• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – (7/8) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – (7/8)

بسم الله الرحمن الرحيم

"الهراطقة" والعمل العلمي:
سبق ان اعترضنا على وصف المذاهب المسيحية المخالفة للمذاهب المسيحية الاربعة الكاثوليكية[1] والارثوذكسية الرومية[2] والارثوذكسية القبطية[3] والبروتستانتية[4] بالهرطقات، لأنه لا يوجد مبرر لهذا الوصف للباحث المنصف، فحتى هذه المذاهب المسيحية الاربعة تعتبر ايمان وعقيدة المذاهب الثلاثة الباقية هرطقات أيضاً، وكمثال على ذلك يقول عزت اندراوس ان هناك (40) اختلاف بين الكنيسة الآرثوذكسية القبطية (غير الخلقيدونية) وبين الكنيسة الكاثوليكية، وكذلك ما زال الى اليوم هناك من المسيحيين الآرثوذكس من يصرح بتكفير المسيحيين الادفنتست ويعلنون انهم غير مسيحيين فضلاً عن ان يكونوا مهرطقين[5]!! بالاضافة الى ان الباحث يجب ان يكون محايداً بين المذاهب المختلفة لكي يكون بحثه موضوعياً.
ثم يقول يوسف زيدان: (وها هنا نقطة دقيقة قلَّما انتبه اليها الدارسون والمؤرخون، بل لم أجد واحداً قد نبَّه إليها، على الرغم من اهميتها. وهي ارتباط الانجاهات المسماة هرطوقية، بالعمل العلمي! وقد لفت نظري الى ذلك الارتباط، عبارة ساقها يوسابيوس القيصري، في معرض كلامه عن أهل البدع والهرطقة، قال: ولأنهم من الارض، ومن الارض يتكلمون، ولأنهم يجهلون الآتي من فوق، فقد نركوا كتابات الله المقدسة، ليتفرغوا لعلم الهندسة (مقاييس الارض) فبعضهم أجهد نفسه ليقيس أُقليدس (كتاب الجغرافيا) والبعض أُعجب بأرسطو الفيلسوف وتلميذه ثيوفراستوس، بل لعل البعض قد عَبَدَ جالينوس (الطبيب) فإن كان الذين يستعينون بفنون غير المؤمنين في آرائهم الهرطوقية، وفي تحريف بساطة الايمان بالأسفار الإلهية، قد ابتعدوا عن الايمان، فماذا يلزمنا أن نقول؟ وقد وضعوا أيديهم بجرأةٍ على الأسفار الإلهية، زاعمين بأنهم قد صحَّحوها. وعلى العكس من هذه النظرة (الايمانية القويمة) للعلم والعلماء، أخذ النساطرةُ المتهمون بالهرطقة بأطراف المعارف. وصارت لهم مع طول اشتغالهم بالعلوم، مراكز علمية شهيرة في مرو ونصيبين وجنديسابور وانحاء الشام والعراق، فصارت لهم مع كرِّ السنين مكانة مرموقة في الزمن الفارسي، ثم الاسلامي. حتى ان الخليفة المعتضد الذي حكم الدولة العباسية بين عامي 279- 289 هجرية (892- 902ميلادية) عيَّن والياً على الأنباء، بشمال العاصمة بغداد، من المسيحيين النساطرة. وقبل ذلك بعقود طوال، وفي ايام المنصور 136- 158 هجرية (754- 775 ميلادية) بلغ استقرارهم وغناهم وتقدُّمهم الحضاري، أن النساطرة أقاموا كنائس ضخمة بالعراق، منها الكنيسة التي بناها أسقف نصيبين، كبريانوس النسطوري. بتكلفةٍ بلغت سنة وخمسين ألف دينار، وهو مبلغ هائل بمقاييس ذاك الزمان، كان يكفي لإنشاء مدينة كاملة، لا كنيسة)[6].
وهذا النص يكشف عن خلل كبير في الذهنية المسيحية حيث ينتقدون من يهتم بالعلوم وتطويرها، ويعتبرون ذلك دليلاً على عدم حقانيته العقائدية! والغريب انهم ينتقدون تأثر "الهراطقة" بأرسطو بينما كبار علماء المسيحية قد تأثروا بافلاطون وأفلوطين! 
والخلاف الرئيسي بين النساطرة ومذهب الكنيسة الرومية هو ان مذهب النساطرة يقول "بأن يسوع المسيح مكون من جوهرين يعبر عنهما بالطبيعتين وهما: جوهر إلهي وهو الكلمة، وجوهر إنساني أو بشري وهو يسوع، فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء بحسب النسطورية، لم تلد إلها بل إنساناً فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب، فيكون هذا المذهب بذلك مخالفاً للمسيحية التقليدية القائلة بوجود أقنوم الكلمة المتجسد الواحد ذو الطبيعتين الإلهية والبشرية"[7].
وهكذا رفض النساطرة اطلاق لقب (والدة الإله) على مريم العذراء (عليها السلام)، واكتفوا بالقول انها (والدة المسيح)! وهذا يكشف عن حجم الارباك الفكري الذي كانت تعانيه الكنيسة الرومية، فمن جهة تقول بطبيعتين في المسيح لاهوتية وناسوتية، وان ناسوت المسيح يحمل صفات انسانية كاملة. وهنا تثار عدة اسألة وفق العقيدة المسيحية منها مَنْ الذي خلق ناسوت المسيح هل لاهوت المسيح هو الذي خلق ناسوته ام الأب (الاقنوم الاول) هو الذي خلق ناسوت المسيح! واذا كان ناسوت المسيح مخلوقاً فلماذا يطلقون على مريم لقب والدة الإله حتى لو كانت الطبيعتان اللاهوتية والناسوتية متحدتان، فهما قد اتحدتا بكل تاكيد بعد ولادته الانسانية (الناسوتية)!
أسقفية العربية:
يقول يوسف زيدان: (وهناك شواهد عديدة على ان ما كان يسمى يوم ظهر الاسلام (أسقفية العربية) إنما هي في واقع الحال كنيسة نسطورية أو لعلها كانت نسطورية القالب أريوسية الروح. إذ إن تطور المذهبين الآريوسي والنسطوري، كلٌّ على حدة، يؤدي بالضرورة الى التقاء المذهبين المنطلقين اساساً من محاولة تنزيه الله عن الشريك، وإنكار ألوهية ما سوى الله، وإن كان المسيح! ولم تكن الآريوسية لذلك بعيدة عن وعي العرب العام بالمسيحية. ولذلك ورد أسم (لأُرُس) بوضوح في تلك الرسالة التي يُقال إن النبي محمداً، بعث بها الى هرقل عظيم الروم. إلا أننا لا نملك اليوم أيَّ وثائق تاريخية باقية أو شهادات كنسية حاسمة يمكن معها القطع بنسطورية هذه الاسقفية المسماة (العربية) أو إقامة الدليل الحاسم على آريوسيتها. أما ما يردِّدهُ البعض من دون سندٍ تاريخي قوي من أن (ورقة بن نوفل) كان في وقته هو أسقف مكة النسطوري، فأراه من جانبي مجرد رأي أو خبر مرسل على عواهنه، إذ ليس بيدي ما يؤكده ولا ما ينفيه)[8].
هذا النص مليء بالاخطاء والاثارات التي يجب توضيخ خطأها. فما اطلق عليه أسم (أسقفية العربية) ويسميها البعض الآخر ابرشية العربية أو أسقفية الخيام، إنما ظهرت في منطقة الهلال الخصيب، وتسمى كذلك: (“أبرشية بصرى حوران وجبل العرب)، وايضاً " شبه جزيرة سيناء التي كانت عامرة بالسكان، وكان لها عدة أُسقفيات تهتم بشؤون القبائل البدوية وتدعى ”أسقفيات أصحاب الخيام” أو ”أسقفيات المضارب” ويتسمى أساقفتها “أساقفة المضارب”"[9].
