• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حروب الفرنجه واعادة دورة التاريخ - الحلقه الثالثه .
                          • الكاتب : عبد الكريم صالح المحسن .

حروب الفرنجه واعادة دورة التاريخ - الحلقه الثالثه

www.almohsun.com                                                                                                                                       
لا يملك الباحث إلا أن يقف طويلاَ امام عمق التشابه بين المشروع الفرنجي والمشروع الصهيوني الإسرائيلي، لأن هذين المشروعين هما جزء من المواجهة المستمرة بين الحضارتين في الغرب والشرق العربي، كما أن حملات الفرنجة تعتبر نقطة انطلاق أوربا نحو التوسع وبسط سيطرتها على الخارج. والحقيقه  أن حملات الفرنجة احتوت في كوامنها كل أشكال الإمبريالية الأوربية التي حكمت فيما بعد حياة جميع شعوب الارض. ولهذا، أصبحت حملات الفرنجة الصورة المجازية الأساسية في الخطاب الاستعماري الغربي، وأصبحت ديباجاتها هي نفسها ديباجة المشروع الاسـتعماري الغربي. وقد رأى كثير من المـدافعين عن المشروع الصهيوني، من اليهود وغير اليهود، أنه استمرار وإحياء للمشروع الصليبي أي الفرنجي ومحاولة وَضْعه موضع التنفيذ من جديد في العصر الحديث. فقد ألَّف "كلود ريجنر كوندر Claude Reignier Conder"عام 1897م، وهو صهيوني غير يهودي ومؤسس صندوق استكشاف فلسطينPalestine Exploration Fund ، كتاباً عن تاريخ المملكة اللاتينية في القدس أشار فيه إلى أن الإمبريالية الغربية قد نجحت فيما أخفقت فيه الحملات الصليبية أي حملات الفرنجة. 
والواقع أن هذا التصور يشبه في كثير من الوجوه تصوُّر الصحافة البريطانية وكذلك تصوُّر بعض أعضاء النخبة الحاكمة في بريطانيا بأن هجوم "ادموند هنري هانيمان أللنبيEdmund Henry Hynman Allenby  "على القدس يساوي حملة صليبية أخرى، وقد صرح" ديفيد لويد جورجDavid Lioyd George  "رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، والذي أصدرت وزارته" وعد بلفورالمشؤوم The Balfour Declaration"، "أن ادموند هنري هانيمان أللنبيEdmund Henry Hynman Allenby  شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصاراً." ويمكننا أن نقول إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تم تصميمه بالتوافق مع روح الحملات الصليبيه اي تغيير الشكل والابقاء على المضمون والاهداف .
وقد لاحَظ "روبرت برنارد سولومونRobert B.Solomon " وهو ضابط إنجليزي رأس الاتحاد الصهيوني- البريطاني، أوجه التشابه بين المشروعين الفرنجي والصهيوني في دراسة له نشرها في "جويش ريفيو The Jewish Revirw"عام 1912م تحت عنوان "مستعمرات القرن الثاني عشر في فلسطين" حيث أكد أن المشكلات التي واجهها المستوطنون الفرنجة ونجحوا في التغلب عليها تشبه من نواح كثيرة تلك المشكلات التي تواجه المستوطنين الصهاينة في فلسطين ثم أخذ في تعداد هذه النواحي. كما أشار إلى العوامل التي أدَّت إلى انهيار ممالك الفرنجة بعبارة "المؤثرات الشرقية التي أدَّت إلى الانحلال" ليحذر المستوطنين الجدد منها. وسنحاول حَصْر جوانب الشبه بين التجربتين الفرنجية والصهيونية، وتصنيفها تحت رؤوس موضوعات قد تكون متداخلة ولكنها مع هذا تيسر لنا عملية تقسيم هذه الأوجه والتعامل معها.
