• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : رؤيةٌ مختلفة، اختلافٌ في القراءة!!! .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

رؤيةٌ مختلفة، اختلافٌ في القراءة!!!

عنون مطانيوس ناعسي كتابه: “مات أبي مرّتين”، ليتشكّل الناظر إلى الغلاف بدءًا، مصدومًا. إن مات المرء، كيف يموت مرّةً ثانية…

الصدمةُ التي يُحدثها الكاتب، تسبق عنوان كتابه، وتعود إلى شخصيّة هذا الرجل الذي يفكّر مرّتين، ولكن في الوقت عينه. في تعبيرٍ آخر، يقرأ الحدث تحت شكلين، الأوّل بديهيّ، هو ما تعتقده أنت، والثاني، قراءته الخاصّة التي تصدم، غالبًا إيجابًا وجمالاً… وهذا يعرّف به أديبًا، يصنّفه مبدعًا…

من هنا، دعوني أجرؤ على إدّعاء، أنّ كلّ ما دوّن مطانيوس ناعسي في كتابه ههنا، دوّنه فكرًا مرّتين… وتشكّل صدمةً… يقول في هذا السياق: “أمضيتُ أنا تلك الأعوام كلّها في التساؤلات وتداعياتها، وفي تحصين نفسي بوساطة المطالعة، وتاليًا الكتابة… وهذا في حدّ ذاته قد يكون جنونًا من نوعٍ آخر”.

وأودع المؤلّف كتابه نوعًا أدبيًّا بسيطًا وشائعًا، وفي العرفِ سهلاً يعتمده حديثو العهد بالكتابة: خواطر. ليتجلّى في الأدب الناعسيّ قولَ مألوفٍ بأسلوبٍ غير مألوف… “ما لم يخطر على بال بشر، هو ما أعدّه” مطانيوس ناعسي لقارئيه. تفكيراتٌ من نوعٍ آخر، في نظرةٍ أخرى، نابعةٌ من واقع، مستقاة من طبيعيّة، لكن مقروءة باختلاف… “بجنونٍ” في مكان، يؤدّي إلى نتيجةٍ جدّ صحيحة، لا يمكنكَ إلّا تعجّبٌ من ذاتكَ: كيف لم أراها هكذا؟!

يقول في أبيه الذي مات مرّتين: “عاش من دون أن يعيش، ومات من دون أن يموت… أمّا أبي وأمثاله، ممّن لم يؤذوا أحدًا، ولم يستعملوا عقولهم، فيذهبون إلى أماكن أرفع”… من الجنّة أو جهنّم التي يذهب إليها الناس العاديّون ، “وذلك تبعًا لأفعالهم التي أملتها عليهم عقولهم”. وفي قراءةٍ إسكاتولوجيّة لموت أبيه، بُعدٌ لاهوتيّ نادر استوحاه من واقع أبيه: “على الرغم من ثقتي بعدم حاجتكَ إلى صلاتي لأجلك، بل في حاجتي إلى صلاتكَ من أجلي”. ويعزو ذلك إلى عفاف أبيه وطهره، هو الذي لم “يستعمل عقلاً ليُخطئ”. لكنّ الأسلوب النصيّ المعتمد هو الحوار من جهةٍ واحدة، في صيغة المخاطب، يقودني إلى مسلّمة عقائديّة تؤكّد أنّ الصلاة ههنا لقاءُ الابن (المؤلّف) بأبيه، عبر الأثير، في شركة الحياة المستمرّة…

في الكتاب، أقصوصات من نسْج خيال، مرتبطة وثيقًا بواقع الإنسان، أراد الكاتب من خلالها أن يعكسَ صورة ذاته وقناعاته. في بعضها هو البطل، الشخصيّة الرئيسة. وفي الأخرى، وضع “معتقداته” في شخصيّاتٍ أوجدها، خدمةَ مرسَلةٍ يوجّهها. مرسَلةٌ ليست إلّا إنسانيّةً. بل هي الإنسانيّة بامتياز.

ومن تجرُباته في مقاربةِ الحياةِ وأشيائها، مطعّمةً بخبرته الشخصيّة ومبادئَ سار وفقَها، طالعَنا بفصلين من ومضات، تؤسّس لنهجٍ، لو سار امرؤٌ وفقها، لتحاشى المُنكرات وارتقى… ومضاتٌ من اختباراته الشخصيّة، أطلقها كما يراها، ولا يفرضها البتّة. قال: “أعتقد أنّ”، و “خطر لي”. قد توافقه في بعضها، فتمتثل، وتخالفه بأخرى، فتُعرض. لكن في الحالتين، تُكبر ما جاء من محبّته، فيضًا وضعه في التصرّف…

مطانيوس الحبيب، من يعاشركَ يعرف أيَّ معجن إنسانٍ قدّكَ. ويتبيّن كم كتابُكَ هو أنت… لا يشبهكَ، بل يهديكَ كما أنت للقارئ.

لستُ في هذه العجالة أنصح بقراءتكَ، لكنّي أطرح نفسي مثالاً لمن يفعل. قرأتُكَ بحبّ، وأحببت. عبّرتُ في سطوري هذه عن إعجابات، لا في معرض مدحكَ، ولكن، تبنّيًا لمواقفَ وجدتُها، تتّفق مع معتقداتي الإنسانيّة. وقراءتُكَ المختلفة لأحداثكَ، دعوةٌ لي لأجل اختلافٍ في الرؤية أحتاجها، فأسمو، وأطال رفعةً تهديني صفةَ إنسان…!!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=140431
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16