• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شيعة الكوفة والنهضة الحسينية  .
                          • الكاتب : د . السيد حسين البدري .

شيعة الكوفة والنهضة الحسينية 

 قاعدة لا ينتبه اليها الكثير ويقع اثر تركها في التعميمات والاستنتاجات والتحليلات (العوامية) وهي: اخذ قيود (الزمان، والمكان، والانسان) بنظر الاعتبار حين ارادة تحليل حوادث التاريخ، فاي حادثة تاريخية او معاصرة يجب دراستها في اطار هذا المثلث الى جانب الثوابت الاخرى.

قضية التغيير الديمغرافي والسكاني في الكوفة الذي قامت به الدولة الاموية منذ سنة 51هـ ووالذي نفذه زياد بن عبيد الثقفي الملعون، من الحوادث الهامة والمؤثرة في فهم جوانب الوضع الاجتماعي والسياسي للكوفة العلوية في فترة نهضة الامام الحسين (ع).
قام زياد بتهجير الكثير من شيعة الكوفة الى خراسان (25 الف من الكوفة و25 الف من البصرة) بافتعال تمرد هناك، فأجبرت الدولة الاموية الكثير من الكوفيين والبصريين الشيعة على الخروج اليه، بحجة وجوب الدفاع عن الاراضي والثغور الاسلامية.
ولم تبق دور الذين هُجروا إلى خراسان خالية، بل جاءت الدولة الاموية بشاميين نواصب من نفس القبائل واسكنتهم فيها، وقامت بتتبعت البقية الباقية من شيعة علي (ع) في الكوفة، الذين خرجوا في المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون  عن المنكر، فاستضعفوهم ونكلوا بهم وقتلوهم وهدمو دورهم، امثال حجر بن عدي والحضرميين ورشيد وخلاس الهجري وميثم التمار وغيرهم الكثير.
ولما رأى الحسين (ع) ذلك سحب من تبقى منهم من الميدان وقال لهم: 《كونوا احلاس بيوتكم》. ليدخرهم لمرحلة القيام والخروج. وفي سنة ٥٨ هجرية عقد (ع) بهم مؤتمره الاول كما ينقل ذلك سليم ابن قيس في كتابه، وانه لم يترك اية نزلت فيهم الا فسرها ولاحديث عن رسول الله فيهم الا بينه لهم وذكرهم به ثم امرهم بافشاء ذلك فيمن يامنونه وقال: 《اني خفت دروس هذا الامر》اي زواله. والثاني في سنة 59هجرية عندما انتقل (ع) إلى مكة وقد اعدهم فيه للنهضة فبقي بعضهم معه وهم الذين رافقوه في الطريق الى العراق وكانوا 60 علما وشيخا وقتلوا معه يوم عاشوراء والبعض الآخر رجعوا إلى الكوفة لتهيئة الامور.
والكثير منهم قد صار في السجن اثر اجراءات ابن زياد القمعية وامتلأت منهم سجون الكوفة.
استمر الوجود السكاني الشامي الناصبي الذي تعلم النصب من معاوية وعمرو بن العاص في الكوفة حتى سنة 66 و 67 حين نهض المختار وبدأ ينتقم من قتلة الامام الحسين (ع) واحدا واحدا فهرب الكثير منهم ورجعوا إلى الشام وكذلك ايام ابن الاشعث .. اضافة إلى رجوع بعض من هجر إلى الكوفة فرجعت الكوفة إلى سابق عهدها ذات اغلبية شعية. 
ووجود الشاميين في الكوفة هو ما اشار اليه الامام الصادق عليه السلام حين سئل عن صوم يوم تاسوعاء فقال:
(تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين (ع) وأصحابه بكربلاء، واجتمع عليه خيلُ ((أهلِ الشام)) وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق) لانهم في السجون او في حال الاختفاء. في الكافي (ج 4 / 147).
 وقد اولوا اهل البيت (ع) الكوفة عناية خاصة لم تحصل لبقية الامصار لانها بنيت على التشيع. الامام الصادق عليه السلام قال في في الكوفة:  《إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة》. (الكافي للكليني)
وهنا لابد من التنبيه إلى امر آخر لا يقل اهمية عن الاول، وهو: ان روايات المدح لشيعة الكوفة هي اعلى واقوى اسنادا واوضح حجة واجلى دلالة من روايات الذم التي صَنَع الكثير منها بنو العباس في حربهم الاعلامية ضد عقيدة الامامة التي يحملها شيعة الكوفة وضد الحسنيين لما ثاروا عليهم خصوصا في عهد المنصور .. ومن يريد الوقوف على ذلك عليه مراجعة خطبة المنصور عليه لعائن الله حين قتل محمد النفس الزكية وخطب في اهل خراسان، حيث ملأ خطبته باكاذيب لم يسمع بها من قبل وصارت هي محور الساسية الاعلامية لبني العباسي ضد ائمة اهل البيت (ع) وضد الكوفيين والحسنيين حتى ان اكذوبة (خان الامين) التي يطلقها بعض المسلمين اليوم جهلا وراء الشيعة وكثير من الاكاذيب الاخرى وجدت في تلك الفترة.. وكذلك قول (يا اهل العراق يا اهل الشقاق والنفاق) فهي كلمة الحجاج بن يوسف الثقفي وضعوها على لسان امير المؤمنين وغيرها الكثير.
اختم كلامي برواية من اجل كتبنا (الكافي) تكشف عن عقيدة الامام زين العابدين (ع) (الذي يعرف من هم قتلة ابيه (ع)) في اهل الكوفة:
عن حنّان بن سدير ، عن أبيه قال: دخلت أنا وأبي وجدّي وعمّي حمّاما بالمدينة، فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا: ممّن القوم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: وأيّ العراق؟ قلنا: كوفيّون، فقال: مرحبا بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار.
(الشعار) هي الملابس الداخلية للانسان التي تلامس جسده.
(الدثار) هي الملابس الخارجية.
فالامام (ع) هنا يرحب بقوله (مرحبا يا اهل الكوفة) وهذا الترحيب فيه دلالة واضحة على التكريم الذي يستحقونه لما بذلوا من النصرة والوفاء لاهل البيت (ع). ثم يقول لهم (انتم الشعار دون الدثار) اي انتم اقرب الناس الينا... وهذا الوصف من الامام (ع) يكشف عن مدى ميول شيعة الكوفة الكبير وتمسكهم باهل البيت (ع) الذي تعلموه من أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) يوم هاجر إليها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147684
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28