• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأنفُ العِطري السيّء للمُدَلِّسين .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

الأنفُ العِطري السيّء للمُدَلِّسين

يحشر المدلّسون أنوفهم أينما فاحت رائحة الإيمان الزكية وبدل أن يجذبهم ذلك العطر الفوّاح ويبهرهم إنتشاره بالهواء عموديا وأفقيا ودائريا تراهم لا يستسيغون شمّ ذلك العطر الأخاذ الرائع. ذلك بأنهم لم يعتادوا شمَّ ما طاب وزكى من الروائح وإن كانت فوّاحة من الإبتداء والمقدمة كما يقول العطارون ومرورا بالقلب والوسط إلى إستقرار الرائحة عند قاعدة العطر. تختلف العطور بأختلاف المواد المستخلصة منها والتي يُصطلح عليها بالمواد الخام أو الخامة أو الزيوت الأساسية ذات الروائح الزكية أو النوتات العطرية وليس هنا مجال شرحها وتصنيفها. فكلما كانت طبيعية ومركزة وغير صناعية فسيكون لها فَوَحان واسع وثبات لمدة طويلة مما يعني ان أداء العطر ممتاز وحسن، وهذا ما يفسر غلاء سعره وربما شحته في اسواق العطور. عطر الإيمان ـ إن كانت الخامة طبيعية وغير ظاهرية أو  إصطناعية ـ فسيكون فَوَحانه ساحرا وزكيا بإمتياز ويشمه ـ الأنف الإيماني ـ من مسافات بعيدة، ودرجة ثبات العطر حتى على الملابس تكون خرافية كما يقال. الكلام في عطر الإيمان ليس معنويا فقط، بل وماديا أيضا بكل معنى الكلمة، للإيمان عطره الزكي المائز كما ان للتدليس رائحته المنفرة المقززة.

رائحة الفجر..

 كان أحد الأجداد رحمه الله تعالى ورحم مواتكم جميعا، طالب علم عند العلامة النائيني طاب ثراه، ومؤذنا في الروضة الحيدرية المطهرة على صاحبها أفضل التحية والسلام، وكان يؤذن لصلاة الصبح وهو لا يحمل ساعة يدوية أو جيبية معه، وعندما يسألونه عن كيفية معرفته دخول وقت الفجر دون النظر إلى الساعة، كان يجيبهم قائلا : أنا أشُمُّ رائحةَ الفجر! للفجر عند بعض الصالحين رائحته التي لا يخطئها أنفه.

منشفة الحمّام..

كان أحد أصدقائي في الحمّام ـ أجلَّكم الله ـ يغتسل غسل الجمعة قبل الماضية فطلب مني ان أناوله منشفة (فوطة) فأتايتُ بواحدة غير مستعملة وقلت له : سيدنا هذه إشتريناها من سوق الحميدية في دمشق عندما زرنا عمتك زينب عليها السلام. قال : لم أسألكم عن مصدرها؟ قلت : للحكاية بقية عندما تخرج من الحمام إن شاء الله ستعرف. قال : إن شاء الله تعالى.

قبل أن يستقر بي المجلس في انتظار خروج صديقنا العزيز من الحمّام، سمعته يبكي بصوتٍ عالِ مما أثار فضولي فكلمته من وراء الباب :

سيدنا.. خير إن شاء الله؟

قال : لقد وضعت المنشفة على وجهي لأمسح البلل فشممت رائحة مكة المكرمة، فتذكرت الطواف والسعي ومنى وصعيد عرفة فبكيت شوقا لبيت الله الحرام.

قلت (باللهجة الشامية) : سيدنا وشو جاب لجاب؟

قال : بال ، وأخيك هذه المنشفة من مكة المكرمة وليس من مكان آخر.

قلت : وما أدراك؟

قال : رائحة مكة لا تشبهها رائحة مدينة أخرى.

قلت : صدقت يا سيدي.. لقد حاولت إيهامك لِأخترك.

رائحة كربلاء..

سألت أحد زائري الحسين عليه السلام بعد أن كاد يسقط أرضا عند دخوله كربلاء :

 لِمَ البكاء وضريح المولى يبعد مسافة طويلة ؟!

قال : شممتُ رائحة كربلاء فتذكرت الفاجعة.

قلت : وهل لكربلاء رائحة؟.

قال : الدليل معك وتسألني، وأشار بسبابته إلى تربة حسينية كربلائية كانت بيدي. يعني بالدليل رائحة كربلاء الزكية التي تفوح من تربتها الطاهرة. بعض الصالحين لو أتيته بتربة ما وحتى لو كانت من تربة النجف الأشرف أو سامراء وقلت له هذه من كربلاء لتختبره، لشمها وقال لك : هذه ليست رائحة كربلاء.

