• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أصول العقيدة الإسلامية في خطبة الزهراء (عليها السلام) -3--قراءة تحليلية موجزة- .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

أصول العقيدة الإسلامية في خطبة الزهراء (عليها السلام) -3--قراءة تحليلية موجزة-

 بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحديث عن خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يعني الحديث عن معانٍ عظيمة لكلام ٱمرأة تمثل سيدة نساء العالمين بنص الشريعة المقدسة، حيث تبلورت هذه الشخصية في بيت الوحي الإلهي.. بيت النبوة والإمامة .. بل في بيوت أذن الله أنْ تُرفع ويُذكر فيها ٱسمه، كُلُّ ذلك يؤكد علينا الاهتمام بفقرات ومفردات هذه الخطبة الخالدة لها (عليها السلام) .. وٱلتزامًا وٱعتقادًا بأنَّ في أقوالها وسيرتها تكمن صورة من صور التكامل الإنساني والإيماني نحاول أنْ نقرأ قراءة تحليلية موجزة لبعض نصوص هذه الخطبة العظيمة وبيان علاقتها بالقرآن الكريم، أي الالتزام بالمنهج الذي يجمع بين القرآن والعترة.

- ثالثًا: النبوة.
إنَّ الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة قد أكدت أشد التأكيد على هذا الأصل من أصول العقيدة الإسلامية؛ لما له من علاقة وثيقة بما تقدم وما أتت تطالب به من حقها، حيث أرادت أنْ تذكِّرهم بنعمة الله تعالى عليهم من بعث الأنبياء (عليهم السلام) ودورهم في إنقاذ العباد من الشرك والضلال بفضل دعوتهم وجهودهم وجهادهم ضد الطغاة والظالمين، وخصوصًا ما كان يتعلق بنبوة خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) لعهده القريب منهم، وآثار دعوته ما زالت قائمة فيهم، ومقام أهل بيته الذين أوصى بهم، فكانت كلماتها (عليها السلام) صرخة مدوية في القلوب والعقول؛ لنتفكر بهذا الأصل العقائدي الذي يجب علينا أنْ نؤمن به مطلقًا سواء مع وجود الشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم بعد فقده؛ لأنه أسس للأمة نظامها التشريعي، فلو تأملنا في كلماتها العظيمة التي تضمنتها خطبتها حول النبوة لرأينا صدق جهادها عن العقيدة الإسلامية المقدسة، فهي لم تتحدث بتلك الكلمات لأنَّ النبي أبوها، بل لأنَّ النبي هو رسول الله إلى العباد، وأنَّ النبوة هي أصل من أصول العقيدة، ويجب على المسلمين أنْ يصونوا هذه العقيدة من كُلِّ ٱنحراف أو زيغ، وهذه هي أسس دعوتها لهؤلاء القوم.
       قالت (عليها السلام): ((وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبي مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ٱخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أَنْ ٱجْتَبَاُه، وَٱصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ٱبْتَعَثَهُ، إِذِ الخَلائِقُ بِالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسْتْرِ الأَهاويلِ مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ العَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْمًا مِنَ اللهِ تَعَالى بِمآيلِ الأُمُورِ، وَإِحَاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الأُمُورِ، ٱبْتَعَثَهُ اللهُ إِتْمَامًا لأَمْرِهِ، وَعَزيمَةً عَلى إِمْضَاءِ حُكْمِهِ، وَإِنْفَاذًا لِمَقَاديرِ حَتْمِهِ، فَرَأَى الأُمَمَ فِرَقًا في أَدْيَانِها، عُكَّفًا عَلى نِيرانِهَا، عَابِدَةً لأَوْثَانِها، مُنْكِرَةً للهِ مَعَ عِرْفَانِهَا)). 
إنَّ في هذه الكلمات تؤكد (عليها السلام) على النبوة وما يتعلق بها من العقيدة، وهذا هو ٱعتقادنا بالنبوة حيث أكدت المؤلفات في العقيدة الإسلامية ذلك فالزهراء (عليها السلام) تؤكد ملامح وجوده وبركاته في الأمة بعد إسلامها، وذكرت بعض الصفات التي كانت الأمة عليها قبل بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم، ومنها تفرق الأمة في أديانها ومعتقداتها، وإنكارها لعظمة الخالق ووحدانيته جحودًا منهم، وٱبتعادها عن عبادة الله تعالى إلى عبادة سواه من الأوثان والأجرام والأحجار وغيرها، فضلاً عن الضياع والانحراف عن طرق الهداية والصلاح، والسير في الغواية والعماية، والذل والهوان الذي كان الناس عليه. فذكرت بعض أحوال الأمة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم والتي منها:
1- تفرُّقُ الأمة في أديانها وعقائدها وعباداتها وإنكارهم لعظمة الخالق ووحدانيته.
2- الضياعُ والانحرافُ عن طرق الهداية والصلاح والسير في الغواية والعمى.
3- الذلُّ والهوانُ الذي كان الناس عليه من القتل والتشريد والعبودية للآخرين ..
فهذه مجمل أوضاع الأمة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو حال كُلِّ أمة قبل إرسال الرسل إليهم. 
