• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – (2/8) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

نقد كتاب اللاهوت العربي ليوسف زيدان – (2/8)

الاستفادة من مقارنة الاديان:

واعترض يوسف زيدان على الاستفادة من علم مقارنة الاديان فقال: (والأهم مما سبق، أن مقارنة الأديان حسبما رايناه في عبارات د. أحمد شلبي، التي نقلناها فيما سبق، هي علمٌ يسعى لإمتلاك (سلاح) يكون بيد المسلمين، وهي بحثٌ يبرز جمال الإسلام ورجحانه، ويؤكِّد أن الفكر الاسلامي قمة شامخة، وما سواه حافل بالانحراف والوثنية والتعدد! وفيما نرى، ما كان ذاك منه، رحمه الله، إلا خلطاً وتخليطاً. وإلا، فماذا لو كان الذي (يقارن الاديان) غير مسلم؟ وهل يرى غير المسلم الإسلامَ الا مثلما يرى المسلم الديانات غير الاسلامية، حافلة بالانحراف والوثنية والتعدد؟ وما الفارق إذن، بين علم الأديان المزعوم، وما يسمى في المسيحية بعلم اللاهوت الدفاعي؟ .. ولعل في قولهم (الدفاعي) إفصاحاً عن الشعور بحالة الحرب بين الديانات، ولذلك ألحق صفة الدفاعية باللاهوت)[1].

من الطبيعي أن يكون لكل علم او تخصص فائدة، وإلا لماذا يتعب الانسان نفسه ويبذل وقته أليس من اجل تحصيل السعادة، فكيف يتم ذلك أليس بالاستفادة من الافكار والعلوم والتخصصات وتوظيفها في خدمته!

ومن الطبيعي ايضاً ان ينظر غير المسلم الى دينه ويتحيز له ويحاول تقليل شأن الاديان الاخرى ومن ضمنها الاسلام، ولكن الحق يكون بتقديم الحجة المقنعة والدليل الصحيح على صحة معتقده. ولذلك حصلت المناظرات بين اتباع مختلف الاديان، ولذلك أيضاً كان علم مقارنة الاديان حيث ينشر صاحب كل فكر ما يحمله من ايمان وأدلة على صحته، ويبين للناس لماذا اعرض عن الإيمان الذي يعتنقه الآخرون وكيف ينظر لتهافت ادلتهم. كل ذلك أمر طبيعي في حراك الفكر الانساني وطبيعة الحياة البشرية.

اما الفرق بين علم اللاهوت الدفاعي عند المسيحيين وعلم مقارنة الاديان، فيمكن ان ننظر له من عدة اتجاهات، فمنها: هل يجب ان يكون هناك فرق بينهما؟! ألا يمكن ان يكون احدهما فرع من الآخر؟

وبحسب ما اطلعنا عليه فإن علم اللاهوت الدفاعي عند المسيحيين هو جزء من منظومة علة لاهوتية هي علم اللاهوت النظامي وعلم اللاهوت الكتابي، والذي نتحدث عنه علم اللاهوت الدفاعي، والذي يتخصص بالدفاع عن المسيحية عن الشبهات التي يثيرها غير المسيحيين. ولذلك هناك فرق واضح بين علم مقارنة الاديان الذي يختص عادة بأديان الآخرين وفحصها، وبين علم اللاهوت الدفاعي.

وكفائدة، فيما يخص الفرق بين علم اللاهوت الكتابي وعلم اللاهوت العقيدي يقول جرهادس فوس: (يخالف اللاهوت الكتابي عن اللاهوت العقيدي ليس في كونه أكثر كتابة أو التصاقاً بحقائق الكتاب، بل ان تنظيمه لمادة الكتاب هو أكثر إتجاهاً الى التاريخ منه الى المنطق، ففي الوقت الذي يتناول فيه علم اللاهوت النظامي الكتاب المقدس ككل محاولاً أن يعرض لتعاليمه كلها بصورة تسلسلية نظامية، فإن اللاهوت الكتابي يتناول مادة بحثه من وجهة النظر التاريخية محاولاً ان يعرض حقائق الاعلان الإلهي منذ الاعلان الخاص في جنة عدن... اعلان فترة ما قبل عهد الفداء الى كماله في كتابات العهد الجديد حتى نهايته)[2]. ويقول أيضاً: (أن طريقة علم اللاهوت الكتابي يمكن في اساسها ان تتقرر على مبدأ التطور التأريخي بينما يقوم علم اللاهوت النظامي على المنطق)[3].

 

منهج يوسف زيدان!

يتحدث الاستاذ يوسف زيدان في هذا الكتاب عن منهجه فيقول: (حسبما اسلفتُ فأنني لا اعتدُّ في هذا الكتاب بفحوى ذلك (التخصّص) الذي يُسمّى مقارنة الاديان، بالمعنى المذكور سابقاً. ولا أرى من الصواب أصلاً أن نقارن بين الديانات بهذا المعنى. وإنما الأصوب والأقرب عندي أن نقرن بين الديانات الرسالية الثلاث (الإبراهيمية) أو نقارب بينها، على اعتبار أنها تجلياتٌ ثلاثة لجوهرٍ ديني واحد.. وتلك هي القاعدة الاساسية التي تقوم عليها فصول هذا الكتاب، وهي بطبيعة الحال قاعدة مناقضة تماماً للدعوى التي يقوم عليها ذلك المسمَّى علم مقارنة الأديان)[4].

هذا النص يكشف عن نرجسية عالية تكتنف شخصية يوسف زيدان فهو يظن ان باستطاعته وضع قواعد جديدة للبشريّة وفق ذوقه الخاص لتكون بديلاً عما وصل الينا من التراث الاسلامي، ويتصور ان بإمكانه استبدال الواقع الديني بفرضياته الذهنية التي لم تؤسَّس من منطلقات سليمة. الاديان الثلاثة التي يظن يوسف زيدان انها تجليات لجوهر ديني واحد هي في الحقيقة لا يعترف اي منها بصحة الآخر! فعلى سبيل المثال نجد ان التوراة التي قال عنها القرآن الكريم في سورة المائدة: ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)) ثم يضيف في إشارة الى تحريفهم التوراة والشريعة: ((وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا))، وقال تعالى في سورة البقرة: ((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ)). هذه التوراة التي كان اليهود يحرفونها في عصر النبوة وكشف القرآن الكريم فعلهم هذا، عاد اليهود من جديد في القرن الثامن الميلادي بعد ظهور الاسلام لتحريفها من جديد من خلال الماسوريين بذريعة وضعهم الحركات على النص العبري فأتلفوا سائر المخطوطات القديمة! وفي هذا الصدد يقول الاب بولس الفغالي احد ابرز علماء المسيحية في عصرنا الحالي وهو يتحدث عن المخطوطات العبرية للتوراة: (إذا استثنينا مخطوطات قمران ووادي مربعة (تبعد 20 كلم عن قمران)، تبيّن أنّ أقدم ما لدينا من مخطوطات العهد القديم لا يتجاوز القرن التاسع. والسبب في ذلك هو أنّ الماسوريين، وبعد أن وضعوا الحركات على النص العبري من القرن الثامن إلى القرن العاشر ب.م أتلفوا سائر المخطوطات ليفرضوا عملهم. وهكذا بقي لنا من الماسوريين (الماسور، التواتر، أي التقليد، والماسوريون خلفوا الكتبة)، ثلاث مخطوطات ترتبط ببني أشير (أقاموا قرب طبرية في الجليل ولهذا يتحدّث العلماء عن التشكيل الجليلي):

§ مخطوطة القاهرة، وهي تعود إلى سنة 895، وتتضمّن الأنبياء السابقين (أش، إر، حز، الاثنا عشر) واللاحقين (يش، قض، صم، مل).

