• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قيم الاسلام بين العرب والغرب .
                          • الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي .

قيم الاسلام بين العرب والغرب

يكاد لا يشك احد من الشرقيين او الغربيين في ان الاسلام الحنيف يمتلك ذخيرة مثالية من القيم الانسانية السامية التي لم تكن مثلها لدين سماوي او وثني ، يشهد على ذلك اعداء الاسلام انفسهم والذين ركنوا في بعض المواقف لتوظيفه بشكل يخدم مصالحهم الدنيوية النفعية او قضاياهم الايديولوجية ، فهذا نابليون – على وفق ما نقله سعيد في كتاب الاستشراق -  قد بذل ( قصارى جهده لاقناع المسلمين بقوله " اننا نحن المسلمون الحقيقيون " على نحو ما جاء في الاعلان الذي وزعه يوم 2 يوليو 1798 على اهالي الاسكندرية ) ،  وبعد مرور قرن من الزمان تقريبا على قول نابليون يعاد انتاج هذه المقولة على يد الاصلاحي الاسلامي محمد عبده بعدما زار فرنسا عام 1884م بقوله : (ذهبت الى الغرب فوجدت هناك اسلاما بلا مسلمين ، فعدت الى هنا فوجدت مسلمين بلا اسلام ). 
  ان امعان النظر في المقولتين يظهر بما لا يقبل الشك في ان الاسلام بوصفه قيما انسانية عليا قد اطلع عليه الناس في الغرب ، ووجدوه غير متعارض مع حياتهم العملية بوصفه منهجا دنيويا  واقعيا فضلا عن كونه روحيا ساميا ، وهذا ما سيقوله كل مسلم  موضوعي عندما يزور الغرب لاول مرة ، غير منفك من ترديد القول كلما شاهد تصرفا سليما او قيمة سلوكية رفعية : ( هذا كله موجود عندنا في القران والسنة المحمدية ) ، مؤكدا مقولة نابليون : ( نحن المسلمون الحقيقيون ) .
اذا كان الغرب المسيحي اكثر قربا من المسلمين انفسهم من قيم الاسلام  الحقيقية ، فأين هو الاسلام الحقيقي الذي جاء به القران وحدث به الرسول الكريم (ص)؟
والإجابة عن ذلك لا تتطلب كثيرا من كد الخاطر وشحذ الذهن ، فالإسلام الحقيقي لم يستطع التخلص من القيم والعادات والأعراف الجاهلية تخلصا حقيقيا، لان الجاهلية الأعرابية شاركته بقوة ونافسته حتى في زمن الرسول الكريم (ص) ، وعندما ينبز المرء انذاك يقال له : فيك جاهلية ، او، اجاهلية بعد اسلام  ؟ ! والشواهد على ذلك اكثر من ان تعد او تحصى ، فالإسلام الحقيقي غطته الجاهلية الاعرابية بحجابها القاتم ، وطمست معالمه الانسانية ، ولا سيما بعد ان وثب  بنو امية على عرش السلطة واعادوا كل التراث الجاهلي فاحيوا  العصبيات القبلية  وجعلوا  الناس طبقات ، كما أعادوا سنة الثأر والانتقام بدلا عن القسط والعدل ، وترسخت هذه القيم الهجينة في ذاكرة الناس وحياتهم ، وانتقلت الى عصرنا سلوكا وتدوينا منذ ذلك الحين الى عصرنا الحاضر ، فقد الصقت اشياء كثيرة جدا بالإسلام وهي ليست من الاسلام ، بل هي اعراف وقيم جاهلية  أعرابية ،   فوصل الينا من  الاسلام شكله وغابت الروح والقيم الانسانية الحقيقية ( كيف تكون الثياب – قصيرة بشبر او طويلة بشبرين فوق عظم العرقوب !! كيف يكون شكل اللحية طويلة ، قصيرة واذا حل امر اللحية نعود الى الشارب ، ثم بعد ذلك نهتم بالدشداشة وعرضها وطولها وهكذا تصل الشكلية لتقتحم خطب المساجد ولا سيما في يوم الجمعة ، فهي منقولة من فم الى فم منذ القرن الاول الهجري الى يوم يبعثون ، هي عبارة عن محفوظة يتناقلها الصبيان من زمن الملالي الى عصر السايبر، وليس ادهى من ذلك الا قضية النقاب الصحراوي الاعرابي الذي ورثناه من بيئة الصحراء ليبقى شاهدا على اصلنا الصحراوي , فالنقاب ليس له اي اساس ديني مطلقا انما هو شكل في بنية ازياء الصحراء بدلالة ان الرجل الذي يقطن الصحراء يضع لفاعا ( كوفية ، شماغ وعلى مختلف المسميات الاخرى) ليتقي هجير الصحراء ولهيبها فالمرأة اولى من الرجل في الحفاظ على وجنتيها من هذا اللهيب ، وقد ادخل هذا العرف الشكلي الى معجم الفقه السياسي ليكون من الاشياء التي اسهمت في تغطية الاسلام ، مثلما ادخلت الازياء الاخرى الى معجم الثقافة الرسمية والشعبية لتصبح اليوم رموزا للثقافة العربية ،فلون الشماغ الاحمر خاص بالدولة الفلانية والابيض بالدول الساحلية والاسود بالمناطق الريفية وهكذا ، ومثله شكل العقال  فهو يختلف ايضا باختلاف المناطق والدول  .
