• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الضالُّ البصيرُ في الدنيا أَعمَى وبصيرٌ في الآخرةِ : .
                          • الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود .

الضالُّ البصيرُ في الدنيا أَعمَى وبصيرٌ في الآخرةِ :

كتب الأَخُ الدكتور (ستار العيساوي) الموقرُ هذا السؤالَ على حسابِه المختصِّ: ((يقول الله تعالى عن اهوال يوم القيامة في كتابه الكريم في سورة طه اية ١٢٤ و ١٢٥ (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى..قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) وقال في سورة الاسراء اية٩٧ (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) لكنه قال في سورة الاسراء ايه ١٣ و ١٤ (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ..اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) السؤال هو مما تقدم فان الله يحشر الكافر اعمى فكيف يقرا الاعمى ؟ وهذا واضح من قوله اقرا كتابك)).

جوابي المختصُّ:
العبارةُ القرآنيةُ ببيانِ لغتِها العربيةِ لها معنيان رئيسان: ظاهريٌّ يُقرأُ من سطحِ النظمِ ، وعميقٌ يُقرَأُ من باطنِ النظمِ ، وبينَ ذَينِ المعنيَينِ الرئيسَين من المعاني الفرعيةِ عنهما ما يتدرَّجُ ، ويُستجْلَى بحسبِ منظومةِ الفَهْمِ لدى القارئِ.
ومنظومةُ الفَهْمِ هذه لن تقِفَ عند تبيينِ مفسِّرٍ ، أَو تحليلِ لغويٍّ ؛ فإِنَّه من المرضِ الفكْريِّ أَن نقطعَ بأَنَّ المفسرين واللغويين قد أَتَوا على النصِّ القرآنيِّ ، وانتَهَوا إِلى سَبْرِ أَغوارِه ، وكشفِ أَسرارِه ؛ لأَنَّنا بهذا القطْعِ سنحكُمُ على المعجزةِ القرآنيةِ بالانتهاءِ ، وسنُقرِّرُ بعدمِ جدوَى التدبُّرِ. وهذا ما لا طيفَ يُتوَهَّمُ له في عقلِ بصيرٍ.
إِذًا بالتدبُّرِ المُمكنِ من ظاهرِ هذا النصِّ نقرأُ من باطنِه دلالاتٍ تُفضي بنا إِلى إِدراكِ المعاني الآتيةِ:

المعيشةُ الضَّـنْكُ سواءٌ أَكانت في الدنيا أَم في الآخرةِ تُقابلُها (المعيشةُ الطيبةُ الواسعةُ الرغيدةُ) فيهما ، وهي معيشةٌ كريمةٌ مرتبطةٌ بوشائِجِها ومقدِّماتِ نيلِها والتمكنِ منها ؛ فالذي ينتمي إِلى مقدِّماتِ التوحيدِ الحقيقيِّ ، والإِيمانِ الراسخِ ، والتقوى اليقينيةِ يَنالُ المعيشةَ الطيبةَ ، أَمَّا الذي ينتمي إِلى مقدِّماتِ الشِّركِ ، والعِصيانِ ، والإلحادِ فله المعيشةُ الضَّنْكُ وهو المعنيُّ بها يَذوقُ وبالَها ، ويراها ، ولا يَذوقُ ولا يرى غيرَها ؛ لذا يُرَدُّ عليه بردْعٍ بعدما يَعترِضُ خاضعًا في الآخرةِ ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمَى وَقَد كُنتُ بَصيرًا﴾ [طه/١٢٥] فهو ممنوعٌ من رؤيةِ نعيمِ الآخرةِ فقط ؛ لأَنه لم يَعِشْ مقدماتِه في الدنيا بإِيمانٍ ، بل كان يُبصِرُ الدنيا من عدسةِ اللهْوِ والانحرافِ فقط ؛ فجاءه ردْعُه تذكيرًا بما كان عليه من انحرافٍ في الدنيا ﴿ومَنْ أَعرَضَ عَن ذِكري فإِنَّ له مَعيشَةً ضَنْكًا ونَحشُرُهُ يومَ القيامَةِ أَعمَى﴾ [طه/١٢٤] ؛ فالإِعراضُ عنِ الشيءِ هو عدمُ الرغبةِ في رؤيتِه ، أَوِ التعامي عن رؤيتِه ، وقد ناسبه الإِعراضُ في الآخرةِ عنِ المُعرِضِ عنه في الدنيا ، أَي من تعامَى عنِ منهجِ الحقِّ في الدنيا عُمِي عن جزاءِ هذا المنهجِ في الآخرةِ ؛ فلا يُمكنُه أَن يراه مطلقًا لا بلحظِ عينٍ ، ولا بلحظةِ عَيشٍ.
ولكنَّ هذا المُعْمَى عن نعيمِ الآخرةِ فقط (رؤيةً ، وعَيشًا) - لأَنَّه لن يَشهَدَه - لا عَمَى عليه في موقفِ الاطلاعِ على مُوجباتِ عذابِه ، ولا في محلِّ لُبُوثِه في العذابِ ؛ لأَنَّ الحُجَّةَ تكونُ عليه أَلزمَ بكشفِ خطاياهُ وذنوبِه ومعاصيه التي كان عليها في الدنيا ، وإِطْلاعِه عليها بعد أَنْ ﴿...وُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمَّا فيهِ ويَقولونَ يا ويلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كبيرَةً إِلَّا أَحصاها ووَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا ولا يَظلِمُ ربُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف/٤٩] ؛ فالحجةُ للٰهِ عليهم ؛ لأَنَّهم يَرَونَ كلَّ ما عمِلوا في الدنيا من ضلالٍ حاضرًا ماثلًا أَمامَهم ؛ فلا ظُلمَ عليهم.
إِذًا ؛ العَمَى - بمعنى عدمِ الشهادةِ - يكونُ في موقفٍ يَكشِفُه ﴿...لِمَ حَشَرتَني أَعمَى ...﴾ ، والبصرُ -بمعنى الشهادةِ - يكونُ في موقفٍ آخرَ يَكشِفُه ﴿...اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا﴾ ، وكلاهما للشخصِ نفسِه يومَ القيامةِ والحسابِ ، ولا تعارُضَ بين الموقفَين. واللٰهُ أَعلمُ
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146104
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19