§ مخطوطة حلب (هي اليوم في أورشليم). تعود إلى سنة 930 وتتضمّن خصوصاً الأنبياء السابقين واللاحقين والمزامير.

§ مخطوطة لنينغراد. تمّ نسخها سنة 1008. هي أقدم مخطوطة تتضمّن مجمل العهد القديم وهـي أساس النشرات العلمية)[5].

إذن هناك ثلاث مخطوطات اليوم فقط للتوراة العبرية في العالم وجميعها كتبت بعد الاسلام! وهذا الامر لم يكن ليُكتشف لولا دراسات مقارنة الاديان التي يريد يوسف زيدان التخلص منها وإهمالها لتطمس مع اهمالها الحقائق!

واما عدم اعتراف المسيحية واليهودية إحداهما بالاخرى فواضح لا يحتاج الى عناء البرهان، وكذلك عدم اعترافهما بالاسلام. وحتى المسيحية لا يعترف بها الاسلام، قال تعالى: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[6]. فأين هي التجليات المزعومة لهذه الاديان وإنتمائها لجوهر واحد! ومتى كان للتوحيد والشرك جوهر واحد؟ ام كيف يكون للايمان والكفر جوهر واحد!! هل فقط لوجود شخصيات دينية مقدسة مشتركة بين هذه الاديان، يظن يوسف زيدان انها يمكن ان تلتقي وان لها جوهراً واحداً! مع ان محور المسيحية وهو فداء "المسيح الأقنوم" لا يعترف به اليهود ولا بإلوهيته. ومحور الاسلام وهو النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ايضاً لا يعترف بقدسيته ولا بنبوته اليهود ولا المسيحيون! فأين هو الجوهر الواحد المزعوم حتى على فرض ان يكون الجوهر هو وجود انبياء مشتركون بين الاديان الثلاثة! متجاهلاً ايضاً ان اليهودية والمسيحية تنسب الى الانبياء (عليهم السلام) الفحش والزنى والكتاب المقدس مليء بزنى المحارم!! بينما الاسلام يقول ان الانبياء (عليهم السلام) معصومون من الخطأ منذ ولادتهم، فحتى نظرة الاديان الثلاثة للانبياء غير متماثلة. ما يتفقون عليه فقط هو بعض اسماء الانبياء فقط، فهل يمكن لورود أسماء بعض الانبياء (عليهم السلام) ان تحل محل تلك الاختلافات الجوهرية بين الاديان الثلاثة وتاريخها المليء بالحروب والمشاحنات والتكفير والازدراء!

ويقول يوسف زيدان: (أنني حين انظر الى التراث الممتد منذ اليهودية المبكرة، حتى الفكر الاسلامي المعاصر، أرى ما أسميه بالمتَّصَل التراثي، وأستشعر (التساندية) الممتدة بين البنيات الكلية، المؤثرة بتفاعلها التساندي مع بعضها، عبر المراحل التأريخية المتتالية)[7]. هذه النظرة الرومانسية ليوسف زيدان والمبالغة بوجود تأريخ مشترك هي اقرب للامنيات منها للواقع، فأي تساندية يتحدث عنها بين الاديان الثلاثة وهي مليئة بالمشاحنات والتكفير والقتال وسفك الدماء فيما بينها! مثلا في المسيحية يعبدون ثلاثة آلهة بعنوان أقانيم والاسلام يقول لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة، وقال عن اليهود انهم يحرفون الكتاب بايديهم. والمسيحيون يحملون اليهود مسؤولية صلب ابن الإله عندهم! واليهود يقولون لم يولد المسيح بدون أب! والمسيحيون ينكرون ان يكون هناك كتاب سماوي اسمه الانجيل! فأي تاريخ مشترك لدى هذه الاديان الثلاثة يسمح لها بوصف التساندية الذي اطلقه يوسف زيدان! لقد اغترَّ يوسف زيدان بسماحة الاسلام وانه ذكر اسماء بعض الانبياء المسلمين الذين يعترف اليهود والمسيحيون بنبوتهم، كالنبي ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويونس وايوب، في حين ان اليهود والمسيحيون يرفضون نبوة اهم شخصية في الاسلام وهو رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)! والاسلام يقول انه كان لدى المسيح (عليه السلام) كتاب سماوي اسمه الانجيل بينما المسيحيون لا يعترفون بذلك ويقولون هناك اناجيل كتبها اتباعه كتابة بشرية تحوي جانب من سيرة حياته وتعاليمه! ويقول الاسلام عن كتاب اليهود انه محرّف. ولا يعترف اليهود بالعهد الجديد المسيحي بكافة كتبه. أما الصراع والحروب والدماء فيما بينها فحدّث ولا حرج، لاسيما محاكم التفتيش .

فأي تراث مشترك تمتلكه الاديان الثلاثة ما عدا التعايش السلمي فيما بينها في ظل الجتمع الاسلامي، فإذا كان يوسف زيدان يبحث عن التساندية بين الاديان الثلاثة فليبحث عنها في ظل مقومات الاسلام والمجتمع الذي قام بأسمه.

 

تأريخنا!

استخدم يوسف زيدان عبارة (تاريخنا الطويل اليهودي والمسيحي والاسلامي)[8]! وإنَّ الباحث في تاريخ العرب قبل الاسلام يدرك جيداً انه ليست هناك ملامح واضحة لتأثير يهودي او نصراني (مسيحي) على العرب في تلك الفترة حيث كانت بيئة شبه الجزيرة العربية الاجتماعية والمناخية تذيب جميع القادمين اليها في بوتقة واحدة منتجة العنصر العربي. فليس عند العرب تأريخ يهودي او نصراني بل ان تأريخهم مرتبط بالتوحيد من جهة وبالوثنية من جهة اخرى، بصورة أساسية. وبخصوص اليهود فلم يكن لديهم تأريخ معلوم ذو تأثير واضح على العرب قبل الاسلام، صحيح ان هناك يهود في اليمن ويثرب وخيبر وتهامة. "وكان هناك يهود في اليمامة والعروض لا نعرف عنهم شيئاً، وكان تجار منهم يقيمون فى مكة وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب للاتجار وإقراض المال بربا فاحش للمحتاجين إليه"[9]. غير انهم لم يكن لديهم تأثير واضح على التأريخ العربي او على الحياة الاجتماعية العربية قبل الاسلام. ويمكن ان نلاحظ الخصائص التالية عن تأريخ اليهود في شبه الجزيرة العربية:

1. ليس لليهود تأريخ مؤكد في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام. يقول الدكتور جواد علي: (والحديث عن اليهودية بين العرب، وعن وجود يهود في أنحاء من جزيرتهم، لا يمكن أن يكون حديثاً تأريخياً مبنياً على العلم اذا ارتفعنا به إلى الميلاد وإلى ما قبل الميلاد. ولا يعني كلامي هذا عدم وصول يهود إلى جزيرة العرب، وعدم إقامتهم في أماكن منها. فهذا كلام لا يمكن أن يقال، ولا يمكن قبوله. انما أريد ان أقول إننا لا نملك نصوصاً تأريخية تخولنا أن نتحدث عن اليهود في جزيرة العرب قبل الميلاد حديثاً، علمياً، بأن نعين المواضع التي نزلوا فيها، والأماكن التي وصلوا إليها، وما فعلوه هناك، وفي أي عهد كان ذلك، ومن قادهم إلى تلك الأنحاء، ومن استقبلهم استقبالاً حسناً، أو استقبلهم استقبالاً سيئاً من الجاهليين؟)[10].