 
نقطة التشابه المهمه هي ذات طابع جغرافي ففلسطين لانها النقطة المستهدفة في كلا المشروعين الفرنجي والصهيوني. ويبدو أن فلسطين مستهدفة دائماً من صناع الإمبراطوريات إذ أنها تتعتبر مفتاحاً أساسياً لآسيا وأفريقيا، وتعتبرُّ معبراً على البحر الأحمر والبحر الأبيض، وتقف على مشارف الطرق البرية التي تؤدي إلى العراق وإيران، وهي أيضاً معبر أساسي لشطري العالم الإسلامي. وفلسطين في واقع الأمر ليست سوى جزء من ساحل طويل يضم سوريا ومصر، يشكل فاصلاً بين البحر المتوسط في الغرب والمحيط الهندي في الشرق. ويعتبر هذا الموقع، فاصلاً بين مراكز النشاط في أوربا الغربية والشرق الأقصى. كل هذا يبين تشابك المصير بين سوريا ومصر من جهة وفلسـطين من جهـة أخرى، وخصوصاً أن كثافة مصر السـكانية جعلتها دائماً المرشـحة لقيادة المنطقة بأسـرها في صراعها ضـد الغـزوات الغربية، ويلاحظ أن كلاًّ من المشروعين الفرنجي والصهيوني اكتشف أنه لحسم الصراع لصالحه، فلابد من ضرب مصر أو على الأقل تحييدها وهذا يتم من خلال فعلين اما من خلال الفعل العسكري او من خلال تآمر حكامها وتواطئهم ولك ان تتصور كم اثرت فترة حكم الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك على قضية فلسطين وكيف عمل بالتعاون مع بعض الانظمه الرجعيه والمتشابكة المصالح مع الغرب في محاولة تفتيت الوجدان العربي والاسلامي ازائها .
 والواقع أن الغزاة الاستيطانيين عادةً ما يسلكون طريق البحر، ثم تستقر الجيوب الاستيطانية على الساحل أو تحتفظ بركيزتها الأساسية فيه كما حدث في جنوب أفريقيا والجزائر. وكذلك، فإن الغزوتين الفرنجية والصهيونية سلكتا الطريق البحري نفسه واحتلتا أجزاء من نفس الشريط البحري، وإن كان الشريط الذي احتله الفرنجة أكثر طولاً من الشريط الذي احتله الصهاينة.وهو مايبين طبيعة نشابه التكتيكات وتماثلها. 
ومن نقاط التشابه الأخرى أن المشروعين الفرنجي والصهيوني مشروعان استعماريان من النوع الاستيطاني الإحتلالي، فالمشروع الفرنجي كان يهدف إلى تكوين جيوب بشرية غربية وممالك فرنجية تدين بالولاء الكامل للعالم الغربي. ولذا، لم تأت الجيوش وحسب، وإنما أتى معها العنصر البشري الغربي المسيحي ليحل محل العنصر البشري العربي الإسلامي. وهو في هذا لا يختلف عن المشروع الصهيوني إلا في بعض التفاصيل. فغزو فلسطين تم أولاً على يد القوات البريطانية، ثم حَضَر المستوطنون الصهاينة بعد ذلك بوصفهم عنصراً يقوم بالزراعة والقتال. وقد كانت المؤسسات الاقتصادية للفرنجة، مثلها مثل قرينتها الإسرائيلية، تتسم بطابع عسكري. كما أن التنظيم الاقتصادي التعاوني لم يكن مجهولاً لدى الفرنجة. ويمكن القول بأن دويلات الفرنجة، مثلها مثل الدولة الصهيونية، كانت ترسانات عسكرية في حالة تأهب دائم للدفاع عن النفس وللتوسع كلما سنحت لها الفرصة. ويُلاحَظ أن كلاًّ من ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية، بسبب طبيعتها الإحتلالية، خلقت مشكلة لاجئين. 
