قال ابن أبي الحديد في شجاعته (عليه السلام ) : أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ، ذكر من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحرب مشهورة ، تُضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فرَّ قط ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحد إلا قتله ، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية .
ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو بن العاص : لقد أنصفك ، فقال معاوية ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم ، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ، أراك طمعت في إمارة الشام بعدي .
وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته ، وأما قتلاه فافتخار أهلهم أظهر وأكثر بأنه ( عليه السلام ) هو الذي قتلهم ، حيث قالت أخت عمرو بن عبد ودٍّ وهي ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله + بكيته أبدا ما دمت في الأبد
لكن قاتـله من لا نظير لـه + وكان يدعى ابوه بيضة البلد
فلا يمكن أن توصف الشجاعة بأكثر من أنه ما نكل عن مبارز ، ولا بارز أحداً إلا قتله ، ولا فرَّ قطّ ، ولا ضرب ضربة فاحتاج إلى ثانية ، وكان يقول ( عليه السلام ) :
( ما بارزت أحدا إلا وكنت أنا ونفسه عليه ) .
وقيل له : يا أمير المؤمنين ألا تعد فرساً للفر والكر ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أما أنا فلا أفر ومن فر مني فلا أطلبه ) .
|