ومعروف ان الثقافة السريانية هي التي كانت سائدة في تلك البلاد قبل ظهور الاسلام. ولذلك لم تكن تلك الاسقفية ترعى العرب بل كانت ترعى الاقوام البدوية ذات الثقافة السريانية في منطقة الهلال الخصيب، اما العرب فلم تكن علاقتهم طيبة مع هذه الاسقفيات او الابرشيات، حيث كتب د. جوزيف زيتون: (على ان تلك الكنيسة لم تعش طويلاً في برية فلسطين، لأن العرب حسب شهادة كيرلس البيساني: ”في زمان اسطاسيوس الملك خربوا بيوت البربر المتنصرين على ايدي القديس افثيميوس، فأما رؤساؤهم فصنعوا لهم بيوتاً جديدة وبنوا كنيسة عند مار طيربوس. ثم رجع اليهم العرب فسبوا بعضهم وتفرق الباقون في القرى ونكبوا البربر في ذلك الزمان بشدة وضيق عظيمين.”)[10]. على ان تلك الاسقفيات العربية كانت ارثوذكسية المذهب، ولم تكن نسطورية ولا آريوسية، بشهادة ان كبار المسيحيين فيها كان ابرزهم: القديس ثيوكتيستوس (توفي 467م) والقديس أفثيميوس (توفي 473م)، وهما ينتميان للمذهب الآرثوذكسي، وكذلك الاساقفة: بطرس ( اسبيغ)، وخلفه أفكسالبوس، ثم يوحنا وأعقبه على التتابع واليس 518م وبطرس الثاني 556م[11]. أما في بلاد العرب فكانت هناك ثلاث كنائس هي في ظفار وعدن وهرمز[12]، كما ان هناك اديرة لرهبان في جبال طي[13]، وفي عُمان واساقفة في قطر وهجر[14].
وقد "اعتنق عرب الشام المسيحية على المذهب (المونوفيزي) مذهب اصحاب الطبيعة الواحدة القائلين بأن في المسيح طبيعة واحدة وأن المسيح هو الله، في حين اعتنق بعض أهل الحيرة المذهب (النسطوري) تسبة الى نسطوريوس مطران القسطنطينية (428- 431)م القائل إن في المسيح طبيعتين مستقلتين إحداهما إلهية (يعمل بها في الامور الإلهية) والثانية بشرية (يسلك بها في الدنيا كما يسلك سائر البشر) وعلى هذا لا تكون مريم والدة المسيح الذي هو ذو الطبيعة البشرية (عيسى-الانسان)"[15]. وقد "تسربت النصرانية الى جزيرة العرب من بلاد الشام والعراق والحبشة بواسطة المبشرين والتجار"[16]، وكذلك عن طريق الارساليات التبشيرية ومنها ارسالية الامبراطور قسطنطين الثاني الى الجنوب العربي في سنة 354م برئاسة تيوفيلوس آندس والذي افلح في إنشاء كنيسة في عدن وأخرى في ظفار وأخرى في هرمز[17]، والظاهر انه الامبراطور قسطنطيوس الثاني ((Flavius Julius Constantius Augustus) (317- 361)م، وكان معتنقاً للآريوسية[18]. وانتقل مذهب المسيحية ذو الطبيعة الواحدة (المونوفيزية) من الشام الى جنوب شبه الجزيرة العربية حيث "كانت نجران أهم مراكز المسيحية في الجنوب وقد نقل إليها هذه الديانة على مذهب (الطبيعة الواحدة) رجل ورع من سورية اسمه (قيميون) ، وذلك حوالي سنة ٥٠٠ م"[19]، بالاضافة الى مذهب الارثوذكسية غير الخلقيدونية القائل بطبيعة واحد للمسيح (بطريقة مختلفة عن المونوفيزية) والتي انتقلت من الحبشة الى شبه الجزيرة العربية عبر اليمن، وبذلك تكون المسيحية في شبه الجزيرة العربية هي خليط من المذاهب المسيحية: المونوفيزية والنسطورية والآريوسية والآرثوذكسية غير الخلقيدونية، ولا يبعد وجود الآرثوذكسية الخلقيدونية أيضاً بالاضافة الى اتباع التعاليم الاصلية لحواري المسيح (عليه السلام) الذين لا يغالون به ولا يعتبرونه أكثر من نبي عظيم وان الانجيل كتاب سماوي منزل على المسيح عليه السلام، وهو الامر الذي تجحده بقية المذاهب المسيحية!
والظاهر ان يوسف زيدان يخلط بين المسيحيين المنتمين الى اسقفيات الخيام وبين المسيحيين في شبه الجزيرة العربية حيث اختلط عليه تسمية (اسقفية عربية) فظن انها في بلاد العرب أي شبه الجزيرة العربية، وهذا خلاف الواقع.
اما قول يوسف زيدان بأن النسطورية تنطلق من مبدأ تنزيه الإله عن الشريك فهذا بعيد عن حقيقة عقيدة النسطورية التي تؤمن بالاقانيم الثلاثة، بل وتجعل للمسيح طبيعتين منفصلتين احداهما لاهوتية والآخرى ناسوتية! وليس هذا هو خطأه الوحيد، على اية حال!
اما المزاعم التي يرددها البعض من ان ورقة بن نوفل كان يعتنق المسيحية وانه اسقف مكة! فهي دعاوى متهافتة، لأن الثابت عندنا ان ورقة بن نوفل كان يعتنق الحنفية، كما هو حال زيد بن عمرو بن نفيل[20]، وقال شعراً في رثاءه وهو :
رشدتَ وأنعمتَ ابن عمرو وإنما *** تجنبت تنوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب كمثله      *** وتركك أوثان الطواغي كما هيا
ولذلك فهو أيضاً يؤمن بالمسيح عليه السلام كنبي عظيم ويتبع تعاليمه الاصلية قبل تحريف بولس لها، ومما يدل على ذلك ما نقرأه في مجمع الزوائد للهيثمي: (وعن اسماء بنت ابي بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة فقال يبعث يوم القيامة أمة وحده. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)، ولذلك جاء الحديث بأن ورقة بن نوفل يبعث امة وحده لأنه لم يكن ينتمي للمذاهب المسيحية السائدة والموجودة في ذلك الوقت، ولم يكتف بالايمان بالحنفية دين ابراهيم الخليل (عليه السلام) بل آمن الى جانبها بتعاليم المسيح (عليه السلام)،و لذلك يُبعَثُ أُمةً وحده. 
وقد كان ورقة بن نوفل يكتب الانجيل بالخط العربي، كما في رواية في صحيح مسلم عن عائشة انها قالت: (كان اول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة) الى ان تقول الرواية: (حتى اتت به ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة اخي ابيها وكان امرءاً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الانجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمى). أي يكتب اللفظ الآرامي بحروف عربية، مما يعني انه لم يدرس في الكنائس المسيحية ولم يتعلم الخط الآرامي ولا السرياني ولا اليوناني ولا غيرها من الخطوط التي تستعملها الكنائس المسيحية في تعليم وقراءة وتلاوة كتبها المقدسة، مما يعزز ما ذهبنا اليه من انه لم يكن من اتباع المذاهب المسيحية المعروفة بل كان على دين المسيح (عليه السلام) كما اُنزِل. بالاضافة الى ان جواب ورقة بن نوفل عندما علم بنزول الوحي يدل على انه لم يكن معتنقاً للعقائد المسيحية، حيث قال: (إن يك صادقاً فإن هذا ناموس مثل ناموس موسى فإن بُعث وانا حي فسأعززه وأنصره وأومن به)[21]. وهذا الجواب لا يمكن لرجل ديني مسيحي من اتباع الآرثوذكسية أو النساطرة أو الأبيونية أو الآريوسية ان يذكره خصوصاً انه لم يذكر المسيح (عليه السلام) في كلامه. فموسى عند ورقة بن نوفل هو نبي عظيم صاحب شريعة جديدة وكتاب سماوي منزل هو التوراة، واما المسيح (عليه السلام) فهو ايضا نبي عظيم ولكنه جاء مكملاً للرسالة الاصلية وهي رسالة موسى (عليه السلام).
 