 
لااخفيكم سراَ اذا ماقلت لكم ان الموضوع شائك ويستدعي استحضار كل المراحل التاريخيه على بساط البحث والتي لها صله او تقارب لكي نتمكن من الاحاطه بالموضوع من ابلغ جوانبه.ففي 28 حزيران/ يونيو من عام 1919م  الساعه الثالثه بعد الظهر ازدحمت قاعة المرايا في قصر فرساي- فرنسا (النورمان)برجال الدوله والرؤساء ورؤساء الوزارات والمارشالات فبعد اربعة اعوام من الجهود انتهت الحرب العالميه الاولى وهاهي المانيا ستوقع معاهدة الصلح بعد ان اصبحت مغلوبه على امرها ،دخل "جورج بنجامين كليمنصوGeorges Benjamin Clemenceau"القاعه وسط الهتافات وهو يصافح مشوهي الحرب ويقول لهم "لقد تعذبتم كثيراَ،وهذه هي مكافأتكم"جلس كليمنصو وسط طاوله مستطيله الشكل وعن يمينه رئيس الولايات المتحده الامريكيه"ويلسون"والى يساره "لويد جورج"رئيس الوزاره الانككليزيه اما مكان "المارشال فوشMarshal Foch"رجل فرنسا الاعظم وقائد جيوش الحلفاء فقد بقي خالياَ لانه لم يكن يوافق على نص المعاهده التي لاتتضمن سلامه فرنسا على حد قوله ،دقت الساعه الثالثه ودخل وزير خارجيه المانيا الجديد"هرمان مولر"شاحب الوجه مرتدياَ "الردنجوت"وهي بدله سوداء ذات شكل مميز تصنع من الصوف الراقي ،وفجأة ظهرت الشمس فأضاءت السطوح وممرات الحدائق وتسربت الى قاعة المؤتمر فكستها المرايا من جميع الاطراف واعمت عيون المؤتمرين بوجهها الساطع وبصوت منخفض ناجاها كليمنصو قائلاَ:"ايتها الشمس،ياشريكة المنتصرين ،ياشمس اوسترلتز،وشمس المارن،لازالت امينه على عهدنا وفية لنا فأدفئي قلوبنا وارض فرنسا العتيده الى الابد"لقد مان التغطرس والنشوه واضحة المعالم على وجهه وبدأ مدير البروتكول ينادي رؤساء الوفود الذين وقعوا جميعاَ نصوص المعاهده وملحقاتها . في الساعه الثالثه والدقيقه الخمسين انتهى جميع الوزراء من التوقيع وقصفت مدافع النصر وسط الهتافات منسجمه مع كلمات كليمنصو :"ايها الساده ان توقيع شروط الصلح بين الدول الحليفه والحمهوريه الالمانيه اصبح امراَ واقعاَ،وقد استقرت خريطة العالم المتحرر على شكلها الجديد بصوره نهائيه اني اعلن رفع الجلسه"وفي الخارج كانت الجماهير تهتف بحياة ثلاثي النصر كليمنصو وويلسون ولويد جورج. لقد استطاع الممولون الدوليون ـ باختفائهم وراء بنود معاهدة فرساي ـ التحكم بإعادة بناء الجيش الألماني، وإعادة تحسين اقتصاديات البلاد والحقيقه فقد سيطرهؤلاء الممولون الدوليون على مؤتمر السلام الذي عقد في باريس والذي انتهي بمعاهدة فرسايTreaty of Versailles  والبرهان على ذلك واضح،وهو أن رئيس الوفد الأمريكي كان "بول واربورغPaul Warburg " الممثل الرئيسي لمجموعة المرابين العالميين في أمريكا، ولم يكن رئيس الوفد الألماني سوي شقيقة "ماكس واربورغ Max Warburg" ويقول "الكونت دي سانت أولاير Count de Saint Olayr ": "إن الذين يبحثون عن الحقيقة في غير الوثائق، يعرفون أن الرئيس ويلسون، الذي تم انتخابه كرئيس للجمهورية بعد أن موّله البنك الأكبر في نيويورك (كوهن ـ لويبCohen-Loeb Foundation ) كان يسير تحت إرشادات وأوامر هذا البنك". أما الدكتور ديلونDr.Dillon  فيقول "اليهود هم الذين وجهوا مؤتمر السلام هذا التوجيه، واختاروا فرساي في باريس ليحققوا برنامجهم بدقة، والذي نفذ حرفيا". وعندما بدأت المحادثات التمهيدية للمؤتمر، كان المستشار الخاص للسيد كليمنصو ـ رئيس وزراء فرنسا ـ هو المسيو مانديل" ولم يكن هذا في الحقيقة إلا اسما مستعارا لأحد أفراد آل روتشيلد"، وكان هناك أيضا المستر هنري مورغنزاو Henry Morgenthauـ أحد أفراد الوفد الأمريكي ـ وهو نفسه والد الرجل الذي أصبح فيما بعد السكرتير المالي للرئيس روزفلت، وحضر أيضا تلك المحادثات المستر أوسكارلا ستراوس، الذي عرف بتنبيه الشديد لمخطط الممولين، والذي كان له دور بارز في تكوين عصبة الأمم. وبشأن هذه المعاهدة أيضا، يقول السيد لوسيان وولف Lucien Wolf  في الصفحة 408 من "دراسات عن تاريخ اليهود": "وهناك مجموعة صغيرة أخري من اليهود البارزين تظهر تواقيعهم علي معاهدة السلام، فقد وقع معاهدة فرساي عن فرنسا" لويز كلوتزLouis Lucien Klotz  "ـ الذي تورط فيما بعد بقضية مالية واختفي عن الأنظار ـ وعن إيطاليا البارون سومينو، ومستر أدوين مونتاغEdwin Samuel Montagu  عن الهند".
