• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : العصا والأصدقاء .
                          • الكاتب : حوا بطواش .

العصا والأصدقاء

أسلان هو صبيّ نحيف جدا، بقوام طويل، شعره أشقر اللون، أنفه معقوف بعض الشيء وعيناه بنّيتان ناعستان، يرخي رأسه حياءً ويتمايل جسمه قليلا وهو يخطو نحو غرفة الضيوف الصغيرة التي في بيتنا، والتي قلّما ندخلها نحن الصغار، ثم يجلس على الأرائك الصفراء القديمة وينتظر دخول والدي الى الغرفة.
أبي هو أستاذ في الرياضيات، يعلّم صباحا في المدرسة، وبعد آذان المغرب، يأتي إليه أسلان في بيتنا فيساعده في دروسه. أحيانا يكون أبي منشغلا في الطعام أو في التحدّث مع أمي أو جدي أو جدتي أو في أي أمر آخر، فيتأخّر بضع دقائق حتى يأتي ليعلّمه. ولأن أسلان صبيّ هادئ، غريب وخجول، ونحن بنات صغيرات نحبّ الشغب والضحك والمشاكسة، ندخل عليه في غرفة الضيوف قبل مجيء أبي، نجلس حوله على الأرائك كي "نسلّيه" قليلا ونتسلّى به!
"لماذا تأتي الى خالي؟ ألا تعرف كيف تحلّ وظائفك لوحدك؟" تسأله أميرة ابة عمتي بنبرة لا تخلو من السخرية.
ولا يردّ، بل يحاول الهرب من نظراتنا التي تحاصره، ويشيح بوجهه الى الجهة الأخرى، ونحن نبتسم الى بعضنا البعض ونتبادل الغمزات.
ثم تردّ تانيا جارتنا: "ألا تعرفين لماذا يأتي؟ لأنه كسلان!! أنا رأيته بنفسي في غرفة المدير أكثر من مرّة!"
"هل أنت حقا كسلان؟؟" تسأله أميرة وهي تحدّق فيه متعجّبة، فيطفح وجه أسلان بحمرة قانية.
ثم تستطرد أميرة: "ما هذا المعطف الكبير المنتفخ الذي تلبسه؟ وما هذه القبعة الغريبة التي على رأسك؟ دعني أضعها قليلا على رأسي."
ننفطر من الضحك لكلام ابنة عمتي ونحن نتأمّل الصبيّ المسكين الذي لا يردّ، بل يجلس ويرخي رأسه خجلا، ويغلي بداخله!! حتى يدخل أبي الى الغرفة فننسحب من هناك بكل هدوء، كأنّ شيئا لم يكن، وابتساماتنا الشقيّة ترفرف على شفاهنا، ويغلق أبي الباب عليهما.
نحن نعرف أن أسلان لا يستطيع التفوّه بكلمة واحدة أمام مشاكساتنا لأنّه في بيتنا، ولكنه يرانا أحيانا نلعب في الحارة، ويرى أميرة وتانيا في المدرسة، فيردّ عليهما مشاكساتهما، يتحدّاهما، ويُسمعهما كلاما بذيئا، وحتى أنه يهدّدهما! أما أنا فلأنني أصغر منهما ولا أزعجه بالكلام، بل أجلس معهم فقط وأضحك بالخفاء، فهو لا ينزعج مني ولا يقول شيئا. حتى أنه أعطاني قطعة من الشوكولاطة مرةً، حين كان يمرّ من حارتنا هو وصديقه، إذ قال عني: "إنها طيبة وليست مثلهما (أي تانيا وأميرة)." وأنا غُمرت بالفرح أمام دهشة وذهول صديقاتي في الحارة، وشعرت بالفخر والإعتزاز لأنه يراني طيّبة دون غيري، وأحسست أننا أصدقاء.
ثم يعود الى بيتنا. وأنا أنتظر مجيئه على أحرّ من جمر. نركض إليه، الى غرفة الضيوف، قبل أن يأتي أبي، لنضحك قليلا دون أن يستطيع الردّ!
"أميرة اليوم غاضبة جدا منك. كيف تهدّدها بالضرب أنت وصديقك؟! أتظن أننا نخاف منك أو من صديقك؟ سأخبر أخي رودين إذا ضربتنا. سيقضي عليكما!"
"إهدئي يا تانيا. لا بد أنه كان يمزح فقط. كيف يضربنا؟ نحن أصدقاء ونضحك معه فقط. وأنا لست غاضبة. ولكن... شرط... أن يعطيني قبعته الآن لأراها."
"هيا أعطِها قبعتك، ألا تسمع؟" تهتف به تانيا.
ولكن أسلان لا يردّ، بل يرخي رأسه في استياء بالغ. وفجأة... تنطّ تانيا من مكانها وتأخذ القبعة عن رأسه!
"أعيديها اليّ!" يمتعض أسلان، ولكن بهدوء وتردّد.
"خذي أميرة، هيا خذي القبعة من يدي!"