المذاهب المسيحية وقت ظهور الاسلام:
مما تقدم يتضح خطأ كلام يوسف زيدان حيث يقول: (كان العراق والجزيرة، إذن، بلاد الهراطقة الذين نظروا الى أنفسهم على انهم أهل الايمان الصحيح، وأن مخالفيهم هم الذين ضلُّوا وهرطقوا حين زعموا أن الله ثالث ثلاثة، وأن الله (تعالى) هو المسيح عيسى ابن مريم. اما مصر والحبشة وأطراف اليمن، فقد بقيت على إيمانها الآرثوذكسي (القبطي) المختلف مع، وعن، بقية الأرثوذكس. وعند ظهور الاسلام كانت هناك جغرافياً أربع كنائس أرثوذكسية متخالفة الايمان متنازعة الاعتقاد، هي بحسب ترتيب اهميتها في ذاك الزمان:
ـ كنيسة الروم الأرثوذكس (روما، اليونان من بعدُ).
ـ كنيسة الأرثوذكس الملكانيين (بيزنطة).
ـ كنيسة الأرثوذكس السريان (انطاكية).
ـ كنيسة الأرثوذكس الاقباط (الاسكندرية) )[22].
فقد بينّا ان جميع المذاهب المسيحية في ذلك الزمان يهرطق بعضها بعضاً، ولكن الظاهر ان يوسف زيدان يقصد بها الكنائس المسيحية التي تؤمن بالثالوث والمختلفة في اعتقاداتها، حيث ان باقي الكنائس التي ينبزونها بالهراطقة يختلف ايمانها عن ايمان هذه الكنائس بصورة جوهرية ولاسيما في موضوع الثالوث، عدا النساطرة الذين يؤمنون بالثالوث ولكن خالفوهم في وجود طبيعتين منفصلتين للمسيح ومع ذلك ينبزونها بالهرطقة!
ولم تكن هذه الكنائس الآرثوذكسية الاربعة هي اهم الكنائس في وقت ظهور الاسلام، بل كان الى جانبها الآريوسية أكثر اهمية منها، وكذلك النساطرة. ومن بين هذه الكنائس الاربعة "الآرثوذكسية" كانت كنيسة الاقباط غير الخلقيدونية أكثر انتشاراً في المنطقة واكثر تأثيراً على المسيحيين في جزيرة العرب ولا يخفى ان ابرهة الحبشي الذي كان يسعى لنشر المسيحية بالقوة في جزيرة العرب كان ينتمي لهذه الكنيسة.
 
البصرة والمحيط المسيحي!
كتب يوسف زيدان وهو يتحدث عن معبد الجهني: (كان الجهني حسبما يدل على ذلك لقبه، عربياً من قبيلة جهينة. وقد عاش بالبصرة، وأُشير إليه دوماً في كتب التراجم بأنه (نزيل البصرة) أي أنه كان يعيش في المحيط الثقافي العربي الذي عاصر المسيحية قروناً وساد فيه قبيل الاسلام مذهبُ النساطرة)[23].
وهذا الكلام فيه مبالغة لأن البصرة مدينة اسلامية صرفة بناها عتبة بن غزوان سنة 17 وسكنها المسلمون سنة 18هـ[24] كمدينة تضم عوائل المقاتلين. وبالتالي فإن أجواء الفتوحات الاسلامية هي التي كانت سائدة في المناطق المحيطة بالبصرة، ولم تكن الاجواء طبيعية ليتم فيها تلاقح الافكار الدينية بين المسلمين والنساطرة آنذاك، لاسيما مع كون المسلمين في عنفوان دينهم الجديد الذي ظهر قبل فترة قليلة لينير العالم كله من الظلمات التي تحيط به. فكل الافكار المسيحية النسطورية وغيرها جاء الاسلام ليدحضها وينقضها ويبين تهافتها وباطلها، فمن غير المعقول ان يكون للدين القديم تأثير على الدين الجديد في عنفوان انتشاره.
  
