• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نداءٌ يوم القيامة: أين زوار الحسين؟! أربعين الحسين عليه السلام .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

نداءٌ يوم القيامة: أين زوار الحسين؟! أربعين الحسين عليه السلام

من أبحاث سماحة الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله.. قبيل أربعين الإمام الحسين عليه السلام
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
مع اقتراب العشرة الأخيرة من صفر، وقدوم الأربعين..
قال الصادق (عليه السلام): رحم الله من أحيا أمرنا.(قرب الإسناد ص32، وقريب منه ما في الكافي ج2 ص176 وغيره)
 
وفي هذه الجملة القصيرة تفصيل:
أولاً: ممن صدر الدعاء ؟
ممن كانت إرادته متصلة بالإرادة التي (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس82)..
ممن كان قلبه وعاء مشيئة الله تعالى.
 
ثانياً: ما الذي طلبه الإمام ؟
لقد طلب رحمة الله تعالى لـ(من أحيا أمرنا)، وقد نص القرآن على أن (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف32)
 
هذا الشهر وهذه الأيام، هي أيام إحياء أمرهم، وينبغي القيام بفعلٍ يكون مطابقاً للقرآن الكريم، فليكن المحور والقطب هو كلام الله تعالى، فقسمٌ للتفقه وقسمٌ للإنذار..
السعيد هو من يوفق في هذه الأيام لِيُعَرِّف قلباً بالله تعالى، ويَصِلَ روحاً بالأئمة المعصومين عليهم السلام، فيصدق عليه: رحم الله من أحيا أمرنا.
 
الأمر الذي ينبغي إحياؤه هو معرفة الإمام، الحكمة الكبرى هي معرفته بقدر الميسور، فإن سيد الشهداء ليس قابلاً للإدراك من أي أحد، وليس قابلاً للوصف، لا هو (عليه السلام) ولا عمله.
 
إذا حصل التأمل في الروايات بدرايةٍ يتضح حينها الأثر العظيم، وينبغي معرفة المؤثر من الأثر، هذه هي المعرفة الإنّية.
 
وههنا مطلبان راجعان إليه (عليه السلام)، أحدهما زيارته (عليه السلام)، وثانيهما إقامة العزاء عليه.
وكلمات أهل بيت العصمة محيّرة للعقول، وهذه الروايات في كمال الاعتبار، فلا تحتاج إلى سند..
 
والإعجاز ههنا، إذ متى قال الإمام الصادق (عليه السلام) هذه الجملة؟
قالها عندما كان باب الحرم مغلقاً خوفاً من حكومة آل مروان، مع قلة الزوار، هذا إن تمكن أحد من الوصول للحرم أحياناً..
هذا البيان معجزة عظمى، ويحكي كيف كان يرى (عليه السلام).
قال (عليه السلام): إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ زُوَّارُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ؟
فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. (كامل الزيارات ص141)
 
انظروا اليوم.. إلى هذا الاعجاز.. ثم ماذا؟
ثم ما يحير عقل كل حكيم، وفكر كل فقيه أنه من هنا وما بعد ذلك فإن الله تعالى يتكلم مع زوار قبره (عليه السلام)!
 
فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)؟ (فما كان قصدكم من الزيارة؟)
فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ أَتَيْنَاهُ حُبّاً لِرَسُولِ اللَّهِ وَ حُبّاً لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، وَرَحْمَةً لَهُ مِمَّا ارْتُكِبَ مِنْهُ.
بهذا الحب تحركت بنا أقدامنا.
 
فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، فَالْحَقُوا بِهِمْ فَأَنْتُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ.
ببركة من هذا المقام؟
 
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: إِنَّ لِزُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلًا عَلَى النَّاسِ.
قُلْتُ: وَمَا فَضْلُهُمْ ؟
قَالَ: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ بِأَرْبَعِينَ عَاماً، ‌وَسَائِرُ النَّاسِ فِي الْحِسَابِ وَالْمَوْقِفِ‌ (كامل الزيارات ص137).
 
من أين جاءت كل هذه المقامات ؟
 
ثم ما يحير العقل هو قوله (عليه السلام): مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ وَبِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَيَضَعُهَا عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ...(كامل الزيارات ص134)
 
فكم لزواره بمسيرهم وحركة أقدامهم من تحرير رقاب من ولد إسماعيل؟
هذا في زيارته.
 
أما البكاء عليه، فإن الأفضل أن يُتلى متن الحديث، وراويه أبو بصير ليث بن البختري المرادي، فمن هو؟
عن أبي عبد الله (عليه السلام): بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بالجنّة، بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة.
فالمخبتون أربعة اشخاص، أركانٌ أربعة أحدهم أبو بصير.
 
