• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فتح ملف تأهيل الصناعة المحلية بسوريا .
                          • الكاتب : قاسم خشان الركابي .

فتح ملف تأهيل الصناعة المحلية بسوريا

البداية
لدى العديد من جيران العراق والدول الغربية دوافع قوية لتدعيم الأمن والتنمية في البلاد. بذلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكثير من الأموال، وينبغي لهم مواصلة السعي نحو علاقة أوثق. وفي خضم ذلك تتنافس الدول المجاورة للعراق على اكتساب الحظوة والنفوذ فيه، وتدفع كل منها باتجاه علاقات ثنائية قوية. فلطالما كان العراق أحد مراكز القوة في الشرق الأوسط.
على مر التاريخ، جمعت الجمهوريه العربيه السوريه والعراق علاقات معقدة، شهدت منعطفات سياسية واقتصادية عديدة. وفي السنوات التي سبقت اندلاع الحرب على السورية،
كان البلدان قد طبعا علاقتهما السياسية، وبذلا محاولات حثيثة لرفع التبادل التجاري وزيادة الترابط الاقتصادي بينهما. ووصولا إلى 2010، كان العراق قد أصبح أكبر وجهة تصدير (مكونة من دولة واحدة) لسوريا، فقد استحوذ العراق على 2.3 مليار دولار من إجمالي الصادرات السورية البالغة 12.3 مليار دولار. يمم العراق شطره نحو سوريا طلبا لمجموعة من السلع المهمة، شملت المياه والمنتجات الزراعية مثل السكر والحبوب، إضافة إلى العديد من السلع الأساسية. وعلاوة على ذلك، استورد العراق أصنافا أكثر تنوعا بكثير من الأغذية والمياه، بدءا بمواد التنظيف مرورا بالمواد البلاستيكية والمنسوجات.
فرضت الحرب على السورية والعقوبات التي ترتبت عليها على العراق إيجاد شركاء تجاريين جدد وتوطيد العلاقة معهم للحصول على ما يحتاج إليه من سلع. فقد تقلصت واردات العراق من مواد التنظيف السورية التي بلغت 278 مليون دولار في 2010 إلى مبلغ لا يكاد يُذكر في 2016. إضافة إلى تأثر الصادرات العراقية سلبا جراء الحرب. ففي عام 2008، لم يكن العراق يصدر سوى القليل من المنتجات النفطية إلى الدول الأخرى، في حين صدر إلى سوريا نحو 387 مليون دولار من النفط المكرر، ما جعل الأخيرة أكبر مستهلك للنفط العراقي. لا يزال النفط يُشكّل الجزء الأكبر من صادرات العراق، ولكن لا يصل سوريا أيٌّ منه تقريبا في الوقت الحالي.
 
واجه العراق منذ 2011 مجموعة من العوامل أعاقت التقدم الاقتصادي، سواء كانت الصراع السوري المجاور، أو العقوبات التي حظرت عليه التجارة مع دول مجاورة، أو صعود داعش على أراضيه. حتى دون هذه العوامل المعقدة، كان النمو الاقتصادي في العراق عسيرا بكل الأحوال، لكن وجودها فاقم من سوء الأوضاع. على الرغم من ذلك، لم تختف أسباب التفاؤل تماما، فمن المتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 بمقدار 1.5%. ويبدو أن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تراجع إلى أدنى مستوى له، بعد أن انخفض من 4.1 مليار دولار في 2014 إلى 1.8 مليار دولار في 2017، بدأ يعاود الارتفاع مجددا. إضافة إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في ديسمبر/كانون الأول 2017 أن "قواتنا سيطرت بشكل كامل على الحدود السورية العراقية، ومن هنا نعلن انتهاء الحرب ضد داعش"، ما يمهّد الطريق أمام ترميم البنية التحتية للبلاد.
تُعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وثالث أكبر دولة مصدِّرة للنفط في العالم، كما تحتل المركز الخامس في قائمة أكبر احتياطي للنفط في العالم
من الناحية الأمنية، لا يمكن التهوين من الأثر المدمر للحرب على سوريا وتاثيرها على العراق. فقد استغل تنظيم الدولة الاضطرابات في سوريا لإعادة تنظيم قواته التي دُمِّرت سابقا، وشنَّ هجوما عسكريا ضخما على الأجزاء الغربية والشمالية من العراق، وبسط سيطرته على مساحات شاسعة من البلاد، شملت ثاني أكبر المدن العراقية، الموصل. وقد أدى تدهور الوضع الأمني إلى تناقص حاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودمار كبير حل بالبنى التحتية المهمة، وإغلاق الحدود.
عصفت بالاقتصاد العراقي رياح الحرب على سوريا وشهد نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وإجمالي الناتج المحلي للفرد، تراجعا منذ عام 2014 وحتى 2016. لكن سير الأمور تبدل بداية من عام 2017، ويرجع السبب في ذلك إلى تزايد الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، إضافة إلى مشاريع إعادة إعمار البنى التحتية. يوجد مجال واسع أمام المزيد من النمو في العراق، ولكنه مشروط بنجاح العراق في جذب المستثمرين. ففي عام 2017، نشرت هيئة الاستثمار الوطني قائمة بـ 157 مشروعا أساسيا لإعادة الإعمار والتنمية، شملت قطاعات النقل والصناعة والعقارات وغيرها. تبشر هذه المشاريع بتوسع قطاع الإنشاءات، الذي تقلص بنسبة 40% عام 2016، لو انطلق جزء صغير فقط منها.
 