المونوثيلية والقدرية:
زعم يوسف زيدان ان العقيدة القدرية التي ظهرت في العصر الاموي على يد معبد الجهني هي استكمال لظهور المونوثيلية في المسيحية! قال: (والظاهر من الامر، أن سبب هذه التسمية أصلاً هو أن معبداً الجهني كان يناقض المذهب الجبريَّ الذي حرص الأمويون على تعميمه بين الناس لقبول الحكم الاموي باعتباره من الله وأن الانسان عموماً ليس بيده شيء لأنه لا يملك دفعاً للمقادير الإلهية. لأن الله له مشيئة واحدة وإرادة واحدة لا بد أن تتحقق! وهو ترجيع لألحان المذهب (المونوثيلي) الذي لم تسمح الظروف التاريخية بتطوره في حضن المسيحية، فظهر في الزمن الاسلامي المبكر تحت أسم: الجبرية. وقد صيغ في مقابله المذهب (القدري) صياغته الاولى، عبارة مشهورة تقول: لا قَدَرَ والأمرُ أُنُف)[25].
وشتان بين اسباب ظهور المونوثيلية واسباب ظهور الجبرية التي ذكر انها لترسيخ السلطة الاموية على النحو الذي اشار اليه، وبين المونوثيلية التي ظهرت كوسيلة لجمع المسيحيين من جديد حول عقيدة واحدة هي عقيدة المشيئة الواحدة، بعد ان فرّقتهم عقيدة طبيعة المسيح اللاهوتية والناسوتية بسبب السؤال هل هما  طبيعة واحدة ام طبيعتان! يقول بيري ان ظهور المونوثيلية كان تطور طبيعي للخلافات المسيحية القديمة في القرن الخامس الميلادي[26].
وقال البعض ان معبد الجهني اخذ مذهب القدرية (إنكار القدر) من النصارى، قال مسلم بن يسار (توفي 108هـ): (ان معبداً يقول بقول النصارى)[27]، وقال الاوزاعي (توفي 157هـ): (اول من نطق في القدر رجل من اهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصّر فأخذ عنه معبد الجهني، واخذ غيلان عن معبد). بينما يقول ابن عساكر: (وكان أول من تكلم ها هنا في القدر معبد الجهني ورجل من الأساورة يقال له سسويه وكان حقيراً)[28]، فلم يذكر النصارى بل ذكر سسويه من الاساورة الذين هم من بقايا قادة وفرسان جيش كسرى. وقال ابن النديم في الفهرست: (قال البلخي : أول من تكلم في القدر والاعتزال ، أبو يونس الأسواري ، رجل من الأساورة يعرف بسنسويه ، وتابعه معبد الجهني ويقال ان سليمان بن عبد الملك تكلم فيه)[29].
وقال احمد بن حنبل: (أول من تكلم في القدر بالبصرة معبد الجهني وسسلوا رجل من الاساورة)[30].
وقال ابن بطة في الابانة: (عن ابن عون قال أمران أدركتهما وليس بهذا المصر منهما شئ الكلام في القدر إن أول من تكلم فيه رجل من الأساورة يقال له سيسوية وكان دحيقا وما سمعته قال لأحد دحيقا غيره قال فإذا ليس له عليه تبع إلا الملاحون ثم تكلم فيه بعده رجل كانت له مجالسة يقال له معبد الجهني فإذا له عليه تبع ثم قال وهؤلاء الذين يدعون المعتزلة)[31].
وقال الصفدي: (وأول حدوثه في مسألة القدر وفي الاستطاعة من معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم)[32].
فقول مسلم بن يسار ان معبداً يقول بقول النصارى، يمكن حمله على انه اشترك معهم في فكرة إنكار القدر، ولا يشترط ذلك انه تعلمها منهم. بينما الاوزاعي يصرّه بأنَّ معبداً اخذها عن سوسن النصراني! 
ولا ندري هل هو من قبيل المصادفة ان يكون هناك مسلمون آخرون من عشيرة (الاساورة) وقد اعتنقوا مذهب القدرية أيضاً، منهم: عمرو بن فائد الاسواري، قال العقيلي عنه: (كان يذهب الى القدر والاعتزال)[33].
وقال النووي: (معبد بن خالد الجهني كان يجلس الحسن البصري وهو أول من تكلم في البصرة بالقدر فسلك أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله)[34]. ووفق هذا النص تكون أهمية عمرو بن عبيد (80- 143)هـ في نشر فكر القدرية أكثر من اهمية معبد الجهني (المتوفى قبل 90هـ).
والظاهر ان اول من نسب أخذ معبد الجهني لقوله في نفي القدر من النصارى هو الاوزاعي امام أهل الشام!
وعلى فرض ان معبد الجهني قد اخذ مذهبه فعلاً من النصارى فما هو حجمه الفكري في الفكر الاسلامي؟ لا شيء او شيء ضئيل جداً لا يكاد يعتد به. فالفكر الاسلامي الذي انتشر وساد عموم المسلمين هو فكر الاشعري والماتريدي عند اهل السنة وفكر آل البيت الاطهار (عليهم السلام) من خلال إلتفاف الشيعة الامامية حولهم، وكِلا هذين الفكرين لا يحملان شيئاً من افكار معبد الجهمي ولا القدرية. وضمن نفس السياق فإن علم الكلام عند المسلمين لم يكن لمعبد الجهني أي تأثير على نشوءه او ظهوره او تطوره.
ويذهب الشيخ جعفر سبحاني الى ان معبد الجهني لم ينكر القدر بل انكر الجبر، يقول: (إن معبد الجهني في العراق وتلميذه غيلان الدمشقي في الشام كانا يتبنيان فكرة الاختيار ونفي الجبر لا فكرة نفي القدر والقضاء الواردين في القرآن الكريم. والشاهد على ذلك أن معبد الجهني دخل على الحسن البصري وقال له: يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره . فقال له الحسن البصري: كذب أعداء الله. انتهى. ومن المعلوم أن الحسن البصري لم يكن ينكر ما جاء في الكتاب العزيز من أن: ((كل شئ فعلوه في الزبر، وكل صغير وكبير مستطر)). وغير ذلك من الآيات التي مضت في الفصل الرابع ، وإنما ينكر أن يكون القضاء والقدر مبررين لطغيان الطغاة وجرائم الطغمة الأثيمة من الحكام. فبالنتيجة كان معبد وأستاذه الحسن من دعاة القول بالاختيار لا من دعاة منكري القضاء والقدر . ولما كان الأمويون، يرون أن القول بالقضاء والقدر يساوق الجبر وسلب الاختيار، اتهموا القائلين به بنفي القضاء والقدر مع أن بين القول بالاختيار ونفي القدر بونا بعيدا . ويشهد على ذلك أيضا أن غيلان يعرب عن عقيدته في محاجته مع عمر بن عبد العزيز بالاستشهاد بقوله سبحانه: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، فالرجل كان يتبنى الاختيار ويكافح الجبر، لا أنه كان ينكر ما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة. كما أنه في محاجته مع ميمون بن مروان أعرب عن عقيدته بقوله: "أشاء الله أن يعصى؟" قائلا بأنه ليس هناك مشيئة سالبة للاختيار جاعلة الإنسان مشاهدا في مسرح الحياة. وأظن أن اتهام الرجلين ومن جاء بعدهما بالقدرية تارة (نفي القضاء والقدر بالمعنى الصحيح) أو بالتفويض وأن الإنسان في غنى عن الله تعالى في أفعاله، أخرى ، لم يكن في محله . فهؤلاء كانوا يكافحون فكرة الجبر لا نصوص الكتاب والسنة. وأما فكرة التفويض فإنما تمحضت ونضجت إثر إصرار الأمويين على الجبر، واتخذته المعتزلة مذهبا في النصف الثاني من القرن الثاني، وإلا فالمتقدمون عليهم حتى مؤسس الاعتزال واصل بن عطاء مبرؤون عن فكرة التفويض. فالقول بالتفويض الذي هو صورة مشوهة للاختيار، إنما تولد من إصرار الأمويين والمتأثرين بهم من أهل الحديث على القول بالجبر من جهة ، وإصرار هؤلاء الأقدمين على اختيار الإنسان وحريته في مجال الحياة وإلا لم يكن من التفويض أثر في كلمات الأقدمين. ومن الأسف أن القول بالجبر قد بقي بين المسلمين بصورة خاصة حتى في المنهج الذي ابتدعه إمام الأشاعرة، إلى العصور الحاضرة. والمنكر إنما ينكر بلسانه ولكنه موجود في المنهج الذي ينتسب إليه)[35].
ويقول محمد جعفر شمس الدين: (ان القدرية هؤلاء قد شنو – متمثلين في شخصي مؤسسي فكرتهم غيلان الدمشقي ومعبد الجهني – حرباً لا هوادة فيها على الامويين بالخصوص، حتى ان معبداً المذكور قد اشترك مع عبد الرحمن الاشعث عندما ثار على الامويين فقتله الحجاج في حين أقذع غيلان الدمشقي في سب الامويين وشتمهم)[36].
إذن لم يتعلم معبد الجهني نفي القدر من النصارى، وهناك من يرى أنَّ غايته هي نفي الاجبار وإقرار الاختيار في افعال البشر، في سبيل مقاومة الامويين ومعارضة حكمهم الظالم، وإنما شنّع ذلك عليه خصومه من الامويين واتباعهم.
ونسب يوسف زيدان للبخاري انه قال: (ولا يفوتنا هنا أيضاً، الاشارة الى عبارة خطيرة قالها الامام البخاري، وقلَّما توقف أمامها الدارسون، مع انها دالة بشكل كبير على صحة ما قرّرناه سابقاً، من امتداد اللاهوت العربي المسيحي في علم الكلام الاسلام، يقول البخاري ما نصّه: فَشَتِ (انتشرت) القدريةُ حين فشا النصارى)[37]. ونسب هذه المقولة في هامش نفس الصفحة الى كتاب البخاري: خلق أفعال العباد، ص300! ولم يذكر تفاصيل هذه الطبعة التي استند اليها. وقد راجعنا ما وصلنا اليه من طبعات هذا الكتاب[38] فلم نعثر على هذه العبارة المنسوبة للبخاري!!
نعم عثرنا على عبارة مقاربة لها رواها ابن بطة في الابانة عن زياد بن يحيى الحساني (متوفى 254هـ) أنَّه قال[39]: (ما فشت القدرية بالبصرة حتى فشا من أسلم من النصارى)[40]! وفي رواية أخرى لنفس المصدر عن داود بن أبي هند أنَّه قال: (ما فشت القدرية بالبصرة حتى فشا من أسلم من النصارى)[41]. والظاهر انها قيلت اولاً من قبل داود بن ابي هند لكونه من تابعي التابعين بينما زياد بن يحيى الحساني كان من شيوخ البخاري (194- 256)م، وعلى أية حال فإنَّ هذه العبارة فيما يبدو غير دقيقة وتقييم يجانب الواقع[42]، فقد مرَّ علينا ان معبد الجهمي تعلم القدرية من ابي يونس الاسواري، وهو من نسل الاساورة الفرس المجوس، فما قد يحمله من فكر قبل الاسلام او موروث حضاري هو الموروث المجوسي وليس النصراني، ولذلك ورد في بعض الاحاديث ان القدرية هم مجوس هذه الامة! وكذلك نجد العصبية للفارسية متفشية في بعض الاساورة منهم ما ورد عن موسى بن يسار الأسواري انه قال: (إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عرباً جفاة فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين)[43].
إذن هذه قرينة إضافية على ان اصل فكر القدرية (معبد الجهني) هو المجوسية وليست المسيحية، حيث ورد ذلك في عدة روايات منها:
ما رواه الشيخ الصدوق (رض) في كتابه (التوحيد) عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: ((يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر، إنا كل شيء خلقناه بقدر)[44].
وكذلك في سنن أبي داود بسنده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم)[45].
 يقول الشيخ الصدوق (رض) في كتابه (الهداية): (ويجب ان يعتقد أن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه)[46]!
نعم قد يتشابه ما يقوله النصارى اليوم من نفي القدر مع مذهب المجوس قديماً في عصر معبد الجهني، ولكن هذا الاشتراك الفكري لا يعني ان معبداً اخذ فكره من المسيحية بدلاً من المجوسية!
 
