• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المفكـّر سُروش … رؤية لنظام الحكم .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

المفكـّر سُروش … رؤية لنظام الحكم

 قبل البدء بالمقال اود الاشارة الى جملة من المواضيع اولها ان المقال هو ضوء على محاضرة القاها المفكر الايراني الدكتور عبد الكريم سروش قبل نحو عام في العاصمة الاميركية واشنطن  في ذكرى ولادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليهما السلام" ، وان القاء ضوء على ما ورد فيها لا يعني بالضرورة تبني الافكار الواردة فيها في الكل او الجزء ، وهذا لا ينفي - طبعا - تلاقي الافكار او حتى تطابقها في الكثير من الاحايين ، خصوصا واننا ازاء مفكر اسلامي احدث ويحدث اثرا مهما في الثقافتين الاسلامية والايرانية منذ اكثر من ثلاثة عقود . كما ان الجزء الذي تم تسليط الضوء عليه هو القسم الثاني من المحاضرة وشىء من الحوار الذي اعقبها .

يبدأ الدكتور سروش محاضرته بالاستشاد بابيات من شعر الحكمة الايراني لثلاثة من اشهر الشعراء الايرانيين ، بينها هذان البيتان للشيخ سعدي شيرازي والتي يقول فيها : شهي كه پاس رعيت نگاه ميدارد … حلال باد خراجش كه مزد چوپانى است … وگرنه راعى خلق است زهرمارش باد … كه هرچه مى خورد او جزيت مسلمانى است . باختصار شديد ، يعكس سعدي في هذه الاشطر الاربعة رؤيته لشرعية الحكم والحاكمين فيقول : الملك الذي يحافظ على مصالح رعيته ، حلال عليه كل ما يجنيه من مال فهو اجر الراعي ، وان لم يرع هذا الملك مصالح شعبه فعساه بالسم الزعاف … فكل ما يأكله هو جزية ياخذها من المسلمين . ولا تخفى الطرافة في الشطر الاخير كون الجزية لا تفرض على المسلمين انما الشاعر ابتكر هذا المعنى للدلالة على اكل السحت "المترجم". بهذه الابيات يفتتح سروش محاضرته التي كانت تحت عنوان "الامام علي والسلطة" ثم يجري مقارنة سريعة بين نظام الحكم في ايران ومبادىء الامام علي "ع" التي تمسك بها اثناء الخلافة و قبلها ، ويشير سروش الى ان حكام ايران الذين يزعمون بانهم من اتباع مدرسة علي بن ابي طالب لا يطبقون شيئا من مبادئه ويستشهد بمقولة الامام الخالدة "لا تكفوا عني مقالة او مشورة بحق لاني لست فوق ان اخطأ" غامزا من قناة من يقول بعصمة الامام "عليه السلام" . ثم يعرج سروش على رؤيته الخاصة بالحكم والتي يدعو من خلالها الى اقامة نظام عابر للاديان "فرا ديني" قائلا ان مجرد حمل اسم الشيعة او الوهابية او الماركسية للحكم لا يكفي لضمان اقامة العدل في المجتمعات . ويورد هنا حوارا جرى له مع احد الايرانيين الذين سأله معاتبا : لماذا انت تناصب العداء للحكومة الشيعية الوحيدة في العالم ؟ يقول سروش انه رد عليه قائلا : انه وفقا لسؤالك هذا فان اي وهابي يحق له ان يوجه نفس السؤال : لماذا تعادون الحكومة الوهابية الوحيدة في العالم ؟ وكذا الحال بالنسبة للنظم والمذاهب الاخرى . المعيار - حسب سروش - هو اقامة العدل المجتمعي وتخفيف الاعباء من كاهل الرعية ، وليس المسميات . سم نفسك ما شئت شريطة ان تقيم العدل بين الناس ، مضيفا لمحاوره ان الشيعة لديهم تراث كبير في العدالة وهو تراث الامام علي بن ابي طالب الذي يعتبرونه امامهم الاول . ثم يتطرق سروش الى اسباب قبول الامام بالحكم رغم انه كان ينظر الى الحكم كقطعة من عظم خنزير في كف مجذوم "والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم" او "عفطة عنز" . فيشير المفكر الايراني الى ان الامام "عليه السلام" اشار صراحة الى الاسباب الثلاثة التي دفعته الى القبول بالسلطة رغم نفوره منها ، مذكرا بمقطع من خطبة الشقشقية التي يتناول فيها الامام هذا الموضوع : " لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم" . يقول سروش في محاضرته ان رجالات انظمتنا عندما يكونون خارج السلطة يسعون الى الظهور بمظهر المنقذ الذي يحول الجحيم الى نعيم مقيم ، فهم متحدثون جيدون عن مشاريعهم واهدافهم ، ولكن عندما تطأ اقدامهم اعتاب الحكم يحدث العكس تماما وتقع الكارثة فيصبح النعيم جحيما. ثم يقول سروش : اتمنى الا يفهم من حديثي انني ادعو الى ابتعاد رجال الدين عن السلطة والتنحي جانبا ، كلا فان للجميع بلا استثناء ، مسلمين وغير مسلمين ، حقا متساويا في الوصول الى الحكم بل احيانا من واجبهم فعل ذلك كي لا تقع السلطة بيد غير المؤهلين ، لكن على من يتصدى للعمل الاداري ان يقوم بالامر بشرطه وشروطه وعلى راس ذلك اقامة العدل وايصال كلمة الله وارضائه . وشريطة هذا كله ان يكون لمن يتصدى للحكم نظرية كاملة للادارة وليس مجرد وعود بالرفاه واقامة العدل . و يدعو سروش في محاضرته الى عدم الوثوق بصنفين من البشر ، الاول الطبيب الذي يعدك باعادة الشباب اليك ، والسياسي الذي يعدك بان يحول الارض الى جنة تحت اقدامك ، والنتيجة ستكون مجرد وعود فلا شباب ولا جنة بل ربما جحيم لا يطاق . وفي القسم الاخير من المحاضرة عرض على سروش عدد من الاسئلة نشير الى اجابات الدكتور على قسم منها اختصارا للوقت ومن خلال الاجوبة ستتضح معالم الاسئلة : لا يمكننا بمعايير اليوم ان نقوّم عطاء الحضارة الاسلامية . فابسط طبيب اليوم هو اكثر علما في تخصصه من اشهر اطباء الامس الذين غاب عنهم ارتفاع ضغط الدم والسرطان والسكري وغير ذلك ، وهذه المعايير تنطبق على العالم والتاجر والسياسي . لذا يجب ان نحكم على كل فترة زمنية بمعايير زمانها وليس معاييرنا الراهنة . فضلا عن ذلك - والحديث لسروش - ان طموحات المجتمعات كانت محدودة انذاك ، حيث لم يذكر ان شعبا طالب حاكميه بخفض وتيرة التضخم الاقتصادي مثلا . وعموما فان الحضارة الاسلامية قدمت على مدى قرون عطاءً انسانيا كبيرا لا يمكن تجاهله ساهم الى حد كبير في رفد التمدن البشري. وفي رد على سؤال اخر يقول سروش انه لا يتبنى مصطلح فصل الدين عن السياسة نافيا انه قال بذلك ، لكنه يقول انه يتبنى مصطلح فصل الدين عن الحكم ، مبينا ان لا احد يستطيع ان يفتي بفصل الدين عن السياسة. ودعم رايه بمساعي الرئيس الاميركي المتدين بوش الصغير لكسب ولاء الكنائس في بلاده . مؤكدا ضرورة العمل بنظام حكم عابر للاديان "فرا ديني" فهو في رايه ضمانة لتحقيق العدل واستعمال الموظفين حسب كفاءتهم وحسن ادارتهم وليس تدينهم . ثم يشير سروش ان مفتاح الحل هو بيد الشعوب التي قال انها ما لم تتغير فان الانظمة ستكرر نفسها بوجوه اخرى قائلا : يجب ان نتحرر من انفسنا اولا




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14886
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18