصرِك إِلى أَقصى المُستقبل لتستوعِبَ بخُططِكَ المُتغيِّرات المُحتملة والأَجيالالجديدة.

وتلكَ هي واحدةٌ من أَعظم صفات أَميرِ المُؤمنينَ (ع) التي يذكُرها ضِرار بن ضَمرة عندما طلبَ طاغية الشَّام الطَّليق مُعاوية أَن يصفهُ لهُ بقولهِ [كَانَ وَ اللَّهِ بَعِيدَ الْمُدَى].

فإِذا رأَيتَ أَحداً لا يتحمَّل رأياً آخر ويتضايق من السُّؤَال أَو النَّقد أَو المُساءلة ولا يستوعب أَفكار الآخرين إِذا اختلفُوا معهُ، فتأَكَّد بأَنَّهُ ضيِّق الأُفُق لا يحمل في ذهنهِ رُؤيةإِستراتيجيَّة.

أُنظُر كيفَ يصِفُ القرآن الكريم رسولَ الله (ص) {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖفَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

والذين يخلطُون بين السِّياسي والعقائدي [الدِّيني] كذلك يفتقِرُونَ إِلى الرُّؤية الإِستراتيجيَّة فيسترُونها بالخلطِ {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}.

تنتقدُ أَداءهُ السِّياسي فيردَّ عليكَ أَحدهُم بغضبٍ [هوَ متديِّنٌ يُؤَدِّي الفرائض ويزيدُ عليها نافلةَ اللَّيل] وكأَنَّك اتهمتهُ في دينهِ!.

وتستشكل على موقفهِ السِّياسي يردُّ آخر بغضبٍ [إِنَّهُ شيعي مثلكَ] وكأَنَّك شككتَ بتشيُّعهِ!.

وتفضحُ فيادَ وفشلَ آخر يردُّ عليكَ صاحبهُ [أَنَّكَ طائفي فتنتقدهُ لأَنَّهُ سُنِّي! أَو أَنَّكَ عُنصري فتنتقدهُ لأَنَّهُ كُردي] وكأَنَّكَ هاجمتَ مذهبهُ أَو قوميَّتهُ!.

هكذا يخلطُون الأُمور لحمايةِ فسادهِم وفشلهِم وجرائمهِم بحقِّ البلادِ وشعبِها وخيراتِها وسيادتِها!.

وتزدادُ خُطورة هذا التوجُّه إِذا كانَ [الزَّعيمُ] مُعمَّماً فيُسوِّقونهُ لكَ على أَنَّهُ إِمتدادٌ للمعصُومِ وبالتَّالي للسِّماء، فالويلُ لكَ إِذا اختلفتَ معهُ في مَوقفٍ سياسيٍّ ما؟! فأَنتَ بهذهِالحالة تردُّ على الله تعالى وحُكمُكَ حُكم المُشرك فلتتبوَّأ مقعدكَ من النَّار!.

خلافاتكُم سياسيَّة فلماذا تغلِّفُونها بالعقيدةِ؟!.

عندما يوجِّه المرجعُ الأَعلى خطابهُ الإِسبوعي وعلى مدارِ قرابة عقدَينِ من الزَّمن للسياسيِّين ولِمن بيدهِ زِمام الأُمور هل أَنَّهُ انتقدَ عقائدكُم؟! أَم انتقدَ سياساتكُم ومناهجكُموفسادكُم وفشلكُم؟!.

هل سمعتمُوهُ مرَّةً إِستشكلَ على دينكُم أَو مذهبكُم أَو إِثنيَّتكُم أَو خلفيَّتكُم التاريخيَّة أَو الحزبيَّة؟!.

ما علاقتهُ بكلِّ ذلكَ؟!.

إِنَّ كُلَّ خطاباتهِ تصبُّ في الشَّأن العام حصراً، فلم يتحدَّث معكم مرَّةً فيما يخصُّ عقائدكُم أَبداً، فذلكَ شأنكُم، أَمَّا السِّياسة فشأنُ النَّاس، عامَّة النَّاس بغضِّ النَّظرِ عنخلفيَّاتهِم وبكُلِّ أَشكالِها وأَنواعِها [الدينيَّة والمذهبيَّة والإِثنيَّة والفكريَّة والحزبيَّة وغيرِها]!.

