• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : الامن الهش… خطر دائم وخوف مستمر من القادم .
                          • الكاتب : عصام عباس امين .

الامن الهش… خطر دائم وخوف مستمر من القادم

#المقدمة

رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ. هكذا هو الامن دائما يتقدم على سائر الاحتياجات الانسانية الاخرى. فبدون أمن مستدام لا يمكن تخيل وجود أي نوع من الاستقرار، فالأمن والاستقرار هما اساس الدول المزدهرة.
عندما كان الارهاب يستهدف حياة العراقيين في الشوارع والازقة والساحات العامة تحول الامن الى هدف مجتمعي كبير، فالإرهاب كان تهديدا وجوديا لجميع الناس، الشعور بالحاجة الى الامن دفع العراقيين لدعم القوات الامنية والحشد الشعبي والبيشمركة والتحالف الدولي في معارك التحرير ضد داعش حتى تحقيق النصر.
هزيمة داعش انعكست ايجابيا على نواحي معينة من حياة العراقيين فشبح الموت بالمفخخات او العبوات الناسفة تراجع كثيرا كنتيجة مباشرة لتراجع قدرات داعش القتالية، لكن استعادة الامن وفر للناس فرصة اكبر للتفكير من جديد باستحقاقاتهم الاخرى كسائر البشر للتمتع بحقوقهم الاساسية كالحق في الحياة والعمل والكرامة وحرية التعبير والمعتقد… الخ.
النجاح الامني لمفرده لم يكن كافيا لمواجهة تطلعات وآمال الناس فبعد تحقيق الامن برزت الحاجة الى الشعور بالانتماء الى الوطن مع اشتداد الاحساس بالحرمان النسبي[1] لدى طيف واسع من العراقيين.
#الغاية

دراسة تأثير المتغيرات ثلاثة متغيرات مهمة (الاحتجاجات الشعبية، داعش، الدولة العميقة) على الوضع الامني في العراق.

#الاحتجاجات الشعبية.