قدَّر البنك الدولي تكاليف إعادة الإعمار في عراق ما بعد تنظيم الدولة بـ 88 مليار دولار، يحتاج العراق منها إلى 23 مليارا بصورة عاجلة. ولتحقيق هذا الهدف سعى العراق للحصول على تعهدات بمساعدات وقروض واستثمارات تعين على تسديد التكاليف. استضافت الكويت في فبراير/شباط 2018 المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق. ونتج عن المؤتمر حصول العراق على تعهدات بلغ إجماليها 30 مليار دولار، جاء معظمها في شكل تسهيلات ائتمانية واستثمارات. وعلى الرغم من أن التعهدات لا تُماثِل الحصول على نقود فورية، تبقى هذه خطوة أولى إيجابية.
كان العراق، قبل بدء الحرب على سوريا، أكبر وجهة تصدير بالنسبة لسوريا. وعلى الرغم من وجود فترات سابقة شهدت تحسنا هائلا في التجارة بين البلدين، على سبيل المثال قفزت الصادرات السورية إلى العراق بين عامي 2007 و2008 من نحو 642 مليون دولار إلى 2.55 مليار دولار، سيكون من الصعب تحقيق مثل معدل النمو التجاري هذا اليوم. ويرجع سبب ذلك إلى أن العديد من معامل الإنتاج في سوريا قد دُمّرت أو تضررت. 
قوات التحالف الأميركي تسيطر على معبر التنف الحدودي وتغلق طريق دمشق-بغداد السريع، وهو واحد من ثلاثة معابر حدودية رئيسية بين البلدين
ومن ثَم، سيكون انتعاش التجارة بين البلدين معتمدا على قدرة سوريا على إعادة تشغيل قطاع الصناعة المحلية. من المتوقع، في حال نجاحها، أن يعاود العراق الانخراط في سلاسل التوريد تلك. لدى العراق عدد ضخم من السكان، ومساحة جغرافية واسعة (تشمل 605 كيلومتر من الحدود مع سوريا)، وقد استوردت عام 2016 بضائع بقيمة 33 مليار دولار. ستكون أمام سوريا فرصة للاستحواذ على جزء من هذا السوق الضخم. ولكن العلاقة بين البلدين ستتمحور على الأرجح حول التجارة لا الاستثمار.
  
ومع ذلك، لا يخلو طريق استئناف العلاقة التجارية بين البلدين من العقبات. فقوات التحالف الأميركي تسيطر على معبر التنف الحدودي وتغلق طريق دمشق-بغداد السريع، وهو واحد من ثلاثة معابر حدودية رئيسية بين البلدين. وسيستمر نظام الأسد بلا شك في شراء الطاقة من إيران وروسيا، ما سيمنع سوريا من أن تصبح مستهلكا كبيرا للنفط العراقي كما في السابق. أما الحكومة العراقية، فستحاول زيادة فرص الوصول إلى السوق مقابل المزيد من صادرات النفط. لكن من غير المحتمل أن يكلل مسعاها هذا بنجاح كبير.
إضافة إلى ذلك، ستلازم الحكومة العراقية مخاوف من إقامة علاقات تجارية مع المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، وذلك خوفا من تشجيع الأكراد الموجودين على أراضيها، وتقوية التيار الأبدي في المنطقة، الساعي لإقامة دولة كردية. على الرغم من أن الأكراد العراقيين قد يرون في ذلك فرصة ليشد الكرد في البلدين من أزر بعضهم بعضا، عبر توطيد العلاقات التجارية بينهم. 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=141390
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 02 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29