• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : 6. متى صار إبراهيم (ع) لائقاً لمقام الإمامة؟ الوحيد الخراساني .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

6. متى صار إبراهيم (ع) لائقاً لمقام الإمامة؟ الوحيد الخراساني

 بسم الله الرحمن الرحيم

كان البحث في حاكمية القرآن، وكلام الله تعالى في مسألة الإمامة، ووصل للآية الكريمة (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة124)

هذه الآية فصل الخطاب في هذا البحث المهم، وهي تشتمل على جهات:

الجهة الأولى: أن الإمامة منوطة بشخصيةٍ خاصة، فما هي الخصوصيات التي ينبغي أن تجتمع في الإنسان ليكون لائقاً بهذا المقام؟
الجهة الثانية: أن هذه الإمامة إمامة الناس، فينبغي أن يتضح طرفي الإضافة حيث أحدهما الإمام والآخر عموم من يطلق عليه كلمة الناس.
الجهة الثالثة: أن هذه الامامة باختيار الذات القدوس تعالى حصراً، وليس لأحد من البشر حق إبداء الرأي فيها، ولا يتسنّمها أحد إلا بتنصب من الله تعالى، والمنصوب فيها مقامُ إمامة الناس.

الجهة الأولى: شخصية إبراهيم ومزاياه
ينبغي النظر في موضوع كلام الله تعالى بالنسبة لهذا المقام، فما هي هذه الشخصية؟ وما المزايا التي حازها إبراهيم عليه السلام فكانت سبباً لاختياره؟

بعد ذلك ينبغي فهم تلك الكلمات (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ): وبفهم ذلك البلاء والابتلاء يصل الإنسان إلى حدٍّ لائقٍ لإدراك حقيقة الإمامة.. المسألة عميقة إلى هذا الحدّ..

أما معرفة إبراهيم عليه السلام، فإن المرجع فيها هو نفس القرآن الكريم حصراً، فينبغي استنباط الخصوصيات من القرآن الكريم..
وأما الخصوصيات لاختيار التعابير في القرآن الكريم فحلُّ لغزها متاحٌ للحكماء أصحاب المقامات والفقهاء، ومفتاح حلها عندهم هو الكتاب والسنة..

الآية الأولى
أما من القرآن، فقد استعملت كلمة (أحسن) وكانت مورد عنايةٍ الى حد أنه تعالى استخدمها مرات عديدة أحدها (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت33)
ومنها (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء125)

وفي كل جملة خَزانة يعرفها أهلها.. لكن للأسف وقتنا ليس كافياً..
وينبغي أولاً معرفة الدين، ثم فهم رأي القرآن الكريم بالدين (ان الدين عند الله الإسلام) وفي مقام العندية (عند الله)..
في قوله تعالى (أحسن ديناً) ثلاث مطالب أنيط قبول الدين بها:
1. (أسلم وجهه لله): أي أنّه سلم من كل الأخطاء الفكرية والزلاّت الأخلاقية والسيئات العملية، فعند سلامة العقل والقلب والجسم، يصبح هذا المركب بعد تنزّهه وتقدّسه مصداقاً لهذه الجملة (أسلم وجهه لله).. ثم إن السلامة من كل الجهات لا تكفي.. بل يجب أن يكون ذلك لله تعالى..

وهنا يفهم معنى: العلماء هالكون إلا العاملين، والعلماء العاملون هالكون الا المخلصين، وبعد الوصول إلى مقام الإخلاص: المخلصون في خطر عظيم..
فآخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الجاه!

فهم القرآن ليس سهلاً، ويتضح ببركة الاستمداد من الروايات معنى أسلم وجهه لله.. هذه الكلمة الأولى..

2. (وهو محسن): فيصل فيه إلى مقامٍ لا يصدر منه سوى الحسن والإحسان.

3. الثالثة التي تُعجِز العقول: (واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) فبعد أن (أسلم وجهه لله) وبعد الوصول لمقام الاحسان المطلق (وهو محسن) يذكر الشرط الثالث: اتباع ملة إبراهيم!
هذا ما ينبغي على الفخر الرازي أن يفهمه أولاً.. موضوع الإمامة.. ولو فهم العامة هذه الآية فهل كانوا سيتلاعبون بمنصب الإمامة؟ وهل كانت ستظهر سقيفة بني ساعدة؟

(وإذ ابتلى ابراهيمَ ربُّه) إبراهيم الذي كان اتباع ملته الشرط الأخير للدين لم يكن قد أصبح لائقاً لمقام الامام حتى تحقيق تلك الكلمات، فصار مناسباً لهذا المنصب!!

الآية الثانية
قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (النحل120-122)
هذا كلام الله تعالى، وفهم القرآن ليس سهلاً وإن كانت قراءته سهلة.. ودرك عمقه يُحيِّر رجال العلم والحكمة والفقاهة..

لم يكن إبراهيم فرداً.. لم يكن شخصاً.. كان أمة.. ولكن أي أمة؟
(أمة قانتاً لله).. هذه الآية الثانية بالنسبة لشخصية الرجل الذي اختاره الله لمنصب الإمامة فكان:
1. أمّةً.
2. قانتاً لله.
3. حنيفاً.
4. وما كان من المشركين: بالشرك الجلي والخفي.
5. شاكراً لأنعمه بشهادة الله تعالى.
6. اجتباه.. فقد اجتباه رب الأرباب لنفسه وهداه إلى صراط مستقيم.
7. وآتيناه في الدنيا حسنة.. فهم هذه الحسنة بنفسه قصة.. فكل من أراد أن يوجه قلبه وبدنه إلى الله تعالى عليه أن يُقبِل على ما بناه إبراهيم إلى يوم القيامة.. وإلا فإن صلاته باطلة، والصلاة ركن الدين.. هذه (آتيناه في الدنيا حسنة) فينبغي النظر في الحسنة التي أعطاه الله إياها. هذه واحدة والباقي لوقته..
8. وانه في الآخرة لمن الصالحين...

فَهَل فَهِمَ مفسروا العامة هذه الآية بهذه الخصوصيات ؟

وقد بقيت أمور ينبغي التعرض لها، ومنها:

أنه لا مقام أرفع وأعلى من مقام الخاتم (ص) عقلاً ونقلاً، وهو غير ممكن التحقق لأنه خُلفُ الخاتمية، فكل الأنبياء والمرسلين آدم فمن دونه تحت لوائه (ص)، حتى إبراهيم (ع).

والمخاطب في الآيات هو الخاتم (ص)، والخطاب (اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) (النحل123)
فمن كان متبوعاً من كل الخلق والمُلك والملكوت أُمِرَ باتباع ملة إبراهيم بنص القرآن..
وفي ذيل الآية بيان الإمام أن الملة التي أمر النبي الخاتم (ص) باتباعها هي الشريعة الحنيفية التي لا تنسخ الى يوم القيامة.

لو فُهمت هذه المطالب لم يكن ليجتمع من اجتمعوا واختاروا من يعترف بنفسه أنه صار حاكماً وإماماً وهو ليس أفضل من المأموم!
وما كانوا لعبوا بالإمامة! ففرق بين الإمام والمأموم مفهوماً ومصداقاً..

ولست بخيركم: هذه الكلمة برهان بطلان خلافة أبي بكر.. ولكن للأسف لم تقع هذه المسائل مورد تأمل نخبة أمة الإسلام..
فمن جهة تثبت الآية الإمامة لابراهيم (ع)، ويثبتونها في المقابل لمن يقرّ بنفسه بعدم صلاحيته لها!

وللبحث تتمة
والحمد لله رب العالمين 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=148512
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 09 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16