وقال ايضاً: (ومعارفنا عن يهود جزيرة العرب مستمدة من الموارد الإسلامية. والسبب في ورود خبرهم في هذه الموارد، هو اصطدامهم بالإسلام، ومقاومتهم له حينما دعاهم الرسول إلى الدخول فيه، فنزل فيهم الوحي، وأشير اليهم في الحديث، وذكروا في كتب التفسير والسير والتواريخ والأدب. ومن هنا تجمعت معارفنا عن يهود الجاهلية. ولهذا تجد الحديث عن يهود الجاهلية لا يرتقي كثيراً عن عصر النبوة)[11]... (ولم يترك يهود جزيرة العرب لهم أثراً مكتوباً يتحدث عن ماضيهم فيها. وكل ما عثر عليه منهم، نصوص معدودة، وجدت في اليمن، لا تفصح بشيء ذي بال عن اليهود واليهودية. كذلك لم يصل إلينا إن أحداً من المؤلفين والكتبة العبرانيين ذكر شيئاً عن يهود الجاهلية. وليس لنا من تأريخ اليهود في جزيرة العرب إلاّ ما جاء في القرآن الكريم وفي الحديث وكتب التفسير والأخبار والسير. فمادتنا عن تأريخ اليهودية في العربية، لا ترتقي إلى عهد بعيد عن الإسلام)[12].

2. ذاب اليهود في شبه الجزيرة العربية في الثقافة العربية وفي الحياة الاجتماعية للعرب ولم يعد لهم تراث وثقافة خاصة بهم. يقول اسرائيل ولفنسون: (وإذا وُفِّقنا الى أن نميز بين يهود الحجاز والعرب من جهة الدين والعقلية فإنه من المتعذر أن نوفّق الى التمييز بين العنصرين من وجهة الاخلاق والعادات والنظم والتقاليد الاجتماعية لأن اليهود الذين سكنوا في بلاد العرب لم يلبثوا أن تخلقوا بأخلاق العرب وتمسكوا بعاداتهم واتبعوا سبيلهم في النظم والتقاليد الاجتماعية حتى اصبحوا كأن لم يكونوا من جنس آخر غير الجنس العربي. ولا أعلم في تأريخ اليهود القديم اقليماً تأثر فيه اليهود بأخلاق وعادات وتقاليد أبنائه الى هذا الحد سوى أقليم الجزيرة العربية)[13].

وسبق ان بيَّنا في كتابنا (حقائق عربية)[14] أنَّ العرب لا يعودون بأصولهم الى عدنان وقحطان حصراً كما هو شائع بين النسابين، بل هم خليط من الاقوام التي عاشت في شبه الجزيرة العربية وانصهرت فيها، فأصول العرب متعددة وغير محصورة في عدنان وقحطان بل يمكن ان يضاف لهم قضاعة وكنعان واليبوسيين وغيرهم، بل ان من اصول العرب ايضاً الاقوام التي قيل انهم من العرب البائدة والحقيقة انهم استمروا في شبه الجزيرة العربية بمسميات جديدة وانساب جديدة نتيجة التحالفات التي دخلوا فيها وتأثرهم بمحيطهم السياسي والديني. وبناءاً على ذلك فإن النص الذي نقلناه آنفاً عن اسرائيل ولفنسون يبين ذوبان اليهود الساكنين بين العرب في المجتمع العربي وفي الثقافة العربية في عصر الجاهلية، ولو امتد بهم الزمان قبل ظهور الاسلام لأصبحوا جزءاً من عروبة قبائل العرب وذابوا فيها كما هو حال بقية الاقوام الذين اصبحوا كذلك فعلاً.

3. لم يكن عند اليهود شيء يفتقده العرب لكي يتأثروا بهم، فالعرب لديهم التراث الابراهيمي التوحيدي حيث كانوا من الاحناف، وينتشر بينهم دين ابراهيم الخليل (عليه السلام)، فلديهم الوحدانية كما لليهود وحدانية، ولديهم إيمان توحيدي كما لليهود إيمان توحيدي. وحتى بعد فترة من الزمن وانتشار عبادة الاصنام والاوثان بين القبائل العربية، فقد كان لعبادة الاصنام تأثير على اليهودية أيضاً. يقول ولفنسون ان بنو اسرائيل ولغاية نهاية القرن الخامس قبل الميلاد كانوا (يعبدون الله مع تقديسهم لبعض الاصنام على حين كانت طائفة منهم تعبد الله وحده مخلصين له الدين وهي طائفة الكهنة والانبياء وبعض الطبقات من الاشراف والملوك والنقباء الذي آمنوا برسالة موسى واتبعوا شريعته)[15]. فإذا علمنا ان ظهور النبي موسى (عليه السلام) كان في حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، نعلم حينها ان عامة اليهود لم يكن لديهم توحيد خالص بل كانت مظاهر الشرك والوثنية موجودة في مجتمعهم. ولا نبالغ اذا قلنا انه من الممكن ان يكون هجرة بعض اسباط بني اسرائيل الى شبه الجزيرة العربية بعد السبي الآشوري في القرن الثامن قبل الميلاد من اسباب انتشار الوثنية في شبه الجزيرة العربية، حيث شاعت عبادة الاصنام في مملكة اسرائيل شمال فلسطين والتي غزاها الملك الآشوري شلمانصر الخامس وقيل سرجون الثاني سنة 722ق.م، الى جانب شيوع الوثنية في المملكة الآشورية أيضاً، بينما شاعت عبادة الاصنام بين العرب في القرن الرابع الميلادي، أي ان الوثنية ظهرت بين بني اسرائيل في فلسطين، والمناطق المجاورة لها (بابل وآشور) قبل ظهورها في شبه الجزيرة العربية بقرون كثيرة، والتي كانت قبل ذلك معقلاً من معاقل التوحيد بتأثير ديانة النبيين ابراهيم وابنه اسماعيل (عليهما السلام) اللذان عاشا في حوالي القرن الواحد والعشرين قبل الميلاد. فالسِمة الاساسية لتأريخ العرب قبل الاسلام كانت السمة الحنيفية التوحيدية[16] ولم تكن هناك سِمة يهودية او نصرانية ملحوظة فيه.

