• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دلالة حرق القرآن في العراق وبلاد الأفغان .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

دلالة حرق القرآن في العراق وبلاد الأفغان

قبل وأثناء وبعد محاولة القس المخبول تيري جونز حرق القرآن الكريم وزرع الفرقة بين الأديان كانت هناك محاولات دلالية قامت بها القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة ليس كنوع من العبث والنزق الصبياني الذي يمتاز به الجنود الأمريكيين الشباب كما هو حال القس المسكين، بقدر ما هو عملية استكشافية غايتها وهدفها محدد مسبقا من قبل عقول خبيرة بالحرب النفسية الاستبيانية التي تستند إلى القيام بأعمال استفزازية من نمط خاص ومحدد لمعرفة ردود الأفعال المترتبة عليها، ومن ثم تقييم الوضع العام تبعا لمعطيات الردود ونوعيتها من حيث درجة الانفعال، ونسبة المشاركين فيه، والمدة الزمنية التي يستغرقها، وتأثيراته الجانبية على الشارع الإسلامي، وعلى المتعاونين مع القوات الغازية والمؤيدين لنهجها سواء تأتي  رد فعل شخصي من هؤلاء الأشخاص أنفسهم، أو تأتي من جهات متشددة أو متطرفة أو حتى معتدلة مستفزة ممكن أن توقع الأذى بهؤلاء الأشخاص.
لقد سمعنا في العراق ورأينا بالصورة والصوت قيام القوات الأمريكية مرة بحرق القرآن، وثانية بإلقائه في مكبات القمامة، وثالثة بوضعه شاخصا للتصويب والتدريب. ومن ينظر إلى القرآن ظاهرا لا يجد فيه ما يستهوي هؤلاء المأزومين بل قد يجده غير صالح لأن يتخذ هدفا للتدريب، أو مادة للحرق لأغراض الطبخ والتدفئة مثلا، فالقوات الغازية تملك كل الوسائل المتطورة ولا تحتاج إلى الأخشاب والأوراق لهذه الأغراض، لكن من ينظر بالعمق إلى داخل القرآن ومحتواه، وينظر إلى علاقة المسلمين به وتبجيلهم له يعرف السبب بالتأكيد، بل يعرف أكثر من سبب، وهي فعلا أكثر من سبب، منها ما تحدثنا عنه في أعلاه، والذي يبدو واحدا من أهم الأسباب.
أنا واقعا أسأل: ماذا تعمل نسخ القرآن الكريم بين الجنود الأمريكان وفي القواعد الأمريكية بالذات؟ هل ذهبت إليهم سيرا برجليها؟ أم جلبها لهم أعوانهم وأصدقاؤهم؟ أم ترجع عائديتها إلى جنود مسلمين في القوات الأمريكية تخلوا عنها لهذا السبب أو ذاك؟ أم أن الجنود جلبوها للإطلاع على محتواها الذي لم يعجبهم فقاموا بما قاموا به؟ أما أنها جلبت دون كل الأسباب السالفة لسبب محدد بعينه، وذلك لاتخاذها بالون اختبار ومتابعة نتائج هذا الاختبار الهمجي؟
الحالات التي أهانت فيها القوات الأمريكية كتاب الله وكلمته في العراق جوبهت من الداخل العراقي والخارج الإسلامي بردود فعل بائسة لا تتناسب مع حجم الواقعة بالمرة، بل إن ردود الأفعال الإسلامية عليها كانت شبه معدومة، وبالتأكيد أعطى هذا السكوت مبررا للقوات الأمريكية لإجراء اختبارات أخرى ذات صلة، حيث جاءت الردود متساوقة مع الرد الأول، فتم إدخال الردود ودرجتها في معادلات أوضحت لهم بالتأكيد نقاطا كانوا يبحثون عنها، وهي نقاط لها مساس مباشر بأنواع حراك هذه القوات المستقبلي في المنطقة.
والظاهر أن القوات الأمريكية لم تكتف بما حققته  التجربة من نتائج في العراق فأرادت إعادتها في مكان آخر، فاختارت هذه المرة أفغانستان، فماذا كانت النتيجة؟
من خلال متابعتي للحدث وجدت: 
مجموعة صغيرة من المسلمين الثائرين الأفغان تخرج بمظاهرة قرب القاعدة التي أحرق فيها القرآن تستنكر هذا العمل لا أكثر.
سكوت غريب للعالم الإسلامي كله حتى عن مجرد التنديد قولا بالعمل.
تقدم الرئيس الأمريكي أوباما باعتذار إلى الحكومة الأفغانية عن هذا العمل.
 