آباء المتكلمين!
حاول د. يوسف زيدان ان يشابه بين علم الكلام والفكر المسيحي بأن اقتبس من مصطلح رائج عندهم هو (آباء الكنيسة) فأطلق مصطلح (آباء علم الكلام)[47]! وشتان بين الإطلاقين، فهو في المسيحية "مصطلح يطلق على مجموعة من الأساقفة أو الشخصيات المسيحية الكبيرة التي خلفت أثراً عظيما في عقيدة وتاريخ الديانة المسيحية، لا سيما في القرون الخمسة الأولى. حيث يعزا لهم وضع الخطوط العريضة لبنية الكنيسة العقائدية، التنظيمية والرعوية"[48]، فوظيفتهم في المسيحية ليست فكرية عقائدية فحسب بل تأسيس متكامل للكنيسة وانظمتها ورعويتها. بينما علم الكلام هو قضية فكرية بحتة، حيث كان الاسلام هو الفكر الذي حمله القرآن الكريم وتعاضده السنة النبوية الشريفة، فتأسس علم الكلام بحديث الثقلين حينما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنِّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)[49]. ومن هنا وردت الروايات المعتبرة بأن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) هو باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه الوحيد من بين الصحابة كان يقول: (سلوني قبل ان تفقدوني)، ومن خلال ما كانت توجه له او من خلال خطبه الشريفة او بياناته وُلِدَ علم الكلام ولادته الاولى، ومن ثم بعد تأسيس دولة بني أمية الذين ابتدأوا بالتضييق على اتباع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) ومحاولة طمس فكره، بدأت تظهر أفكار جديدة في العقيدة الاسلامية من أشخاص من عامة المسلمين كمعبد الجهني وغيره، هؤلاء تبنوا أفكاراً معينة ونسبوها للاسلام، ولم يرجعوا للمرجعية التي وضعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمسلمين ليأمنوا من الضلال أي الكتاب والعترة، فضلوا وأضلوا اتباعهم بكلام جديد دخيل على الاسلام، وهكذا شهد علم الكلام ظهور انحرافات فكرية عديدة ادخلت في العقيدة الاسلامية ما ليس منها. فليس في الاسلام آباء مؤسسون لعلم الكلام وفق الطريقة المسيحية، بل هناك من أسسوا علم الكلام ونشروه وهم أئمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) والى جانبهم من تكلموا في الاسلام بغير علم فدخلوا في حوزة المتكلمين واصبح لهم شأن في علم الكلام رغم انحرافاتهم واساءاتهم الواضحة.
 
غيلان الدمشقي القبطي
يقول ابن قتيبة في المعارف ان غيلان الدمشقي الذي كان تلميذ معبد الجهني وثاني اشهر شخصيات القدرية، كان قبطياً[50]، وقد استغل د. يوسف زيدان هذه النسبة الى القبط كدليل على تأثر غيلان الدمشقي بالفكر المسيحي[51]!! متناسياً انه كان مسلماً وابوه من موالي عثمان بن عفان[52]، فضلاً عن كونه من الثائرين على ظلم وجور بني امية. ونسب يوسف زيدان الى ابن بطة العكبري قوله ان غيلان كان قبطياً فأسلم بدون ان يذكر مصدراً لهذه النسبة[53]! وقد عثرنا عليها في كتاب ابن بطة العكبري قال: (حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثتا أبو داود قال حدثنا محمد بن خالد قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا المنذر بن رافع أن خالد بن اللجلاج دعا غيلان قال فجاء فقال: اجلس، فجلس، فقال: ألم تك قبطياً فدخلت في الاسلام؟ قال بلى، قال ثم اخذاك ترمي بالتفاح في المسجد قد أدخلت رأسك في كم قميصك؟ قال بلى، قال ابو مسهر: أشك في هذه الكلمة، ثم كنت جهمياً تسمي امرأتك ام المؤمنين؟ قال بلى، ثم صرت قدرياً شقياً، قم فعل الله بك وفعل)[54]. الرواية فيها مجاهيل! وكذلك روى اللالكائي نفس الرواية بسند آخر ولكن لم يذكر فيه ان غيلان كان قبطياً، قال: (وأخبرنا أحمد أخبرنا محمد ثنا أحمد بن زهير قال ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة قال ثنا الوليد – يعني ابن مسلم – عن المنذر بن رافع قال: سمعت خالد بن اللجلاج يقول لغيلان: ويحك يا غيلان ألم يأخذك في شبيبتك ترامي النساء في شهر رمضان بالتفاح ثم صرت حارثياً تحجب امرأة، وتزعم انها أم المؤمنين، ثم تحولت من ذلك فصرت قدرياً زنديقاً)[55].
ومن الملاحظ ان القول بالقدر غير موقوفةٌ بدايته على ابي يونس الاسواري او معبد الجهني او غيلان الدمشقي انما نسبت اليهم لمعارضتهم حكم بني امية، والا فإن هناك عدة روايات عند اهل السنة تتحدث عن نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن التكذيب بالقدر وكذلك روايات عن عمر بن الخطاب الذي يتوعد المكذبين بالقدر بالقتل[56]! وكذلك لديهم روايات فيه عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) والامام الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، وأبي بن كعب وعبادة وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان، وغيرهم.
نعم ورد لفظ (القبطي) لوصف غيلان كما في كتاب المعارف لأبن قتيبة[57]، ولكن هذا قد يكون فيه اشارة الى اصله القبطي كقومية، وليس كدين، فالقبطية قومية وليست ديانة، وإلا لكان قيل له النصراني.
 
الحديث النبوي في ذم القدرية:
قال يوسف زيدان: (ومن غريب الحديث النبوي، ما رواه كثيرون من الفقهاء والمحدِّثين والمؤرخين، عن عبد الله بن عمر، وهو حديث مدهش يدين فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) مذهب غيلان (القدرية) وكأنه نبوءة بما سيكون من بعد زمن النبوة. يقول هذا الحديث العجيب في متنه ومعناه الشهير في لفظه وسنده: القدرية نصارى هذه الامة ومجوسها (وفي رواية أخرى: القدرية مجوس هذه الامة).. وهو الحديث النبوي الذي استخدم من بعدُ للطعن في المعتزلة الذين سموا أيضاً بالقدرية)[58].
هذا النص يكشف عن تحامل يوسف زيدان بنحو ما، فهو يصف سند الحديث (القدرية نصارى هذه الامة ومجوسها) بالشهير! مع اننا لم نعثر على حديث اصلاً بهذا اللفظ لا سنداً ولا متناً، فلم يرد في كتب المسلمين المعتبرة حديث بهذا النص، فضلا عن وجود سند له!
وما وجه الادهاش في هذا الحديث إذا كان فعلاً يدل على تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) بأمور غيبية مستقبلية، وقد ورد عنه التحدث بامور عديدة مستقبلية قد حدثت فعلاً كقتل الحسين (عليه السلام) على سبيل المثال، وغيرها. فيا ترى هل يؤمن يوسف زيدان بنبوة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) فعلاً؟ 
ويمكن حمل الحديث النبوي حول ذم القدرية بأن فكر القدرية كان موجوداً منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولذلك ذمها وبين انها فكرة مجوسية، وقرينة ذلك ورود نهي عن التحدث بالقدر كما اسلفنا آنفاً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، مما يعني ان فكرة القدر كانت معروفة في ذلك الزمان وليس معبد الجهني هو اول من قال بها انما هو اول من قال بها من اهل البصرة كما دلت على ذلك نصوص عديدة اشرنا اليها.
 