 
يذكر المؤرخ والدبلوماسي الإنكليزي الشهير هارولد نيكلسون Harold Nicolsonفي مؤلفه الضخم "صنع السلام 1919 ـ 1944" صفحة 244 أن لوسيان وولف طلبا منه شخصيا أن يتبني رأيه، وهو أن اليهود يجب أن يتمتعوا بحماية عالمية، وأن يتمتعوا في الوقت نفسه بكل حقوق المواطن في أية دولة. ويقول الكاتب الفرنسي جورج باتو، في كتابه "المشكلة اليهودية" ص38: "إن المسؤولية تقع علي عاتق اليهود الذين أحاطوا بلويد جورج وويلسون و كليمنصو ".
ونعود إلى مؤتمر فرساي، لنرى مشاهد أخرى من سيطرة الممولين، الدوليين وذلك بحادثة معروفة جرت خلال المحادثات التمهيدية للمؤتمر، فالظاهر أن هذه المحادثات بدأت تميل إلي سياسة لا يرضي عنها الممولون، لأن برقية مكونة من ألفي كلمة أرسلها "يعقوب شيف" من نيويورك إلي الرئيس ويلسون، الذي كان يحضر المؤتمر في باريس، وقد تضمنت هذه البرقية تعليمات للرئيس بشأن ما سيفعله بكل من قضية فلسطين ومصير الانتداب فيها، وبشأن التعويضات الألمانية وقضية سيليسيا العليا ومنطقة السار وممر دانزينغ.. وأرخت البرقية بتاريخ 28 أيار/مايو 1919م، وقد أرسلها شيف باسم اتحاد الأمم المتحررة.
بعد استلام البرقية، غيّر الرئيس ويلسون موقفه فجأة، وأخذت المفاوضات تجري مجرى آخر.. بهذا الصدد يقول الكونت دي سانت أولاير: "إن النصوص التي تضمنتها معاهدة فرساي فيما يتعلق بالقضايا الخمس الرئيسية، هي من وضع يعقوب شيف وأبناء جلدته".
بعد أن دُفعت الدول الحليفة لجعل فلسطين محمية بريطانيا، أعلم الممولون الدوليون عملاءهم أن بنود المعاهدة ستكون قاسية جدا، بشكل لا يمكن أن يتحمله الشعب الألماني طويلا.. وكان هذا جزءا من المخطط الذي يرمي إلي زيادة حقد الشعب الألماني ضد الإنكليز والفرنسين والأميركيين واليهود، ليكونوا علي استعداد للحرب من جديد لاستعادة حقوقهم المشروعة.
وبالنسبة لمسودة الانتداب البريطاني علي فلسطين، فإن تخطيطها كان على يد البروفسور فيلكس فرانكفورترFelix Frankurter، الصهيوني الأمريكي البارز، الذي أصبح فيما بعد المستشار الأوّل في البيت الأبيض، في عهد الرئيس روزفلت ،وساعده في ذلك كل من السير هربرت صاموئيل والدكتور فيويل والمستر ساشار والمستر لاندمان والمستر بن كوهن والسيد لوسيان وولف ـ الذي كان تأثيره كبيرا جدا علي المستر دافيد لويد جورج، ويقال إنه كان يملك جميع أسرار شؤون بريطانيا الخارجية.