الذي يهمني من هذه النقاط كثيرا هو النقطة الثالثة منها بالذات، فالنقطتين الأولى والثانية ليستا غريبتين عنا ولا جديد فيهما، أما النقطة الثالثة فاستوقفني فيها تقدم الرئيس الأمريكي باعتذار إلى الحكومة الأفغانية، وهي بكل الأحوال حكومة لا تمثل حتى الشعب الأفغاني المسلم، وبالتالي لا تمثل إلا نفسها فلماذا يوجه اوباما الاعتذار إليها وحدها بالذات والقضية تخص المسلمين كلهم؟ القضية لا تتعلق بالحكومة الأفغانية وحدها ولا بالشعب الأفغاني المغيب الذي تجاوزه الرئيس الأمريكي المغرم بإتباع البروتوكولات والأتكيتات ولم يعره أي انتباه، القضية قضية إسلامية تخص المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتخص عدة ملايين من المسلمين الأمريكيين أيضا، فلماذا يوجه أوباما الاعتذار إلى الحكومة الأفغانية وحدها؟
إن الجواب يكمن في سر صغير وهو أن الاعتذار نفسه جاء جزء من عملية الاختبار، فهو من حيث الدرجة والتأثير لا يقل همجية وعدوانا عن حرق القرآن وبالتالي كان ممكن أن يثير ردود فعل في الشارع الإسلامي الذي بقي ساكتا والذي أشرت القوات الأمريكية والحكومة والمشرفين على الاختبار سكوته على انه جزء مهم من نتائج الاختبار وما أفرزته التجربة.
قد يتهمني البعض أني واقع تحت تأثير نظرية المؤامرة، وهي التي أوحت لي بكتابة هذا الموضوع بهذه الطريقة؟ وأجيب هؤلاء بسؤال بسيط ومحدد: من قام بتسريب أخبار حرق القرآن إلى الشارع المسلم، ولماذا قاموا بتسريب هذا الخبر بالذات دون عشرات الأخبار اليومية الأخرى التي تقع في هذه القواعد؟ إن القواعد الأمريكية مناطق مغلقة محرمة لا يدخلها أهل البلاد أبدا، وإن دخلها أحد ممن يخدمون هذه القوات من عمال النظافة والخدمة المنزلية والأغراض الخفية الأخرى فهم معدودون وحركاتهم محسوبة عليهم، وهم جميعهم من فئة عليها مؤشرات كثيرة بعضها وطني أو أخلاقي أو قيمي، وبالتالي هم جميعا ليسوا معنيين بما يصيب القرآن لأنهم فصموا عراهم مع محتواه يوم سولت لهم أنفسهم خدمة المحتل، وحتى لو أراد احدهم مجرد الثرثرة في هذا الموضوع فإنه يحسب للأمر ألف حساب قبل أن يجازف لأن انكشاف أمره يحرمه من المرتب المجزي جدا الذي يتقاضاه ويؤدي بالتالي إلى طرده من عمله؟
إذن أرى من الصائب أن لا نحمل هذا الموضوع الحساس على محمل السهو أو اللهو ونسكت عنه لأن سكوتنا عن حرق القرآن سوف يدفعهم إلى حرقنا وحرق بلداننا في المرات القادمة، فالسكوت في مثل هذه المواقف الحدية إما معناه الرضا، وإما معناه الجبن والضعف.
فقط يجب أن لا نمر بالأحداث الدموية التي مرت بالعراق يوم الخميس 23/ شباط 2012 والتي قام خلالها الإرهابيون بتفجيرات عديدة في عدة محافظات على أنها أحداث صدف وقوعها في هذا اليوم تحديدا دونما تنسيق بين الجانبين الإرهابيين الأمريكي والقاعدي، فالعملية مدبرة باتفاق مسبق غايته إشغال العراقيين عن إبداء الرأي الصريح بالعمل الأمريكي الهمجي في أفغانستان، لأنهم على يقين أن العراقيين وحدهم ممكن أن يعترضوا، والأمريكيين لا حاجة لهم بمعرفة معلومات جديدة عن العراق وأهله بعد أن قرأوا كل صفحاته وما بين أسطرها خلال سنوات الاحتلال العجاف، ولكنهم أرادوا للاختبار أن يمر كما هو مخطط له، ومن دون مفاجآت لأن خروج الشارع العراقي قد يغري بعض الشوارع الإسلامية الأخرى إلى تقليده، وبالتالي يترك هذا الحراك أثرا على مجريات الاختبار غير مرغوب فيها.
أما الفائدة التي يرجوها الأمريكيون من هذا الاختبار فهي بالتأكيد تستحق المجازفة بحرق أكثر الكتب قداسة على وجه الأرض، لأنهم تحققوا من سكوت المسلمين عن حقوقهم المضيعة مع علمهم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وان السكوت مرة واحدة يقود إلى السكوت مرات ومرات، ومن يسكت أكثر من مرة عن حقه المضيع وكرامته المهدورة لا حق له في الحياة، ومن تتساوى عنده حياة الكرامة وحياة الذلة والمهانة لا يستحق العيش، وموته أشرف من بقائه حيا. 
فمتى نسمع صرخة الحق مدوية؟ متى نسمعها فقد طال الانتظار؟   
 25/2/2012

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : أبو نهرين ، في 2012/03/03 .

أقتبس من قولك ما يلي :
الأفغاني المغيب الذي تجاوزه الرئيس الأمريكي المغرم بإتباع البروتوكولات والأتكيتات ولم يعره أي انتباه، القضية قضية إسلامية تخص المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتخص عدة ملايين من المسلمين الأمريكيين أيضا، فلماذا يوجه أوباما الاعتذار إلى الحكومة الأفغانية وحدها؟
إن الجواب يكمن في سر صغير وهو أن الاعتذار نفسه جاء جزء من عملية الاختبار،

وأقول : لله درك . جعل الله القرآن لك شافعا يوم القيامة .
ليس فقط سكوت ا لمسلمين عن هذه الاهانة ، بل سكوت الأقلام الإسلامية أيضا وسكوت علماء المسلمين في كل مكان . واعتقد لكونهم مشغولين بهدفهم الأكبر (الشيعة ) .
تحياتي .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14501
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19