تقوم أميرة من مكانها بسرعة لتأخذ القبعة ضاحكة، وتبتعد عنه نحو الباب، ثم تضع القبعة على رأسها وتبتسم وتقوم بحركات غريبة فننفجر بالضحك!
"يا لها من قبعة مضحكة! لماذا تضعها على رأسك، هه؟! هل أنت خائف من تبلّل شعرك الأشقر الجميل بالمطر؟ اليوم لا يوجد مطر، يمكنك أن تتركها عندنا. ما رأيك؟ سنعيدها لك غدًا."
"أعطِني إياها الآن!"
"خذها إذن!" تمسك القبعة بيدها وتمدّها له من مكانها، وحين يهمّ أسلان بالقيام، تهرب من الغرفة، تسبقها ضحكتها الرنانة.
تقول له تانيا ساخرة: "لماذا لم تأخذها؟ أيها المسكين! ألا تستطيع استرجاع قبعتك من يدي بنت صغيرة؟! ماذا تستطيع أن تفعل إذن؟"
يعود أسلان الى جلوسه منكسرا، منكس الرأس، ولا يعود الى الكلام. ثم يظهر أبي عند الباب فنخرج بسرعة من الغرفة، وبأعيننا نعده بلقاء جديد في الغد!!
وهكذا استمرّت مناوراتنا ومشاكساتنا على هذا المنوال. وفي أحد الأيام، طلبت مني أمي أن أحضر صندوقا فارغا من بيت أميرة لأن جدي بحاجة إليه. فذهبت الى بيتها سيرا على قدميّ. واقترحت أميرة أن نعود الى بيتي، أي بيت جدّنا، بدرّاجتها. ركبت خلفها على الدرّاجة، أحمل بيدي الصندوق وانطلقنا نحو بيتنا.
فجأة... وبعد أن ابتعدنا قليلا عن بيتها، ظهر أمامنا أسلان وصديقه من أحد الأزقّة بالقرب من الجامع، ومعهما ولد آخر... في يده عصا!
"توقفي، وإلا سأضربك!" قال الولد الذي حمل العصا.
"إبتعدوا عني!" هتفت أميرة وحاولت أن تفلت منهم وتبتعد، ولكن العصا التي مُدّت قبالة رأسها خوّفتها، فتوقفت.
"ماذا تريد؟" صرخت به ساخطة.
"أسلان أخبرني بكل ما فعلتنّ به. كم أنتنّ شقيّات! أين قبعته؟ ولماذا تضايقنه هكذا؟"
"إبتعد عني! لا تلمسني! هيا ابتعد عن طريقي!" صاحت أميرة، وأنا غُمرت بخوف شديد.
"أعيدي لأسلان القبعة وإلا سأضربكِ بالعصا!"
إنطلقت بنا أميرة بالدرّاجة، وفجأة... إعترض الطريق وانقضّ عليها ضربا بالعصا، وانضمّ إليه أسلان وصديقه، وأميرة تحاول السيطرة على الدرّاجة، ولكنها سقطت أرضًا، وسقطتُ معها، وأخذت تصرخ بهم وتبكي. ثم عادت الى الدرّاجة، وأنا من ورائها أمسك بالصندوق بقوة، أناضل كي لا يأخذه أحدهم مني أو أفلته من يدي فتغضب أمي، وفي ذات الوقت أجاهد لتجنّب ضرباتهم، ودموعي من عينيّ تسيل وتبلّل كل وجهي، وقلبي يرتجف خوفا من بطش ضرباتهم التي هبطت على رأسي وظهري ويديّ، وقلبي مجروح أكثر من أيّ جزء آخر في جسدي، ولا أفهم لماذا لم يحسبوا لوجودي ولمشاعري أي حساب وضربوني بالعصا مثل أميرة، رغم أنني لست مثلها ومثل تانيا.

كفر كما
2.1.2012

 


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : ابو الطيب العراقي ، في 2012/02/10 .

ومما قيل شعرا في ذلك على لسان شاعر العرب وفارسها جورج بوش:

اذا لم تكن معنا فأنـــــــت علينا
لاخير في ساكت في العالمينا
من نالنا بلسانه نالته أيـــــــدينا

• (2) - كتب : ابو الطيب العراقي ، في 2012/02/10 .

ان دويلات الخليج التي تجلس متفرجة مع امريكا(اميرة) المشاكة سيكون مصيرها نفس مصيرك ياحوا اذا انفجر غضب ارسلان (ايران)
من جهة اخرى ان الاردن ولبنان وغيرهما من الذين يجلسون متفرجين سوف تصب عليهما اسرائيل (ارسلان) جام غضبها
يبدوا ان المنطقة بأسرها سوف تجرفها موجة غضب (ارسلانية) عاتية من هذا الطرف او ذاك
اخشى ان جورج بوش قالها حكمة (اما معنا او علينا)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13718
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19