تظاهرات 1 تشرين الاول 2019 في جولتها الاولى استمرت عشرة ايام فقط لكنها شكلت اختبارا قاسيا للأمن الذي تحقق بعد هزيمة داعش العسكرية. وجوهر التحدي في هذه الموجة من التظاهرات انها لم تكن تشبه تظاهرات تموز في العام 2015 ولا التظاهرات الاسبوعية التي كانت تشهدها ساحة التحرير اسبوعيا لمدة ثلاث سنوات، فالقوات الامنية وجدت نفسها فجأة في مواجهة متظاهرين غاضبين وناقمين ويائسين، ولم تتمكن من احتواء التظاهرات بطريقة مهنية، فوقعت ضحايا وخسائر بشرية، بلغت استشهاد (149) مدنيا وثمانية من قوات الأمن.
الأسوأ من الخسائر البشرية في الارواح، ما جاء في الاعلان رسميا في 22/10/2019 عن النتائج التي توصلت اليها اللجنة التحقيقية بأحداث العنف التي رافقت تظاهرات تشرين وتضمنت التالي:
أن الاستخدام المفرط للقوة كان سببا في سقوط ضحايا من المتظاهرين.
تم التحقق من استشهاد (149) مدنيا وثمانية من قوات الأمن، اللجنة وجدت أدلة على وجود قناصة استهدفوا محتجين من فوق مبنى بوسط بغداد.
70% من الإصابات كانت في الصدر والرأس، مما يؤكد نية الاستهداف المباشر للمتظاهرين.
أوصت اللجنة بإعفاء قادة عسكريين وأمنيين من مختلف أجهزة القوات العراقية في سبع من أصل 18 محافظة.
أوصت اللجنة بإعفاء كل من قائد عمليات بغداد وقائد شرطة بغداد، وقائد عمليات الرافدين وقائد شرطة ذي قار، كما أوصت بإحالة الملف الى القضاء.
عزت اللجنة الخسائر في صفوف المدنيين إلى ضعف القيادة والسيطرة لبعض القادة والمسؤولين وهو ما أدى إلى حدوث فوضى.
نتائج التحقيق هذه اشارت الى مجموعة نقاط مهمة ينبغي الانتباه اليها جيدا:
فشل القوات الامنية في التعامل مع المتظاهرين، وهذه تعود لأسباب كثيرة في مقدمتها عدم وجود قوات متخصصة بمكافحة الشغب، اضافة الى أن اغلب الاجهزة الامنية لم تدرك ساعتها انها في مواجهة حراك اجتماعي والذي يصفها عالم السياسة البلغاري (ايفان كراستيف) بانه فعل يبحث عن معنى وممارسة لا تحكمها نظرية ورفض للسياسة التي لم تعد تنتج ممكنات ورد فعل ضد الانسداد السياسي[2].
الشعور بالإحباط لدى اغلب المواطنين بسبب الاخفاق في التوصل الى القناص او “الطرف الثالث” المتورط في قتل المتظاهرين. هذا النوع من الاحباط اذا ما تفاقم فانه سيقلل كثيرا من ثقة المواطن بالأجهزة الامنية وبالدولة.
الاعلان عن اقالة قادة أمنين ادى الى تراجع ثقة الاجهزة الامنية بإدائها بسبب ملابسات الاصطدام العنيف مع المتظاهرين.
اذا كانت ارقام القتل في الجولة الاولى تخطت المائة فأنها في الجولات الاخرى من التظاهرات ومنذ 25 تشرين الثاني تجاوزت المئات، مع ملاحظة حصول تضارب في البيانات الاحصائية الصادرة عن لجنة حقوق الانسان في البرلمان، ومفوضية حقوق الانسان، ووزارة الصحة، والوكالات العالمية للأخبار مثل رويترز، كجزء من الفوضى الملازمة للأحداث:
بتاريخ 12/11/2019 أكدت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي استشهاد (323) شخصا وإصابة (15000) ألفا آخرين.
بتاريخ 29/11/2020ونقلا عن رويترز فقد تجاوز عدد قتلى احتجاجات العراق (400) شهيد.
بتاريخ 3/2/2020 اعلنت مفوضية حقوق الانسان عدد الشهداء (556) بينهم (13) رجل أمن.
بتاريخ 2/2/2020 اعلنت وزارة الصحة العراقية أن عدد الشهداء بلغ (394) فيما بلغ عدد الشهداء من القوات الامنية (5) شهيد.
اضافة الى وجود التضارب الواضح في اعداد الشهداء اعلاه، الا انها تؤكد وجود ضحايا كثيرون، ويكاد الرقم خمسمائة شهيد واكثر من عشرون الف جريح هو الرقم الذي استقر في الذاكرة الجمعية للناس بعملية تسمى الرسو[3] ( Anchoring effect) ويصعب ازالة هذا الرقم حتى لو ظهرت ارقام اخرى.  
تزايد اعداد القتلى والجرحى من دون تحديد المسؤول عن ذلك وكشف الجناة، يترك فراغا كبيرا ويثير اسئلة كثيرة حول ما يجري، لهذا فقد تحول المطالبة بالتحقيق في كل ذلك مطلبا شعبيا يصعب تجاوزه.
نحن أمام وضع أمني معقد للغاية، فبالرغم من التوجيه الرسمي للقائد العام للقوات المسلحة بتجريد القوات المسؤولة عن حماية المتظاهرين من السلاح! وتوفير اقصى حماية للمتظاهرين، الا ان الواقع كشف عن سقوط اعداد كبيرة من القتلى والجرحى. ولولا اصرار المتظاهرين على الحفاظ على سلمية التظاهرات لانزلق البلد الى الاقتتال الداخلي خاصة اذا تذكرنا بان (المجتمع العراقي) هو (مجتمع مسلح) وجميع الشهداء والجرحى ينتمون لعوائل وعشائر معروفة ودية الدم غالية في العرف العشائري عادة ويصعب التنازل عنها.
الاحتجاجات الشعبية وما صاحبتها من حالات القتل والخطف والاصابات افرزت ما يمكن تسميتها بسيكولوجية “ازدراء الاجهزة الامنية” وتحديها والرغبة في مشاكستها واستفزازها لدى قطاع غير قليل من صغار المحتجين وهذا سيقود الى جيل متمرد لا ينضبط بسهولة ولا يمكن قيادته بسلاسة، وهذا سيضع الاجهزة الامنية امام تحدي جديد يستلزم العمل على اكتساب مهارات التعامل مع الاحتجاجات والتظاهرات، والعمل في ذات الوقت على بناء الوعي لدى الجمهور بأهمية سلطة الدولة باعتبارها هي صاحبة الارادة الاعلى لأنها تمثل الشعب الذي يريد بناء الدولة والحفاظ على الوطن وسيادته.
#داعش