 عندما زار ونستون تشرشل فلسطين في آذار/مارس 1921م، طلب مقابلة وفد القادة المسلمين، ولما قابلهم عرضوا له خشيتهم من الهدف الذي تعمل له الصهيونية السياسية، وهو الاستيلاء علي فلسطين واستغلال أراضيها لمصلحة اليهود، وبينوا له أن العرب يعيشون في تلك الأرض منذ أكثر من ألف سنة ((هذا أشبه بأن نقول إنّ المصريين يعيشون في مصر منذ ألف سنة، هذه أرض الفلسطينيين يعيشون فيها منذ القدم، وبقدوم العرب دخلوا الإسلام وتكلموا العربية، مثلهم مثل باقي دولنا))، وطلبوا منه استخدام نفوذه لرفع هذا الظلم.. وقد نقل عنه قوله: "أنتم تطلبون مني أن أتخلي عن وعد بلفور، وأن أوقف الهجرة اليهودية.. وهذا ليس في طاقتي، كما إنني لا أرغب فيه.. نحن نعتقد أنه لخير العالم واليهود والإمبراطورية البريطانية والعرب أنفسهم أيضا.. ونحن ننوي أن نحقق هذا الوعد".
نظراً للتشابه بين المشروعين الفرنجي والصهيوني، ونظراً لأن كليهما اتخذ فلسطين ساحة لتنفيذ أحلامه، نجد أن الوجدان الصهيوني منشغل إلى أقصى حد بالمشروع الفرنجي، وخصوصاً أن الفرنجة قد رحلوا ولم يتركوا شيئاً خلفهم سوى بعض القلاع التي يزورها السائحون ويدرسها علماء الآثار من الإسرائيليين والعرب. ويحاول الدارسون الصهاينة أن ينظروا إلى مشروع الفرنجة من منظور ما يسمونه "التاريخ اليهودي" وكأن حملات الفرنجة جُرِّدت بالدرجة الأولى ضد اليهود، تماماً مثلما يمنحون الجماعات اليهودية مركزية في كل الأحداث التاريخية. وتتحدث الكتابات الصهيونية الإسرائيلية عن ضحايا حملات الفرنجة وكأنهم الضحايا الوحيدون، بل تدَّعى بعضها دوراً يهودياً مستقلاًّ في صد الفرنجة، وهو الأمر الذي يتنافى تماماً مع حقائق التاريخ، ومع ما ورد في كتابات بعض الرحالة اليهود المعاصرين مثل بنيامين التويطلي، فإن مدينة صور كانت (في عام 1170م) تضم خمسمائة يهودي على حين كانت كلٌّ من عكا وقيصرية تضم مائتين، وكانت عسقلان تضم مائتي يهودي حاخامي. وتشير موسوعة التاريخ اليهودي إلى أن هذه هي الجماعات اليهودية الكبيرة، ويذكر العالم اليهودي الإسباني موسى بن نحمان (نحمانيدس) أنه وجد في القدس عام 1267م يهوديين اثنين فقط.