يقول: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أُحَدِّثُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ لَهُ: مَرْحَباً، وَضَمَّهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: حَقَّرَ اللَّهُ مَنْ حَقَّرَكُمْ، وَانْتَقَمَ مِمَّنْ وَتَرَكُمْ، وَخَذَلَ اللَّهُ مَنْ خَذَلَكُمْ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَكُمْ، وَكَانَ اللَّهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَنَاصِراً، فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَبُكَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِذَا نَظَرْتُ إِلَى وُلْدِ الْحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتى إِلَى أَبِيهِمْ وَإِلَيْهِمْ. (كامل الزيارات ص82)
 
هؤلاء الجهال الذين يأتون بنغمةٍ أن هذا العزاء وصل لحد الإفراط، المصيبة هنا، أنهم... فضلاً عن أن ذلك منتهى الجهل !
 
ثم قال الإمام (عليه السلام): (واغتنموا هذا وصيروا فقهاء وعلماء كي تتمكنوا من إحقاق حق أهل البيت)، قال: فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَبُكَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ.
 
فإن بكاء الأنبياء (من موسى بن عمران وإبراهيم الخليل وغيرهم) والشهداء والصديقين جميعاً قد طال ليبقى مستمراً على ذلك الرأس المقطوع..
 
متن الحديث (ان تمكنا من القراءة): ثُمَّ بَكَى، وَ قَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِذَا نَظَرْتُ إِلَى وُلْدِ الْحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتَى إِلَى أَبِيهِمْ وَإِلَيْهِمْ.
 
يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّ فَاطِمَةَ (ع) لَتَبْكِيهِ وَتَشْهَقُ فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَوْ لَا أَنَّ الْخَزَنَةَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وَ قَدِ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ: ويتضح من هذه الرواية أن السيدة الزهراء عليها السلام لم تفعل ذلك مرة او مرتين.. بل كانت دائماً ما تفعل ذلك.. وأن جهنم تزفر لشهقتها ويستعد الخزنة لعلمهم بذلك، وكلما ارتفع صوتها (ع) يغلقون أبواب جهنم: مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَوْ يَشْرُدَ دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْلَ الْأَرْضِ فَيَحْفَظُونَهَا [فَيَكْبَحُونَهَا] مَا دَامَتْ بَاكِيَةً وَيَزْجُرُونَهَا: لئلا تخرج شعلةٌ أو دخان من النار فيهلك أهل الأرض.. هذا الأثر في جهنم..
وَ يُوثِقُونَ مِنْ أَبْوَابِهَا مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَسْكُنُ حَتَّى يَسْكُنَ صَوْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ..
 
والحديث طويل لا يكفيه الوقت نعرض لقسم منه فقط:
فَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ مُشْفِقِينَ يَبْكُونَهُ لِبُكَائِهَا وَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، وَيَتَضَرَّعُ أَهْلُ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ: هذا هو عزاء ذلك الرأس المقطوع.
 
هذه هي مصيبة ذلك البدن المقطع..
كل حملة العرش يبكون.. لأن صوت أمه الزهراء ارتفع..
 
اعرفوا الإمام الحسين وعرّفوه للناس:
وَ لَوْ أَنَّ صَوْتاً مِنْ أَصْوَاتِهِمْ يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ لَصَعِقَ أَهْلُ الْأَرْضِ وَ تَقَطَّعَتِ الْجِبَالُ وَ زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا.
قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَظِيمٌ.
قَالَ: غَيْرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ، مَا لَمْ تَسْمَعْهُ.
 
ما معنى هذه الجملة؟
معناها أنا حتى الآن لم نعرض حقيقة المصيبة، ما قلناه هو هذا لكن ما احتفظنا به أعظم من هذا. ثم قال هذه الجملة التي تحرق القلب:
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا بَصِيرٍ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَةَ (ع)؟
فَبَكَيْتُ حِينَ قَالَهَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَى الْمَنْطِقِ وَمَا قَدَرَ عَلَى كَلَامِي مِنَ الْبُكَاءِ..
 
أيتها الهيئات.. هذا هو العزاء.. نخشى أن تصبح الهيئات (المواكب) ألعوبة السياسات.. نخشى من خيانة دمه عليه السلام وخيانة بكاء والدته عليها السلام..
 
وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ..
ينبغي أن يكون لله فقط ليس إلا.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) (الفجر27-28)
 
قال لأبي بصير: الا تريد ان تساعد أمي فاطمة في العزاء؟
ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمُصَلَّى يَدْعُو، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ وَمَا جَاءَنِي النَّوْمُ وَأَصْبَحْتُ صَائِماً وَجِلًا حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ تَنْزِلْ بِي عُقُوبَةٌ‌.
أبو بصير فهم ما الأمر.. والباقي غير قابل للكلام..
 
والحمد لله رب العالمين
 
كان هذا ما أفاده سماحة الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله قبيل أربعين الإمام الحسين عليه السلام لعام 1436 للهجرة.
 
وعظم الله أجورنا وأجوركم




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=148727
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 10 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29