• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين العاقل والمجنون  .
                          • الكاتب : علاء تكليف العوادي .

بين العاقل والمجنون 

إن الحديث عن نقيضين بكل ما للكلمة من معنى حديث طويل حيث ان لكل منهما سلوكياته ومنهجه في الحياة، منبعه اسباب عديدة منها الادراك، وعدمه، الرشد وعدمه، تحديد المصلحة وعدم القدرة على تحديدها، فلكل منهما أدوات في تحديد سلوكيات حياته، سواء كان الوصول لها بالاختيار أم عدمه، فالعاقل يدرك ويميّز المصالح، والمفاسد، ومن خلال الادراك والرشد يصل إلى المبتغى، ولكن المجنون، ما يوصله إلى مبتغاه أمر أخر، لكونه فاقد لأدوات العاقل فهو لا يميّز المصلحة، ولا يدرك الاشياء، بل تسيره اللحظة، وتحركه العاطفة، التي لا ادراكات فيها، فالعقل تتبعه الحكمة، والحكمة يصل لها من استثمر مدركاته، وشَخَصَ المصلحة من العدم، فهذان الصنفان يمكن فهمهما والتعامل معهما كل بحسب مبادئه وإدراكاته.
لكن ما يحيّر العقل ويعجر من الوصول اليه هو من كان بين هذين الصنفين فلا هو عاقل فتحاكمه بعقله، ولا هو مجنون فتحاكم بجنونه بل هو شخص كروي الشخصية يتدحرج مع المتغيرات التي تحيطه، يرى نفسه بانه حكيم مدرك للمصالح مشخص للمفاسد، لكنه بالحقيقة هو من المجنون أقرب منه إلى العاقل، فإن العاقل أنما يستمع مقالات الحكماء، إذ من الحكمة أن لا يرى الحكيم نفسه أعلى مرتبة من غيره، لان الحكمة تستدعي قبول النقد، والنصح، والتصحيح للمسارات التي ينتهجها الشخص، بل العاقل الحيكم يستشعر في نفسه ضرورة قبول الراي الاخر، فمع جهل هذا الطرف الثالث يصعب التعامل مع حيثيات تحركاته، إذ تراه يبيت برأي، ويصبح بأخر، فكلما رميت له من الحكم كرات العقلانية، وتخيلته أدرك أهدافه، انحرفت بوصلة سلوكياته، فذهب جهد دعوتك له للوقوف على سلم الحكمة هباءً، ولم تعد دعواتك تجدي نفعاً.
هذا هو حال ما تعرضت له حكمة المرجعية العليا وعلى طوال ستة عشر عام من ابداء النصح، وتصحيح حركة البوصلة إلى جادة الصواب، لكن هذا المتغافل يحرفها بجهله مستشعراً علوا قدره الذي يؤدي به إلى الشعور بانه الحكيم الاوحد، فغيره لا يصلون لحكمته، فعاثوا في الارض فساداً، حتى أعمت عيونهم جهالة فكرهم المتدني، إلى أن أدت سلوكياتهم الرعناء بالمرجعية أن تصرخ بح صوتي، ولم يكترث مدعي الحكمة لندائها، إذ بعثت رسائل عدة فهمها الصغير قبل الكبير أغلقت الابواب بوجههم ولم تستقبلهم، قاطعت الحديث عن السياسة في خطبتها يوم الجمعة حيث قالت: "الحديث لم يجدي نفعاً"، وهذا لم يحرك شعور الاحزاب المتكالبة على الامتيازات، ثم نهضة من جديد حين أجتاح العدواني الداعشي المجرم ثلث أرض العراق باطشاً بأهله اشد انواع البطش، دعمت المقاتلين والمتطوعين، لكنها بحنكتها لم تمدح الحكومة يوماً، بل بقيت على مبدأها من عدم استقبال رجالاتها، وحتى بيان النصر كانت التهنئة منها لأصحاب النصر الحقيقيين، الذين شخصتهم بصفاتهم من كومهم المتطوعين، والمقاتلين والعشائر الغيورة على العراق وشعبه ومقدساته، فلم يكن للسلطة ورجالها نصيب من المدح والثناء، فتلك حكمة الحكماء، ثم دعمت جهود التغير وساندة انتفاضة الشعب في تحرير بغداد وساحة صدرين النجف واحرار كربلاء وفي البصرة الفيحاء والناصرية الحبوبي، وسماوة الغدير، وديوانية الساعة، وعمارة الشهداء، وجسر ثورة بابل ، وكوت العامل، في سوح التظاهر –عذراً إن خانتني الذاكرة لمنطقة أو محافظة من محافظات التغير- مؤكدة على سلمية الحراك منددة باغتيال النشطاء، وقتل المتظاهرين، وقوى الامن، داعية لحفظ المال العام، والخاص، بإرشادات حكيمة، لأنها تدرك ان العدو يريد جر هذه النهضة الاصلاحية إلى غير المبتغى المعهود منها، فقالت: ابقوا على سلميتكم ولا تسمحوا للمخربين والمندسين الدخول بين صفوفكم، لكن وللأسف الشديد البعض لم يسغ له هذا الخطاب، فعمل على عكس ما نهت عنه المرجعية، فجريمة السنك والوثبة في بغداد، ونكسة العمارة، والناصرية، لم تغب عن الساحة، بل كانت اليد الخبيثة وراءها، ولكن مع كل ما جرى ويجري، الجاهل مدعي الحكم، الذي هو لم يكن من صنف المجانين ولا من اهل العقل، تشبث برأيه وجر العراق إلى منزلق خطير، وأخره التدهور الامني في كربلاء الحسين عليه السلام اكبر شاهد على تعنتهم، فما كان من المرجعية العليا إلا ان تعلن قبل حلول يوم الجمعة أنها لم تتطرق في خطبتها إلى الجانب السياسي، في رسالة صريحة إلى ان الاحزاب لم تكن يوماً تشعر بمعانات الشعب، وخطورة الوضع الذي يحيط بالبلد، واتضح أن كل تلك البيانات التي كانت تتلوها الأحزاب بعد كل خطبة من خطب الجمعة، لم تكن إلا مجرد حجة تستميل بها الجماهير لصفها، فامتناعها عن التطرق للجانب السياسي رسالة حكيم إلى مدعي الحكمة أنك واهم، وخصوصاً ما اوردته في خطبتها اليوم مع عموميتها إلا أنها ابلغ رسالة لأولي الالباب، حيث قالت: أن "أهل الحكمة يميزون بالتجربة، وليس من انصاف نفسي أني لا اسمع أهل العقل والحكمة.. تماما كما اختار لنفسي الطعام الجيد، يجب أن اسعى لسماع الفكرة الجيدة".
وختمت بالقول، إن "الانسان يكون سعيداً إذا استمع لأهل الحكمة".
لكن من ليس له لب لا يفهم ولا يعي




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=140338
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20