• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النظافة وققصها من الألف إلى الياء.. أوراق الدهين مثالاً! .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

النظافة وققصها من الألف إلى الياء.. أوراق الدهين مثالاً!

لا زلت أقف حائرا ومندهشا أمام أطنان (الزبالة) في بلد يحث دينه على النظافة والطهارة وإزالة النجاسات والخبائث وإستحباب التطيب واستعمال الدهان والخضاب وتقليم الأظافر وتسريح اللحى وتدويرها والإعتناء بطهارة الثياب وقبلها طهارة العقل والقلب والعمل والمعتقد "يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ * قُمۡ فَأَنذِرۡ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ * وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ". الدهشة من كثرة الأوساخ المادية والمعنوية في بلد يعطي دينه درجة خمسة نجوم + للتطهر بماء المكرمات، ولإزالة النجاسات العينية وغير العينية. فأين الخلل يا سيدي؟! سنجيب عن هذا التساءل وغيره ضِمناً ومن خلال محطات نتوقف عندها تباعا، بعيدا عن الخوض في " النظافة من الإيمان" هل هو حديث نبوي صحيح او مكذوب أو موضع، وإن كان حديثا فهل هو قوي او ضعيف أو حديث آحاد. لا نبحث هنا في علم الحديث والرواية وعلم الرجال ولا حتى في التاريخ. لقد إختلفنا  في القول وأهملنا المعنى والقصد، والنتيجة هي أننا وليومنا هذا تحيط بنا ( الزبالة) ـ أجَّلَ اللهُ القاريء الكريم ـ من الجهات الأربع، فلا مناص ولا مفر ولا هرب ولا تهرب من رؤية أكداس القاذورات والنفايات في الصيف والشتاء، ولا يشغلنا سوى البحث في اصل النظافة هل أنها فعلا من الإيمان أو من شيء آخر! قبل عدة سنوات كتبت رسالة مفتوحة الى المحترم مدير بلدية النجف الأشرف وقتها واقترحت عليه بعض الأمور والملاحظات من أجل مدينة أنظف وأجمل وألطف. اليوم وبعد مضي اكثر من عشر سنوات واشهرا أكتب رسالة أخرى، ولكني غيّرت عنوان المرسل إليه، فقررت أن أضعها بين يدي من يهمه أمر مدينته وبلده ومحافظته وناحيته وقريته وشوارعه وأسواقه وحدائقه، فيعتني بها كما يعتني بهندامه وتسريحة شعر رأسه أو شعر لحيته قبل ان يخرج لعمله ودرسه. ولعمل مراجعة سريعة مختصرة لقصتي مع ( الزبالة) سوف نتوقف قليلا عند بعض المحطات التي ذكرتها آنفا ومنها:

أوراق الدهين القبيحة..