ويعقوب النبي من قبل..

بعيدا عن الخوض في أصل قميص يوسف عليه السلام وكيف حمله معه كل تلك المدة ومتى أعطاه إيّاه يعقوب عليه السلام... فقد ذكر جلّ المفسرين أن يوسف ع بمجرد أن أخرج القميص من تلك الحافظة الحديدية التي كانت معه وفيها القميص ولما فصلت العير قال يعقوب ع : "إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ". لقد شمًّ يعقوب ريح  إبنه يوسف على بعد مسير ليالٍ قِيلَ أنها ثمان. إن من علامات المؤمن هو نوره الذي يسعى بين يديه وعطره الزكي الفوّاح الذي يأسر القلوب ولكن لا يشمه من لم تكن عنده لياقة شمّ عطر الإيمان.

عطر الإيمان والهرم العطري..

 الذي يميز عطر الإيمان عن أطيب عطور ( النيش والديزاينر كذلك) هو أنه عطر فريد من نوعه وان الخامات لهذا العطر أصلية مئة في المئة وان الأنف العطري هو أنف المؤمن ذاته والهرم العطري الإيماني يعطيك روائح زكية وكلها من أصل واحد هو الإيمان. لا أريد البحث أكثر عن الطيب والعطر والبخور هنا، كما ان الحديث عن الطيب ليس من باب الترف او البطر. بل عكس ذلك تماما فـ " الطيب زاد الملائكة" كما لا يخفى على القاريء الكريم والمتصفح المحترم. الطيب تحبه الملائكة وتنفر منه الشياطين التي إعتادت على العيش بين قاذورات الأفكار وأوساخ الظلالة والبعد عن اللطف الإلهي.

 كتبت هذه المقدمة المختصرة لأبيّن أن المدلس والمفتري والمضلل ليس بإمكانهم شمّ رائحة الإيمان مهما تظاهروا بذلك، لأن ليس في مجالسهم من يتعطر بها ويقتنيها.

نكتب عن العبادات الموسمية الظاهرية فيصطاد المدلس المعنى ويكتب عن الحجاب بأنه من العبادات الشكلية الظاهرية وان الأهم هو ما معقود في القلب. لا أجد تفسيرا منطقيا لما هو معقود في القلب ولا تصدقه الجوارح أوَ ليس الإيمان " ما وقرَ في القلب وصدقه العمل".

قالت لي إحدى المدلسات وهي تحاورني : أنا مسلمة لكني غير مطبقة لتعاليم الإسلام وان الله يقبل اليسير فلماذا نعقّد الأمور؟

قلت : هذا كلام مشوش لا أفهمه! الله يقبل اليسير من العمل الصالح يا سيدة!

قالت : انا مسلمة ولكني لا أعترف بالحجاب.

قلت : هذا من المضحك المبكي وهو أسوأ ماسمعته.

قالت : كيف؟

قلت : هل بإمكانكِ القول بأنك إشتراكية ولكن لا تؤمنين بمباديء الإشتراكية وتدعين إلى تطبيق الرأسمالية في الحياة لأن مقاسات الإشتراكية لا تناسبك؟!

هل بإمكانكِ القول بأنك نباتية ولكنك تأكلين كل أنواع اللحوم لأن الخضار لا تعجبك كأسلوب عيش وحياة. لقد قطع غاندي عهدا أمام أمه بأن يصبح نباتيا لا تدنو نفسه إلى قطعة لحم مهما كلّف الأمر فعاش المعاناة المعروفة في بريطانيا عندما قصدها، مرارة طعم النباتات المطبوخة بغير البهارات والتوابل الحادة التي إعتاد عليها في مطبخ بيته لم تجبره قسرا على نقض العهد مع أمه. وأنتِ أيتها السيدة المحترمة تشكلين على الحق سبحانه في مسألة الحجاب وأنت قد شهدتِ بأن لا إله إلاّ الله وان محمدا عبده ورسوله. ألم تكن الشهادة لله تعالى بالوحدانية بأنك سوف تتبعين ما أنزله سبحانه على رسوله ولا تتبعين السبل فتفرقَ بكِ عن سبيله تعالى.

مسألة الحجاب كتبنا عنها سابقا وقد ذكرناها هنا على سبيل المثال لا الحصر. قرأنا وسوف نقرأ الكثير من الفهم السيء عن مسألة الحجاب وكل الذي كتب وقيل هو كلام للتنفيس (فش خلق) والتدليس. الحجاب ليس نقطة ضعفنا بل هو نقطة ضعف من ينكرونه. الشمس الواضحة في رابعة النهار لا يحجبها غربال مدلس مهما كان ماهرا في التظليل ومتمرسا في التخريف.

نسأل الله العافية




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=150187
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18