• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دور المرجعية الدينية في رسالة المنبر الحسيني الإصلاحية -قراءة تحليلية لتوصيات المرجعية الدينية إلى الخطباء- (6) .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

دور المرجعية الدينية في رسالة المنبر الحسيني الإصلاحية -قراءة تحليلية لتوصيات المرجعية الدينية إلى الخطباء- (6)

- المحور السادس: الجانب الاجتماعي.
إنَّ هذا الجانب يعد من الجوانب الحيوية في رسالة المنبر الإسلامي بصورة عامة، والحسيني بصورة خاصة، فإنَّ أغلب المشاكل الاجتماعية كانت مادة المنبر الإسلامي، ومحاولة بيان الأسباب المباشرة لها، ووضع العلاج المناسب، من خلال متابعة الأسباب، فضلاً عن بيان آثارها الفردية والعامة، ولمَّا كان المنبر الحسيني هو السبيل الأكبر للمؤمنين اليوم في التصدي لتلك الأمراض الاجتماعية، كان لا بد للمتصدي له أنْ يكون على ﭐستعداد تام لعرض تلك الأمراض والانحرافات بواقعية، وبيان العلاج النافع لها، من خلال الإمكانيات الذاتية للخطيب، أو الاستعانة بأهل الاختصاص، فالمنبر لسان الشريعة الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات شهوات النفس ولذاتها الفانية إلى روح الإيمان والسعادة الأبدية، ولكن على وفق منهج واضح محدد، يمكن العمل على أساسه بيسر.
لأجل هذه الأهداف الاجتماعية النبيلة التي يؤديها المنبر الحسيني كان للمرجعية الدينية توجيه مهم في هذا الجانب، يؤكد على أهميته ومقامه، فضلاً عن الاستعداد للعمل على أساسه، فقد ورد في التوصيات: ((طَرْحُ الْمَشَاكِلِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الشَّائِعَةِ مَشْفُوْعَةً بِالْحُلُوْلِ النَّاجِعَةِ, فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْتَحْسَنِ أَنْ يَقْتَصِرَ الْخَطِيبُ عَلَى عَرْضِ الْمُشْكِلَةِ كَمُشْكِلَةِ التَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ، أَوْ مُشْكِلَةِ الْفَجْوَةِ بَيْنَ الْجِيْلِ الشَّبَابِيِّ وَالْجِيْلِ الْأَكْبَرِ، أَوْ مُشْكِلَةِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهَا, فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُثِيْرُ الْجَدَلَ دُوْنَ مُسَاهَمَةٍ مِنَ الْمِنْبَرِ فِيْ دَوْرٍ تَغْيِيْرَيٍّ فَاعِلٍ؛ لِذَلِكَ مِنَ الْمَأْمُوْلِ مِنْ رُوَّادِ الْمِنْبَرِ الْحُسَيْنِيِّ ﭐسْتِشَارَةَ ذَوِيْ الاخْتِصَاصِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحَمَلَةِ الثَّقَافَةِ فِيْ عِلْمِ النَّفْسِ وَعِلْمِ الاجْتِمَاعِ، فِيْ تَحْدِيْدِ الْحُلُوْلِ النَّاجِعَةِ لِلمَشَاكِلِ الاجْتِمَاعِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ؛ لِيَكُوْنَ عَرْضُ الْمُشْكِلَةِ مَشْفُوْعَةً بِالْحَلِّ عَرْضًا تَغْيِيْرِيًّا تَطْوِيْرِيًّا يَنْقُلُ الْمِنْبَرَ مِنْ حَالَةِ الْجُمُودِ إِلَى حَالَةِ التَّفَاعُلِ وَالرِّيَادَةِ وَالْقِيَادَةِ فِيْ إِصْلَاحِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَهْذِيبِهَا)).  
        وفي قراءة لهذا المقطع وما يتعلق بالجانب الاجتماعي يمكن بيان ما يأتي:
1- دعوة المرجعية الخطباء إلى معرفة أنَّ من رسالة المنبر المهمة هي المسألة الاجتماعية، وأنْ يكون خطيب المنبر مستعدًّا علمًا وعملاً لطرح الموضوعات الاجتماعية المختلفة التي لها وجود واقعي في المجتمع الذي هو جزء منه، والتأكيد على الشائع منها بين الناس؛ ليكون المنبر معهم وفيهم ومنهم، وليس كما نرى في بعض الأحايين من عرض مشكلات قد تكون فردية تارة، أو قديمة تارة ثانية، أو تتحدث عن مجتمعات أخرى بعيدة عن مجتمع الخطيب والمتلقي ثالثة، بل يجب أنْ تكون من واقع الأمة، والجميع يرى أثرها السلبي الظاهر.
2- محاولة الخطيب أنْ يعرض الحل الأمثل للمشكلة المعينة التي يتحدث عنها، وبطريقة ملائمة للعلاج يمكن تطبيقها، وهذا إما يتوقف على الثقافة المختصة للخطيب تارة، أو الاستعانة بآخرين في التخصصات المعينة للمشكلة تارة أخرى، وهذا يحتاج إلى بذلك جهد ذاتي من الخطيب؛ ليكون مؤهَّلاً لعرض المشكلات الاجتماعية مع علاجها التام، أو التفكير العام في علاجها من خلال دعوة المختصين للمشاركة في ذلك، فمجرد عرض الخطيب المشكلات الاجتماعية وعدم بيان علاجها بمثابة وصف الطبيب المرض للمريض فقط، فعلينا الإيمان والاقتناع بأنَّ المجتمع يحتاج في نهوضه والارتقاء به إلى تكاتف وتعاضد جهود الجميع.
3- ذكرت التوصيات على سبيل المثال مشكلات ثلاث تعد اليوم من أهم المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها الأسرة والمجتمع، ويجب التفكير والتذكير بها، ومعرفة أسبابها وعلاجها، والدعوة إلى رفضها والابتعاد عنها، وهذه المشكلات:
أ- التفكك الأسري: فهو من أهم أمراض المجتمع الذي نراه في كثير من الأُسَر، بسبب أمور متعددة، يقع الجهل في أهمية الأسرة وعظمتها، فضلاً عن رسالة الأبوين في الأسرة، ومدى تأثيرهما في الأبناء، وما يؤديه الإعلام المعادي ضد الأسرة المسلمة من خلال القنوات المتعددة الموجَّهة لذلك، تحت ذرائع كاذبة، مما يتطلب من الأبوين والمُرَبِّيين والمسؤولين على ﭐختلافهم الالتفات إلى خطر هذا التفكك في الحاضر والمستقبل، فيجب على الخطيب التأكيد على أهمية العلاقات الأسرية في الإسلام، من خلال تعاهد الأبناء وتربيتهم، والعمل من أجل سد ﭐحتياجاته، ومقام الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، وصلة الرحم، والتزاور والتراحم وغيرها من المبادىء الإسلامية التي لها أثر في الحفاظ على هذا الكيان العظيم –الأسرة-؛ لذا كان الخطاب القرآني شديدًا في ذلك، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. 
ب- هجر أخلاق ومبادىء الآباء: إنَّ ما يعيشه الشباب اليوم من الانفتاح الثقافي الكبير الإيجابي والسلبي كان له الأثر في ضعف العلاقات والتواصل فيما بين أبناء المجتمع، بغير ما كان عليه الآباء والأجداد من التواصل والمحبة والتزاور والإيثار وغير ذلك، ففي الجانب الإيجابي نرى ضعف ذلك واضحًا في المجتمع حيث الانشغال الذي أدى إلى الضعف، أو تغيير وسائل التواصل، فتحول التواصل المباشر إلى الافتراضي عبر وسائل الاتصال في أحسن أحواله، وأما في الجانب السلبي ما نراه من الأثر السيء في العلاقات، وعدم التمسك بتلك الموروثات من الأخلاق والمبادىء تحت ذرائع واهية، وقد أصبح من الصعوبة إقناع الأبناء أهمية التمسك بأخلاق الآباء، والعمل عليها لأجل الحفاظ على المُثُل العظيمة المتوارثة.
ج- الطلاق: إنَّ الطلاق من أكبر أمراض المجتمع وﭐنحرافاته الفتاكة، وما يتعرض له من ويلات وآثار في تفكك وهدم الروابط الأسرية، والآثار السلبية على الزوجين من جهة، وعلى الأبناء من جهة ثانية، فضلاً عن آثاره الكبيرة الممتدة في المجتمع، ويجب على جميع أبناء المجتمع التحذير من مقدمات ذلك، فضلاً عنه، وهذا لا يكون إلا بتثقيف المجتمع وتربيته تربية صالحة، يكون فيه الأبناء مؤهَّلون للزواج وبناء الأسرة، ومعرفة أُسس ذلك، وأبعاده، وغاياته، والالتفات إلى تلك المخاطر حيث الإحصائيات المذهلة، التي تعد بمثابة حرب قائمة مدمرة. 