كنت في التاسعة من عمري عندما أثارني وآذاني تصرف أحمق غير أخلاقي من رجل أربعيني ـ يفترض أن يكون حكيما في هذا السن ـ كان يمشي قبلي مباشرة في (سوق الكبير)، يسمونه بالسوق الكبير في مدينة النجف الأشرف تمييزا له عن سوق آخر أصغر منه (السوق الصغير). كان ذلك الرجل مشغولا بأكل قطعة دهين (ملطوشة على قصاصة ورق) وهو يمشي أمامي يسحل بنعليه فيثير غبارا يزكم الأنوف وكذلك ثير صوتا يزعج الآذان. قصاصة الورق هي أساسا (ربع صفحة) من كتاب مدرسي خلق أو من جريدة يومية مليئة بالحبر الملوث والكاربون الذي يختلط مع دهن الدهين الساخن فيكون المنظر قبيحا مقرفا يمنع الشهية ويقفلها بقفل صدأ. القصة لحد الآن شخصية ولا تعنيني مباشرة، لكن المفاجأة هي ان الرجل عندما انتهى من أكلته المفضلة رمى بتلك الورقة الملوثة خلفه وهو يمشي فحملها لسوء طالعي الهواء فالتصقت بوجهي كالخفاش تأبى أن تزاح عنه. ساءني الحال كثيرا فأسرعت إلى الرجل وقلت له : هناك عند بائع الدهين توجد يافطة (لافتة) مكتوب عليها : أرمِ الكاعد أو الكاغذ بالتنكة ولكنك لم تفعل وانما رميته في الهواء فأنظر ماذا حدث لي وأنا في طريقي لأخذ صورة شمسية (يا دوبك تطلع واضحة )!!! ظننت انه سوف يعتذر او يتأسف أوأي شيء من هذا القبيل. لكنه بدل ذلك (صلخني راشدي) وقال غاضبا : (هل گدك ولسانك شطوله يا كلب يا ...) وأخذ يشتم الذي أعطاني لقمة ولم يعطنِ أدبا يعني يشتم والديّ  رحمهما الله ورحم أمواتكم. قلت له : شكرا. رجعت من حيث أتيت وبقيت حتى المساء افكر في أمر محدد واحد فقط وهو : لماذا كل هذا التمسك بالأوساخ واعتبار النظافة عدونا اللدود الذي يجب علينا محاربته ومحاربة كل من يدعو الى النظافة والمحافظة عليها؟

الجواب هو أنه يُراد لنا أن نبقى هكذا لأن النظافة تعني الكثير والخطير، ومن أهم ما تعنيه النظافة هو وضع الشيء في محله المناسب، كما أنها تعني تجنب  الشيء الوسخ ( والشيء هو قد يكون رجلا أو فكر أو خُلُقا أو حالة أوغير ذلك). قصة أخرى:

المجنون الفيلسوف..

سوف لن أذكر إسمه هنا فهو معروف في السبعينيات في مدينة النجف الأشرف وينحدر من أسرة علمية مرموقة وقد أنهى دراسته الجامعية. تعددت الروايات والتفسيرات عن سبب جنونه فجاة. كنت أشاهده صباح كل يوم عندما أذهب الى إعدادية الخورنق في شارع السدير، يفترش الرصيف بالجرائد اليومية وهو يرتدي (دشداشة قصيرة) رثة وشبه ممزقة،  وغالبا ما يكون حافي القدمين وتبدو عليه علامات التذمر فهو مقطب الحاجبين وعابس الوجه لكنه مصر أن يقول كلمته الصامتة. قررت ذات مرّة أن أجازف وأتحدث معه عسى أن يجيبني على سؤال محدد واحد فقط : لماذا لا يعتني بنظافة ثيابه طالما هو مثقف ويطالع الصحف اليومية كل صباح. ألقيت عليه التحية فرد بطريقته الخاصة وهي الرجوع برأسه قليلا إلى الوراء والعبث بأذنيه وبشعر لحيته الطويلة بأن يأخذ خصلة منها ويبرمها بالسبابة والوسطى والإبهام ثم يتركها لتعود سيرتها الأولى فتتدلى فيبتسم. سألته ما يدور بخلدي فأجابني بسؤال وقال : هل سألتَ العقلاء هذا السؤال؟ شعرتُ بالخجل والحرج الشديد من هذا المحترم فقلت دون تردد : وجنابك من العقلاء بلا شك. فقال : شكرا للإطراء، ثم بدأ يفسر لي سبب خروجه بهذا المظهر فقال : أريد أن أقول للمجتمع أن الاهتمام بنظافة الفكر أهم بكثير من نظافة الثياب أما إذا كان الظاهر كما الباطن نظيفا فذلك جل طموحنا. أخذت الحكمة من ذلك الرجل وانصرفت. قلت لأحدهم في طريقي : خذْ الحكمة من أفواه المجانين. فقال لي : لا تقل لك وهل للمجانين حكمة. قلت : صحيح. مشيت عدة أمتار فصادفت زميلي في الدراسة فقلت له : خذْ الحكمة من أفواه الرجال. فقال لي : لا تقل ذلك، أليس في النساء كلهن امرأة واحدة حكيمة. قلت : صحيح. واصلت الطريق فإلتقيت بثالث فقلت له : خذْ الحكمة من الأفواه. إقتنع وتركني أمضي. هذا هو حالنا، ان نبحث عما يبعدنا عن العمل والمثابرة، هذا هو حالنا أن نختلف قي كل شيء بحق او بغير حق وكأن قدرنا : وجميل العيش أن نختلفا!