4. كانت اصول اليهود الذين سكنوا في شبه الجزيرة العربية تمتد الى ثلاثة مصادر:
أ. اليهود المهاجرين من فلسطين، وهم يمتدون نسبياً الى بني إسرائيل. بعد السبي الآشوري في القرن 8ق.م والسبي البابلي في القرن 6ق.م. وهناك كلام عن وجود عشرة اسباط مفقودة من بني اسرائيل، يعتقد انها انتشرت في بقاع مختلفة وذابت في المجتمعات التي هاجرت اليها بعد السبي الآشوري لمملكة اسرائيل بالاضافة الى السبي البابلي لمملكة يهوذا (سبطي يهوذا وبنيامين) من قبل نبوخذنصّر. حيث انه بعد وفاة النبي سليمان (عليه السلام) انقسمت مملكته الى مملكتين، مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم ومتكونه من سبطي يهوذا وبنيامين، وبقية الاسباط العشرة أسست مملكة الشمال وعاصمتها السامرة واستمرت حوالي 250 سنة وانتهت سنة 722 ق.م، عندما غزاهم سرجون الثاني او شلمانصر الخامس ملك آشور واستولى على المملكة وسبى الأسباط إلى مملكته. والظاهر ان هذا الامر تسبب في انتشار تلك الاسباط في مناطق عديدة، يضاف الى انتشار قبائل اليهود بعد السبي البابلي لمملكة يهوذا سنة 593ق.م. ولذلك يدَّعي الفلاشا وهم يهود الحبشة انهم من سبط دان! ويدَّعي الايغبو في نايجيريا انهم ينتمون الى ستة اسباط هم افرايم ونفتالي ومنسي واللاويين وزيبولين وجاد! وهناك من يتحدث عن ان بعض قبائل البشتون الافغانية المسلمة تنتمي الى بني اسرائيل! كما ان يهود الهند أيضاً يدّعون الانتماء الى سبط لاوي! كل هذه الدعاوى وغيرها تبقى أكثريتها مجرد ادعاءات يروج لها اصحابها أو المنتفعين منها ولا يمكن اثباتها من الناحية الاكاديمية ولا تدعمها مصادر تأريخية معتبرة. فعلى سبيل المثال نجد ان لغة البشتو التي يستعملها البشتون في افغانستان ذات اصول آريّة وليست ساميّة وهو ما يفنِّد مزاعم انتمائهم الى بني اسرائيل.

اما في شبه الجزيرة العربية، يقول الدكتور جواد علي: (وكان يقيم ﺒ (مقنا) عند ظهور الإسلام قوم من اليهود اسمهم (بنو جنبة)، وقد كتب إليهم الرسول والى أهل (مقنا) يدعوهم إلى الإسلام، أو إلى دفع الجزية. وكتب إلى قوم من يهود اسمهم (بنو غاديا) ، والى قوم آخرين اسم (بنو عريض). ومن هؤلاء المهاجرين علي رأي الأخباربين بنو قريظة وبنو النضير وبنو بهدل. ساروا إلى الجنوب في اتجاه يثرب، فلما بلغوا موضع الغابة، وجدوه وبيّاً، فكرهوا الاقامة فيه، وبعثوا رائداً أمروه أن يلتمس لهم منزلاً طيباً، وأرضاً عذبة، حتى إذا بلغ (العالية)، وهي بطحان ومهزور واديان من حرة على تلاع أرض عذبة. بها مياه وعيون غزيرة، رجع إليهم بأمرها، وأخبرهم بما راه منها، فقرّ رأيهم على الإقامة فيها. فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان، ونزلت قريظة وبهدل ومن معهم على مهزور، فكانت لهم تلاعه وما سقي من بعاث وسموات. وسكن اليهود يثرب. سكنها منهم بنو عكرمة وبنو ثعلبة وبنو محمر وبنو زعورا وبنو قينقاع وينو زيد وبنو النضير وبنو قريظة وبنو بهدل وبنو عوف وبنو القصيص وبنو ماسلة، سكن هؤلاء المدينة وأطرافها، وكان يسكن معهم من غير بني اسرائيل بطون من العرب، منهم: بنو الحرمان حي من اليمن، وبنو مرثد حي من بلَيّ، وبنو نيف وهم من بلي أيضاً، وبنو معاوية حي من بنيُ سليم ثم من بني الحرث بن بهثة، وبنو الشظيّة حي من غسان. وظل اليهود أصحاب يثرب وسادتها، حتى جاء الأوس والخزرج، فنزلوها واستغلوا الخلافات التي كانت قد وقعت بين اليهود، فتغلبوا عليهم، وسيطروا على المدينة، وقسموها فيما بينهم، فلم يبق من يومئذ عليها سلطان)[17].

 

ب‌. العرب المتهودين وهم المعتنقين لليهودية.

قال الدكتور جواد علي: (ويتبين من روايات المؤرخ اليهودي (يوسفوس فلافيوس) Iosephos Flavius أن اليهودية كانت قد وجدت لها سبيلاً بين العرب. وأن بعض ملوك مملكة (حدياب) Adiabene كانوا قد دخلوا فيها. ويذكر المؤرخ (سوزومين) Souzomenos أن اليهود كانوا ينظرون إلى العرب الساكنين شرق الحد العربي Limes Arabicus على أنهم من نسل إسماعيل، وأنهم كانوا يرون أنهم من نسل إسماعيل وإبراهيم، فهم من ذوي رحمهم، ولهم بهم صلة قربى. وكانوا يرجون لذلك دخولهم في دينهم، واعتناقهم دين إبراهيم جد اليهود والعرب. وقد عملوا على تهويد أولئك العرب. ويظهر من مواضع من التلمود أن نفراً من العرب دخلوا في اليهودية، وأنهم جاءوا إلى الأحبار، فتهودوا أمامهم . وفي هذه المرويات (التلمودية)، تأييد لروايات أهل الأخبار التي تذكر أن اليهودية كانت في حمير، وبني كنانة، وبني الحارث بن كعب، وكندة ، وغسان. وذكر (اليعقوبي) أن ممن تهود من العرب «اليمن بأسرها. كان تُبّع حمل حبرين من أحبار يهود إلى اليمن، فأبطل الأوثان، وتهود من باليمن، وتهود قوم من الأوس والخزرج بعد خروجهم من اليمن لمجاورتهم يهود خيبر وقريظة والنضير. وتهود قوم من بني الحارث بن كعب وقوم من غسان وقوم من جذام». وقد ذكر علماء التفسير في تفسيرهم الآية: ﴿لا إكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغي﴾ ، أنها نزلت في الأنصار. كانت المرأة المقلات في الجاهلية تنذر إن عاش لها ولد أن تهوده، فتهود قوم منهم. فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك، حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام. أو أنهم لما بقوا، على يهوديتهم، وأمر اليهود بالجلاء، وفيهم منهم، شق على آبائهم ترك أبنائهم يذهبون مع اليهود، فقالوا: «يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم.. فسكت عنهم رسول الله، صلى الله عليه فسلم، فأنزل الله تعالى ذكره: ﴿لا إكراه في الدين قد تبنن الرشد من الغيّ...﴾ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد خيّر أصحابكم، فإن إختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم» . وذكر العلماء أيضاً أن ناساً من الأنصار كانوا مسترضعين في بني قريظة وغيرهم من يهود، فتهودوا، وأن من الأنصار من رأى في الجاهلية أن اليهودية أفضل الأديان، فهودوا أولادهم، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، أرادوا إكراه أبنائهم الذين تهودوا على الدخول فيه، فنزل الوحي بالآية المذكورة . فقد كان إذن بين يهود جزيرة العرب، عرب دخلوا في دين يهود.