ولكن أهم جوانب الاهتمام الصهيوني الإسرائيلي بالكيان الفرنجي هو دراسته من منظور الصراع العربي الإسرائيلي، بمعنى عَقْد الدراسات المقارنة في مشاكل الاستيطان ومشاكل الموارد البشرية والعلاقات الدولية فضلاً عن محاولة فَهْم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت بالكيان الفرنجي. وهناك من يهتم بدراسة المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للكيان الفرنجي، ومن يهتم برصد العلاقة بين هذا الكيان والكيان الأوربي المساند له. وقد وجَّه فريق من الباحثين اليهود اهتمامه لدراسة مشكلات الاستيطان والهجرة.ولكن الاهتمام لا يقتصر على الدوائر الأكاديمية، فنجد أن شخصيات سياسية عامة مثل رابين وديان وأفنيري يهتمون بمشاكل الاستيطان والهجرة. ففي سبتمبر 1970م، عقد "إسحق رابين مقارنة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية حيث توصَّل إلى أن الخطر الأساسي الذي يهدد إسرائيل هو تجميد الهجرة، وأن هذا هو الذي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها. ويعقد أفنيري في كتابه إسرائيل بدون صهيونية (1968م) مقارنة مستفيضة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية. ولكن أفنيري يخلص إلى أن المقارنة درس لابد أن يتعلم منه الصهاينة، فإسرائيل مثل ممالك الفرنجة مُحاصَرة عسكرياً لا لأن هذا هو المصير الموعود (الذي لا مفر منه) كما يتصور بعض الصهاينة، وإنما هي مُحاصَرة عسكرياً لأنها تجاهلت الوجود الفلسطيني ورفضت الاعتراف بأن أرض الميعاد يقطنها العرب منذ مئات السنين.وقد عاد أفنيري إلى الموضوع، عام 1983م، بعد الغزو الصهيوني للبنان، في مقال نشر في "هاعولام هزه" بعنوان "ماذا ستكون النهاية" فأشار إلى أن ممالك الفرنجة احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية، وأن الفرنجة كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام، لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة. وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من المستوطنين، الأمر الذي يعني أن ممالك الفرنجة لم تفقد قط طابعها الاستيطاني. كما أن المؤسسة العسكرية الاقتصادية للفرنجة قامت بدور فعال في القضاء على محاولات السلام، فاستمر التوسع الفرنجي على مدى جيل أو جيلين. ثم بدأ الإرهاق يحل بهم، وزاد التوتر بين المسيحيين الفرنجة من جهة وأبناء الطوائف الشرقية من جهة أخرى، الأمر الذي أضعف مجتمع الفرنجة الاستيطاني، كما ضعف الدعم المالي والسكاني من الغرب. وفي الوقت نفسه، بدأ بعث إسلامي جديد، وبدأت الحركة للإجهاز على ممالك الفرنجة، فأوجد المسلمون طرقاً تجارية بديلة عن تلك التي استولى عليها الفرنجة. وبعد موت الأجيال الأولى من أعضاء النخبة في الممالك، حل محلهم ورثة ضعفاء في وقت ظهرت فيه سلسلة من القادة المسلمين العظماء ابتداءً من صلاح الدين ذي الشخصية الأسطورية حتى الظاهر بيبرس. وظل ميزان القوى يميل لغير صالح الفرنجة، كما لم يكن هناك ما يوقف هزيمتهم النهائية. وقد ترك هذا الحدث التاريخي بصماته وآثاره في وعي شعوب المنطقة حتى اليوم.
والواقع أن اهتمام المستوطنين الصهاينة بممالك الفرنجة تعبير عن إدراك اولي لطبيعة دورهم في المنطقة كدولة وظيفية تكون مجرد أداة في يد قوى عظمى خارجية، وهو إحساس يشوبه قسط كبير من القدرية والعدمية الناجمة عن إحساس الأداة بأنها لا تمتلك ناصية أمورها ولا تسيطر على مصيرها أو قدرها.
احتلت فلسطين منذ العام 1948م ولازالت ترزح تحت براث الاحتلال الصهيوني لها وقامت اسرائيل على ارضها ولم تكف عن اعمالها العدوانيه وارتكاب ابشع المجازر بالشعب الفلسطيني بهدف اقتلاعه من ارضه وطمس الهويه الوطنيه والقوميه للشعب الفلسطيني هذا من جانب وارهاب شعوب المنطقه وقهرها من جانب اخر كل هذا وذاك من اجل وجودها اللاشرعي ومن ان اجل ان تتحاشى المصير الذي آلت اليه الممالك والامارات التي اقامتها حملات الفرنجه في بلاد الشام وفلسطين.