تعليق..

هذه القصص وغيرها هي ظواهر اجتماعية نعيشها يوميا ومنذ نعومة أظفارنا، فلم نخترعها من خيال أو أتينا بها من وهم، وان ذكر هذه الملاحظات والتأكيد عليها سواء ما يخص نظافة المعتقد أو نظافة اللباس والثياب ومهما كان اللباس، سواء كان معناه ما لبسناه وستر عوراتنا او كان معناه الزوجة (هن لباس لكم وأنت لباس لهن) أو كان فكرا ومعتقدا. أقول التوقف عند هذه المحطات والإشارة إليها هو بقصد التعديل والتصحيح والإصلاح وليس من باب  القدح والتجريح او اننا لا نذكر إلاّ السلبيات. نحن لا نذكر السلبيات وانما نذكر الحالات والظواهر ومن جردة حساب بسيطة يتضح لنا أن السلبيات لكونها هي الطاغية فيبدو لبعض المحترمين اننا لا نذكر الإيجابيات. كنت دوما أقول لمدراء المدارس  وللسادة المدرسين أن يبينوا لي نقاط ضعف الأولاد كي اشتغل عليها وأعالجها ما استطعت. فلم أحضر هناك لسماع عبارات المديح والإطراء التي سوف لا تفيدني كثيرا في التطور والتقدم. الطفل الصغير وبعد ان يحبو يبدأ بمحاولة الوقوف على رجليه مستندا على أي شيء يعينه ويساعده على المشي، من كثرة وقوعه يتعلم كيف يثبت قدمه على الأرض جيدا قبل ان يرفع الأخرى دون ان يختل توازنه فيهوى. وقِس على ذلك سيدي الكريم.

إنشاء الطرق ولوحات التنبيه في الطرقات..

بغض النظر عن جيولوجية الأرض وأن بالإمكان إنشاء طرق الخط السريع لمسافات طويلة بشكل مستقيم، ومعروف في الرياضيات أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، مع وجود إمكانية جيولوجية لإنشاء هكذا طرق مستقيمة وتمتد لمسافات طويله إلاّ إنه يعمد مهندسوا الطرق والجسور إلى جعل الطريق ملتويا ومتعرجا بعض الشيء بعد عدة كيلومترات لتفادي الحوادث بحيث يبقى السائق يقظا وحذرا بأن هناك منعطفا او تعرجا بعد عدة كيلومترات، فيقتضي ان يكون منتبها طول الطريق فلا يأمن فيسترخي ويتثاءب فيتهاون في قيادة السيارة، كما ان هناك لوحات تنبيه على طول الطريق تشرح حال الطريق عند المطر كالتزحلق مثلا، وعند تساقط الثلوج في البلدان الباردة وعن ذوبان الإسفلت عند درجات الحراة العالية في البلدان شديدة الحر صيفا، كما أن هناك لوحات تحذر من تساقط بعض الحجارة بشكل مفاجيء إذا كان الطريق يمر بين مرتفعات وما شابه ذلك. كتاباتنا حول تلك الظواهر والحالات هي لوحات تنبيه وأرشادات (أخلاقية) من أجل بناء المجتمع الذي لا زلنا نكتب في تنقيته وتخليته قبل تحليته. بمعنى اننا لا زلنا (نكنس) الأوساخ حتى نتمكن من البناء على أرض وأساس نظيفين. متى يكون ذلك؟! العلم عند ربي!!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151492
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29