• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  النسيان هل هو نعمة أو نقمة. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

 النسيان هل هو نعمة أو نقمة.

(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما). (1)

💠 في علم النفس ، فإن النسيان مرضٌ يُصيب الذاكرة فتعجز عن استرجاع الذكريات. ومنهُ نسيان تراكمي وآخر مرضي، وهو اضطراب شديد في الحياة العقلية يُسببهُ القلق أو الصراع النفسي الداخلي. وفي قواميس اللغة فإنها تقرن بين النسيان والغفلة : (لقد كنت في غفلة عن هذا). (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا). والحديث الشريف يقول : (رُفع عن أمتي ثلاث : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). (2)

💠 ومن نعم الله علينا أنه تعالى جعل النسيان عذر للإنسان قد يُغفر له بسببه. ولكن القوانين الوضعية لا تعذر الانسان إذا تذرع بالنسيان.
صحيح أنه لولا النسيان لهلك الإنسان ، ولكن لربما بسبب النسيان يهلك الإنسان. فما هو الفرق بينهما.

💠 في المعنى الأول عن الامام علي عليه السلام يقول (لولا النسيان لهلك الإنسان) . أي لولا نسيان الإنسان لذنوبه التي اجترحها طيلة حياته لهلك من التفكر بها ، فلو كانت هذه الذنوب ماثلة امام عينيه ليل نهار تقضّ مضجعهُ تقلق راحته تُنغّص عليه حياته لما عاش لأن ذلك تترتب عليه امراض نفسيه تشل حركة البدن وتقعد به عن الابداع والسعي والبناء.

💠 وفي المعنى الثاني : بسبب النسيان يهلك الإنسان . أي نسيانه لنعم الله عليه وما هو فيه من صحة وعقل ومشاعر واحاسيس اجتماعية وكذلك نسيانه ما جاء به الانبياء لمصلحته لتنظيم شؤون حياته فيكون ذلك سببا للتمرد والأمن من العقوبة . وقد اعتبر الله تعالى نسيان الإنسان من هذا النوع موجب للهلاك وذلك في قوله تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا).(3)

💠 القرآن يُبين اساب النسيان ويعزوها للشيطان ولربما هي الاشارة إلى بعض الامراض الخفية والصراعات الداخلية التي تُشغل عقل الانسان عن الالتفات إلى الكثير من الأمور ونسيانها او يكون في غفلة منها. فيقول تعالى : ( فأنساهُ الشيطان). (4) وكذلك قوله : (فإني نسيتُ الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره). (5) وكذلك قوله تعالى : (وإما يُنسينك الشيطان). (6)

💠 وأما العلاج لظاهرة النسيان فهو ذكر الله تعالى : (واذكر ربك إذا نسيت).(7) أما لماذا ذكر الله يرفع النسيان ذلك لأن الله لا ينسى ومن يسيرون في خط الله ويرتبطون به لا ينسون (وما كان ربُك نسيا). (8) ودليل ذلك أن نبينا محمد صلوات الله عليه سار على خط الله فعصمه من النسيان كما قال تعالى : ( سنُقرئك فلا تنسى).(9)

💠 وأما في الأديان الأخرى فإن الكتاب المقدس يوعز سبب قلق الانسان ورعبه الدائم هو بسبب آفة النسيان لما يرتكبه من جرائم بحق الانسانية كما يقول : ((لما توهم المجرمون أنهم يتسلطون على الأمة، وإذ حسبوا أنهم مستترون في خطاياهم الخفية، فرّقَ بينهم ستر النسيان المظلم، وهم في رعب شديد تقلقهم الأخيلة. أصوات قاصفة تدوي من حولهم، وأشباح مكفهرة تتراءى أمام وجوههم الكاسفة(. (10)

💠 ولعل اجمل شيء في هذا الدنيا هو (العلم) ومع ذلك فإن أخطر الأمراض التي تُصيبه هو النسيان وقديما قيل : (آفة العلم النسيان).

💠 وقد تعذّر الله لنا بأجمل الأعذار فقال : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ... ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا).

🔺️ المصادر:
1- سورة طه آية : 115.
2- ابن حزم الاندلسي، المحلى: ج5 ص: 193 .
3- سورة الأنعام آية: 44 ، 45.
4- سورة يوسف آية : 42.
5- سورة الكهف آية : 63.
6- سورة الانعام آية : 68.
7- سورة الكهف آية : 24.
8- سورة مريم آية : 64.
9- سورة الأعلى آية : 6.
10- سفر الحكمة 17: 3.
🔺️ في مجال العلم عندما ينسى الانسان اخلاقة وعقيدته فإن امور الخير تنقلب إلى شر على يديه. فبدلا من أن يحث الناس على الالتزام الخلقي يعمد إلى وضع النظريات الهدامة للاخلاق مثل نظرية فرويد وغيرها من نظريات مادية تحط بالانسان إلى مهوى البهيمية. وفي مجال الصناعات نراه يقف وراء كل اسلحة الدمار والابادة الشاملة لكل ماهو حي. وفي مجال السياسة : تآمر وخيانات وانقلابات وتسقيط . وهكذا في مجال الاقتصاد مجاعات وعوز وفقر . السبب هو ما بينه القرآن : (فأنساه الشيطان ذكر ربه). وكذلك قوله : (نسوا الله فنسيهم). ولعل اغرب انواع النسيان هي (أن ينسى الإنسان نفسه).والسبب أنهم (نسوا الله فأنساهم انفسهم). وهؤلاء وصفهم الله بارذل الاوصاف فقال عنهم ( اولئك هم الفاسقون). اما كيف ينسى الإنسان ربه ؟ قال تعالى : (أفرأيت من أتخد إلهه هواه).فقد خلق لنفسه ربا من شهواته ورغباته فاطاحت به في أودية النسيان. فلا يستفيق إلا بعد فوات الأوان. والسبب أن الإنسان عطّل الحواس المدركة التي وهبها الله له من اجل ان يكون إنسانا بكل تفاصيل هذه الكلمة فقال تعالى : (لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل). فقلوبهم قست فاصبحت كالحجارة لا تقوم بتفسير الأشياء ، وعيونهم عليها غشاوة لا يُبصرون طريق الحق ، وآذانٌ لا يسمعون بها كلام الله وكلام الخير . فربط الله بين سوء استخدام الحواس والنسيان ثم الوصول إلى مرحلة البهيمة. كما يقول الشاعر :
وكم من الرجال بهيمةٌ ــ في صورة الرجل السميع المبصرِ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=139786
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20