  ثقافة شكلية ليس لها من الدين الا اسمه عكست صورة مزيفة عن الاسلام فتناقلها كثير من المستشرقين ، لذلك لا نستغرب اذا وصفوا الاسلام بكثير من الاوصاف السلبية ، فالإسلام السياسي- الذي تقمص شكل الاسلام وألبسه القيم الجاهلية - والذي نقله المؤرخون العرب المزيفون لوعي الناس - هو المسؤول الاول عن انتقالها للافق الاستشراقي، ولو ان ذلك لا يعفي المستشرقين من تهمة عدم الموضوعية في  دراستهم للإسلام وتراث المسلمين ، فكان حري بهم ان يميطوا اللثام عن كل الاشياء الزائفة التي لم يكن لها وجود حقيقي في الخطاب القراني ، لكن العتب لا يكون على الناقل لا سيما اذا كان هذا الناقل يتحين الفرص لإظهار السلبيات قبل الايجابيات ، وعلى الرغم من معرفتهم واقرارهم بان ذلك لم يكن في القران في الاقل , لان السنة النبوية قد حرفت وبدلت وهذا ما يفرح به المستشرقون فانهم قد   اتخذوا من هذه السنة دليلا للطعن بشخص الرسول الكريم (ص)  . ولناخذ مثالا المستشرق البريطاني وليم روبرت سميث الذي شخص كيف اختلطت العصبية القبلية الاعرابية بقيم الاسلام واضفت على تعاليمه سمتها الجاهلية  عندما قال : ( من خصائص الديانة المحمدية ان الشعور القومي برمته يكتسب مظهرا دينيا ، مثلما نجد ان الناس جميعا ، والاشكال الاجتماعية للبلد المسلم كلها ترتدي ثوبا دينيا. لكنه من الخطأ ان نفترض وجود شعور ديني حقيقي في اعماق كل ما يبرر وجوده باتخاذ شكل ديني .اذ ان عصبيات العربي تضرب بجذورها في نزعة محافظة اعمق من ايمانه بالإسلام ).
  ان رأي سميث تشخيص دقيق للاسلام السياسي الشكلي الذي امتدت جذوره من حكم بني امية الى عصرنا هذا ، لكنه لم يكن موضوعيا عندما القى بتبعات ذلك الفعل على الدين والرسول الكريم (ص) ، فقال : ( ويتسم دين النبي بعيب كبير الا وهو انه يسمح ، بسهولة ، بظهور التعصب العرقي للذين ظهرت الدعوة بينهم اول ما ظهرت ، وبأنه اظهر الحماية لعدد كبير من الافكار الهمجية والبالية، والتي لابد ان محمدا نفسه لم يكن يرى لها قيمة دينية ، ولكنه تركها تدخل مذهبه تيسيرا لنشر عقائده الاصلاحية. ومع ذلك فان الكثير من العصبيات التي يتميز بها دين محمد، فيما يبدو لنا، ليس لها اساس في القران).
اذن يعترف  سميث بانها لم تكن في القران وان النبي (ص) لم يكن يرى لها قيمة دينية ، لكن سميث ابى ان يدلي بالحقيقة كاملة ، اما انه قد تغافل متعمدا او كان جاهلا  بما يجري حقيقة في العصور الاسلامية المختلفة , فهو  يحسب ان ذلك من الاسلام  معتمدا على ما نقله وعاظ السلاطين من تعاليم وأعراف جاهلية شكلية لم يكن لجوهر الاسلام اي دور في ظهورها  واستفحالها ،  وقد اقر المستشرق بأنها لم تكن في القران لكنه لم يبحث عن الاحاديث النبوية الشريفة التي حاربت ونبذت كثيرا من الاعراف الجاهلية التي اعادها – فيما بعد - الحكم الاموي سيرتها الاولى ، فاتخذت على انها من سمات الاسلام.
ان تغطية الاسلام وتعاليمه السمحاء بدأت في زمن بني امية مستغلين وجود كثير من مظاهر الجاهلية التي لم تمت في نفوس الاغلبية من المسلمين السابقين ، ثم جاء من بعدهم المسلمون والمستشرقون ليسهموا في جعل الغطاء اكثر كثافة ، لذلك ستكون مهمة كشف الوجه الحقيقي للإسلام صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة ، و لابد من اعادة صياغة الخطاب الاسلامي وكشف دوره الانساني والقيم المحمدية الحقيقية . 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15118
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19