• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فسادُ آلمانيا أنزهُ مِنْ أمانتِنا .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

فسادُ آلمانيا أنزهُ مِنْ أمانتِنا

"بعد سلسلة فضائح ، الرئيس الالماني يعلن استقالته" بهذا المانشيت العريض تناقلت وسائل الاعلام العربية المعتبرة جدا !!! نبأ استقالة الرئيس الالماني كريستيان ولف  من منصبه . طبعا من يقرأ عنوان الخبر يظن انه سيعثر على ما يبيّض وجوه مسؤولينا على ما اقترفوه من موبقات وفساد ، لكنه ما ان يصل الى الكلمة الاخيرة منه سيتأكد له مدى تفاهتنا اعلاما ومسؤولين معا . "كل القصة وما فيها" كما تقول الاغنية المصرية القديمة ، ان الرئيس المستقيل يُشتبه بحصوله على قرض عقاري لبناء بيت له من صديق عندما كان حاكما لولاية سكسونيا الجنوبية ، ثم انه اتصل برئيس تحرير احدى الصحف الالمانية وقال له : "هذا الخبر يجب الا ينشر". الامر الذي اعتبر تهديدا صارخا لحرية صاحبة الجلالة السطة الرابعة ، وقيل انه اعتذر لصاحب الجريدة فيما بعد .  الا يكفي هذا الرئيس نزاهة انه ، يسعى الى بناء بيت له وهو في سدة الرئاسة بعد سنوات طوال امضاها متصديا لمسؤوليات رسمية اخرى . ثم الا يكفيه بعد ذلك نزاهة ، انه لم يجد طريقا لبناء بيته سوى الحصول على قرض عقاري سيسدده مع فوائده الى اخر فلس ان شاء ان يُبقيَ على بيته . الا يكفيه نزاهة انه وهو رئيس واحدة من اعظم دول المعمورة ان يتصل بنفسه بصاحب الصحيفة ويقدم اعتذاره عما بدر منه في ساعة غضب .  اليس حسبه نزاهة انه خرج على الهواء مباشرة قائلا ان ثقة الشعب الالماني به اهتزت بسبب ما اعتبره اخلالا بالمنصب . مشكلتنا - كاتب هذه السطور في المقدمة - اننا نسقط ما يحدث في الخارج على مقاييس منظومتنا العربية البائسة . ما اراه الان نزاهة ، يراه اي مواطن الماني طعنة نجلاء في الثقة التي منحها لرئيسه ، ولا يعفي هذا الرئيس ان منصبه شرفي لا يمنحه صلاحية حتى "حَلْ رجل دجاجة" كما يقول الماثور العراقي . فالعقد والحل بقضه وقضيضه بيد "اللهلوبة" انجيلا ميركل التي لا شيء فيها يشبه النساء ، وهذه ايضا تخضع قراراتها وانشطتها لمراقبة لصيقة من البرلمان والحزب ما يجعلها تحسب الف حساب لاصغر خطوة تخطوها . وما دام الحديث عن انجيلا ميركل ، فلا ارى باسا في ذكر هذه المفارقة الجميلة التي مرت بي العام الماضي عندما "حبكت" في راسي فكرة زيارة مقرها المحاذي لنهر برلين "اظنه سبراي" والقريب جدا من مبنى البرلمان الفخم "البوندستاغ". ليلتها كتبت لها رسالة بخط النسخ وصممت لها غلافا جميلا وبكل جنون تأبطت في اليوم التالي رسالتي متوجها الى مكتب السيدة الحديدية . المسطحات الخضراء التي يجب ان تـُقطع مشيا على الاقدام كانت زاخرة برجال الامن، او هكذا كان يخيل لي كعراقي مغروز في خاصرته الهاجس الامني منذ حلت كارثة حزب البعث على بلاده . في كل خطوة كنت اقترب بها من المكتب الجميل كان كل عضو من اعضاء جسدي يصرخ ويقول : لماذا لا تعتقلوني وانا اقترب من مكتب اعلى سلطة تنفيذية في بلدكم . ووصلت المكتب دون ان يزاحمني احد من العالمين ، وسلمت الرسالة لرجل الاستعلامات طالبا منه ان يسلمها للمستشارة ، وكنت احسبه انه سيسخر مني ومن طلبي وانه سيلقي بالرسالة في اقرب سلة مهملات ما ان اغادر الاستعلامات . لكنه فاجأني بجديته : هل رسالتك مستعجلة ام عادية ؟ فاجبته انها عادية ، وانا في داخلي مؤمن تماما انها لا تستحق حتى توصيف عادية . بعد مرور شهرين تقريبا على عودتي من ذلك البلد النزيه ، اخبرتني ابنتي بوصول مظروف بريدي يزينه العلم الالماني بالوانه الفلسفية الجميلة ، وفوجئت عندما فتحته بانه مكتوب باللغة الالمانية التي لا اعرف منها الا كلمة المانشافت . ولما كان موقع "غوغل" للترجمة هو المنقذ من الضلال في مثل هذه الحالات العصيبة ، فقد فهمت ان الرسالة هي من السيدة ميركل وانها "عاجزة عن التعبير عن اعتزازها بسائح يقطع آلاف الكيلومترات ليطـّلعَ على مظاهر التقدم في بلادها" . مثالان بقدر ما هما بسيطان ، فهما صارخان يدلان على عظمة المانيا وسر تقدمها . رئيس يستقيل بسبب قبوله قرضا عقاريا ليبني له بيتا، ومستشارة تعمل اكثر من خمس عشرة ساعة يوميا ، ترد على رسالة سائح لم يزد في المانيا خردلة . ترى كيف سيتعامل المواطن الالماني اذا كتب له - لا قدر الله - العيش في بلداننا المنهوبة المنهوكة ؟ ارقام الفساد في بلداننا العربية وطبعا كلها اسلامية ، يهرم منها الكبير ويشيب فيها الصغير . ويكفي ان تطلع على ثروة اي امير من الامراء او وزير من الوزراء او سفير من السفراء ، لتـُملأ رعبا وتوليَ فرارا، لا حول لك ولا قوة . لكن الامل كل الامل ، معقود بالله وبنسائم الربيع العربي الفتي الذي دخل عامه الثاني . والغيب وحده مطلع على ما يخفيه هذا الربيع من قرة عين للبلدان المؤمنة ، فعساه ان يدفع باولياء امورها القادمين الى الاقتداء بنزاهة البلدان الكافرة ، والتي يبدو انها سبقتنا بقرون الى قراءة عهد الامام علي "عليه السلام" لمالك الاشتر عندما ولاه مصر المحروسة ، فاصبح ما عند هذه البلدان من الفساد ، يشرّف ما عندنا من " نزاهة " مرقعة ، تسعى الذقون المسدلة ومسبحاتُ التقوى ومسوحُ الوقار اخفاءَ حقيقتِها المرعبة عن الملأ



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14348
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19