• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحقيقةُ الماثلة من حديثِ المنزِلة .
                          • الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود .

الحقيقةُ الماثلة من حديثِ المنزِلة

جاء في (صحيحِ البخاريِّ ٧١:٧ ، ح٣٧٠٦) ، وفي (صحيحِ مسلمٍ ١٨٧٠:٤ ، ح٢٤٠٤) ، وفي (المسندِ للإِمام أَحمدَ٦: ٣٦٩ و٤٣٨) في بابِ (فضائلِ الصحابةِ ومناقبِ عليٍّ) الحديثُ الشريفُ:

((يا عليُّ أَنتَ منِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى إِلَّا أَنَّـه لا نبيَّ بعدي)).

وهنا سأَعرِضُ بخدمتِكم أُبيِّنُ قراءتي لهذا الحديثِ غيرِ المختَلَفِ بين المسلمين كافةً في صحَّتِه ولفظِه ، المختَلَفِ بينَهم في معناه وشرحِه اختلافًا لا يقدحُ عندي بسُمُوِّ أُخوَّتِنا الدِّينيةِ والمصيريةِ الواحدةِ:

- (يا عليُّ) نداءٌ صريحٌ لا يُرادُ به إِقبالُ المنادَى لبُعدِه ، بل يُرادُ به توكيدُ النداءِ محصورًا بشخصِ الإِمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ) ، ولفتُ نظرِ السامعين من حاضرين ومُبلَّغين بأَنَّ هذه المنزِلةَ مقتصرةٌ على عليٍّ حصرًا.

⁃ (أَنتَ منِّي) قصْدٌ في الخِطابِ يَكشِفُ عن طبيعةِ العَلاقةِ الحصريةِ التي يراها النبيُّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) بينه وبينَ عليٍّ (عليهِ السلامُ) ، ولا مصداقَ لها بغيرِه.

⁃ (بمنزِلةِ هارونَ من موسى) استعارةٌ مقصودةٌ لكشفِ هذه العَلاقةِ بين قائدَين دينيَّيْنِ سياسيَّيْنِ إِدارِيَّيْنِ أَبوَينِ لأُمتِهما تربطُهما عَلاقةُ دَمٍ ، وصِلةُ رحِمٍ وُثقَى أَحدِهما له الوَلايةُ والأَمرُ على الآخرِ تشبيهًا متلازِمًا لهذه العَلاقةِ بما ورد في القرآنِ الكريمِ من عَلاقةِ (مُهمةٍ ، وقيادةٍ ، وطاعةٍ) بين موسى وهارون (عليهِما السلامُ) من جهةِ: ﴿اذهَبْ أَنتَ وأَخوكَ بآياتي ولا تَنِيا في ذِكرِي ، اذهَبا إِلى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغى ، فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لعلَّهُ يَتذكَّرُ أَو يَخشَى﴾ [طه/٤٢-٤٤] ؛ فكان منهجُ التبليغِ واحدًا بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ﴾ [النحل/١٢٥] ، ومن جهةِ ﴿...وقالَ موسى لَِأَخيهِ هارونَ اخلُفني في قَومي وأَصلِح ولا تَتَّبِع سَبيلَ المُفسِدينَ﴾ [الأعراف/١٤٢] ؛ فكان منهجُ حصرِ الوَلايةِ الاستخلافيةِ البشريةِ واحدًا بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿إِن تَتوبا إِلَى اللٰهِ فَقَد صَغَت قُلوبُكُما وإِن تَظاهَرا علَيهِ فإِنَّ اللٰهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبريلُ وَصالِحُ المُؤمِنينَ وَالمَلائِكَةُ بَعدَ ذلِكَ ظَهيرٌ﴾ [التحريم/٤] وليس للمؤمنين صالحٌ بحسبِ خِطابِ (يا أَيُّها الذين آمنُوا) إِلَّا الإِمامُ عليٌّ (عليهِ السلامُ) الذي ثبت صلاحُه وصالحيتُه بما فاق الكلَّ بإِجماعِ الكلِّ.

⁃ (إِلَّا أَنَّـه لا نبيَّ بعدي) غيرَ أَنَّ منزِلتَكَ العاليةَ هذه لا تصِلُ إِلى جعلِكَ نبيًّا كهارون (عليهِ السلامُ) ؛ لأَنَّني آخرَ نبيٍّ يُرسَلُ إِلى العالَمين بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجالِكُم وَلكِن رَسولَ اللٰهِ وخاتَمَ النَّبِيّينَ وَكانَ اللٰهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا﴾ [الأحزاب/٤٠] كيلا يُخطِئَ الناسُ بفِتنةِ ظنِّهم أَنَّكَ نبيٌّ لِما أَنتَ عليه من صفاتٍ ومهامَّ. وخِتامًا أَقولُ:

إِنَّ تصريحَ النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) بعبارةِ (إِلَّا أَنَّـه لا نبيَّ بعدي) لانقضاءِ البَعْثِ الرساليِّ الإِلهيِّ ، ووقْفِه على شخصِ الرسولِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) إِلى يومِ القيامةِ يُعلِنُ أَنَّ عليًّا (عليهِ السلامُ) هو الأَولى إِلهيًّا بالتكليفِ بعد النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ؛ فلمَّا عَدِمتِ النبوةُ إِرسالًا جديدًا صحَّ بديلُها بالمنزلةِ التي تليها تكليفًا إِلهيًّا وهي الإِمامةُ ؛ فصحَّتِ الوصايةُ والخِلافةُ على الأُمةِ إِقامةً للرسالةِ وتمديدًا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19