وذكر أهل الأخبار أن (جبل بن جوال بن صفوان) الثعلبي، من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، كان يهودياً فأسلم. فهو عربي، يظهر أنه أو أهله قبله قد تهودوا، فكان على دين يهود، وعاش مع (بني قريظة)، حتى اعتنق الإسلام . وذكروا أسماء آخرين كَانوا من متهودة الجاهليين.

ويرى بعض المؤرخين اليهود أن يهود جزيرة العرب كانوا في معزل عن بقية أبناء دينهم وانفصال، وأن اليهود الآخرين لم يكونوا يرون أن يهود العربية مثلهم في العقيدة، بل رأوا أنهم لم يكونوا يهوداً، لأنهم لم يحافظوا على الشرائع الموسوية ولم يخضعوا لأحكام التلمود . ولهذا لم يرد عن يهود جزيرة العرب شيء في أخبار المؤلفين العبرانيين)[18].

 

ت‌. المعتنقين لليهودية من اقوام أخرى. كقبيلة بني ركاب المذكورة في التوراة (العهد القديم) والتي يمتد اصلها الى مدين قوم النبي شعيب (عليه السلام) والتي اعتنقت اليهودية وسكنت في خيبر وعلى امتداد الساحل الشرقي للبحر الاحمر.

يقول الدكتور جواد علي: (وقد انتشر اليهود جماعات جماعات استقرت في مواضع المياه والعيون من وادي القرى وتيماء وخيبر إلى يثرب، فبنوا فيها الآطام لحماية أنفسهم وأرضهم وزرعهم من اعتداء الأعراب عليهم. وقد أمنوا على أنفسهم)[19].

جـــاء في قاموس الكتاب المقدس تحت مفـردة (ركابيون): (رَكابيّـــون: قوم من القينييـن أو المديانييـن (1 أخبار 2: 55) تسلسلوا من يوناداب (أو يهوناداب) بن ركاب (2 مل 10: 15) وتسموا باسم ركاب (ار 35: 2-19) وعاشو بين بني إسرائيل. وقد سن يوناداب بن ركاب لذريته (الركابيين) شريعة لكي يظلوا شعباً مستقلاً ممتازاً وعشيرة معتزلة بعيدة عن عبادة الأصنام وتلخص الشريعة فيما يلي:

أولاً: أن يمتنعوا عن شرب الخمر وكل شراب مسكر.

ثانياً: أن لا يسكنوا في بيوت.

ثالثاً: أن لا يزرعوا زرعاً ولا يغرسوا كرماً.

رابعاً: أن يكون سكنهم في خيام.

وكان القصد من ذلك أن يحتفظوا ببساطة عاداتهم البدائية. وقد أطاع الركابيون هذه الوصية وظلوا شعباً مستقلاً محباً للسلام وسكنوا الخيام، وكانوا يتنقلون من مكان إلى لآخر حسب مقتضيات الظروف. ولما غزا نبوخذ نصر اليهودية هرب الركابيون إلى أورشليم طلباً للنجاة. وعندما أراد ارميا بعد ذلك ببضع سنوات أن يختبر طاعتهم لوصية أبيهم وجد أنهم لا يزالون على ولائهم الأول فوبخ اليهود لعدم طاعتهم لوصية الله. وهم يرون هؤلاء الركابيين في كامل الولاء لوصية أبيهم. ومن أجل هذا الولاء قطع لهم الرب هذا الوعد (( لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسان يقف أمامي كل الأيام )) (ار 35: 1-19). ويقال أنه لا تزال بقية منهم إلى الآن في العراق واليمن ويعرفون بني خيبر. لكن ليست لهم علاقة مع أخوتهم اليهود المشتتين في آسيا الذين يعتبرونهم أخوة كذبة لعدم محافظتهم على الشريعة على أنهم لا يزالون يحفظون السبت).

ويقال ان أسم (جندب) العربي هو تصحيف لأسم (يوناداب)!

وحول اصل الركابيين نقرأ في قاموس الكتاب المقدس ، شرح كلمة (قِيني - قينيون): (ومما مرّ نرى أن القينيين كانوا من أحلاف بني إسرائيل ولاسيما سبط يهوذا. وكانت لهم علاقة بالمديانيين لأن حما موسى القيني كان مديانياً. وكانوا بدوا يفضلون في الغالب حياة البداوة على حياة الحضر ومنهم الركابيون الذين أصروّا على سكن الخيم حتى في عصر الملكية المتأخر (ار 35: 6-10 محتفظين بوصية أبيهم).

اذن الركابيين هم من قوم النبي شعيب (عليه السلام) الذي صاهره النبي موسى (عليه السلام).

وقال الرحّالة بنيامين التطيلى (1165- 1173)م: (وأرض اليمن هذه تمتد مسيرة واحد وعشرين يوماً عن شنعار (العراق) الكائن على تخومها الشمالية. وفي هذه الصحراء مضارب بني ركاب من عشائر تيماء. وفي تيماء يقيم شيخهم وحاكمهم الكبير حنان. وهي صقع واسع الارجاء، امتداده ستة عشر يوماً بين الجبال الشمالية. وفيها القلاع الكبيرة الحصينة التي لا تخضع لأية سيطرة أجنبية. واهلها يخرجون مع جيرانهم وأحلافهم من أبناء العرب للغزو والكسب في الاماكن البعيدة. وهؤلاء الاعراب يعيشون عيشة بدوية، يبيتون في الخيام ، لا يعرفون بناء البيوت، دأبهم الغزو في أراضي اليمن. واليهود هنا مرهوبو الجانب من جيرانهم، لديهم الأراضي الواسعة. فيشتغل البعض منهم بالزراعة والبعض الآخر يرعى الماشية. ولرؤسائهم عليهم ضريبة الأعشار، يؤدونها للقيام بأود علمائهم الساهرين على مدارسهم وفقرائهم ونساكهم المعروفين بالبكائين. وهؤلاء يعيشون حياة كلها تقشف وزهد. لا يذوقون لحماً ولا يشربون خمراً. لباسهم السواد وماواهم الأكواخ والكهوف. يقضون جل أوقاتهم صياماً بإستثناءأيام السبت والأعياد. وهم دوماً عاكفون على إقامة الصلوات من أجل اخوانهم اليهود المشتتين في أنحاء المعمورة)[20]. وفيه تصريح بأن الركابيين في تيماء اسمهم (بنو ركاب)!

