• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة قصيدة وقصيدتها .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الحكيم .

قصة قصيدة وقصيدتها

اعظم الله اجورنا واجوركم بمناسبة ذكرى استشهاد الامام الكاظم باب الحوائج (ع).

لقد اعاد لي خزين ذكرياتي المؤلمة في ذكرى يوم شهادته وهو يوم اعتقالي واسرتي من قبل النظام البائد قصيدتي التالية وقصة نظمها.

في الذكرى السنوية الثامنة لاعتقالي والعشرات من أفراد أسرتي (آل الحكيم) مساء يوم 9/5/1983 م الموافق ليوم 25/ رجب/ 1403 هـ في يوم ذكرى استشهاد نزيل الطوامير المظلمة الإمام الكاظم عليه السلام راهب آل محمد، دون توجيه تهمة ولا صدور مذكرة قضائية، وبعد سنوات من حملة إعدام جماعية، وتعذيب ممض في سجون البعث المظلمة، كان كل ذنبي فيها وفق وثيقة رسمية أني " من أسرة آل الحكيم"٠
قادنا سجانونا الغلاظ من سجن قاس الى سجن، حتى أودعونا أخيرا في سجن أبي غريب / صدام، لتجثم على صدورنا فواجعه ومواجعه السود لسنوات ممضة وسنوات. 
ثم وفي بحر يوم 25 رجب من سنة 1411هـ الموافق ليوم 10-2-1991م يوم الذكرى السنوية الثامنة لاعتقالنا الظالم، ومن باحة هذا السجن الملبد بعذابات الأبرياء، وصرخات المشنوقين،وأنا مستلق على أرضه الإسمنتية القاسية، فجأة داهمني خاطر غريب، تمحورت رؤاه حول حلم مستطرق عابر، لم أمهله هذه المرة ليعبر كما تعبرالأحلام المسافرة عجلى في مخيلة سجين رأي بريء، ولم أدعه يودّع كما يودّع ابن سبيل سبيله، بل تعلقت به تعلق غريق بقشة، أقلّبه ويقلبني، وأجاذب أذيال رؤاه ويجاذبني، فيستقر على هيأة سؤال ملح مشاكس ملحف ليقول: ترى لو قدر لهذه لأقفال المغلقة الممهورة بإحكام، وسط دهاليز الممرات الملتوية في سجن أبي غريب سيء الصيت أن تفتح لك من بابها الأولى الفاصلة بينك وبين الحرية اثنتي عشرة بابا أخرى موصدة، لتجد نفسك فجأة وسط الطريق السريع الفاصل بين مدينة أبي غريب والعاصمة بغداد، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، ذاهلا مدهوشا، تلتفت يمنة ويسرة، تطيل التحديق خلفك لبوابة سجنك الصماء ، خوف أن يدهمك سجانوك بفوهات بنادقهم وحرابهم، فجأة مثلما اعتقلوك، حينذاك أين ستكون وجهتك وأنت حر طليق،؟
 والى أين ستقودك قدماك التي لم تعد تألف المشي بعد سنوات من اعتقالها بين جدران غرف سجنك المقفلة؟ الى أين ستذهب وأنت تحث الخطى على طريق أبي غريب عبرالكاظمية فبغداد في يوم الذكرى السنوية الثامنة لاعتقالك الوحشي هذا؟
 الى أين ؟
 ثم الى أين ستحملك قدماك المتعبتان وأنت تجرهما جرا عنيفا، بحذائك الاسفنجي ، ودشدادشك المتهرئة البالية، مبتعدا قدر ما تستطيع، خائفا، قلقا، عن جدار سجنك الإسمنتي القاسي؟
 فتلمع في مخيلتك فكرة تضيء كالبرق الخاطف : 
وهل أولى من "باب المراد" باب تفتح ذراعيها لك في يوم حزنك وحزنها، تواسيها وتواسيك، وتعزيها وتعزيك بذكرى استشهاد إمامك صاحب السجدة الطويلة وراهب الطوامير موسى بن جعفر (ع) ؟ 
فإلى باب الحوائج إذاً هلمّ السير ، وأشعل الخطى، شوقا، ولهفة، وهياما، وولهاً، وحبا. ولكن ماذا ستطلب من باب الحوائج إذا وقفت ببابه ؟ 
ماذا ستقول بين يديه المقيديتين بأصفاد الحديد ؟
هل ستنعى له شهداء أسرتكم الابرياء ؟ 
هل ستقص عليه مواجع نسائكم الثاكلات؟ 
هل ستستعيد له شهقات يتاماكم الصاعدات ؟
هل ستشكو له ظلمة أيامكم الحالكات ؟
 هل ستقص عليه عذابات لياليكم الموجعات؟
 هل.. وهل.. وهل.. وهل ؟ نعم
نعم بكل تأكيد.
وهل هناك غير هذه وتلك تقال في مثل هذا الموقف ؟
 ............ 
من خلال توالد الأسئلة وتكثرها كانت هذه القصيدة:

 (على باب المراد)

 عَلَى (بَابِ المُرادِ) أَنا المُريدُ
 نَسِيْتُ ــ لِفَرْطِ حُبِّيَ،ـ مَا أُرِيدُ

 تَوَلَّهَني الهُيامُ الحُلْوُ حَتَّى 
لَمَاد بيَ الهُيامُ بِمَا يَمِيدُ 

فَما عَادَتْ كُؤوسِيْ مِنْ هَواكُمْ تُرَوِّينيْ..؟، أَزِيدُ وَأَسْتَزِيدُ

 دَنَوْتُ، وَقَبْلَ يَوْمِي بَينَ ثَغْرِيْ وَلَثْمِ (مَزَارِ) مَنْ أَهْواهُ بِيْدُ

 عَلَى (بَابِ المُرادِ) نَسْيتُ جُرحِيْ
 وَتَسْهِيدِيْ، وَمَا وَسَمَ الحديد

 نَسِيْتُ الحَالِكاتِ مِنَ اللَّياليْ وَمَا اقْتَرفَتْهُ عَادِيَةً ثمود

 عَلَى (بَابِ المُرادِ) غَسَلْتُ جُرحِيْ
 فَغَارَتْ مِنْ شَذا جُرحِيْ الوُرُودُ

 نَسِيتُ لِفَرْطِ حُبِّيَ مَا أُعَانِيْ وَأَنْسَتْنيْ المَحَبَّةُ مَا أُرِيدُ 

وَهَلْ إِلاَّ المحبَّةَ مَا أُرِيدُ..؟ 
وَإِلاَّ لَذْعَها يَهْوَى العَمِيدُ..؟

 سجن أبي غريب / صدام 25/رجب/1411 هـ 10/2/1991 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=142710
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 03 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29