ثم ٱستعرضت (عليها السلام) بعد ذلك آثار النبوة في الأمة بعد أنْ كانت تلك أحوالها وصفاتها، فقالت: ((فَأَنَارَ اللهُ بِأَبي مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ظُلَمَهَا، وَكَشَفَ عَنِ القُلوبِ بُهَمَهَا، وَجَلَّى عَنِ الأَبْصَارِ غُمَمَهَا، وَقَامَ في النَّاسِ بِالهِدايَةِ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الغوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمَايَةِ، وَهَداهُمْ إِلى الدِّينِ القَوِيمِ، وَدَعَاهُمْ إِلى الطَّريقِ المُسْتَقيمِ)).
فكانت من أهم أدواره التي قام بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد بعثته:
1- أخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن كُلِّ أنواع وصور الظلمات إلى نور التوحيد والعبودية لله، وهذا مصداق قوله تعالى: ((اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ))، بل شبه الله دعوته وقرآنه بالنور الذي فيه الهداية والصلاح فقال تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)).   
2- أزالَ عن القلوب وساوس ومعتقدات الباطل والشك والكفر والإلحاد، فصارت تلك القلوب محطاً لأنوار الله تعالى والحكمة، والعلم والمعرفة بالقرآن الكريم ومعارفه وآياته وأنواره.
3- بَيَّنَ لهم الصراط السوي الذي يُوصِل إلى طاعة الله تعالى ورضاه، وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ونبذ كُلِّ معبود سواه، وهذا لا يكون إلا باتِّباع الصراط المستقيم، حيث قال تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)). 
4- كشفَ عن الأبصار العمى والغشاوة التي حصلت إليهم بسبب الشرك والإلحاد والبُعد عن الله تعالى، فصاروا ينظرون ويتفكرون في آياته وآلائه التي تدل بدقة على عظمة الخالق في خلقه ووحدانيته، وقد أشار تعالى إلى ذلك في عدد كبير من آياته المباركة، حيث قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))، بل دعاهم القرآن لإزالة تلك الحجب التي أعمت بصرهم وبصيرتهم من خلال التفكر في المحيط الذي يعيشون فيه آناء الليل وأطراف النهار فقال تعالى: ((أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ  * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ  * وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ  * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)).
إنَّ الزهراء (عليها السلام) من خلال ذكرها لهذه المعاني في كلماتها عن النبوة تريد أنْ تؤكد على أمور مهمة عدة؛ لئلا تعود إلى الناس جاهليتها بعد وفاة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن أهم ذلك:
1- إنَّ النبوة أصل من أصول العقيدة الإسلامية المقدسة، وعلى المسلمين الالتزام بها وصيانتها، لئلا تنصدع أركان الرسالة الإسلامية. 
2- إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدى رسالته بكُلِّ ما أوتي من قوة، فضحى بكُلِّ شيء من أجل هذا الهدف المقدس ورفع هذه الأمة فوق الأمم، ويجب على الأمة أنْ تحافظ على هذا المجد الإلهي بالحفاظ على الشريعة، دون أنْ تتلاعب فيها الأهواء والأغراض والمصالح الدنيوية والتكالب على لذاتها وشهواتها.
3- إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلَّغ رسالة الله تعالى إلى أمته بوجوب مودة أهل بيته الذين هم أمان لأهل الأرض من الغرق والضياع، كما ورد ذلك في الآيات والأحاديث ويجب عليكم أنْ تحافظوا على هذه الأمانة، لا أنْ تُقهر وتُظلم وتُقتل بين أيديكم بمرأىً ومسمع منكم، فيحل عليكم غضب من الله. 
4- أرادت أنْ تؤكد بأنَّ أهل بيت النبي (عليهم السلام) المتمثل اليوم بابنته وبعلها هم أَوْلى الناس بالدفاع عن الشريعة المقدسة، ولم يتزعزعوا عن ذلك أبداً مهما كان ثمن ذلك، لذلك أشارت أكثر من مرة عند ذكرها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلفظ (أبي) وبالتالي فهي كذلك تريد أنْ تذكِّرهم بأنها قطعة من خاتم النبيين والمرسلين، بل هي أُمُّهُ كما كان يذكر ذلك ويكرر قوله لها (أُمُّ أبيها). 
5- حذرت الأمة من مخالفتها لعهودها ومواثيقها مع نبيها ورسوله ولا يختلف ذلك بوجوده حياً بينهم أو بعد موته، حيث إنَّ حياته بشريعته الحية إلى يوم القيامة، فهو موجود وقائم بها.
فهذه أهم الموارد التي أردنا أنْ نسلط الضوء عليها في حديثها (عليها السلام) حول النبوة، فلقد كان لمسألة التعرض للنبوة أثر واضح وكبير في خطبتها، لما له من اهتمام من قبل الله تعالى وأثر في صيانة المجتمع من الزيغ والانحراف في العقيدة الإسلامية المقدسة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151528
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29