وبالرغم من ان اسرائيل قد ولدت ولاده غير شرعيه مثلما كانت ولادة الممالك والامارات الفرنجيه ،الا انها مازلت تستمد قدرتها على الاستمرار والوجود من خلال الحاضنه الامريكيه التي مازالت تمدها بكل اساليب الحياة ،وبالرغم من انها تمتلك الاله الحربيه الكبيره الا انها لاتستطيع العيش في حالة اخراجها من الحاضنه الامريكيه وذلك بسبب الوسط الجغرافي والثقافي والبشري والحضاري الذي زرعت فيه وهي لاتمت اليه باي صله فهي غريبه عنه لهذا فان الوسط الذي زرعت فيها يلفظها ويقاوم وجودها ،واذا كانت اسرائيل ترى في الفرنجه الغزاة القدوه لها فان الفرنجه احتلوا المشرق العربي حوالي قرنيين من الزمان (1095-1291م)فانهم فشلوا في الابقاء على مستوطناتهم رغم الدعم اللامحدود من ملوك وامراء الفرنجه وبالرغم من اسرائيل حافظت على وجودها بالقوه العسكريه لكن الى متى يمكن ان تستطيع المحافظه على هذا الوجود في ظل التطور في المواقف العربيه من خلال تغيير الانظمه العربيه التي كان لها الفضل الاكبر في ان تنعم اسرائيل طيله فترة حكمهم بالبقاء والتمدد ، يقول بعض الخبراء الاستراتيجيين "ان اسرائيل قد تظل متفوقه ولكن المنطق وقانون المعدلات يوحي بأن اسرائيل الصغيره المحاطه بكتله بشريه هائله من العرب ستفقد في وقت ما تفوقها " ويقول انطوان بطرس في مشكلة اسرائيل بين امثولة التاريخ وبرامج البقاء في مجلة شؤون فلسطينيه العدد 22 حزيران/يونيو 1973م ص21 : ان قادة اسرائيل لم تغب عن ذاكرتهم المآل التي آلت اليه الامارات والممالك التي اقامها الفرنجه بحد السيف فالجنرال اسحق رابين أدهش مستمعيه في الخطاب الذي القاه في ايلول /سبتمبر 1967م في احتفالات الذكرى السبعين لانعقاد المؤتمر الصهيوني الاول حينما شبه اسرائيل بالدوله الصليبيه وقال :" ان اكثر ما يخشاه على اسرائيل هو ان تذبل اذا اصابها جفاف الهجره كما حصل الامر مع الدوله الصليبيه" .
اعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من فلسطين في 15 ايار/مايو 1948م وبانسحاب بريطانيا في الموعد المحدد اعلن دافيد بن غوريون في الساعه الرابعه بعد ظهر يوم الجمعه 14 ايار /مايو 1948م قيام "اسرائيلطوبعد عشر دقائق من اعلان قيامها اعترف بها الرئيس الامريكي "هاري ترومان"وتوالت الاعترافات من الفرنجه والنورمان ومن دار بفلكهم وازاء هذا الوضع دخلت خمس جيوش عربيه لنصرة فلسطين والحفاظ على امن الدول العربيه من الخطر الصهيوني  وبالرغم من عدم التنسيق وضعف التخطيط الا انها وبدعم من المقاتلين من اهل فلسطين والمتطوعين العرب فقد استطاعت ان تربك القوات الصهيونيه بل ان مناحيم بيغن وصف ماآلت اليه الامور بقوله:"تواردت الانباء من جميع المدن والمستعمرات اليهوديه ان الشعب اليهودي اصابه الخوف،فجعل الشعب اليهودي يقوم بالمظاهرات داعياَ الى انهاء الحرب بأي ثمن"مما حدى بالقاده الصهاينه الى الاستنجاد بحلفائها الصليبيين الاستعماريين فسارعت بريطانيا  الى اقتراح هدنه بين الطرفين فوافق مجلس الامن على قرار الهدنه وقبول جامعه الدول العربيه بها ان اكبر خطأ كان هو موافقة العرب على الهدنه فقد منحتهم الهدنه لتنظيم قواتهم ونظمت اجهزة دفاعاتها وضربت الهدنه عرض الحائط وعاودت القتال في 9 تموز /يوليو 1948م مستغله حالة الفوضى والارتباك من الجانب العربي وهكذا كلما مرت هدنه بين العرب والكيان الصهيوني كلما فقد العرب جزء من انجازاتهم او