وقد اشار الدكتور احمد سوسة الى وجود الركابيين في مناطق الفرات الاوسط في سوريا والعراق، فقال في كتابه (ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق): (ترجع المرحلة الثالثة لوجود اليهود في التاريخ القديم للعراق الى ما قبل حوالي 1400 سنة (القرن السابع الميلادي) وذلك حين نزحت القبائل العربية المتهودة من جزيرة العرب في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الى الفرات الاوسط في سورية والعراق)[21]، ثم يقول تحت عنوان (قبيلة بني ركاب اليهودية): (وهناك ما يؤكد أن القبائل المتهودة في الجزيرة حافظت على تقاليدها العربية وأسلوب حياتها البدوية من غير أن تندمج باليهود خارج الجزيرة، فيروي بنيامين التطيلي الذي دوّن رحلته في القرن الثاني عشر الميلادي عن وجود قبيلة عربية متهودة في جزيرة العرب تدعى قبيلة بني ركاب اقتبست الدين التوحيدي من غير ان تندمج باليهود، بل ظلَّ أفراد هذه القبيلة محتفظين بتقاليدهم العربية التي ورثوها عن أجدادهم)[22] ثم يذكر كلام الرحالة التطيلي الذي نقلناه آنفاً، ثم يقول: (ويعتقد أن بني ركاب قبيلة مديانية أو قينية خالطت العرب المتهودين في الجزيرة وأقتبست عنهم معتقدهم وتوحيدهم. ورد ذكر هذه القبيلة في مواضع عديدة من التوراة فكانت تنتسب الى جدها الأكبر "يوناداب بن ركاب" (جندب)، لكن افراد هذه القبيلة لم يندمجوا باليهود بل ظلّوا محتفظين بتقاليد خاصة وتعاليم ورثوها عن اجدادهم. فكانوا على ما وصفهم النبي أرمية: "لا يبنون بيتاً ولا يزرعون زرعاً ولا يغرسون كرماً ولا يشربون خمراً أو مسكراً وكانوا يسكنون في الخيام"، جاء عنهم في قاموس الكتاب المقدس (الطبعة القديمة) ما نصّه: "ويروى عن حالتهم الحاضرة بعض أخبار مفيدة للغاية. فإنهم لا يزالون يقطنون في بلاد جبلية في المنطقة الحارّة الى الشمال الشرقي من المدينة، ويعرفون ببني خيبر وأرضهم تدعى خيبر. وليس لهم علاقات مع إخوتهم اليهود المشتتين في آسيا الذين يعتبرونهم اخوة كاذبين لأنهم لا يحافظون على الشريعة. ولا يمكنهم أن يرافقوا القوافل لأن ديانتهم لا تسمح لهم بالسفر يوم السبت مع أن بلادهم محاطة بالصحارى حتى يكاد لا يمكن الدخول إليها أو الخروج منها إلا مع القوافل". ويقدر الرحالة وولف عدد الركابيين بجوار مكة بنحو 60000 نسمة ويقال إنه لا يزال بقية منهم إلى الآن في العراق واليمن يعرفون ببني خيبر)... (ويستدل مما ورد في التوراة أن الركابيين كانوا يعبدون إلهاً واحداً إذ كان يوناداب بن ركاب قد أمر بنيه أن لا يعبدوا إلهاً آخر. وبهذا تكون التوراة أول من أشار الى تهوّد العرب في الجزيرة. والغريب ان قاموس الكتاب المقدس قد أورد في طبعته الجديدة ما نصّه: "ولما غزا نبوخذ نصّر اليهوجدية هرب الركابيون الى اورشليم طلباً للنجاة". نحن لا ندري على أي استناد أورد هذا الكلام الذي يجعلنا نتسائل: "هل غزا نبوخذنصر الجزيرة العربية؟"، إن المعلوم من المصادر التأريخية أن نبوخذ نصر غزا أورشليم وسبا اليهود الى بابل. هل هرب الركابيون من مواقعهم الصحراوية المنعزلة في الجزيرة العربية ليصطادهم نبوخذنصر في أورشليم ويضمهم الى اليهود المسبيين؟ وهل كان هناك موضع آمن وأكثر سلامة من صحراء الجزيرة المنعزلة في مثل تلك الظروف؟ ويبدو ان المقصود من هذا الكلام المضاف في الطبعة الجديدة ربط صلة يهود الجزيرة بيهود فلسطين وبأورشليم القدس، تلك الصلة التي طالما رددها الباحثون اليهود، على الرغم من أن قاموس الكتاب المقدس (الطبعة الجديدة ذاتها) يعترف بأنَّ ليس للركابيين صلة تربطهم بإخوانهم اليهود المشتتين في آسيا. ومع أنَّه يعترف بأنَّ الركابيين قوم من القينيين أو المديانيين أي من أصل عربي يضيف ملاحظة لم ترد في القديم وهي أن الركابيين عاشوا في اسرائيل لربط صلتهم ببني اسرائيل)[23].

ويقول الدكتور جواد علي: (هذا ويجب ألاّ نتصور أن أديان العرب قبل الإسلام لم تتأثر بمؤثرات خارجية. فلم تأخذ من الأمم والشعوب التي اتصلت بها شيئاً، جرياً على نظرية القائلين بعزلة العرب وبعدم اتصالهم بالخارج، وبأنهم بدو، لا علم لهم ولا رأي ولا دين. وهي نظرية نشأت عن عدم وقوف القائلين بها بأحوال العرب قبل الإسلام. وإذا وافق أولئك على أن اليهودية والنصرانية كانتا في جزيرة العرب قبل الإسلام كما نص على ذلك القرآن الكريم، وأن من العرب من كان على دين يهود، وأن منهم من كان على دين النصارى، فلن يستطيعوا إنكار ورود اليهودية والنصرانية إلى العرب من الخارج بعمل الهجرة والتبشير والاتصال بفلسطين والعراق. وسيوافقون أيضاً على أن الوثنيين قد تأثروا كذلك بوثنية غيرهم، كما نص على ذلك الاخباريون وأنهم أثروا في غيرهم أيضاً. إن معارفنا عن أديان العرب قبل الإسلام مستمدة في الدرجة الأولى من النصوص الجاهلية بلهجاتها المتعددة من معينية وسبئية وحضرمية وأوسانية وقتبانية وثمودية ولحيانية وصفوية، وهي نصوص ليس من بينها نص واحد ويا للأسف في أمور دينية مباشرة، مثل نصوص صلوات أو أدعية دينية أو بحوث في العقائد وما شابه ذلك. غير أن هذه النصوص المذكورة، ومعظمها كما قلت سابقاً في أمور شخصية، حوت مع ذلك أسماء آلهة ذكرت بالمناسبة، وبفضلها عرفنا أسماء آلهة لم يصل خبرها إلى علم الأخباريين؛ لأن ذكرها كان قد انطمس وزال قبل الإسلام. ومن هذه النصوص استطعنا أن نستخرج آلهة القبائل العربية القديمة، وأن نرجعها إلى المواضع التي كانت تتعبد بها لها، وأن نعيّن العصور التي كان الناس فيها يتعبدون لها على وجه التقريب. كذلك تعدّ الكتابات والنقوش المدونة ببعض اللغات الأعجمية كالآشورية والعبرانية واليونانية واللاتينية ولغة بني إرم، مورداً مفيداً لمعرفة أديان العرب قبل الإسلام بعد النصوص العربية. فقد وعت أسماء أصنام قديمة نصت عليها، وبذلك ساعدتنا في الوقوف على عبادتها وعلى من تعبّد لها من قبائل)[24].