غيلان والمعتزلة
يؤسس يوسف زيدان مجموعة افتراضات ثم يبني عليها اسألة تؤدي الى اجوبة وهمية تحرف البحث عن اتجاهه الصحيح، فهو يفترض ان غيلان قد تأثر بالمسيحية، وان فكر غيلان قد انتقل الى المعتزلة، ومع ذلك فقد وقفت الدولة ضد غيلان ولم تقف ضد المعتزلة!! يقول: (ويتصل بالتساؤلات السابقة المشروعة، تساؤلات اخرى منطقية ومشروعة هي الأخرى، منها: لماذا كانت الوطأة على المعتزلة من جهة المعاصرين لهم واللاحقين بهم، أخفَّ وألطفَ كثيراً مما لقيه غيلان الدمشقي، مع ان المعتزلة الذين كان لهم مؤيدون كثيرون، إنما استكملوا كلام غيلان وأكملوا مذهبه؟هل لأن المعتزلة، مع أنهم توغلوا في الامر أكثر مما فعل غيلان، كانوا يحرصون على الكشف عن (اسلامية) الاصول التي قالوا بها، أعني الاصول الخمسة التي ميزت مذهب الاعتزال، بينما كان غيلان يستكمل طريق النصارى الذين علموه، ويبدأ من الواقع لا من النص؟ ولماذا يُشنّع على غيلان، بأن استاذه تلقّى عن استاذ نصراني (سوسن) كان مسيحياً فأسلم ثم تنصّر، بينما يُمتدح بعض رجال المعتزلة اللاحقين زمناً، بصفات (نصرانية) خالصة، فيقال مثلاً لأبي موسى المردار، تشريفاً له، إنه: راهب المعتزلة؟)[59].
ان اشتراك المعتزلة مع القدرية بالقول بأن الانسان مختار في افعاله لا يعني ان المعتزلة قد تعلموا ذلك من القدرية، بل هو فطرة إنسانية موغلة في التاريخ، وإلا لأحتج آدم (عليه السلام) بمعصيته (تركه الاولى) بأنه غير مختار في افعاله، ولما عاقبه الله سبحانه، وعلى ذلك فقس. ولذلك لا يصح ان نقول ان المعتزلة قد تعلموا ذلك من القدرية. كما ان مشكلة الدولة الاموية مع غيلان الدمشقي ومعبد الجهني ليسا مشكلة فكرية لقولهما بالاختيار في افعال الانسان بل لمعارضتهما الدولة الاموية وما تروّج له من افكار الجبر لتثبيت سلطانها.
اما ما نسبه لمعبد الجهني وغيلان الدمشقي من تعلمه القول بنفي القدر من النصارى فقد بيّنا بطلان هذه النسبة. كما ان فكر المسيحيين غير واضح تماماً في هذه النقطة، فبعضهم يقول بالاختيار من جهة ومع ذلك ينادون بالخطيئة الاصلية التي ورثها الانسان من آدم (عليه السلام)! فإذا كان الانسان حراً فكيف تتحكم بمصيره خطيئة لا ذنب له بإقترافها!! ومن جهة اخرى فإن بيلاجيوس الذي كان يقول بحرية الانسان على الاختيار التام قد تم تكفيره (اصدار الحرمان بحقه) لأنه كان يقول: (الطبيعة البشرية قوية وقادرة على إن الإنسان يحيا حياته كلها بدون خطية)[60]، ويقول الاستاذ المسيحي سامي خليل سليمان: (ظهرت بدعة بيلاجيوس في القرن الرابع الميلادي اعتراضا علي طلبة صلاة قالها أغسطينوس "يا رب امنح أن يتم ما أمرت به، وأؤمر بما تريد". وقد اعترض المهرطق بيلاجيوس علي ذلك بقوله أن الله لن يأمر بشئ لا يستطيع الإنسان فعله، وأن الأمر الإلهي بشئ يتضمن القدرة علي فعله. ومن هنا بدأت الهرطقة البيلاجيوسية، فقد علم أن أحد لم يرث الطبيعة الشريرة من آدم، وأن أحد لم يولد "في الخطية". بل علي العكس فالأولاد يولدون كالألواح الفارغة الخالية من أي محتوي، ولديهم القدرة علي طاعة الله بصورة كاملة. وبالتالي يستطيع الشخص أن يعيش حياته بلا خطية. ولكي يخلص الإنسان عليه أن يعمل الأعمال الصالحة. أما النعمة لدي بيلاجيوس، فهي عاملا مساعدا فقط وليست أساسية أو ضرورية للخلاص. وهكذا أنكر بيلاجيوس تقريبا كل شئ في الإنجيل المسيحي، فقد علم الإنسان صالح وليس به خطية، ومن ثم يستطيع بالأعمال الصالحة إرضاء الله، والنعمة لا حاجة لنا بها، بل هي عامل مساعد فقط. لقد أنكر بيلاجيوس الخلاص بالإيمان بنعمة المسيح بدون أعمال، وبدلا من ذلك حوله إنجيلا للأعمال. لأنه لو لم يكن الإنسان قد ورث الطبيعة الشريرة، وَوُلِدَ صالحا هكذا، ومن ثم لديه القدرة علي طاعة الله بصورة كاملة، فما حاجته إذا إلي الرب يسوع المسيح ونعمته؟ يقول اللاهوتي والمفكرالمسيحي الدكتور ستيفين ج. لاسون "هذا كان قلب الجدل بين أغسطينوس وبيلاجيوس. علم أغسطينوس بأن الإنسان فقد قدرته علي طاعة الله في سقطة آدم. وبسبب الخطية الأصلية فإن البشر لا يستطيعون فعل ما يأمر به الله. ولكن بيلاجيوس، معتمدا علي المنطق البشري فقط دون الإستناد علي الإعلان الإلهي، استنتج أن المسؤولية تتطلب القدرة. وعلي عكس التعليم الكتابي، أصر علي القدرة الطبيعية للإنسان الخاطئ في حفظ وصايا الله. الأوجه الرئيسية لتعليم بيلاجيوس كانت نظرة مُمَجِّدة للمسؤولية الإنسانية ونظرة متدنية للسلطان الإلهي". وهكذا استند بيلاجيوس بصورة رئيسية علي أشياء خارج الإعلاني الكتابي. وعن أهمية هذا الموضوع الخطير بالنسبة للإنجيل المسيحي يقول ب. ب. وارفيلد أن هذا الجدل كان نزاعا علي ذات الأساسات المسيحية. يذكر أيضا أدولف فون هارناك في هذا الصدد: "ربما لا يوجد أزمة في تاريخ الكنيسة مساوية في الأهمية شرح فيها الخصوم المبادئ المتنازع عليها بكل وضوح وتجريد". اتهم بيلاجيوس القديس أغسطينوس بأنه من ابتدع تعليم الخطية الأصلية هذا، فقام أغسطينوس بالرد عليه بأنه لم يكن المُنشئ لهذا التعليم، بل هو حقا كتابيا، تكلم عنه رجال الله من قبله، وقد ذكر القديس أغسطينوس بعض آباء القرون الأولي ممن آمنوا بذلك الحق كدليل علي كونه لم يكن تعليما مستحدثا حينها. وقد يكون صحيح ما قاله البعض أن تعليم الخطية الأصلية هو أغسطيني الصياغة، إلا أنه ليس أغسطيني المنشأ بأي حال من الأحوال. بل يجد جذوره في كلمة الله واقوال الآباء أيضا. الغريب في الأمر، أننا لا زلنا نسمع هذه الأكذوبة إلي يومنا هذا. فلم يزل هناك البعض ممن يضربون عرض الحائط بشهادة التاريخ ويدعون أن عقيدة "الخطية الأصلية" بدعة أغسطينية الأصل. ومع أن هناك مجامع كنسية أدانت البيلاجيوسية بإعتبارها بدعة مرات كثيرة، مثل مجامع قرطاجة الأعوام 412 ، 416 ، 418 م. ومجمع أفسس عام 431 م. ومجمع أورانج عام 529 م.، إلا أننا سنضيف إلى سحابة الشهود تلك أقولا أخرى من آباء ما قبل نيقية)[61]، ثم ذكر اقوالاً لكل من: جوستين الشهيد Justin Martyr ، ثيوفيلوس  Theophilus ، إيرينايوس Irenaeus ، كلمنت السكندري  Clement of Alexandria ، ترتليانوس Tertullian ، هيبوليتس Hippolytus ، النوفاتيون Novation ، كوموديانوس Commodianus ، سايبيريان Cypirian ، ميثوديوس Methodius ، اسكندر السكندري Alexander of Alexandria. كل هؤلاء الآباء المسيحيين كانوا يذهبون الى نفس المذهب المعارض لأفكار بيلاجيوس. فكيف إذن ينسبون لمعبد الجهني انه تعلم حرية الاختيار (انكار القدر) من المسيحية!!
 