بتاريخ التاسع من كانون الاول٢٠١٧ أعلن القائد العام للقوات المسلحة انتهاء “دولة الخلافة” وتحرير كامل الاراضي العراقية من دنس داعش.
جميع التقييمات الاستخبارية كانت تشير الى ان هزيمة داعش العسكرية لا تعني نهاية التنظيم، لكنها تشكل حجر الأساس في الحرب ضده.
في المقابل لجأ التنظيم الى تبني اسلوب حرب العصابات كما جاء في افتتاحية صحيفة النبأ[4] الاسبوعية العدد 178 في 19 نيسان 2019 تحت عنوان (طريق المجاهدين نحو الظفر والتمكين) موضحا الغاية التي تحققها حرب العصابات كخيار متاح امام داعش (غاية العصابات المجاهدة هو أن تكثر النكاية في العدو وتزرع الرعب في قلوب جنوده وانصاره، وتفقده السيطرة الكاملة على الارض، الى الدرجة التي لا يمكن منازلته في معارك حاسمة، من قبل جيش نظامي او شبه نظامي للمجاهدين).
لم يؤثر مقتل زعيم داعش (ابو بكر البغدادي) على قدرات التنظيم، فالملاحظ ان التنظيم حافظ على لحمته مع هيكلية قيادية بقيت على حالها وشبكات سرية في مدن وتواجد في غالبية المناطق الريفية في العراق وسوريا.
من المهم ملاحظة عمليات داعش التي يتم الترويج لها عبر انفوغرافيك (حصاد الاجناد)[5] تظهر ان العراق لا يزال يمثل الساحة الاهم لعمليات داعش الارهابية، وان حرب العصابات تحقق اهم اهدافها المتمثلة في الاستنزاف، وهذا ما اكده المتحدث الرسمي (ابو حمزة القريشي) في كلمته (دمر الله عليهم وللكافرين امثالها) حيث ذكر بالنص (لا زال الحساب طويلا معكم، ومن يتابع حصاد اجناد الخلافة في ولاية العراق من بعد انتهاء معركة الموصل – التي زعمتم فيها القضاء على الموحدين- الى يومنا هذا سيعرف ما نقصد بحرب الاستنزاف).
عمليات اراداة النصر التي اطلقتها قيادة العمليات المشتركة وعبر مراحلها الخمسة، جندت لها امكانيات كبيرة لمسح الارض وتطهيرها من الارهابيين، ونعتقد بان هذه العمليات لن تستطيع تحقيق كامل اهدافها المعلنة ما لم تستند الى معلومات استخبارية دقيقة تحدد مسبقا اماكن تواجد الارهابيين. فالتحدي الواضح هنا أننا في حرب الاسماك كما يصفها ماوتسي تونغ، لا يحتاج العدو الى الاحتفاظ بالأرض.