ان إنتصار الاسلام على اليهودية في شبه الجزيرة العربية ساهم في طمس تأريخ اليهود فيها نتيجة فقدان كتبهم وتراثهم المكتوب بعد حروبهم مع المسلمين وهزيمتهم امامهم في عهد النبوة. وما وصل الينا من معلومات تأريخية استعرضنا بعضها آنفاً يبين لنا ان اليهودية في شبه الجزيرة العربية كانت ديناً فقط وليست قومية، الى جانب اديان اخرى في مقدمتها الحنيفية دين النبي ابراهيم (عليه السلام) ومن ثم الوثنيون والنصرانية والصابئة والمجوس. حيث ان اليهود في شبه الجزيرة العربية كانوا خليطاً من بقايا المهاجرين من بني اسرائيل واقوام عربية اخرى مثل مدين قوم النبي شعيب (عليه السلام) بالاضافة الى العرب القحطانيين والعرب العدنانيين.

إذن يتبن من كل ما سبق أنَّه كان في تأريخ شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام يهود من اصول متعددة، ولم يكن فيها تأريخ يهودي واضح المعالم، والفرق شاسع بين الامرين. ونفس الامر فيما يخص النصرانية أو المسيحية الشرقية. ولذلك لا يصح واقعاً ما ذهب اليه الاستاذ يوسف زيدان بوصفه تاريخ المسلمين بأنَّه تاريخ (يهودي – مسيحي – اسلامي)!

محاولة التجرّد:

يقول الاستاذ يوسف زيدان: (والرؤية العامة، المنهجية التي انطلقُ منها في هذا الكتاب، تتلخّص في المحاولة الدءوب للتجرُّد من الميول والاعتقادات الدينية والمذهبية، سعياً للوصول الى الموضوعية اللازمة لتفسير الظواهر الدينية، واقتران التدين بالعنف والتخلف عن (الانسانية) التي تجمع الناس، أو بالأحرى: من المفترض فيها أنها تجمع بين الناس)[25].

وفي الحقيقة فإنه لم يكد يكمل جملة محاولته التجرّد من الميول والاعتقادات الدينية والمذهبية حتى وقع بنفس ما تهرّب منه وهو إنحيازه ضد التدين واتهامه بالعنف من جهة وبالبعد عن الانسانية من جهة أخرى! متجاهلاً انه ليست جميع المذاهب الاسلامية تدعو للعنف كما هو معلوم، وليس الدين ولا المذهب الاسلامي ببعيد عن الانسانية. وهو حينما يتهم الدين بالبعد عن الانسانية كان عليه أن يقوم بتعريف مفهومه للإنسانية حتى نستطيع ان نتحاور معه على ارضية واضحة ومشتركة. لأننا نرى ان الدين هو إنساني بالدرجة الاولى أي يكون فيه الانسان هو الغاية التي يسعى لتوجيهها الى طرق التكامل والسعادة في الدنيا والآخرة.

حاول يوسف زيدان ان يتجرد من التحيز الديني والمذهبي فوقع في شرك التحيز للعلمانية والتحيّز ضد الدين والمذهب.

وهناك ملاحظة وهي ان يوسف زيدان ابدى موقف سلبي من مفردة (التدين) وكأنما هناك تحريض من قبله ضد التدين والمتدينين، فقد قرأنا في النص السابق كلامه بخصوص (التدين) ونضيف له قوله في نص آخر: (ولذلك فعبر الفكاك المؤقَّت من أسر التدين والإدانة، نسعى في هذا الكتاب الى رصد الوصلات العمقة بين اليهودية والمسيحية والاسلام، والبنيات العامة الحاكمة، والارتباطات العميقة ذات الجذور التأريخية المطمورة، بين الدين والسياسة، وبين التدين والعنف وبين التعصُّب والتخلُّف)[26]. فتارة يدّعي العلمانيين أن الدين هو موضوع شخصي بين الانسان وخالقه ويحاولون المنع من انعكاسه على المجتمع، لكن يوسف زيدان ذهب خطوة ابعد فهو يريد التدخل في قناعات المتدينين ايضاً بحيث يمحو مفردة التدين من اجل عدم ظهور ممانعة إجتماعية لدعوى التأريخ المشترك بين اليهودية والمسيحية والاسلام، هذه الدعوى التي لا يرفع شعارها لا اليهودي ولا المسيحي ولا المسلم، بل يرفع شعارها يوسف زيدان وحده ومن لفَّ لفّهُ، وتستفيد منها بشكل خاص الحركة الصهيونية من اجل تمرير مخططاتها في التطبيع مع المسلمين والعرب خاصة.

 

التراث العربي التوحيدي:

من المهم ان نبحث في طبيعة التراث العربي الجاهلي وما هي مصادره وما هي الافكار الدينية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية.

كان المجتمع العربي قبل الاسلام ولقرون طويلة يسود فيهم دين التوحيد: (الحنيفية)، دين التوحيد الذي اعتنقه ابراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، والذي هو امتداد لدين النبي نوح (عليه السلام) الذي انتشر في مختلف بقاع الارض بعد الطوفان، وهي دين جميع الانبياء العرب الذين ظهروا في فترات مختلفة في شبه الجزيرة العربية. وبقي ديناً توحيدياً نقياً في شبه الجزيرة العربية لكونها لم تتعرض لغزو فكري من قبل الاقوام المجاورة. نعم دخل الجزيرة العربية جماعة من اليهود من بني اسرائيل وغيرهم وتهود بعض العرب، ولا نستطيع ان نجزم بان عقيدتهم كانت توحيدية خالصة من براثن الشرك. وكذلك دخل بلاد العرب جماعة من النصارى الهاربين من بطش الرومان واليهود قبل اعتناق قسطنيطين للمسيحية واعلانها ديانة رسمية للدولة الرومانية التي عاصمتها روما، وكذلك دخلها جماعة من النصارى من اتباع آريوس والنساطرة الهاربين من بطش المسيحيين (اتباع مجمع نيقية المنعقد سنة 325م) والرافضين للعقيدة التي جاء بها هذا المجمع! ولكن هؤلاء ايضا لم يكن لهم تأثير ملحوظ على المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية.

يقول الدكتور جواد علي: (إن معارفنا عن أديان العرب قبل الإسلام مستمدة في الدرجة الأولى من النصوص الجاهلية بلهجاتها المتعددة من معينية وسبئية وحضرمية وأوسانية وقتبانية وثمودية ولحيانية وصفوية)[27].