الجعد بن درهم
قال د. يوسف زيدان عن الجعد بن درهم (توفي 105هـ): (هو ثالث (الآباء) المؤسسين لعلم الكلام، عاش بالشام وبدمشق تحديداً، ... ، ويتلخّص مذهب الجعد بن درهم الكلامي في انه كان يقرر أن الله منزّه عن صفات الحدوث، وكان ينكر بعض الصفات الإلهية القديمة، ومنها صفة الكلام. مما يعني أنه يرفض بالتالي القول (القرآني) بأن الله اتخذ ابراهيم خليلا، وانه تعالى كلّم موسى تكليما. لأن ذلك فيما يرى الجعد بن درهم لا يمكن ان يجوز حقيقة على الله). ولم يتوسّع المؤرخون في بيان (المعتقد) الذي قال به الجعد بن درهم، إنما اكتفوا بتلك الاشارات التي ذكرناها، وعدّوها دليلاً على زندقته (هرطقته) لأنه انكر نصوصاً قرآنية تفيد بأن الله تعالى شارك مخلوقاته، واندمج معهم على نحو خفي، بإتخاذه النبي ابراهيم خليلاً، إذ (الخلة) هي الصداقة العميقة بين الله والانسان. والراجح عندي ان الجعد بن درهم كان يقول بضرورة تأويل مثل هذه الآيات القرآنية، بما يتنزَّه معه الله عن صفات المخلوقات، فلا يقال إنه اتخذ خليلاً أو تكلم مع موسى تكليماً. وهو (التأويل) الذي قام به المعتزلة من بعدُ)[62]، الى ان يقول: (واللافت للنظر هنا، ما نجده عند المؤرخين المسلمين من إشارات واضحة، تفيد بأن الجعد كان في أول أمره تلميذاً لرجل يسمى (أبان بن سمعان) وهو أسمٌ دالٌ على مسيحية هذا الاستاذ أو يهوديته. وهي مسألة تستحق التأمل. ثم صار الجعد بدوره استاذاً لآخر الآباء الأربعة المؤسسين لعلم الكلام)[63].
هنا نلاحظ اشكالين، الاول نسبوا الجعد لتعلم انكار الصفات من ابان بن سمعان وهو بدوره تعلمه من معلم يهودي كما يذكر ذلك بعض علماء المسلمين، بينما اليهود انفسهم لا ينكرون الصفات بل هم من المجسمة!! وفي هذا تناقض واضح ينسف كل نظرية يوسف زيدان.
قال ابن تيمية: (ثم أصل هذه المقالة – مقالة التعطيل للصفات – إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين: فإن من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الاسلام – أعني ان الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة. وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك – هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان: واظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه. وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان. وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم. وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم: اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم)[64].
وقد سبق للشيخ شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جبريل الكلابي (المتوفى سنة 733هـ) الرد على كلام ابن تيمية هذا – الذي افتتن به يوسف زيدان – فقال: (قال : فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة الجعد بن درهم وأخذها عنه جهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه والجعد أخذها عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان الجعد هذا فيما يقال من أهل حران ، فيقال له : أيها المدعي إن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود قد خالفت الضرورة في ذلك فإنه ما يخفى على جميع الخواص وكثير من العوام أن اليهود مجسمة مشبهات فكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذا عنهم . وأما المشركون فكانوا عباد أوثان وقد بينت الأئمة أن عبدة الأصنام تلامذة المشبهة وأن أصل عبادة الصنم التشبيه فكيف يكون نفيه مأخوذا عنهم ، وأما الصابئة فبلدهم معروف وإقليمهم مشهور وهل نحن منه أو خصومنا. وأما كون الجعد بن درهم من أهل حران فالنسبة صحيحة وترتيب هذا السند الذي ذكره سيسأله الله تعالى عنه والله من ورائه بالمرصاد)[65]. والملاحظ إنَّ ابن تيمية ايضاً من اهل حران فماذا يمكن ان يعني ذلك وفقاً لقياس كلامه!!!
والاشكال الثاني ان يوسف زيدان يختصر تأسيس علم الكلام في اربعة أشخاص هم: معبد الجهني ، وغيلان الدمشقي، والجعد بن درهم، وجهم بن صفوان! بينما ظهر علم الكلام قبلهم بكثير منذ عصر الصحابة، ودور هؤلاء الاربعة لا يعد له تأثير الا في الفرق الاسلامية التي لم يعد لها وجود اليوم، بينما نجد المذاهب الاسلامية المستمرة والمعتمدة على علم الكلام كالمذاهب الاربعة عند اهل السنة ومذهب الشيعة الامامية، لهم روّاد من علم الكلام لم يتطرق اليهم يوسف زيدان، مع ان روّادهم في علم الكلام سبقوا معبد الجهني وبقية الاربعة الذين اعتبرهم المؤسسين لعلم الكلام.
ما لا يريد يوسف زيدان الاعتراف به هو ان علم الكلام هو علم العقيدة الاسلامية، فحيثما بدأت العقيدة الاسلامية بدأ علم الكلام، إنطلاقاً من القرآن الكريم، وشواهد علم الكلام فيه آيات عديدة نذكر بعضها:
•        قال تعالى في سورة الانبياء (عليهم السلام): ((أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)).
•        قال تعالى في سورة المؤمنون: ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)).
•        قال تعالى في سورة الاخلاص: ((قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ . اللَّـهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)).
 

 
________________________________________
الهوامش:

[1] وتشمل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ، الكنيسة الكاثوليكية القديمة التي رفضت عقيدة عصمة البابا.
وتتبع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الكنائس الكاثوليكية الشرقية: الكنيسة الأوكرانية الكاثوليكية • الكنيسة الأنطاكية السريانية المارونية • كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك • الكنيسة القبطية الكاثوليكية • الكنيسة السريانية الكاثوليكية • الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية • كنيسة الأرمن الكاثوليك • كنيسة اللاتين • كنيسة السريان الملبار الكاثوليك • الكنيسة الأثيوبية الكاثوليكية • كنيسة الملنكار الكاثوليك
[2] تعرف ايضاً بأسم الارثوذكسية الشرقية.
[3] تعرف ايضاً بالارثوذكسية المشرقية وتعرف ايضاً بالكنائس الشرقية القديمة. وتشمل الكنائس القبطية والارمنية والسريانية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية وكنيسة ملنكارا الأرثوذكسية في الهند.
[4] وهي الكنائس: أنجليكانية، لوثرية، كالفينية، معمدانية، ميثودية، الإنجيلية، أدفنتست، تجديدية العماد، خمسينية.
[5] من ھم األدفنتست السبتيون ؟  والرد على عقائدھم الخاطئة / اﻻﻧﺒﺎ ﺑﻴﺸﻮي ﻣﻄﺮان دﻣﻴﺎط وﻛﻔﺮ اﻟﺸﻴﺦ واﻟﺒﺮاري – ص3 (مقدمة تمهيدية)، وكذلك ص17.
[6] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص132 و133.
[7] الموقع الالكتروني ويكيبيديا الموسوعة الحرة، تحت عنوان (نسطورية). 
 