#الدولة العميقة

من التحديات الكبيرة للأمن العراقي ظهور تحد جديد يتم الاشارة اليه عادة في الادبيات السياسية بتحدي “الدولة العميقة”[6] والذي يعمل باستمرار على اضعاف الدولة واضعاف الامن. وطالما امتلكت الجماعات الممثلة للدولة العميقة ادوات التأثير على القرار الامني فان الامن يبقى هشا، لا بل قد تشعر الاجهزة الامنية بالضعف امام الدولة العميقة بقادتها او حتى بشخوصها الاعتيادين. ولعل قيام احدى الجماعات المسلحة بخطف ضابط كبير في وزارة الداخلية من شوارع بغداد وبوضح النهار، ومن ثم اعلان الوزارة، بعد أيام، تحريره بعد الاشتباك مع الجهة الخاطفة، من دون الإعلان عن هوية الخاطفين أو الجهة التي ينتمون إليها دليل على مدى سطوة وقوة وتغلغل هذه الجماعات داخل مفاصل الدولة.
في خضم المواجهات اليومية بين المتظاهرين والقوات الامنية وتأخر الحلول الناجعة كان المشهد الامني يزداد تعقيدا، وكل تعقيد اضافي في هذا الملف يعني اضعافا اكثر للأمن، والتعقيد لم يكن هذه المرة بسبب المزيد من حالات الخطف او الاغتيال فقط وانما في نتائج الاستهداف المباشر لقائد فيلق القدس (قاسم سليماني) ونائب رئيس الحشد الشعبي (ابو مهدي المهندس) في عملية مخابراتية امريكية على طريق مطار بغداد الدولي، هذه العملية كشفت حقائق خطيرة وكلها تجعل الامن العراقي يبدو اكثر هشاشة واكثر ضعفا بسبب:
تنفيذ العملية تمت على الاراضي العراقية. وكانت مفاجئة لجميع الاجهزة الاستخبارية.
اغلب التفاصيل تم الكشف عنها في وسائل الاعلام مع غياب التفاصيل الرسمية من الجانب العراقي.
ردود الافعال التي تلت العملية كانت كبيرة داخل العراق واهمها قرار مجلس النواب العراقي بغياب الكورد والسنة حول اخراج القوات الامريكية من العراق.
رد الفعل الايراني الانتقامي جرى هو الاخر على الاراضي العراقية من خلال استهداف قاعدة عين الاسد وقاعدة الحرير.
المفارقة ان ايران تعاملت مع مقتل زعيمها بمنتهى العقلانية والبراغماتية فانتقمت انتقاما محسوبا بدقة لتجنب أي مواجهة عسكرية مع امريكا في الوقت الحاضر، في حين جاءت ردود افعال بعض فصائل الحشد الشعبي اكثر راديكالية وآخرها تصريح امين عام حركة النجباء من طهران بالتحول الى مرحلة الهجوم لاستهداف القواعد الامريكية في العراق.
الخلاصة

يمكن القول بأن واقعا جديدا يتشكل في العراق، لكن لا احد يعرف حدود الامن فيه، هل سيبقى هشا كما كان بعد 2003 ام سيزداد هشاشة، في ظل:
سعي داعش لبناء قدراته والفرص التي توفرها انسحاب القوات الامريكية من العراق. مستذكرين دائما تزايد نشاط داعش الارهابي في ديالى وصلاح الدين وكركوك، وان العراق لا يزال يمثل ساحة العمل الرئيسية لهم.
تطورات الصراع الايراني الامريكي، والسيناريوهات المحتملة اذا ما نجحت الصواريخ التي تطلقها بعض الجماعات المسلحة اهدافها وتسببت بوقوع ضحايا من الامريكان.
تطورات التظاهرات في ظل انسداد الافق امام العملية السياسية. وتراكم المشاكل في جميع الاصعدة.
فرضية وجود الطرف الثالث كفيلة بخلق تحدي جديد امام القوات الامنية متمثلا في القوى المنفلتة التي تتصرف بمفردها فتخطف وتقتل دون ان تتمكن من ردعها او محاسبتها. وطالما استمرت هذه القوى في افعالها فإنها ستعمل على اضعاف وارادة ومعنويات الاجهزة الامنية وتتركها في شعور دائما بالإحباط والفشل والاخفاق امام مسؤوليتها الاولى المتمثلة بتحقيق الامن.
تضاؤل قدرات سلطات تنفيذ القانون والضبط الامني بسبب تصاعد قوة القوى التي توازي سلطة الدولة وتنافسها، مثل الميليشيا والجماعات المسلحة والعشائر التي تتحدى سلطة الدولة، فالتحدي الاكبر هو في مدى قدرة الاجهزة الامنية على احتكار السلاح ومصادرة الموجود منه خارج المؤسسات الامنية والبرهنة العملية على قدرة الدولة على ممارسة العنف المشروع وفرض هيبتها وسلطاتها. وبدون ذلك يبقى العجز مستمرا في مواجهة الطرف الثالث.
في النهاية علينا الانتباه جيدا ان الامن الهش لا يبني دولة وهو يشكل خطر دائم وخوف مستمر من القادم.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=149128
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28