ومن مظاهر دين التوحيد في المجتمع العربي قبل الاسلام التالي:

1. قال الدكتور جواد علي: (ولا تتناول الموارد الإسلامية بعد، إلاّ الوثنية القريبة من الإسلام والوثنية التي كانت متفشية بين قبائل الحجاز في الغالب، وبين القبائل التي اعتمد عليها رواة الأخبار في جمع اللغة والأخبار. لذلك لا نجد فيها ذكراً للوثنية البعيدة عن الإسلام، فلم يرد فيها مثلاً أي شيء عن (المقه) إله سبأ الأكبر ولا عن بقية الآلهة العربية الجنوبية الكبيرة مثل (عثتر)، وعن دين العرب الجنوبيين وشعائرهم، ولاعن معبودات قبائل العربية الشرقية: أو قبائل العراق أو بلاد الشأم في الأزمنة البعيدة أو القريبة من الإسلام)[28]. وعدم الاخبار عن الوثنية البعيدة عن الاسلام وذلك لكون الوثنية في تلك الازمان البعيدة كانت ضئيلة التأثير وغير منتشرة، حيث كان الانتشار للتوحيد في مختلف بلاد شبه الجزيرة العربية، ولم تنتشر الوثنية الا في عصر قريب من الاسلام حيث يقال ان الوثنية بدأت بالانتشار الواسع في شبه الجزيرة العربية ابتداءاً من القرن الرابع الميلادي بدعوى عمرو بن لحي الخزاعي.

2. قال الدكتور جواد علي: (وأما أخبارها عن اليهودية والنصرانية، فقليلة جداً، قصتها وروتها لما لها من تماس وصلة بما جاء في القرآن الكريم، أو لما لها من علاقة بأيام الرسول. ولهذا صارت خرساء صامتة بالنسبة إلى أحوال أهل الكتاب في بقية أنحاء جزيرة العرب أو في العراق وفي بلاد الشام. فلم تتحرش بهم إلاّ بقدر. وبسبب ذلك صارت معارفنا عنهم قليلة جداً. وقد كان في إمكان أهل الأخبار جمع معلومات واسعة عن النصرانية في العراق قبل الإسلام، برجوعهم إلى رجال الدين النصارى الذين كانوا في الحيرة وفي مواضع أخرى من العراق، وهم رجال لهم علم واسع بهذه الأمور، لكن اختلافهم عنهم في الدين على ما يظهر، وانصرافهم إذ ذاك عن رواية كلّ ما يتعلق بالأمور الجاهلية خلا ما يتعلق بالنواحي القبلية وبالنواحي الأدبية واللغوية، كانا من العوامل التي أدت إلى غض نظرهم عن البحث في هذه الأمور)[29]. ويعود سبب قلة معارفنا عن اليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية الى ما ذكره اسرائيل ولفنسون في النص المذكور آنفاً من ان اليهود اندمجوا وذابوا في المجتمع العربي تدريجياً.

3. وقال الدكتور جواد علي وهو يتحدث عن خيبر: (ومن الصعب تعيين الزمن الذي هاجر فيه اليهود إلى هذا الموضع. لقد رجع بعضهم ذلك إلى أيام هجوم الرومان على فلسطين. غير أن من الجائز أن تكون هجرتهم إليها قد وقعت قبل ذلك، ومن الجائز أن تكون في أثناء السبي واستيلاء البابليين على القدس، وقد يجوز أن يكون قوم منهم قد جاءوا مع (نبونيد) ملك بابل إلى تيماء حين اتخذ (تيماء) عاصمة له. فهاجر قسم منهم إلى خيبر والى نواح أخرى من الحجاز)[30]. ونبونيد هو آخر ملوك بابل (556- 539)ق.م. أي إنَّ تاريخ وجود اليهود في شبه الجزيرة العربية يمتد نحو 1000 سنة ومع ذلك لم يتمكنوا ان يتركوا بصمة واضحة في التاريخ والتراث العربي قبل الاسلام! رغم انه يفترض بأنهم أهل توحيد ولديهم كتاب سماوي بينما العرب يفترض انهم وثنيون وليست لديهم حضارة في زمن الجاهلية، ومع ذلك ذابت الشخصية اليهودية في البيئة العربية! ونفسر ذلك بأنَّ العرب كانوا محصّنين بكونهم أيضاً من اهل التوحيد قبل الاسلام قبل شيوع عبادة الاوثان في القرون القليلة قبل ظهور الاسلام، ولذلك لم تكن الارض خصبة امام اليهود للانتشار خصوصاً ان ولاء القبائل العربية للتوحيد ليس من الناحية الدينية فقط بل لأن نصف القبائل العربية تعود في نسبها الى اسماعيل بن ابراهيم الخليل (عليهما السلام) لكونهم من الاصل العدناني، وبذلك يكون الدين عندهم امر تراثي يعتزون به كما يعتزون بأنسابهم. ولذلك نجحت اليهودية في بعض الانتشار في اليمن القحطانية ولم تنجح بالانتشار في يثرب والطائف ومكة المكرمة وغيرها من المناطق التي يسكنها العدنانيون (المنتسبون الى عدنان).

4. قال الدكتور جواد علي: (ولم يعثر على لفظة (الله) في نصوص المسند، وإنما عثر في النصوص الصفوية على هذه الجملة: (ف ﻫ ل ﻫ)، وتعني (فالله) أو (فيا الله) و(الهاء) الأولى هي أداة التعريف في اللهجة الصفوية)[31]. علماً ان اقدم الكتابات الصفوية التي عثر عليها في اليمن كانت في القرن الاول قبل الميلاد وآخر ما عثر عليه كان في القرن الثالث الميلادي.

 

 


الهوامش:

[1] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص29 و30.

[2] علم اللاهوت العقيدي / د. موريس تاوضروس – ج1 ص19.

[3] المصدر السابق.

[4] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص30.

[5] بحث (المدخل الى الكتاب المقدس) للاب بولس الفغالي ، منشو في شبكة الانترنيت العالمية.

[6] سورة المائدة الآية (73).

[7] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص30.

[8] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص48.

[9] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص511.

[10] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص511.

[11] المصدر السابق – ج6 ص511 و512.

[12] المصدر السابق – ج6 ص513.

[13] تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الاسلام / الدكتور إسرائيل ولفنسون، استاذ اللغات السامية بدار العلوم / مطبعة الاعتماد بمصر 1937م - ص22.

[14] كتاب الكتروني غير مطبوع ورقياً.

[15] تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الاسلام / الدكتور إسرائيل ولفنسون، استاذ اللغات السامية بدار العلوم / مطبعة الاعتماد بمصر 1937م – ص2.

[16] وربما هذا من اسباب اختيار العرب لحمل الرسالة الاسلامية في بداية ظهورها لكونهم يمتلكون ماضياً توحيدياً عريقاً متأصلاً في نفوسهم رغم تلوثه بالوثنية من فترة قليلة قبل ظهور الاسلام، بخلاف بقية الشعوب والاقوام.

[17] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص518 و519.

[18] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص514 و515.

[19] المصدر السابق – ج6 ص516.

[20] رحلة بنيامين التطيلي / ترجمة عزرا حداد / دراسة وتقديم د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ - ص316 و317.

[21] ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق / الدكتور أحمد سوسة – ص201.

[22] المصدر السابق - ص221.

[23] ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق / الدكتور أحمد سوسة – ص(221- 223).

[24] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص11.

[25] اللاهوت العربي / يوسف زيدان – ص30.

[26] المصدر السابق – ص31 و32.

[27] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص11.

[28] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص14.

[29] المصدر السابق – ج6 ص14 و15.

[30] المصدر السابق – ج6 ص527.

[31] المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام / الدكتور جواد علي – ج6 ص24.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=148611
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 09 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28