4- ضرورة ﭐستعانة الخطيب بالمختصين بتلك الأمراض الاجتماعية باطلاعه على تقارير ودراسات وبحوث موثوقة من أساتذة وباحثين في هذه المجالات المتعلقة بالمجتمع، ومعرفة الحلول العلمية الناجعة لمثل هذه المشاكل؛ ليكون عرض المنبر الحسيني للمشكلة وحلها منبثق من واقع علمي قائم على دراسات علمية رصينة، وليس على مجرد أقوال ونظريات، مما يجعل دراسة هذه الظواهر الاجتماعية دراسة علمية وعملية تعكس صورة ناصعة للمنبر في الجوانب الاجتماعية المتعددة، وبذلك يحصل الاطمئنان لدى المتلقين مما يُعرض من مشكلة وحَلٍّ لها، وهذا يحتاج إلى بذل جهود كبيرة من الخطيب ليصل إلى هذه المرحلة من التكامل الاجتماعي.
5- إنَّ المرجعية الدينية ترى مقام المنبر في المجتمع هو الريادة في بيان الظواهر الاجتماعية المختلفة ووضع سبل معالجتها، وله أبلغ الأثر في قيادة الأمة وتهذيبها مما كان السبب في ﭐنحرافها، فيكون بالتالي مبعث روح حياة الأمة بعددما أصابها الوهن والتفكك والانهيار، وهذا ما يجب على الخطيب الحسيني أنْ يعرفه، ويكون مستعدًّا ﭐستعدادًا تامًّا في الدقائق التي يلتقي بالمؤمنين من خلال المنبر بعرض تلك المشاكل على حسب حالتها، وبيان علاجها؛ ليظهر مقام المنبر وحيويته وحياته، من دون الركون إلى الموضوعات التي توحي إلى جموده وﭐنحسار دوره العظيم في المجتمع.
إنَّ ما تقدم يبين أهمية هذا الجانب للخطيب والمنبر الحسيني في أداء رسالته في المجتمع، وهذا حقيقة يحتاج إلى بذل جهود كبيرة من أجل تحقيق هذه الغايات المنشودة للمنبر التي أكدت عليها المرجعية الدينية؛ ليبقى صوته منبع الأمان والاطمئنان لحياة الفرد والمجتمع، والعامل الأساس لتحصينهما مما يهدد كيانهما.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147630
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28