• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (القَبَليّة) والأمن في الجنوب .
                          • الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي .

(القَبَليّة) والأمن في الجنوب

قبل أيام التقيت ببعض الأصدقاء من مدينة البصرة ودار حديث حول الوضع الأمني هناك فأجمعوا أن التهديد الأمني للمدينة وسائر مدن الجنوب يأتي من عاملين ، الأول : صراع الأحزاب المتنفذة ، والثاني : القَبَليّة المقيتة ، وإذا كان الأول سياسي يُسَلّطُ الضوء عليه يومياً فإن الثاني اجتماعي يحتاج إلى تحليل وتوقف . القاعدة المطردة منذ خلق الله آدم أن البشر يتقدمون للأمام على مستوى العمران ، العلم ، الصناعة والزراعة ؛ ففي كل قرن ثورة تغير وجه العالم ، قرن البخار ، قرن الكهرباء ، قرن الاتصالات ... وهكذا غير أن مواكبة العادات والتقاليد والأعراف لحركة العمران قد لا تكون متسقة ، فيمكن أن تتغير عادات وتقاليد معينة ثم نعود اليها القهقري وإن كنا جربنا فوائد التخلي عنها وهجرها ، إذ يبدو أن سنن العادات والأعراف تختلف عن سنن العمران والبناء ، ولا أدل على ذلك من تركنا لجزء مهم من العادات القبلية طيلة أربع عقود ( ١٩٦٨-٢٠٠٣) وكيف بات قانون الدولة هو الراعي ، وكيف بات زعيم القبيلة مواطناً كسائر المواطنين له ما له وعليه ، وكيف اختفت ظواهر مثل " الدكة العشائرية " والثأر العشائري ، ونزاعات القبائل المسلحة ، وإدا بنا نعود اليوم كسابق عهدنا ، بل انتقلت هذه الظواهر من الأرياف كما كان في السابق إلى مراكز المدن ، وبدل أن تتحضر الأرياف تريّفت المدن ، تُرى ما الأسباب وراء ذلك ؟ يمكن الإجابة بما يلي :
١- إن ترك تلك العادات القبلية لم يتم عن طريق قناعة أو تراكم لنمو الوعي الثقافي والاجتماعي ؛ بل كان فرضاً من قبل السلطة التي مارست عقوبات قاسية ، لذا فهي ( القبلية ) لم تنتزع من العقول وانما انتزعت من الواقع الاجتماعي كأفعال يجرمها القانون فحين أمنت العقاب عادت إلى وضعها الطبيعي .
٢- إن انحسار حماية الدولة لمواطنيها من بطش البلطجية والمجرمين والنصابين والمحتالين نمّى عملية البحث عن بدائل توفر مثل هذه الحماية فكانت القبيلة هي الملاذ وما دام من يحميك قبيلتك لا حكومتك فعليك الطاعة لأوامرها ونواهيها .
٣- تعمد بعض رؤساء الحكومات على إعادة القبلية كجزء من سياسة كسب الأصوات الانتخابية والالتفاف حول كتل بذاتها ، مما ساهم هو الآخر في عودة المحمود والمذموم من تلك العادات ، وللأسف أن من شجع عليها نسى أو تناسى أن القبلية قد تلتهمه هو أيضاً في يومٍ ما " ومن يجعلِ الضرغام في الصيد بازَهُ .. تصيّدَهُ الضرغام فيمن تصيدا " .
٤- بعض إمارات الخليج تطبق القانون وكل ملامح الدولة الناجحة في بلدانها لكنها تتظاهر بالمشيخة والقبلية والعروبة أمام بعض المشايخ في العراق فبدأت تتسلل إليهم وتغدق عليهم الأموال، وحين يتوفر المال والجاه وتضعف السلطة العامة يتغول صاحب المال والجاه فلا يجد غير القبلية إطاراً لبسط سلطته الخاصة الموازية لسلطة الدولة وهؤلاء نوعان الأول خائن يعلم أنه يسير بمشروع خبيث ضد دولته والثاني حسن النية تدفعه الأنانية وحب الذات ليقوم بما يقوم به .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154178
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29