اراضيهم . وتحولوا إلى أميركا ، ألم يكن الاكتشاف المذهل الذي توصل إليه "منسي بن إسرائيل" صديق كرمويل الصدوق حاخام امسترادام ، هو أن اسباط "إسرائيل" العشرة عندما فقدت وجدت طريقها بشكل ما إلى أمريكا وأن اليهود الحمر كانوا سلالتها، لكن الحقائق بالنسبة إلى أمريكا تفيد أن انتمائها الإنضوائي للصهيونية بدأ قبل ظهور الحركة الصهيونية يهودياً بوقت طويل. فهذا العناق الحميم بين الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" وهذه العلاقة الخاصة والغريبة شكّلها -منذ أول لقاء بين أمريكا واليهود- الإيمان القوي بأن القضية بين اليهود وأميركا قضية مشتركة ، وهو العمل على إعطاء اليهود وطناً يؤخذ لهم من غيرهم... كما أن تَأصُّل الصهاينة في روح أمريكا كأمة وشعب وكمكون أساسي سبق صهيونية اليهود ، بل ومهّد الطريق إليها بقوة أشد من صهيونية اليهود، جعلت الصهيونيين المسيحيين الأمريكيين يسبقون بوقت طويل الإستيطان اليهودي لفلسطين بمحاولات استيطان قاموا بها عملاً على التعجيل بتجميع شعب الله المختار من الشتات في الأرض الموعودة تحقيقاً لمخطط الله للعالم.
 
نحن فيما تقدم كنا قد تطرقنا الى اوجه الشبه بين حملات الفرنجه واسرائيل (اي الصهيونيه) في المسارات وكذلك قدمنا التاريخ واحداثه لكي نتمكن من ان نميز ونلاحظ المتشابهات المساريه وأسلوب قيام تلك الحملات ومنابع ومنطلقات قيام اسرائيل وفق المنهجيه التاريخيه والدينيه للسرد، لكن لم يكن هذا الهدف النهائي من البحث فما احتلال فلسطين الا المرحله الاولى من "المجال الحيوي" نحو قيام "اسرائل الكبرى" وسنتناول فيما تبقى من البحث المراحل والمخططات لقيام "اسرائيل الكبرى " والاستراتيجيات وتحليل "المجال الحيوي "الذي يسعون الى خلقه من خلال القوه الصلبه والقوه الناعمه واحداث التغيرات الاساسيه في البنيه السياسيه للوطن العربي واساليب وآليات تنفيذ هذا المشروع الآنيه والمستقبليه . 
ان جوهر الاستراتيجيه الامريكيه التي هي محور الاستراتيجيه الغربيه هو السيطره على المنطقه لاهميتها البتروليه ولآحكام هذه السيطره اتجهت الولايات المتحده الامريكيه  والمعسكر الغربي كله الى الدفاع عن الكيان الصهيوني وتثبيت وجوده باعتباره قاعده حيويه جداَ للأمبرياليه العالميه واستغلال الاقليات القوميه والدينيه لأثارة الفوضى وعدم الاستقرار في الوطن العربي واشغاله داخلياَ واثارة المشكلات بين مكونات الوطن العربي واحكام السيطره على البترول بالشكل الذي يحقق مصالحها ويبقي تحالف اوربا واليابان معها قائماَ على اساس الحاجه الواقعيه لما توفره السياسه الامريكيه من ضمان لامداداتها من البترول ، وان السيطره على الوطن العربي تعني السيطره على البحار التي يشرف عليها وبصوره خاصه البحر المتوسط وامكان المناوره البحريه في مياهه وتبرز اهمية البحر المتوسط ايضاَ على اعتبار انه نقطة الاتصال بين الشرق وعالم المحيط الهندي وقارة اوربا وكذلك باعتباره اهم مسالك سفن البترول العالميه ومصباَ لانابيب البترول الاتيه من العراق والخليج العربي ولايمكن السيطره على المنطقه العربيه من دون ان يكون مسند تستند اليه في كل مايمدها بمصادر السيطره لذلك لم يكن افضل من الصهيونيه لها موقع قدم بعد ان مكنته من احتلال فلسطين .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14440
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28