[8] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص133 و134.
[9] مقال بعنوان (أبرشية العربية…أسقفية عربية بين الخيام)، منشور في مدونة د. جوزيف زيتون، بتاريخ 12/8/2018م.
[10] المصدر السابق.
[11] مقال بعنوان (أبرشية العربية…أسقفية عربية بين الخيام)، منشور في مدونة د. جوزيف زيتون، بتاريخ 12/8/2018م..
[12] جزيرة العرب قبل الاسلام / برهان الدين دلّو / دار الفارابي في بيروت/ الطبعة الثانية، 2004م - ص611.
[13] المصدر السابق - ص613.
[14] المصدر السابق - ص613.
[15] المصدر السابق - ص611.
[16] المصدر السابق - ص612.
[17] المصدر السابق - ص614.
[18] الموقع الالكتروني (معرفة)، تحت عنوان: (قسطنطيوس الثاني).
[19] تاريخ مدينة صنعاء/ أحمد بن عبد الله بن محمد الرازي / تحقيق لدكتور حسين بن عبد الله العمري - ص11.
[20] كمال الدين وتمام النعمة / الشيخ الصدوق (متوفى 381هـ) - ص199.
[21] مسند احمد بن حنبل / دار صادر في بيروت – ج1 ص312.
[22] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص134.
[23] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص160.
[24] شرح النووي لصحيح مسلم / دار الكتاب العربي في بيروت، 1987م – ج1 ص153.
[25] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص161.
[26] Bury, John B., A history of the later Roman empire from Arcadius to Irene, Volume 2 1889 – p249.
[27] العلل / احمد بن حنبل / تحقيق الدكتور وصي الله بن محمود عباس – ج1 ص500.
[28] تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر / تحقيق علي شيري - ج 59 ص318.
[29] فهرست ابن النديم / ابن النديم البغدادي - ص201.
[30] المسائل والرسائل المروية عن الامام احمد بن حنبل في العقيدة / جمع وتحقيق ودراسة عبد الاله بن سلمان بن سالم الاحمدي - ج1 ص141.
[31] الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة / أبو عبدالله عبيدالله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي / تحقيق: د.عثمان عبدالله آدم الأثيوبي - ج2 ص297 و298.
[32] الوافي بالوفيات / الصفدي - ج 27 - ص245
[33] ضعفاء العقيلي / تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي - ج3 ص290.
[34] شرح النووي لصحيح مسلم / دار الكتاب العربي في بيروت، لبنان ، 1987م – ج1 ص153.
[35] الإلهيات / الشيخ جعفر السبحاني - ص604 و605.
[36] دراسات في العقيدة الاسلامية / محمد جعفر شمس الدين – ص36.
[37] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص163.
[38] راجعنا الطبعة التي بتحقيق فهد بن سليمان الفهيد، والطبعة التي بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة.
[39] قال ابن بطة في الابانة: وحدثنا ابو عطاء قال حدثتا زياد بن يحيى الحساني قال: ما فشت القدرية ... إلخ ، فهي رواية فيها إرسال، وهذا مما يضعف اعتبارها.
[40] الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة / أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي / تحقيق : د.عثمان عبدالله آدم الأثيوبي - ج2 ص219. 
[41] المصدر السابق - ج2 ص300.
[42] وسند هذه الرواية: قال ابن بطة: حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثت عن الاصمعي قال حدثنا أبو عطاء عن داود بن ابي هند قال: فشت ... إلخ. فالملاحظة الاولى ان الرواية فيها ارسال لقوله (حدثت) بصيغة الميني للمجهول، وهذا مما يضعف اعتبارها. والثانية: ان الاصمعي برع في الشعر ولم تعرف عنه براعة في الرواية بدليل انه لم يرد فيه جرح او تعديل بخصوص الرواية، انما ورد مدحه من قبل البعض في فن الشعر. والثالثة: ما رواه ابن بطة في نفس المصدر قوله: (قال ابو داود: وحدثت عن الاصمعي عن وهيب عن داود بن ابي هند قال: اشتقت القدرية من الزندقة واهلها أسرع شيء ردة، قال الاصمعي)، ص219. وشتان بين الزندقة التي تعني اتباع مفاهيم المانوية والوثنية وبين اتباع المفاهيم المسيحية!
أيضاً في ص220 من الابانة: (كان عبد الله بن جعفر وعمر بن عبيد الله يسيران في موكب لهما فذكروا القدرية وكلامهم، فقال ابن جعفر: هم الزنادقة، فقال عمر بن عبيد الله: إنما يتكلمون في القدر، فقال ابن جعفر: هم والله الزنادقة).
وفي ص221: قال ابن السرح: (الكلام في القدر ابو جاد الزندقة) والظاهر انه احمد بن عمرو بن السرح.
وأيضاً ذكر رواية فيها ارسال يروي فيها رجل من اهل حمص عن أبي كثير اليمامي وذكر عنده القدرية فقال: (لا تجادلوهم ولا تجالسوهم، فإنهم شعبة من المنانية قد كان كسرى يصلب فيها). والمنانية هم المانوية.
[43] ضعفاء العقيلي / تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي - ج4 ص171.
[44] التوحيد / الشيخ الصدوق (رض) / تعليق السيد هاشم الحسيني الطهراني – ص382.
[45] سنن أبي داود / تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام – ج2 ص410.
[46] الهداية / الشيخ الصدوق (رض) / مؤسسة الامام الهادي (عليه السلام) - ص20.
[47] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص162.
[48] الموقع الالكتروني ويكيبيديا الموسوعة الحرة، مقال بعنوان (آباء الكنيسة).
[49] سنن الترمذي / تحقيق وتصحيح عبد الرحمان محمد عثمان - ج5 ص329.
[50] المعارف / ابن قتيبة الدينوري / تحقيق دكتور ثروت عكاشة – ص484.
[51] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص163.
[52] التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري / المكتبة الاسلامية، ديار بكر، تركيا – ج7 ص102. جاء فيه: (غيلان بن ابي غيلان أبو مروان مولى عثمان بن عفان القرشي).
[53] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص163.
[54] الابانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة / ابو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (توفي 387هـ) / تحقيق ودراسة د. عثمان عبد الله آدم الأثيوبي - الكتاب الثاني القدر ، المجلد الثاني، ص299 و300.
[55] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة / هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي – ص632.
[56] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة / هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي - ص585.
[57] المعارف / ابن قتيبة / تحقيق دكتور ثروت عكاشة – ص625.
[58] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص164 و165.
[59] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص165 و166.
[60] نَسَبَ البابا شنودة الثالث هذا الكلام الى بيلاجويويوس في محاضرة له بعنوان: ( بدعه بيلاجيوس، البدعة البلاجية، تاريخ الكنيسه القبطية). منشورة في موقع اليوتيوب.
 
[61] مقال بعنوان (هل عقيدة الخطية الأصلية بدعة أغسطينية الأصل؟)، بقلم سامي خليل سليمان ، منشور في الموقع الالكتروني (إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ Sola Scriptura).
 
[62] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص164.
[63] المصدر السابق – ص167.
[64] الفتوى الحموية الكبرى / ابن تيمية (توفي 728هـ)/ تحقيق شريف محمد فؤاد هزّاع - ص47.
[65] التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني / جماعة من العلماء – ص187 و188.


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=148970
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 10 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29