ليسَ من حقِّ أَحدٍ أَن يخوضَ في عقائدكُم ولكن من حقِّ كلِّ النَّاس أَن تخوضَ في سياساتكُم ومناهجكُم ومشاريعكُم وخِطاباتِكُم لأَنَّها شأنٌ عامٌّ يخصَّهم جميعاً، فأَنتممتصدُّون لشؤُونهِم تتصرَّفونَ بها، فكيفَ لا يحقُّ لهم الخَوض فيها معكُم؟!.

الخِلافاتُ العقديَّة ومُناقشتها محلَّها الحَوزة والمراكز الدينيَّةِ والمُتخصِّصة ولا شأنَ للرَّأي العام بها، فهو لا يُفتِّش في عقائدِكُم وإِنَّما يُفتِّش ويُراقب عن كثبٍ في سياساتكُمالتي دمَّرت البلاد وضيَّعت المُستقبل وقضت على الحُلُم.

والأَخطر من ذلكَ ومن أَجلِ تحصينِ [الزَّعيم] من الإِختلاف معهُ ونقدهُ ومُحاسبتهُ على موقفٍ سياسيٍّ تراهُ خطأً، راح بعضهُم يستعيرُ الـ [آل] ويُشبِّهونَ أَنفسهُم بـ [آلالبَيت] (ع) فيدَّعي أَنَّ الـ [آل] التي ينتمي إِليها لا تختلفُ كثيراً عن الـ [آل] التي ينتمي لها [آل البيت ] (ع).

لقد حسمَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) هذا الأَمر وبكُلِّ حزمٍ وشدَّةٍ وقوَّة فقال {لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (ص) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَلَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُالدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ}.

وإِذا عرِفنا أَنَّ الـ [آلات] اليَوم كثيرة وعديدة فهذا يعني أَنَّك تسيرُ في حقلٍ للأَلغام إِذا أَردتَ أَن تتحمَّل مسؤُوليَّة المُشاركة والرَّقابة والنَّقد والإِختلافِ مع أَحدٍ في مَوقفٍسياسيٍّ مُعيَّنٍ!.

المُشكلة عندما يتصوَّر طرفٌ أَنَّهُ على حقِّ لمُجرَّد أَنَّه [آل] وما دونهُ على باطل إِلَّا إِذا التفَّ حولَ الـ [آل] هذهِ!.

والمُشكلةُ عندما يرفض طرفٌ أَيَّ خلافٍ سياسيٍّ مع [الزَّعيم] لأَنَّه حسب تصوُّرهِ فإِنَّ هذا النَّوع من الخِلاف يجرُّ إِلى خلافاتٍ عقائديَّة تُضعِفُ [المذهب]!.

نزاعاتهُم القذِرة وفسادهُم وفشلهُم وهُم يتلفَّعونَ بالمذهبِ لا تُضعِفُ [المذهب] لكنَّ رأيُّ يبديه مواطن يختلف معهُم يُضعِفُ [المذهب]!.

قاتلكُم الله ما أَوقحكُم.

هذا خطأٌ فضيعٌ، يلزم أَن نفصُلَ فصلا كامِلاً بين اختلافِ وُجهات النَّظر في القضايا والآراء السياسيَّة في إِطارِ المصلحةِ العامَّة والعُليا، وبينَ القضايا العقديَّة التي عادةًما لا يختلف عليها إِثنان في المدرسةِ الواحدةِ.

إِحذرُوا أَن تدفعُوا النَّاس الذين يختلفُونَ معكُم في القضايا والمواقفِ السياسيَّة دفعاً للإِختلافِ معكُم عقديّاً! فهذا خلافُ الحقيقةِ والإِنصافِ والعدل.

نبقى جميعاً نتَّفق على عقيدةٍ واحدةٍ مهما اختلفنا في قضايا السِّياسةِ!.

فبينما تجمعُنا العقيدة فقد تفرِّقنا السِّياسة! فلماذا نُلبس العقيدة لباسَ السِّياسة فتفرِّقنا؟!.

هذا ظُلمٌ!.

لا تُخرجُوا مَن يختلف معكُم في السِّياسة، لا تخرجُوهُ من [المذهب] والمِلَّة! فتلكَ منهجيَّة التكفيريِّين الإِرهابيِّين، فلا تورِّطُوا أَنفسكُم بها.

إِحذرُوا...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155502
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18